- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
هل أعطى رسول الله فدكا لفاطمة؟ ولماذا أخرج أبو بكر وكيلها منها؟ وهل فاطمة (س) طالبته بها؟ وما كان جوابه لها؟ ولماذا خطبت (س) في مسجد النبي (ص)؟ وأدانت المستولين عليها؟ وما هو رد فاطمة (س) على أبي بكر؟ ثم كشفها النقاب عن خذلانها، وإعلانها مقاطعة الحاكمين وأنها ساخطة عليهم، بحوث نتطرق إليها في هذه المقالة.
أعطاء النبي (ص) فدكا لفاطمة (س)
قال الله تعالى لرسوله: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[1].
نلاحظ أنّ هذه الآية خطاب من الله عزّوجلّ إلى نبيّه محمّد (ص) يأمره أن يؤتي ذا القربى حقّه، فمن هم ذوو القربى؟ وما هو حقّهم؟ وقد اتّفق المفسّرون أن ذوي القربى هم أقرباء الرسول وهم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) فيكون المعنى: أعطِ ذوي قرباك حقّهم.
وجاء عن أبي سعيد الخدري أنّه قال: لمّا نزلت الآية فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ…، دعا رسول الله (ص) فاطمة الزهراء وأعطاها فدكاً[2].
وذكر ابن جرير الطبري في تفسيره أنّ عمر قال: إنّي أُحدّثكم عن هذا الأمر، إنّ الله خصّ نبيّه في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره فقال: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ[3]، فكانت هذه ( يعني: فدكاً) خالصة لرسول الله (ص)[4].
ويستفاد من الروايات التأريخية أنّ فدكاً كانت بيد الزهراء وأنّها كانت تتصرف فيها، ويستدل على أنّ فدكاً كانت بيد آل الرسول من تصريح الإمام عليّ (ع) في كتابه الذي أرسله إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة، «بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء فشحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونِعْم الحَكمُ الله…»[5].
وعبّرت بعض الروايات أنّه: عندما استقرّ الأمر لأبي بكر انتزع فدكاً من فاطمة (س)، ومعنى هذا الكلام أنّ فدكاً كانت في يد فاطمة (س) وتحت تصرّفها من عهد أبيها الرسول (ص) فانتزعها أبو بكر منها.
ونقرأ في رواية قطب الدين الراوندي: فلمّا دخل رسول الله (ص) المدينة ـ بعد استيلائه على فدك ـ دخل على فاطمة (س) فقال: «يا بنية إنّ الله قد أفاء على أبيكِ بفدك واختصّه بها، فهي له خاصة دون المسلمين، أفعل بها ما أشاء وإنّه قد كان لاُمّكِ خديجة على أبيكِ مهر، وإنّ أباكِ قد جعلها لك بذلك، وأنحلها لك ولولدكِ بعدكِ» قال: فدعا بأديم ودعا بعليّ بن أبي طالب وقال له: «اُكتب لفاطمة بفدك نحلة من رسول الله»، وشهد على ذلك عليّ بن أبي طالب (ع) ومولىً لرسول الله واُمّ أيمن[6].
الاستيلاء على فدك وإخراج وكيل فاطمة (س) منها
لمّا توفّي رسول الله (ص) وأمسك أبو بكر بزمام الحكم ومضت عشرة أيام، بعث إلى فدك من يخرج وكيل فاطمة (س) منها.
وروي أنّ الزهراء أرسلت إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله (ص) أم أهله؟ قال: بل أهله، قالت: فما بال سهم رسول الله (ص)؟ قال: إنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: «إنّ الله أطعم نبيّه طعمة» ثم قبضه وجعله للذي يقوم بعده فولّيت أنا بعده أن أردّه إلى المسلمين[7].
وروي عن عائشة أنّ فاطمة (س) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (ص) وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله (ص) بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (ص) قال: لا نورّث، ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمّد من هذا المال. وإني ـ والله ـ لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله (ص) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (ص) ولأعملن فيها بما عمل رسول الله (ص).
فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة (س) منها شيئاً[8].
وعن الإمام جعفر الصادق (ع): «جاءت فاطمة إلى أبي بكر وقالت: لِمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول الله (ص)؟ وأخرجتَ وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله (ص) بأمر الله تعالى؟»
فقال: إن شاء الله إنّك لا تقولين إلاّ حقاً ولكن هاتي على ذلك شهوداً، فجاءت اُم أيمن وقالت له: لا أشهد ـ يا أبا بكر ـ حتى أحتجّ عليك بما قاله رسول الله (ص)، اُنشدك بالله ألست تعلم أنّ رسول الله (ص) قال: «اُم أيمن امرأة من أهل الجنة»؟ فقال: بلى، قالت: فأشهد أنّ الله ـ عزوجل ـ أوصى إلى رسول الله (ص) فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله، وجاء عليّ (ع) فشهد بمثل ذلك، فكتب أبو بكر لها كتاباً ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر: إنّ فاطمة ادّعت فدكاً وشهدت لها اُم أيمن وعليّ فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فتفل فيه ومزّقه، فخرجت فاطمة (س) تبكي.
وروي أنّ الإمام علياً (ع) جاء إلى أبي بكر وهو في المسجد فقال: «يا أبا بكر لِمَ منعت فاطمة ميراثها من رسول الله (ص) وقد ملكته في حياة رسول الله (ص)؟» فقال أبو بكر: هذا فيء المسلمين، فإن أقامت شهوداً أنّ رسول الله (ص) جعله لها، وإلاّ فلا حقّ لها فيه.
فقال أمير المؤمنين (ع): «يا أبا بكر أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟» قال: لا، قال (ع): «فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه، ثم ادّعيت أنا فيه، من تسأل البينة؟» قال: إيّاك أسأل البيّنة، قال (ع): «فما بال فاطمة سألتها البيّنة على ما في يدها وقد ملكته في حياة رسول الله (ص) وبعده، ولم تسأل المسلمين بيّنة على ما ادّعوا شهوداً كما سألتني على ما ادّعيت عليهم؟»… فسكت أبو بكر.
فقال عمر: يا عليّ، دعنا من كلامك، فإنّا لا نقوى على حجّتك، فإن أتيت بشهود عدول، وإلاّ فهو فيء للمسلمين لا حقّ لك ولا لفاطمة فيه.
فقال الإمام علي بن أبي طالب (ع): «يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟» قال: نعم، قال (ع): «أخبرني عن قوله عزوجل: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[9]، فيمن نزلت؟ فينا أو في غيرنا؟» قال: بل فيكم، قال (ع): «فلو أنّ شهوداً شهدوا على فاطمة بنت رسول الله (ص) بفاحشة ما كنت تصنع بها؟»، قال: كنت اُقيم عليها الحدّ كما اُقيم على نساء العالمي!.
قال عليّ (ع): «كنتَ إذن عند الله من الكافرين»، قال: ولِمَ؟ قال (ع): «لأنّك رددت شهادة الله بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدكاً وزعمت أنّها فيء للمسلمين، وقد قال رسول الله (ص): البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر» فدمدم الناس، وأنكر بعضهم بعضاً، وقالوا: صدق والله عليّ[10].
خطبة فاطمة (س) في المسجد النبوي وادانة المستولين على فدك
حينما قرّرت السلطة أن تمنع فاطمة (س) فدكاً وبلغها ذلك قرّرت الإعلان عن مظلوميتها بالذهاب إلى المسجد وإلقاء خطاب مهم في الناس، وسرى الخبر في المدينة أنّ بضعة النبيّ (ص) وريحانته تريد أن تخطب في الناس في مسجد أبيها (ص) وهزّ الخبر أرجاء المدينة واحتشد الناس في المسجد ليسمعوا هذا الخطاب المهم.
وروى لنا عبد الله بن الحسن عن آبائه (ع) صورةً من هذا الخطاب قائلاً: إنّه لمّا أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة (س) فدكاً وبلغها ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسها، واشتملت بِجلبابها، وأقبلتْ في لمّة من حَفَدَتِها ونساء قومها، تَطَأ ذُيولَها، ما تَخْرِمُ مشيَتُها مشْيَةَ رسول الله (ص) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حَشْد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فَنيطَتْ دونها مُلاءة، فجلستْ ثمّ أَنَّتْ أنَّةً أجهش القوم لها بالبكاء، فارتجَّ المجلِسُ، ثمّ أمْهَلَتْ هُنَيْئَةً حتّى إذا سكن نَشيج القوم وَهَدَأَتْ فَوْرَتُهُم، افتتحت الكلام بحمد الله والثّناء عليه والصلاة على رسوله (ص) فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها، إلى نهاية خطبتها (س).
محاولة أبي بكر لتلطيف الجوّ الساخن
وبعد هذا لجأ أبو بكر الى اُسلوب الاستعطاف في محاولة منه لتدارك الموقف فقال: يا بنت رسول الله، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً رؤوفاً رحيماً، على الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباك دون النّساء، وأخا إلفِك دون الأخلاّء آثره على كلّ حميم، وساعده في كلّ أمر جسيم، لا يُحبّكُم إلاّ سعيد، ولا يُبغضكم إلاّ شقيّ بعيد، فأنتم عترة رسول الله الطيّبون، الخيرة المنتجبون، على الخير أدلّتنا، وإلى الجنّة مسالكنا.
وأنت يا خِيَرَةَ النساء وابنة خير الأنبياء صادقةٌ في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقّك، ولا مصدودة عن صِدْقِكِ، والله ما عَدَوْتُ رأْىَ رسول الله (ص) ولا عملتُ إلاّ بإذنِهِ، والرائدُ لا يكذب أهلَه، وإنّي اُشهد الله وكفى به شهيداً أنّي سمعت رسول الله (ص) يقول:
«نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ذهباً ولا فضّةً ولا داراً ولا عقاراً وإنّما نورّث الكتاب والحكمة والعلم والنبوّة، وما كان لنا من طعمة فلولىّ الأمر بَعْدَنا أن يحكم فيه بحكمه».
رّد فاطمة (س) على أبي بكر
فقالت (س): «سبحان الله ما كان أبي رسول الله (ص) عن كتاب الله صادِفاً ولا لأحكامه مخالِفاً! بل كان يتّبع أثره، ويقفو سُوَرَه، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزُور، وهذا بَعدَ وَفاته شبيه بما بُغي له من الغوائل في حَياتِهِ، هذا كتاب الله حَكَماً عَدْلا، وناطِقاً فَصْلا يقول: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ[11] ويقول: وورثَ سُلَيْمانُ داود[12] وبيّن عزّ وجلّ فيما وزّع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظّ الذُكران والإناث ما أزاح به علّة المبطلين، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين، كلاّ بل سوّلتْ لكم اَنْفُسُكُم أمراً فصَبْرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون».
محاولة أبي بكر لإخماد عواطف المسلمين تجاه نصرة فاطمة (س)
فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته، أنت معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجّة، لا أُبعِدُ صَوابَكِ، ولا اُنكِرُخطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلّدوني ما تقلّدت، وباتّفاق منهم أخذت ما أخذت غيرَ مكابِر ولا مستبدّ، ولا مستأثر، وهم بذلك شهود.
وهذه اُولى محاولة لأبي بكر استطاع فيها إخماد عواطف المسلمين وحرف رأيهم عن مناصرة الزهراء (س) من خلال التظاهر باتّباع سنّة النبيّ (ص).
فاطمة (س) تكشف النقاب عن خذلانها
ثُمَّ التفتت فاطمة (س) إلى الناس وقالت: معاشِرَ المسلمين المسرِعَةَ إلى قيلِ الباطلِ، المُغْضِيَةَ على الفعلِ القبيحِ الخاسِر، أفلا تتدبّرونَ القُرْآن أم على قلوب أقفالها؟ كلاّ بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم. فاُخذ بسَمْعِكُم وأبصارِكُم ولبئس ما تَأَوَّلْتُم، وساء ما به أَشَرْتُم، وشرّ ما منهُ اغتَصَبْتُم، لَتَجِدُنَّ واللهِ مَحْمِلَه ثَقيلا، وَغِبَّهُ وَبيلا، إذا كُشِفَ لكُمُ الغِطاءُ وبانَ ما وراءَه الضَرّاءُ، وبَدا لَكُم مِن ربّكم ما لم تكونوا تحتَسبِون «وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ»[13].
ردّ فعل الخليفة على خطاب فاطمة (س)
اضطرب المجلس وتفرّق الناس وارتفعت الضجّة وأصبحت خطبة الزهراء (س) حديث الناس فلجأ أبو بكر إلى التهديد والوعيد.
وروي أنّ أبا بكر لمّا شاهد أثر خطاب الزهراء على الناس قال لعمر: تربت يداك ما كان عليك لو تركتني، فربّما مات الخرق ورتقت الفتق، ألم يكن ذلك بنا أحقّ؟ فقال الرجل: قد كان في ذلك تضعيف سلطانك وتوهين كفتك وما أشفقت إلاّ عليك.
قال: ويلك! فكيف بابنة محمّد، وقد علم الناس ما تدعو إليه وما نحن من الغدر عليه؟ فقال: هل هي إلاّ غمرة انجلت وساعة انقضت؟ وكأنَّ ما قد كان لم يكن. فضرب بيده على كتف عمر وقال: ربّ كربة فرَّجتها يا عمر، ثم نادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر وقال:
أيّها الناس، ما هذه الرعة إلى كلّ قالة؟ أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله؟ ألا من سمع فليقل ومن شهد فليتكلّم، إنّما هو ثعالة شهيده ذَنَبه، مربٍّ لكل فتنة هو الذي يقول: كرّوها جذعة بعد ما هرمت يستعينون بالضعفة ويستنصرون بالنساء، كاُم طحال أحبّ أهلها إليها البغي، ألا إنّي لو أشاء لقلت، ولو قلت لبُحت، وإنّي ساكت ما تُركت.
ثم التفت إلى الأنصار فقال: يا معشر الأنصار قد بلغني مقالة سفهائكم وأحقّ من لزم عهد رسول الله أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إنّي لست باسطاً يداً ولساناً على من لم يستحقّ منّا ذلك، ثم نزل[14].
شكوى فاطمة (س) إلى الإمام علي (ع)
بعد ما أنهت الزهراء كلامها مع القوم بكت عند قبر رسول الله (ص) حتى ابتلّ بدموعها، ثم انكفأت (س) راجعة إلى الدار وأمير المؤمنين (ع) يتوقّع رجوعها إليه ويتطلّع طلوعها عليه، فلمّا استقرّت بها الدار قالت لأمير المؤمنين (ع):
«يابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين، وقَعدَت حُجرةَ الظنين، نقضتَ قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي، وبُلغة ابنيَّ، لقد أجهر في خصامي، وألفيته الألدَّ في كلامي حتى حبستني قيلةُ نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضّت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجتُ كاظمة وعدتُ راغمة، أضرعتَ خدَّك يوم أَضعت حدَّك، إفترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلاً، ولا أغنيت باطلاً، ولا خيار لي ليتني متُّ قبل هِينَتي ودون ذلّتي، عذيري الله منك عادياً ومنك حامياً، ويلاي في كلّ شارق مات العمد ووهن العَضد شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربّي، اللهمّ أنت أشدّ قوةً وحولاً، وأَحَدُّ بأساً وتنكيلاً.
فقال أمير المؤمنين (ع): «لا ويل عليكِ، الويل لشانئكِ، نهنهي عن وَجْدِك يا بنت الصفوة وبقية النبوة، فما ونَيتُ عن ديني، ولا أخطأت مقدوري، فإن كنتِ تريدين البُلغة فرزقكِ مضمون، وكفيلكِ مأمون، وما أُعدَّ لكِ خير ممّا قطع عنكِ، فاحتسبي الله»، فقالت (س): «حسبي الله» وسكتت[15].
فاطمة (س) تعلن مقاطعتها للحاكمين
لم تتوقّف الزهراء عند خطبتها، فقد استمرت في جهادها واختارت الاعتصام عن الكلام مع أبي بكر هذه المرّة، فأعلنت رسميّاً أمام الملأ: «والله لا اُكلّمك بكلمة ما حييت»[16].
ولم تكن فاطمة (س) من سواد الناس، بحيث لو قاطعت الخليفة لم تؤثّر عليه، ولم يكن الأمر غير ذي بال، ففاطمة عزيزة رسول الله (ص) وحبيبته، ولم يخف على الناس اهتمامه (ص) بها وحبّه لها، وهي التي قال النبيّ الأعظم (ص) فيها: «فاطمة بضعة منّي، من آذاها فقد آذاني»[17].
وانتشر الخبر رويداً رويداً: إنّ فاطمة (س) ساخطة على أبي بكر ولم تكلّمه، وسمع بذلك القاصي والداني من داخل المدينة وخارجها فتساءل الناس، وازدادوا نفوراً من الخليفة يوماً بعد يوم، ورغم محاولات الخليفة إعادة المياه إلى مجاريها والمصالحة مع الزهراء إلاّ أنّها (س) استمرت في جهادها وبقيت على صمودها حتى مضت إلى ربّها شهيدة مظلومة.
المعنى الرمزي والسياسي لفدك
إنّ الحركة التصحيحية التي قام بها الإمام عليّ مع الزهراء (ع) لإعادة الخلافة الإسلامية إلى مجراها اكتسبت ألواناً وصيغاً متعدّدة، وتزعّمت الزهراء (س) الجبهة السياسية العلنيّة، وتنوّعت أساليب المطالبة بحقّ خلافة الإمام عليّ (ع) ، ومنها المطالبة بفدك، وحتى هذه المطالبة تلوّنت بعدة ألوان.
والباحث الموضوعي في دراسة خطوات الصراع وتطوّراته والأشكال التي اتّخذها لا يرى أنّ المسألة مسألة مطالبة بأرض، بل يتجلّى له منها مفهوم أوسع من ذلك ينطوي على غرض وطموح أبعد من الأرض، ويهدف إلى استرداد حقّ إلهيّ مغتصب ومجد رساليّ عظيم، وتصحيح مسيرة اُمّة انقلبت على أعقابها من حيث تشعر أو لا تشعر، وقد أحسّ الحزب الحاكم بذلك، فتراه يبذل قصارى جهده في التحدّي والثبات على موقفه.
ولو فحصنا أيّ نصّ من النصوص التأريخية المتعلّقة بفدك فلا نجد فيها نزاعاً مادياً أو اختلافاً حول فدك بمعناها الضيّق وواقعها المحدود، بل هي الثورة على أساس الحكم المنحرف والصرخة التي أرادت لها الزهراء (س) أن تصل إلى كلّ الآفاق، لتقتلع بها الحجر الأساسي الذي بُني يوم السقيفة.
ويكفينا لإثبات ذلك أن نلقي نظرةً فاحصةً على خطبة الزهراء في المسجد أمام الخليفة وبين حشود المهاجرين والأنصار، فإنّها تناولت في أغلب جوانبها امتداح الإمام عليّ (ع) والثناء على مواقفه الجهادية الخالصة لخدمة الإسلام، وتسجيل الحقّ الشرعي لأهل البيت (ع) الذين وصفتهم بأنّهم الوسيلة إلى الله في خلقه وهم خاصّته واُمناء وحيه وحجّته، وورثة أنبيائه في الخلافة والحكم.
وحاولت الزهراء (س) أن تنبّه المسلمين إلى غفلتهم وسوء اختيارهم المرتجل والمتسرّع وانقلابهم على أعقابهم بعد هداهم، وورودهم غير شربهم الصافي الذي كان يروي ظمأهم، وإسنادهم أمرهم إلى غير أهله، والفتنة التي سقطوا فيها، والدوافع التي دفعتهم إلى ترك كتاب الله ومخالفته فيما يحكم به في مسألة الخلافة والإمامة.
فالمسألة إذن ليست مسألة تقسيم ميراث أو قبض نحلة، وليست مطالبة بعقار أو دار، بل هي في نظر الزهراء (س) قضية إسلام وكفر، وقضية إيمان ونفاق، ومسألة نصّ وشورى.
كذلك نجد هذا النفس السياسي الرفيع والواضح في حديثها مع نساء المهاجرين والأنصار حين زيارتهن لها، فقد أوضحت لهنّ أنّ أمر الخلافة انحرف عن مساره الشرعي بإقرار الحزب الحاكم على مسند الحكم، ولم تكن ردّة فعل عاطفية وأحقاد مكنونة وجدت لها متنفّساً، ولو أنهّم وضعوا الأمر حيث أمر الله ورسوله وأعطوا زمام القيادة للإمام المنصوص عليه (ع)، لبلغوا رضا الله وسعادة الدنيا والآخرة.
وأكبر الظنّ أنّ الصدّيقة الزهراء (س) كانت تجد في شيعة الإمام (ع) وصفوة أصحابه الذين لم يكونوا يشكّون في صدقها أبداً من يؤيّد بشهادته على شهادة الإمام عليّ (ع) وتكتمل البيّنة التي طالب بها الخليفة لإثبات أنّ فدكاً للزهراء (س).
إنّ هذا خير دليل على أنّ الهدف الأعلى للزهراء الذي كانوا يعرفونه جيداً ليس هو إثبات النحلة أو الميراث فحسب، بل هو إدانة نتائج مؤتمر السقيفة ومحاولة القضاء عليها، وهذا لا يحصل بإقامة البيّنة في موضوع فدك، لأنّ الأمر سينحصر عند ذاك بقضية محدودة، بل يحصل بإقامة البيّنة لدى الناس جميعاً على أنّهم ضلّوا وانحرفوا عن سواء السبيل، عسى أن يرتدّ إليهم رشدهم ويحسن اختيارهم ويصحّحوا مسيرتهم.
ونعلم أيضاً مقدار تخوّف السلطة الحاكمة وإصرارها على موقفها ومحاولتها الاستمرار في تضليل الجماهير كما يشهد لذلك ردّ الخليفة بعد أن انتهت الزهراء (س) من خطبتها وخرجت من المسجد، وهذا يلقي الضوء على أساس منازعة الزهراء له، فإنّه فهم أنّ احتجاج الزهراء لم يكن حول الميراث أو النحلة، وإنّما كان حرباً سياسية وتظلّماً لحقّ الإمام عليّ (ع) وإظهاراً لدوره العظيم في وجوده في الاُمة، والذي شاء الخليفة وأصحابه أن يبعدوه عن المقام الطبيعي له في دنيا الإسلام.
الاستنتاج
أن رسول الله (ص) أعطى فاطمة (س) فدكاً، وأن أبا بكر انتزعها منها (س)، بأن أخرج وكيلها، فطالبته بإرجاعها لها فأبى، فخطبت (س) في مسجد النبي (ص) وادانة المستولين عليها، وكشفت النقاب عن خذلانها، وأعلنت (س) عن مقاطعتها للحاكمين وسخطها عليهم، وبقيت على صمودها حتى مضت إلى ربّها شهيدة مظلومة.
الهوامش
[1] الروم، 38.
[2] السيوطي، الدر المنثور، ج4، ص177.
[3] الحشر، 6.
[4] الطبري، جامع البيان، ج28، ص50، ح26234.
[5] الشريف الرضي، نهج البلاغة، ص417.
[6] الراوندي، الخرائج والجرائح، ج1، ص113، ح187.
[7] ابن حنبل، مسند أحمد، ج1، ص4.
[8] ابن البطريق، العمدة، ص390، ح776.
[9] الأحزاب، 33.
[10] القمّي، تفسير القمي، ج2، ص155.
[11] مريم، 6.
[12] النمل، 16.
[13] غافر، 78.
[14] الطبري، دلائل الإمامة، ص122.
[15] الطبرسي، الاحتجاج، ص145.
[16] الأربلي، كشف الغمة، ج2، ص106.
[17] الصدوق، الأمالي، ص165، ح163.
مصادر البحث
1ـ ابن البطريق، يحيى، عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، طبعة 1407 ه.
2ـ ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، بيروت، مؤسّسة الرسالة، الطبعة الأُولى، 1416 ه.
3ـ الأربلي، علي، كشف الغمة في معرفة الأئمّة، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1421 ه.
4ـ الراوندي، سعيد، الخرائج والجرائح، قم، مؤسّسة الإمام المهدي (ع)، الطبعة الأُولى، 1409 ه.
5ـ السيوطي، عبد الرحمن، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت، دار الفكر، بلا تاريخ.
6ـ الشريف الرضي، محمّد، نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، بيروت، الطبعة الأُولى، 1387 ه.
7ـ الصدوق، محمّد، الأمالي، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
8ـ الطبرسي، أحمد، الاحتجاج، النجف، دار النعمان، طبعة 1386 ه.
9ـ الطبري، دلائل الإمامة، محمّد، قم، مؤسّسة البعثة، الطبعة الأُولى، 1413 ه.
10ـ الطبري، محمّد، جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)، بيروت، دار الفكر، طبعة 1415 ه.
11ـ القمّي، علي، تفسير القمّي، قم، مؤسّسة دار الكتاب، الطبعة الثالثة، 1404 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
المجمع العالمي لأهل البيت، أعلام الهداية، (فاطمة الزهراء)، قم، المجمع العالمي لأهل البيت، الطبعة الأُولى، 1422 ه.