- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
جاء الزواج في الإسلام كأسمى نظامٍ وتشريع يحفظ للإنسان كرامته ، ويصونه ويميِّزه عن سائر المخلوقات الأخرى .
ولقد دعا الإسلام الحنيف في هذا النظام الذي تقوم عليه الأسرة الرجل المقبل على الزواج ، أن يقدِّم لزوجته صداقاً بعنوان مِنْحة ، تقديراً وتعبيراً عن الرغبة في تكوين الرباط المقدس .
ولو أن الناس التزموا بآداب وتوجيهات أهل بيت النبوة ( عليهم السلام ) في الزواج ، لما كانت هناك عُنُوسة متزايدة ، ولما كان هناك شباب منحل ، وانحراف عن آداب الإسلام وتعاليمه .
وكذلك ما تفكَّكت الأُسَر ، وتضعضعَتْ أركانُها ، وضعفت أُسُسُها إلى هذا الحد المؤسف ، الذي بات يُنذر بالعواقب الوخيمة ، ويهدِّد مصير الأسر المسلمة .
تَحَدِّيان خطيران :
إن التقدم التكنولوجي والحضاري الذي غيَّر أساليب المعيشة في أكثر البقاع في العالم ، وجعل الوسائل الحديثة تزيِّن كل شارع ومدينة ، وتجمِّل كل بيت ومنزل ، حمل معه تحدِّيَين في غاية الخطورة ، و خاصة في المجتمعات الإسلامية :
التحدِّي الأول :
تَعَقُّد الحياة الاجتماعية ، وحصول عدد من المصاعب والعَقَبات في أسلوب حياة الأفراد وعملهم ، مِمَّا أدَّى إلى ازدياد حالات العنوسة ، وإضراب الشباب المسلم عن الزواج ، أو تأخيره إلى سنوات طويلة .
التحدي الثاني :
المفاسد الاجتماعية ، وظاهرة التحلُّل الأخلاقي ، والتي تتصاعد يوماً بعد آخر ، وأصبحت تهدِّد مستقبل الأُسَر المسلمة وتماسُكِها المعهود .
الزواج وتحقيق المصالح الاجتماعية :
الزواج في الإسلام استجابةً للفطرة الإنسانية ، حيث يحمل المسلم في نفسه أمانة المسؤولية الكبرى تجاه من له في عنقه حق التربية والرعاية .
ولا بُدَّ قبل التعرض إلى نقطة الهدف التي ننشدها في هذا الموضوع ، وهي ضرورة عدم تأخير الزواج بإزالة كل الأسباب والعقبات التي تقف أمامه ، وذلك بتوضيح ما للزواج من فوائد عامّة ، ومصالح اجتماعية .
ونذكر أبرز تلك الفوائد والمصالح فيما يلي :
الأولى : الحفاظ على النوع الإنساني ، إذ به يتكاثر ويستمر النسل الإنساني إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
الثانية : المحافظة على الأنساب .
الثالثة : سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي ، حيث لا يخفى على كل ذي لُبٍّ وإدراك ، أنَّ غريزة الجنس حين تُشبع بالزواج المشروع ، يتحلَّى أفراد المجتمع بأفضل الآداب ، وأحسن الأخلاق ، وأفضل ما يبيِّن هذا الأمر حَثُّ الرسولِ ( صلى الله عليه وآله ) الشباب على الزواج في العديد من الأحاديث الشريفة .
الرابعة : سلامة المجتمع من الأمراض ، إذ أنَّ الزواج الشرعي يبعد الشباب عن الوقوع في الزنا ، ويَحُول دون شيوع الفاحشة ، وهذا من شأنه أن يكون سبباً إلى أمراض شَتَّى ، منها مرض الزهري ، وداء السيلان ، ومرض الإيدز الخطير .
الخامسة : في الزواج سكن روحي ونفسي ، به تنمو روح الموَدَّة والرحمة ، وينسى الزوج ما يكابده من عناءٍ في نهاره حين يجتمع بأفراد أسرته ، وهُم بالمقابل يَحِنُّون إليه ويأنسون به ، وصَدَق الله إذ يُصوِّر هذا الوضع بقوله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم ۲۱ .
السادسة : في الزواج تعاون الجنسين في بناء الأسرة ، وتربية الأولاد ، وقد أصبحت ضرورة عدم تأخير الزواج مُلحَّة أكثر من ذي قبل ، وذلك لأسباب عِدَّة ، أهمها :
أولاً : إنقاذ الشاب من الهواجس النفسية والتأملات الجنسية ، التي تسيطر على عقله وتفكيره ، وتقف عائقاً في طريق غايته ، ونشاطه العملي والوظيفي ، بل وحتى الدراسي .
ثانياً : إبعاد الشاب عن الوقوع في حبائل الشيطان التي تروِّج لها المغريات الكثيرة في العصر الحاضر ، كظهور النساء سافرات ، إلى جانب تبرجهن الفَتَّان في كافة الوسائل الإعلامية وغير الإعلامية ، كالمجلات ، وأجهزة التلفزيون ، والقنوات الفضائية ، والإنترنت .
بحيث أصبح الشباب لا يستطيعون درأ أخطارها إلا بتمسكهم بدينهم ، وتملُّكهم لنصف الدين ، مُصداقاً لما ورد في الحديث الشريف : ( الزواجُ نِصف الدين ، فليتَّقِ الله في النصف الأخر ) .
ثالثاً : في عدم تأخير الزواج لحاق الذرية بوالديها قبل شيخوختهما ، التي تحدُّ من نشاطهما ، إن لم نقل عجزهما عن القيام بواجباتهما تجاه أولادهما ، وفي هذا ما فيه من انضمام وتعاون الأولاد إلى تعاون الوالدين من أجل تنشئة الأسرة وحياتها حياة رغيدة .
رابعاً : في الإقبال على الزواج دافع قوي للشباب ، من أجل السعي والبناء وتأمين المتطلبات الأسرية .
مشاكل العنوسة – أي : عدم زواج الفتاة في الوقت المناسب – ومآسيها :
هناك الكثير من الفتيات الناضجات والواعيات المتمسكات بأخلاق الإسلام العظيمة ، ولا ينقصهن الجمال ، أو الأدب ، أو الثقافة ، أو الأسرة الكريمة ، لكنهن يشتكين من شبح العُنوسة ، الذي بات يهدِّد استقرارهُنَّ النفسي ، والاجتماعي ، والإيماني ، ويكدِّر عليهن صَفو الحياة .
وإن تحمَّلت الفتاة متاعبها وآلامها ، ورضيت بقضاء الله وقدره ، وسلَّمت له أمرها ، فإن المجتمع لا يرحم ظروفها ، ولا يقدر آلامها ، حتى أن بعض الأُسَر هي أول من تضغط على فتاتها وتذكرها بمشكلتها في أي حوار أو مشكلة .
وربما دفعت هذه الضغوط النفسية والاجتماعية الكثيرات من هؤلاء الفتيات إلى الانهيار ، والبحث عن حَلٍّ يخرجها من الأزمة ، حتى وإن خالف الأعراف والتقاليد ، وربما دفعتها النظرات والهمسات والكلمات الجارحة إلى محاولة التخلُّص من الحياة بشكل أو بآخر .
والقليلات هُنَّ اللاتي يواجهن الموقف بقدر من التماسك ، والتفكير المنطقي ، واليقين الإيماني ، والقرب من الله تعالى .
ومما لا شَكَّ فيه أن مشكلة العنوسة لها أكثر من بُعد ، أولها : البُعد المادي ، وهذا ناتج عن غلاء المهور ، وارتفاع تكاليف الزواج بصورة كبيرة ، في ظِلِّ مشاكل اقتصادية ، وأزمات واضحة ، تمرُّ بها مجتمعات إسلامية كثيرة .
حيث يجهد الشاب كثيراً في سبيل البحث عن مسكن ، أو تجهيزه ، أو إعداده لِعِشِّ الزوجية ، هذا إذا كان هذا الشاب قد وجد عملاً ثابتاً يوفِّر له حياة مستقرة ، والحل هنا : مسؤولية فردية واجتماعية .
فأما المسؤولية الفردية ، فهي مسؤولية كل أب أو ولي أمر لفتاة في سِنِّ الزواج ، أن يعلم أنَّ : أقلَّهنَّ مَهراً أكثرهُنَّ بَركةً .
وأن يتخلص من العادات والتقاليد التي تصعِّب الحلال ، وتيسِّر الحرام ، وأن ينظر إلى الشخص الذي يتقدم لخطبة ابنته ، نظرة تقدير لشخصه ، وليس لما يملكه من أموال وممتلكات .
أما المسؤولية الاجتماعية ، فهي مسؤولية المجتمع كَكُل ، الذي يجب أن يعينه على إكمال نصف دينه ، وبناء أسرته الجديدة بصورة يسيرة .
إن البعض ينظر إلى غلاء المهور وكثرة الطلبات التي ترهق الشباب ليس من باب الإسلام ، ولكن من باب التفاخر الاجتماعي ، والتباهي أمام المعارف والأصدقاء ، وهذا سلوك غير رشيد ، يتعارض مع دعوة الإسلام إلى اليسر والسهولة .
أما البُعد الاجتماعي في قضية العنوسة ، فلا ريب أن الحياة المعاصرة قد باعدت بين الأسر والعائلات ، وقلَّ التعارف بينها ، خصوصاً تلك العائلات المحافظة على الدين والأخلاق ، والتي لا تخرج بناتها إلا في حدود ضَيِّقة ، وبالتالي يقلُّ التعارف بين أفرادها .
وربما يجد الشاب صعوبة كبيرة في البحث عن شريكة حياته ، والتي يثق في أخلاقها وآدابها ، وبالطبع تزداد هذه المشكلة في المدن عنها في الأرياف والقرى .
وتتفاقم المشكلة أيضاً إذا اشترطت أسرة ما ألا تتزوج بناتها إلا من نفس أسرتها ، وكذلك تزداد المعضلة في حال فقدان الرجال ، أو قِلَّتهم ، وقد رغَّب الإسلام في الزواج من الأباعد والغرباء ، أي أن يسعى الشاب إلى الزواج من أسرة جديدة ليست من عائلته .
والهدف – بالإضافة إلى تحسين النسل والابتعاد عن الأمراض الوراثية – هو التعارف بين الأسر ، وتقوية أواصر المجتمع .
وبالتالي حَلٌّ جزئي لمشكلة العنوسة ، لأنَّ التعارف بين الأسر سوف يكشف من هُنَّ في سِنِّ الزواج .
شَرَّع الله أيضاً إمكانية تعدد الزوجات حتى أربع في عصمة الرجل ، وهذا أيضاً حَلٌّ لمشكلة العنوسة ، ولمشكلة الأرامل والمطلقات .
لكن تقاليد بعض المجتمعات ، تجعل الزواج الثاني جريمة لا تُعدّ لها جريمة ، وللأسف فإن غالبية الزوجات في مجتمعاتنا تكون على أهبة الاستعداد لتدمير حياتها الزوجية إذا شعرَتْ باحتمال إقدام زوجها على الزواج من أخرى ، وربما لو كانت أرملة أو مطلَّقة لفكَّرت بصورة أخرى أكثر عقلانية ، ومتوافقة مع الفطرة .
وهذه النظرة التي ترفض التعدد هي موروث اجتماعي قديم ، ولا بُدَّ أن يتغير شيئاً فشيئاً ، حتى يتوافق مع تعاليم الإسلام ، ونظامه الاجتماعي الفريد .
وهذا التغيير يحتاج إلى جهود عظيمة ، وتوعية كبيرة ، حتى يؤتي أكلَه ، ويثمر عن نتائج طيبة ، متطابقة مع ما ينادي به التشريع الإسلامي منذ البعثة المظفرة .
الأسرة المسلمة والنمط الاجتماعي الغربي :
بدأت الكثير من الأسر المسلمة تتخلى عن نمطها المعهود ، وتغرق في الأسلوب الحياتي المستورد ، غير أنها في تحولها ذاك ، لم تتمكن من تجاوز تلك التقاليد والقيم التي تجذَّرت في وجدانها ، وفي سلوكها التربوي ، رغم المحاولات العديدة المبذولة .
وأيضاً رغم الدعوات المتكررة ، التي تدعو إلى تحديث الأسرة المسلمة على غرار الأسرة الغربية ، وهي – في أغلبها – دعوات ترفض القيم الدينية ، وتحاول – جاهدة – إحلال قِيَم أخرى أفرزتها نظريات التربية الحديثة .
وذلك ضمن نهج متحلل ، مسلح بمختلف الوسائل التي تعمل على اقتلاع الأُسُس الأخلاقية ، الفردية منها والاجتماعية .
إن تلك المحاولات قد وجدت تُربة خَصبة للنمو لدى عِدَّة أُسَر مسلمة ، كمحاولات للتأثر بهذا النمط الجديد للتقدم الاجتماعي ، الذي تحمل شعاراته تيارات مشبوهة تقف – سِرّاً وعَلانية – ضد الأطروحة الإسلامية .
وبين القناعة والتقاليد تعيش الأُسَر المسلمة – كحال المجتمعات الإسلامية – مرحلة حَرِجة من مراحل التطور ، التي تظهر بدائل جديدة تَلقى بعض القبول ، لأنها تُلبِّي حاجات نفسية مريضة ، كما أن هناك تحديات أخرى تواجه الأسرة المسلمة في مختلف المجتمعات الإسلامية ، بإمكاننا ذكر نوعين منها :
الأول :
أن هذا التحدي الذي هو نِتاجٌ لعصرنا الحالي ، ولا يطرح مسألة خروج المرأة إلى العمل من عدمها ، لأن هذه القضية محسومة وليست مَحلّ نقاش الآن .
ولكنه يقف أمام تلك المحاولات التي تريد أن تجعل البيت يفقد قدسيَّتَه ، والأسرة المسلمة تسكن الشارع ، مما ينتج عن ذلك جيلاً مُشوَّهاً ، لا هو أصيل في انتمائه الحضاري ، ولا هو قادر على التكيف مع المدنية الحالية .
والمهم أننا فعلاً نواجه – بشكل عام – تحدياً تفرضه طبيعة الحياة المعاصرة ، والذين يحاولون تجاوزه كأنهم يحاولون تجاوز الحياة نفسها .
الثاني :
أما التحدي الآخر ، فهو نابع من الخارج ، ويمكن توضيحه من خلال مستقبل العلاقات بين الآباء والأبناء ، فمثلاً إن الأطفال الذين يتعلمون لغات أجنبية تجهلها كثير من الأمهات ، ويحسنون التعامل مع الوسائل التقنية الحديثة ، فهم يتعاملون مباشرة ودون وسيط مع إنجازات العصر .
أي : أنهم يشكلون أناساً لعصر جديد ، يختلفون تماماً عن أمَّهاتهم وآبائهم ، وهذا سيدفع إلى الصراع المستقبلي بين الأجيال ، ما لم يتمكن الوالدان من تثقيف أنفسهما ، واستيعاب المنجزات العصرية الجديدة .
والأسرة المسلمة – رغم هذه التحديات – تعيش في بداية القرن الواحد والعشرين على تراكمات ثقافية وحضارية فيها سلبيات كثيرة ، وفيها أيضاً إيجابيات
لكن المؤكد أنها لن تعجز عن المواجهة من أجل البقاء ، رغم أن جميع المُعطَيات الحالية في العالم الإسلامي تشير إلى تفككها وانحلالها ، لكن هناك أيضا مؤشرات تشير إلى عودة الوعي الديني .