- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
قال رسول الله (ص) : ( المؤمن كالنحلة إن أكلت أكلت طيبا وإن وضعت وضعت طيبا وإن وقفت على غصن لم تكسره )
الإنسان بفطرته ينزع الى البناء ضمن حركة الموجودات التي تتجه باتجاه البناء في هذا الوجود , والبناء هو فطرة كل الخلق , و لكن قد يحتاج الإنسان السوي الى الهدم في بعض الأحيان , لاباتجاه الهدم وإنما باتجاه البناء , فلا يسمى هدما إلا من باب التجوّز, ولذا فإن البناء والهدم حركتان متضادتان إلا في مورد الهدم من أجل البناء. فالإنسان السّـوي هو الذي يبني , كما جاء في موضع هذ ا التشبيه الرائع الذي شبـّه فيه رسول الله (ص) المؤمن بالنحلة في هذه الحركة البنـّاءة , حيث يتمثـل عقـد الشـّبه في عـدّة وجوه :
أولا
في الحركة النشطة الدؤوبة , حيث تنشط النحلة في بناء بيتها , وتدعيم حياتها بكل ما أتيح لها من إمكانات دونما ملل أو سأم, فكذلك يجب أن يكون المؤمن جادا دؤبا في ميدان العمل والإبداع , يستبق مواقع الخير في كافة مجالات الحياة , دونما ملل أو ضجر أو يأس ۰
ثانيا
النظام والدقة , والتحرك المدروس في عملية التنقل من موقع الى موقع , بإلهام فطريّ حكيم , لإختيار الموقع اللائق والمنسجم مع طبيعتها وتركيبها ونتاجها , فكذلك يجب أن يكون تحرّك الإنسان المؤمن تحركا مدروسا حكيما , على كافة المستويات والأبعاد , منسجما مع المقياس الحقيقي لصوابه وهو مرضاة الله عزوجل ۰
ثالثا
الإنتقال من طيّب الى طيّب , ومن اثر نافع الى أثر نافع , في مجال الأخذ والعطاء , فلا يتوقع من النحلة أن تأخذ سمّا أو تعطي سمّا أو تضع مرارة الحنظل فيما تفرزه , كذلك لايتوقع من الإنسان المؤمن أن يكسب سـيّـئا أو يعطي سـيـّئا
رابعا
التحرّك دائما باتجاه البناء لا التخريب والهدم , كما جاء في ذيل الحديث الشريف (وإن وقفت على غصن لم تكسره ) , وهكذا فإن الإنسان المؤمن يتجه باتجاه المسيرة الفطرية لمجموعة الأحياء ۰ ولكن تبقى هناك سلوكية هدامة , هي سلوكية يعاني صاحبها من حالة مرضية في أعماق نفسه يعبر عنها بعملية الهدم (الهدم السلبي ) القائم على اساس تصفية وتسقيط الغير, والقضاء على كل الوجودات الخيرة , والعبور على أكتاف الغير الى الأهداف والغايات الخاصة۰ فكم خسرت الأمة على امتداد تأريخها من مواقف ومشاريع , كان بالإمكان أن تؤدّي دورا كبيرا في حياتها , وتنشئ لها قاعدة كبرى على مسرح الحياة الدنيا والآخرة , لولا عملية الهدم والتخريب الأناني , ولولا الحسابات العمياء التي لاتبصر الحياة إلا من خلال الأنا العدواني , الذي يسعى لمصادرة الآخرين وإلغاء دورهم , وحرمان الأمّة من عطائهم وفكرهم , ومن جهودهم وقيمهم , وإن اكثر عوامل التخريب والهدم خطورة وأشـدّها سلبيـّة هي :
أولا: الجهل
وليس معنى الجهل هنا كون الإنسان أميّا لايقرأ ولايكتب , أو لايعرف طريقة العمل , لأن أثر مثـل هذا الجهل مرفوع من ناحية التكليف بحديث الرفع , وإنما المقصود من الجهل هنا , هو التمادي في ارتكاب الخطأ , وتجاهل أثر الفعل. إذ قد يكون الإنسان من اصحاب الشهادات والإختصاصات المرموقة , ولكنه يتجاهل خطورة فعله وسلبية تصرّفه , وذلك عندما يزيّن الشـيطان له سوء عمله فيراه حسنا , كما قال عزوجل : ( وإذا قيل لهم لاتفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون ) البقرة :۱۱ – ۱۲, وقال تعالى : ( قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) الكهف : ۱۰۳ – ۱۰۴ وجاء عن أبي الحسن الرضا (ع) , – جوابا على سؤال علي بن سويد له عن العجب – قال : (العجب درجات , منها أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا , ومنها ان يؤمن العبد بربّه فيمنّ على الله عزوجل ولله عليه فـيه المنــّة )۰
ثانيا : غياب الشعور بالمسؤولية
وذلك نتيجة لغياب الرقابة الذاتية عن واقع النفس , فلو وقف الإنسان بين يدي الله عزوجل وقفة تامل , وعرض نفسه للمحاسبة , لإكتشف الخطر الكبير الذي يكتنفه ليعـّد العـدّة لمواجهته , لذلك جاء في الحديث الشريف ( رأس الحكمة مخافة الله). فإذا غابت مخافة الله عزوجل غاب الشعور بالمسؤولية , وإذا غاب الشعور بالمسؤولية غاب عنصر المحاسبة والمتابعة للأخطاء الخطرة على النفس والمجتمع والرسالة , وبذلك يتحول الإنسان الى إنسان متطاول ومتعدي , وبالتالي مخرب حتى لبنائه وحصنه كما تحدث القرآن عن عاقبة هؤلاء فقال عزوجل : (وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بايديهم وأيدي المؤمين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) الحشر :۲ ۰
ثالثا: الأنانية
وهي رؤية الإنسان نفسه ومصالحه فوق كل الإعتبارات , وإيثار مصلحة الذات على مصلحة الأمة , فقد يمنح الإنسان العلم والثقافة والقدرة على تسنم هرم الحياة , فيصبح عضوا في جمعية أو ناد أو مؤسسة أو حركة إجتماعية او سياسية , فيتحول جهده وذكاؤه وعلمه وثقافته وقدرته على التخطيط والإبداع , الى سلوك أناني وهو خدمة الذات. وإن من اخطر عوامل الهدم والتخريب هو (الأنا ) , إذ ينتهي بالإنسان الى ثلاثة أنماط من السلوك والتعامل مع الغير هي :
أ – الإستبداد بالرأي
وتجاهل آراء الآخرين بعيدا عن الحكمة القائلة : ( من شاور الناس شاركها في عقولها ) , والإستبداد بالرأي نابع عن إيثار النفس على الغير بعيدا عن الأخلاقية الإسلامية العالية , التي تنص على إيثارالآخرين ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) والخصاصة هي الحاجة, فكما أن خصاصة الإنسان وحاجته الى الطعام واستفحال نهمة الجوع , تتصاغرأمام هذه الأخلاقية العالية , فيقدم الإنسان ما لديه لضيفه , فإن نفس الإنسان المؤمن وذاته ورأيه على مافيه من القوّة والجودة , يتصاغرأمام الآخرين وآرائهم. وإن بحكم سيادة هذا الخلق الإسلامي العالي , ستنتهي الأمة الى الراي الأصوب والأجدى في هذا أو في ذاك , أما إذا فقد عنصر الإيثار للآخرين واستبد كل برأيه , فسوف تنحدر الأمة أي انحدار , وتنهار مصالحها كما ينهار البناء إذا جرفته السيول العشوائية۰
ب- النهم السلطوية
والدكتاتورية السياسية أو الإقتصادية , فكما أن الأنانية تتجسد في سلوك الإنسان الأناني بإحتكار الطعام والدواء والسلع, ومصادرة مصالح الأمة في المجال الإقتصادي , فكذلك تتجسد الأنانية على المستوى السياسي , في الإستئثار بالسلطة والمنصب , وعدم فسح المجال أمام الطاقات والإمكانات التي يمتلكها الغير, بل الأكثر من ذلك، ما يفرزه النهم السلطوي من قمع الآخرين , ومصادرة حريّاتهم , والإستحواذ على مقدّراتهم , وعدم الإهتمام بهم , قال رسول الله (ص) : (مـن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهـم). فالسياسة في منطق الدين , هي الرعاية والحب للآخرين , وتوفيرالسلام والحرص على الصالح العام , أما في منطق الذات والأنا , فالسياسة هي احتكار المنصب واحتلال مركز الصدارة لخدمة المصلحة الشخصية , وهذا هو الفرق في كون السياسة والمنصب وسيلة أو غاية, حيث رفضها الإمام أمير المؤمنين (ع) في مضمون قوله: (ما إمرتكم عندي إلا كشع هذا النعل ما لم أقم حقا أو أبطل باطلا ) ۰ كما قدم لنا رسول الله (ص) حكومة الإنقاذ من واقع الذات والضمير الإنساني قبل أن يفكر الناس في حكومة الإنقاذ الوطنية , وقدم لنا (ص) مثالا لخدمة الجماعة والدفاع حتى وإن كلف ذلك الحياة , إنطلاقا من قول الله عزوجل : ( وما لكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ) , فـقال۵: (من رد عـن قـوم عادية ماء أو نار وجبت له الجنة ) ۰
ج- الحسد
وهومن مظاهر السلوك الأناني , فإن الحسود هو الذي لايستطيع أن يرى أحدا ينعـم بالخير, ولايحب لغيره التفوق الفكري أوالإجتماعي أو السياسي ۰ فهو بدلا من أن يقوم بإسلوب المنافسة المشروعة , تراه يدخل في عملية تخريب وهدم لكيان الآخرين , وإسقاط لكل الإعتبارات التي تمت الى بناء شأنهم ۰ بل قد تصل الحالة الى إلغاء الذوات الخيرة من هذا الوجود نهائيا , بهدف الإعاقـة لكل مشروع يصب بإتجاه صالح الأمة , كما أشار القرآن الكريم الى أول جريمة قتل في التأريخ , كان دافعها الحسـد الأناني فقال عزوجل : ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قـربا قربانا فتقبل مـن أحدهـما ولـم يتقـبل مـن الآخر قال لأقـتلنك قال إنـّما يتقـبل الله مـن المتقـين * لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسـط يدي إلـيك لأقـتلك إني أخاف الله ربّ العالمين * إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكـون من اصحاب النار وذلك جزاء الظالمـين * فطـوّعت له نفسه قـتل أخـيه فقتله فأصبح من الخاسرين ) المائدة : ۲۷-۳۰ ۰ وهكذا يمكن للذات الإنسانية أن تنتكس في الحضيض البهيمي المذموم , كما يمكن لها أن ترتفع الى قمة الخلود الممجّد على مرّالتأريخ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.