- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 7 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث السادس: ارادة الله صفة ذات أم صفة فعل
إنّ إرادة الله من صفات الله الفعلية; لأنّ إرادة الله تعني قصده تعالى للفعل، وهذا القصد لا ينفك عن الفعل.
تبيين فعلية صفة الإرادة :
1- من مقاييس تمييز الصفات الذاتية عن الصفات الفعلية: الصفات الذاتية لا تقع في دائرة النفي والإثبات.
فلا يقال: إنّ الله يعلم ولا يعلم.
ولا يقال: إنّ الله قادر وغير قادر.
ولكن الصفات الفعلية تقع في دائرة النفي والإثبات.
فيقال: إنّ الله يعطي ولا يعطي.
ويقال: إنّ الله يرزق ولا يرزق.
وعلى ضوء هذا المقياس نجد بأنّ الإرادة تقع في دائرة النفي والإثبات، ويقال: إنّ الله يريد كذا ولا يريد كذا.
فيثبت أنّ إرادة الله تعالى من صفات الله الفعلية.
2- من مقاييس تمييز الصفات الذاتية عن الصفات الفعلية: صفات الذات تُنتزع من الذات الإلهية مع قطع النظر عن مخلوقاته تعالى، من قبيل: الحياة، العلم، القدرة.
وصفات الفعل تُنتزع من الأفعال الإلهية، ولا يمكن نسبتها إلى الله إلاّ بعد لحاظ إحدى مخلوقاته تعالى(1)، من قبيل: الخالق، الرازق، المدبّر.
والإرادة ـ في الواقع ـ تنتزع من الأفعال الإلهية.
لأنّ الإرادة تعني “الحدوث بعد العدم” و “الوجود بعد اللاوجود”، وبهذا المعنى يستحيل أن تكون الإرادة وصفاً لذاته تعالى.
فيثبت أنّ الإرادة من صفات الله الفعلية، وليست من صفات الله الذاتية.
الأحاديث الشريفة المبيّنة بأنّ الإرادة من صفات الله الفعلية :
1- قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)؟ “المشيّة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً فليس بموحّد”(2).
2- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): لم يزل الله مريداً؟ فقال(عليه السلام): “إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه، لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد”(3).
3- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “كان الله، وهو لا يريد بلا عدد أكثر مما كان مريداً”(4).
ومن هذا المنطلق قال السيّد عبدالله شبّر: “ورد في جملة من الأخبار عن الأئمة الأطهار(عليهم السلام) الملك الغفّار أنّ إرادته عبارة عن إيجاده وإحداثه، وأنّها من صفات الفعل الحادثة كالخالقية والرازقية ونحوها، لا من صفات الذات بمعنى العلم بالأصلح”(5).
تنبيه : لو كانت الإرادة قديمة ومن الصفات الذاتية، فسيلزم ذلك قدم المرادات، وهو باطل(6).
النتيجة : إنّ الإرادة من صفات الله الفعلية، وهي حادثة.
وما هو من صفات الله الذاتية هو “الاختيار” بمعنى أنّه تعالى غير مضطر ولا مجبور.
المبحث السابع: خصائص ارادة الله تعالى
1 ـ العامل المؤثّر في حدوث الفعل هو القدرة فحسب.
والإرادة لا تؤثّر في حدوث الفعل، وإنّما تؤدّي إلى إعمال القدرة في اتّجاه معيّن، فتنطلق القدرة وتحقّق الفعل المقصود وفق الخصائص المطلوبة(7).
2- لا يكون الله مريداً لشيء بإرادة أخرى، ليحتاج في إرادته إلى إرادة أخرى.
دليل ذلك: أوّلاً: يوجب احتياج الإرادة إلى إرادة أخرى تسلسل الإرادات إلى ما لا نهاية له، وهذا محال، فيثبت أنّ إرادة الله تصدر منه تعالى من دون احتياجها إلى إرادة أخرى(8).
ثانياً: لا يحتاج تحقّق الإرادة إلى وجود إرادة أُخرى لأنّ الإرادة لا تقع على وجوه مختلفة لتحتاج إلى ما يؤثّر في وقوعها على بعض تلك الوجوه(9).
ثالثاً: لا تتحقّق الإرادة لغرض يخصّها، وإنّما تتحقّق والمراد والمقصود شيء آخر، فلا تكون الإرادة مُرادة ليتطلّب تحقّقها إلى إرادة أخرى، وإنّما المقصود هو ذلك الشيء فيحتاج تحقّقه إلى إرادة(10).
المبحث الثامن: حسن وقبح الارادة
1 ـ الإرادة لا تمتلك “الحسن” أو “القبح” الذاتي.
ولا تؤثّر في حسن وقبح الأشياء.
وإنّما تترك الإرادة الأثر في وقوع الشيء على بعض الوجوه.
وهذه الوجوه:
قد تكون حسنة.
وقد تكون قبيحة.
فتتصف الإرادة عن طريق هذه الوجوه بالحسن أو القبح(11).
مثال ذلك: إنّ “الخبر” بذاته فاقد للحسن أو القبح.
وإنّما يكون حسنه وقبحه بالواسطة.
فإذا كان “الخبر” مطابقاً للواقع، كان صدقاً وحسناً.
وإذا كان “الخبر” مخالفاً للواقع، كان كذباً وقبيحاً(12).
2 ـ كلّ “إرادة” تعلّقت بمراد حسن فهي حسنة.
ولكن يشترط في هذا المقام “انتفاء وجوه القبح”; لأنّ “المراد” قد يكون
“حسناً”، وتكون الإرادة قبيحة، من قبيل: إرادة الفعل الحسن ممن لا يطيقه(13).
3 ـ إرادة القبيح قبيحة; لأنّ الذمّ يتعلّق بمريد القبيح كما يتعلّق بفاعله(14).
المبحث التاسع: عدم تعلّق ارادة الله بأفعال العباد القبيحة
قال الشيخ المفيد: “إنّ الله تعالى لا يريد إلاّ ما حسن من الأفعال، ولا يشاء إلاّ الجميل من الأعمال، ولا يريد القبائح، ولا يشاء الفواحش، تعالى الله عمّا يقول المبطلون علوّاً كبيراً”(15).
قال السيّد المرتضى: “إنّ الله تعالى لم يرد شيئاً من المعاصي والقبائح، ولا يجوز أن يريدها ولا يشاءها ولا يرضاها، بل هو تعالى كاره وساخط لها”(16).
قال سديدالدين الحمصي: “ذهب جماهير أهل العدل إلى أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش والمعاصي، ولم يحبّها ولم يرض بها، بل كرهها”(17).
أدلة عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة :
1 ـ نهى الله العباد عن القيام ببعض الأفعال.
وهذا ما يكشف كراهته تعالى لهذه الأفعال.
وليس من المعقول أن يكره الله صدور فعل من العبد، ثمّ تتعلّق إرادته تعالى به.
لأنّ تعلّق الإرادة والكراهة بشيء واحد في آن واحد محال.
فيثبت عدم تعلّق إرادة الله بما نهى العباد عنه وكرهه لهم.
أي: لا تتعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة(18).
2- لو كان الله مريداً لفعل القبائح التي تصدر من العباد، لكان العاصي مطيعاً لله بفعل القبائح; لأنّ العاصي يكون ـ في حالة عصيانه ـ مؤدّياً لما أراده الله، فيكون بذلك مطيعاً لله(19).
3 ـ من مستلزمات الإرادة: الحبّ والرضا.
فلو جاز أن تتعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة، جاز أن يحبّ الله هذه الأفعال القبيحة ويرضى بها.
فلمّا لم يجز أن يحبّ الله هذه الأفعال أو يرضى بها، لم يجز أن تتعلّق إرادته بها(20).
4- إذا كان مرجع الإرادة هو الداعي، فلا شك في أنّه تعالى لا داعي له إلى فعل القبيح، فلا تتعلّق إرادته بالفعل القبيح.
وإذا كان مرجع الإرادة أمراً زائداً على الداعي، فلا يمكن أيضاً نسبة إرادة القبيح إلى الله; لأنّ إرادة القبيح قبيحة، وهي بمنزلة فعل القبيح، والله تعالى منزّه عن ذلك.
وبهذا يثبت أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح التي تصدر من العباد(21).
5- لا يرضى الله أن يُفترى عليه أو يُكذّب أنبياؤه، فكيف يريد ذلك؟! فيثبت أنّ إرادة الله، لا تتعلّق بأفعال العباد القبيحة(22).
6 ـ “إن قالوا: إنّ الذي نريده من الكفّار الإيمان.
قيل لهم: فأيّهما أفضل ما أردتم من الإيمان أو ما أراد الله من الكفر؟
فإن قالوا: ما أراد الله خير مما أردنا من الإيمان.
فقد زعموا أنّ الكفر خير من الإيمان!
وإن قالوا: إنّ ما أردنا من الإيمان خير مما أراده الله من الكفر.
فقد زعموا أنّهم أولى بالخير والفضل من الله!
وكفاهم بذلك خزياً”(23).
وبهذا يثبت عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة.
بعض الآيات القرآنية التي تنزّه الله عن إرادة الفعل القبيح :
1- { شَهِدَ اللهُ أَنّهُ لا إَلهَ إلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُوا العلْمِ قائِماً بِالقِسطِ } [ آل عمران: 18 ]
2- { وَنَضَعُ الْمَوازِينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئاً } [ الأنبياء: 47 ]
3 ـ { إنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيئاً وَلكِنَّ النّاسَ أَنفُسَهم يَظلِمُون } [ يونس: 44 ]
4 ـ { فَما كانَ اللهُ لِيَظْلمَهُم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُم يَظلِمُون } [ التوبة: 70 ]
5 ـ { إنَّ اللهَ لا يَظلمُ مِثقالَ ذَرَّة } [ النساء: 40 ]
6 ـ { ولا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحداً } [ الكهف: 49 ]
7 ـ { وَما رَبُّكَ بِظَلام للعَبيد } [ فصّلت: 46 ]
8 ـ { وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلماً للعالَمينَ } [ آل عمران: 108 ]
المبحث العاشر: كراهة الله لبعض الافعال
معنى الكراهة : الكراهة هي القصد والميل القاطع نحو ترك الفعل.
الداعي إلى الكراهة : العلم باشتمال الفعل أو اشتمال بعض خصائصه على المفسدة.
وهذا العلم هو الصارف عن إيجاد الفعل أو إيجاده وفق تلك الخصائص(24).
أقسام كراهة الله لصدور بعض الأفعال :(25)
1 ـ كراهته تعالى لصدور بعض الأفعال من نفسه.
2 ـ كراهته تعالى لصدور بعض الأفعال من عباده.
تنبيهات :
1- لا يصح أن يكره الله شيئاً من أفعاله; لأنّ كراهته تعالى لأيّ فعل تقتضي قبح ذلك الفعل، والله تعالى منزّه عن فعل القبيح.(26)(27)
2- لا يصح أن يكره الله شيئاً مما أراده من أفعال عباده وأمرهم بها; لأنّ كراهيته تعالى لشيء تستلزم قبح ذلك الشيء، وقد علمنا حسن هذه الأفعال نتيجة أمر الله تعالى بها(28).
3- تتمثّل كراهة الله لبعض أفعال عباده في نهيه إيّاهم عنها، ليتركوها على وجه الاختيار(29).
____________
1- أي: تحكي هذه الصفات عن الأفعال الإلهية وكيفيتها.
2- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 55: باب المشيئة والإرادة، ح 5، ص 329.
3- الكافي، الشيخ الكليني: كتاب التوحيد، باب: الإرادة … ، ح1، ص109.
التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 11، ح 15، ص 141.
4- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 4، ب 4، ح 17، ص 145.
5- حقّ اليقين، عبدالله شبّر: ج 1، كتاب التوحيد، الفصل الثالث، الباب الأوّل، ص 54.
6- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الرابعة، ص 402.
إشراق اللاهوت، عميدالدين العبيدلي: المقصد الثاني عشر، المسألة الثالثة، ص 408.
7- انظر: الملخّص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، ص 347.
8- انظر: مسألة في الإرادة، الشيخ المفيد: 7 ـ 8 .
الملخّص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، ص 347. غنية النزوع، حمزة الحلبي: ج 2، باب الكلام في التوحيد، الفصل الرابع، ص 43.
9- انظر: رسائل الشريف المرتضى: جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة، المسألة السابعة، ص 389.
10- انظر: الملخص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، ص 347. غنية النزوع، حمزة الحلبي: ج 2، باب الكلام في التوحيد، الفصل الرابع، ص 44.
11- انظر: الملخّص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، فصل فيما يؤثّر من الإرادات ولا يؤثّر، ص 348.
12- انظر: المصدر السابق.
13- انظر: المصدر السابق، ص 347.
14- انظر: الملخّص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، ص 386.
رسائل الشريف المرتضى: جوابات المسائل الطبرية، المسألة الثانية، ص 141.
تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، ص 105.
الاقتصاد، الشيخ الطوسي، القسم الثاني، الفصل الأوّل، ص89 .
المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: الرسالة الماتعية، الفصل الثاني، ص 300.
قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث السادس، ص 112.
كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الخامسة، ص 422.
الاعتماد، مقداد السيوري: الركن الثاني: في العدل، ص 76.
15- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في الإرادة والمشيئة، ص 49، 50.
16- رسائل الشريف المرتضى: جوابات المسائل الطبرية، المسألة الثانية، ص 140.
17- المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش، ص 179.
18- انظر: الملخّص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، ص 387.
الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الأوّل، ص 89 .
غنية النزوع، حمزة الحلبي: ج 2، باب الكلام في العدل، ص 76.
المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش، ص 180.
إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، كونه تعالى مريداً للطاعات و…، ص 269.
19- انظر: المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش، ص 180.
كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الخامسة، ص 423.
الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: القسم الأوّل، المسألة السادسة، البحث الثالث، ص 60.
20- انظر: رسائل الشريف المرتضى: ج 2، باب: الكلام في الإرادة وحقيقتها، ص 231.
21- انظر: المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش، ص 179.
22- انظر: رسائل الشريف المرتضى: ج 2، باب: الكلام في الإرادة وحقيقتها، ص 231.
23- رسائل الشريف المرتضى: ج 2، فصل: الإيمان وحقيقة المشيئة، ص 239.
24- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 25 ـ 26.
قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص 88 ـ 89 .
عجالة المعرفة، محمّد بن سعيد الراوندي: مسألة في الإرادة والاختيار، ص 31. الاعتماد، مقداد السيوري: الركن الأوّل، ص 67.
25- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 25.
26- انظر: الملخّص، الشريف المرتضى، الجزء الثالث، ص 385.
تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، ص 103.
27- وإنّما يصح من الإنسان أن يكره بعض أفعاله ليصرف نفسه بذلك عن فعلها، وليوطّن نفسه على أن لا يفعلها، وكلّ ذلك لا يجوز عليه تعالى.
28- انظر: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، ص 104.
29- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 26. الاعتماد، مقداد السيوري: الركن الأوّل، ص 67.
المصدر: التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون