- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- 0 تعليق
كثير من الشّباب فتياناً وفتيات يسألون أنفسهم ماذا نملك من الثّروات حتّى نفكِّر في تنميتها والاستفادة منها في شؤون حياتنا المختلفة.
قد يرى البعض أنّه فقير أو مُفلِس لا يملك شيئاً لأنّه لا يفعل ما يريد مثل الكبار .. هذا التصوّر الخاطئ هو الّذي جعل عدداً من الفتيان والفتيات يرون العالَم مُظلمِاً والحياة تعاسة وحرماناً..
تكتب فتاة في السّادسة عشرة من العمر مذكّراتها فتقول:
(لا أستطيع التعبير عن شيء.. أصبحتُ قريبة لفقدان الذاكرة، كثيرة القلق والتفكير، عديمة الثِّقة بنفسي .. أيّ عمل أقدِم عليه أخاف نتائجه وأتردّد في القيام به، دائمة الحزن.. عندما أنظر إلى وجهي في المرآة أجده بشعاً، فأكره نفسي وأتمنّى لو لم اُخلَق).
ويكتب أحد الفتيان فيقول: (كنتُ إذا نظرتُ في المرآة وأنا شاب أسأل نفسي حين أرى خيالي.. هل هذا الّذي يشبهني يمكن أن أحبّه لو انّه خرج من المرآة بقدرة الله وعاش معي؟…).
أحياناً يلقي المراهق مسؤوليّة ما يحصل له على أسرته وخاصّة على والديه؛ لأنّه لا يجد أحداً يلقي اللّوم عليه أفضل منها.
هذه فتاة في الخامسة عشرة من العمر تدخل إلى عيادة أحد الأطباء المعروفين الّذي له مؤلّفات عن الطّفولة والمراهقة.. تدخل هذه الفتاة برفقة أمّها وتطلب من الطّبيب أن تتحدّث إليه وحده، وهكذا يكون..
بدأت الفتاة منذ اللّحظة الاُولى بانتقاد أبويها وإلقاء اللّوم عليهما بأنّهما لا يعطيانها الفرصة ويسخران منها ..
تحدّث الطّبيب الحاذِق مع أمّ الفتاة ليسمع رأيها حول ابنتها، فاستمع إلى كلام مُعاكِس من الأم، فتحقّق من الموضوع ووجد من خلال تجربته وخبرته الطّويلة أنّ هذه الفتاة تخشى من الفشل ومن عدم اعتراف الآخرين بها كبنت راشدة، ويصعب عليها أن تتّهم نفسها، فوجدت الحلّ في أن تهاجم أبويها بمجرّد أن يرفض أبوها أو أمّها لها طلباً.
نحن نحتاج إلى رعاية الأبوين بشكل خاص وإلى إرشاد الكبار بشكل عام، لكنّنا لسنا أطفالاً لكي نعتمد بالكامل عليهم..
الأسرة هي قاعدة الانطلاق، كما ينطلق الرحّالة من مبدأ حركته ومرسى سفينته، أو كما ينطلق المتسلِّق من مقرِّه ومخيّمه في سفح الجبل..
الأسرة هي الملجأ والملاذ أيضاً، نعود إليها في الأوقات التي نحتاج إليها، لا سيمّا في المراحل الصّعبة من الحياة لتمنحنا سكوناً وطمأنينة ..
رغم هذه الحقيقة وهذه الأهمية للأسرة، فإنّنا نستعد في هذه المرحلة من العمر أي في سنّ المراهقة، لتحمّل بعض مسؤوليات الحياة على الأقل، حتّى نتأهّل شيئاً فشيئاً لأن نكون مسؤولين بالكامل عن أنفسنا بل عن أسرة نكوِّنها في المستقبل، أو عن دائرة نعمل فيها، أو عن المجتمع الّذي نعيش فيه.
ويحقّ لنا أن نسأل منذ البداية، وقبل أن نضع خطواتنا في الطّريق إلى عالَم الرّشد، ماذا منحتنا الحياة من ثروات وطاقات وكفاءات حتّى نستثمرها في هذا الطريق؟ ماهي القدرات والاستعدادات التي وهبها الله لنا لنجعلها رأسمالنا في هذه الحياة ونعمل على تنميتها واستثمارها في مراحل العمر كلّها؟ إذن يجب أن نحصي ما لدينا من طاقات وثروات.
أوّلاً: العقل.
هذه الثروة الهائلة وأكبر الكنوز التي نملكها نحن البشر ونتميّز به عن سائر المخلوقات في الأرض.. هذا الدليل المُرشِد الّذي يدلّنا على الطّريق ويرشدنا إلى الخير والصّلاح، والّذي يميِّز لنا الحقّ من الباطل والخير من الشرّ، وهو الّذي يُراقب كلّ خطوة منّا حتّى لا تخرج عن الطريق الصحيح..
ولكن هل يكون العقل ثروة لمن يهمله ولا يستفيد منه ولا يعرف قدره؟
الحكماء يقولون انّ العقل وزير ناصح؛ لأنّ آراء الوزير وإرشادات الوزير تنفع حينما يستوزره الحاكم على مملكته .. فهل نستوزر نحن العقل هذا الوزير الناصح على مملكتنا الشخصيّة؟
ثانياً: الإرادة..
وهي التي نسمِّيها أحياناً الاختبار .. كلّنا مخيّرون وقادرون على القيام بعمل ما أو تركه .. الإرادة عند الانسان تجعله أقدَر من جميع المخلوقات التي نعرفها على فعل ما يريد، أو الامتناع عن أمور يحتاجها، كالنّوم والرّاحة أو الأكل والشّرب، لهدف أكبر وغاية أسمى ..
كثير من العظماء قلّلوا ساعات نومهم وأخذوا من أوقات راحتهم للدراسة والاجتهاد والسّهر مع العلم والمعرفة، حتّى نالوا شهادات عُليا وحصلوا على مواقع مهمّة في المجتمع وظلّ ذكرهم حيّاً بين الناس..
المؤمنون يمتنعون عن الأكل والشرب أثناء الصِّيام ليعبدوا ربّهم وليتعلّموا الصّبر ويواسوا الفقراء، فإذا أصبح الصّبر عادة بالنسبة لهم صاروا يتحمّلون بشكل طبيعي بعض مصاعب الحياة.
إنّ الإرادة والصّبر والاستقامة هي الطريق إلى النجاح في كثير من الأعمال التي يقوم بها الانسان.
ثالثاً: العاطفة والإحساس..
من المؤكّد أنّ العاطفة تقوى عند الشّباب، لا سيمّا عند الفتيات لأنّهنّ أمّهات المستقبل .. وقد نلاحظ في مذكّرات هذه الفتيات ميلهنّ الشّديد إلى البكاء أو تعلّق بعضهنّ الشديد بصديقاتهنّ أو مدرِّساتهنّ..
هذه العاطفة تُعتبر ثروة للإنسان، يتفاعل بها مع الأشياء من حوله، فيحبّ ويكره، ويرضى ويغضب، ويرغب في شيء أو ينفر منه..
فالعاطفة تربط الانسان بالآخرين وتزيد حياته دفئاً بين أحبّائه وأسرته وتحميه من الّلامُبالاة ..
الأحاسيس تنمو هي الأخرى عند المراهق ليصبح مرُهَف الحسّ، شاعري المزاج في تعامله مع الأشياء من حوله، كصور الطّبيعية وأحداث الحياة، ويميل إلى قراءة الشعر والقصّة، ويرغب في ممارسة الرّسم والإنشاد، ويُقبِل في هذه المرحلة على الفنّ إحساساً وتذوّقاً للجمال، أو محاولة في التعبير عنه من خلال لوحة فنِّيّة، أو أبيات من الشِّعر، أو غير ذلك من التعابير..
العاطفة والإحساس كلاهما ثروة مهمّة إذا عرف الإنسان كيف يستثمر هما في حياته.
رابعاً: الخيال ..
وهو ليس كما يتصوّره البعض بأنّه يُبعِد المراهق عن الواقع، أو يجعله يسبح في عالَم آخر، وبالتالي يُجمِّد طاقاته وإمكانيّاته؛ فإنّ الخيال شيء جميل ونافع ويستحقّ الاهتمام، وله دور مهم في حياة الإنسان.
قد يفرّ الإنسان بخياله من الواقع المرّ، ولكن في الغالِب يلجأ الإنسان إلى الخيال وأحلام اليَقظَة وينسج الآمال في تصوّراته لأنّه يريد أن يكون مثاليّاً، وأن يكون ناضجاً وبلا عيوب، وهو يشبه إحساس المُكتَشِف أو الرحّالة الّذي يتصوّر أرض أحلامه في خياله قبل أن يتحرّك لاكتشافها في الواقع..
هذا الخيال نافع جدّاً لهذا المكتشف أو الرحّالة لأنّ له صلة بعالَم الواقع..
الخيال ثروة حقيقية لنا إذا استطعنا أن نربط بينه وبين الحياة بجسور عديدة، فلا نسمح للخيال أن يتغلّب على الواقع فنبقى نسبح في الآمال والأمنيات، ولا نجعل الواقع كذلك يتغلّب على الخيال فتكون طموحاتنا محدودة وضيِّقة .. لِنَترك للخيال الآمال والغايات، ونجعل الواقع يسير بنا نحو تلك الآمال والغايات.
خامساً: الصحّة أو العافية.. ثروة لا تُقدّر بثمن..
جاء في الحديث الشريف أن خمساً من الاُمور يجب اغتنامها قبل خمس: الشّباب قبل الهرم والفراغ قبل الانشغال والقوة قبل الضّعف والصحة قبل المرض..
يكفي أن نفكِّر قليلاً في أهمية هذه الثروة .. ماذا نفعل لو فقدناها فجأة..
كثير من المرضى والمعوّقين يتمنّون أن تكون لهم صحّة كاملة ليعودوا إلى نشاطهم الطبيعي في هذه الحياة…
العافية أو الصحّة ثروة يجب أن نحافظ عليها ونصونها بالغذاء السّليم وبالنظافة، وما يمكن أن نمارسه من الرياضة .. وعلينا أن نهتمّ أيضاً بالجانب الآخر من الصحّة أي نظافة نفوسنا من الأخلاق السيّئة نظافتنا الظاهريّة وكما نقوم بالرياضات البدنيّة.
مع وجود هذه الثروات وغيرها، هل أستطيع أنا الشّاب أن أعتبر نفسي فقيراً أو تعيساً أو محروماً، خاصّة أنّ الثروات ليست محدودة بهذه المواهب التي أشترك بها مع الآخرين، فقد تكون لكلّ فرد منّا موهبته الخاصّة به.. وما عليه إلاّ الاستفادة منها وتنميتها وتقويتها أو اُستثمارها كما يستثمر التاجر رأسماله ليكسب أرباحاً جديدة ويضيف إلى أمواله ثروات أخرى ورأسمال جديد.
فضلاً عن ذلك كلّه، هناك كفاءات أخرى يمكننا أن ندخلها في صميم حياتنا، فتوجد تحوّلا ً كبيراً وتجعلنا قادرين على إنجاز أعمال مهمّة والوصول إلى غايات وأهداف كبيرة .. إنّ هذه الكفاءات نقلة نوعيّة في حياتنا وسيمّا في سنّ المراهقة لتحقيق أشاء لا نتصوّر حدوثها في الحالات العاديّة .. ومنها:
الإبداع:
كفاءة وطاقة واستعداد يكسبه الانسان من خلال تركيز مُنظّم لقدراته العقليّة وإراداته وخياله وتجاربه ومعلوماته.
الإبداع يُعدّ سرّاً من أسرار التفوّق في ميادين الحياة، ويمكِّن صاحبة من كشف سبل جديدة في تغيير العالَم الّذي يحيط بنا والخلاص من الملل والتكرار.
إذا أردنا تحقيق مثل هذه الكفاءة في حياتنا، فلا بدّ أن نضع عدّة لافتات أمامنا، ونتبّع معها طريق الإبداع، هذه الّلافتات هي:
*تقوية الخيال والإحساس.
*تنمية الفكر والثقافة والمعلومات.
*تبسيط الحياة وعدم الانشغال كثيراً بهمومها.
*اكتشاف النظام في الأشياء التي لا نجد فيها نظاماً في النظرة الأولى.
*أن نقدِّم الجديد بعد الجديد، وأن نفعل ذلك كلّ يوم.
*أن نحبّ أنفسنا والآخرين وأن يكون حبّنا الأقوى للخالق المُبدِع.
*أن نُصاحب أصدقاء مُبدِعين.
*أن نُطالِع كتباً أو قصصاً أو أشعاراً تدعونا إلى التفكير والإبداع لا إلى التقليد.
الإيمان:
طاقة عظيمة نكتسبها من خلال الاعتقاد الصحيح بخالق الكون والمدبِّر له، ومشاهدة جماله وكماله في الخلائق كلّها صغيرها وكبيرها، وتلمّس رحمته التي وسعت كلّ شيء. ومن خلال عبادته التي تزوِّد النفس بطاقة روحيّة كبيرة تجعل الانسان أقوى وأكثر توازناً عند الشّدائد.
الإيمان ثروة ينالها الشّباب أسهل من غيره لأنّ نفسه الطريّة تتفتّح عليها آفاق الحياة سواء كانت هذه الآفاق مادِّيّة أو روحيّة ومعنويّة.
الهمّة العالية:
ثروة ضخمة وقوّة كبيرة تدفع الانسان إلى غاياته وتبعد عنه اليأس والضّجر والملَل.
يُشير الحديث الشريف إلى أنّ المرء يطير بهمّته كما يطير الطّير بجناحيه .. الانسان بحاجة ماسّة إلى همّة عالية وهو في طريقه إلى الرّشد والنضوج .. الطّريق الّذي يرسم له الغايات في هذه الحياة..
أمّا حصولنا على هذه الثروة الكبيرة فهو ممكن إذا اتّبعنا بعض القواعد في حياتنا:
*نتذكّر دائماً انّنا بشر ونستطيع أن نرقى إلى الكمال الّذي نريده.
*نشدّ عربتنا إلى نجم كما تقول الحكمة؛ أي نكوِّن لأنفسنا قيماً وأهدافاً عُليا نسعى للوصول والارتقاء إليها.
*لنكُن أخلاقيين في التعامل مع الآخرين ولا تحدِّدنا مصالح شخصيّة.
*لنكُن مُبدِعين في كلِّ شيء حتّى في تحديد الأهداف واختيار الأساليب والطّرق التي توصل إليها.
*لنهتمّ بجمال الباطن كما نهتمّ بجمال الظّاهر.
*لنختر أصدقاء من أصحاب الهمم العالية.
ما ذكرناه في هذا الفصل هو أهمّ المواهب التي نملكها نحن الشّباب أو نستطيع أن نكسبها من خلال ما لدينا من طاقات واستعدادات ذاتيّة ومشتركة .. وينبغي أن نؤمن بأنّ الحياة وخالقها يستطيعان منحنا المزيد ثمّ المزيد من المواهب إذا واصلنا الكشف والبحث، فكنوز الحياة ليس لها نفاد (إن تُعِدوّا نعمةَ اللهِ لا تُحصوها).