- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 7 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
يتطرق الكاتب إلى معالم شخصية الإمام الكاظم (ع) فيقول:
قد توفرت في شخصية الإمام الكاظم (ع) الكريمة جميع عناصر الفضيلة ومقومات الحكمة والآداب ، والتي منها :
أ – مواهبه العلمية :
والشئ الذي لا شك فيه أن الإمام موسى ( عليه السلام ) كان أعلم أهل عصره ، وأدراهم بجميع العلوم ، أما علم الفقه والحديث فكان من أساطينه ، وقد احتف به العلماء والرواة وهم يسجلون ما يفتي به ، وما يقوله من روائع الحكم والآداب وقد شهد الإمام الصادق ( عليه السلام ) عملاق هذه الأمة ورائد نهضتها الفكرية ، بوفرة علم ولده ، فقد قال العيسى :
” إن ابني هذا – وأشار إلى الإمام موسى – لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم . . ” ( 1 ).
وقال في فضله :” وعنده علم الحكمة والفهم والسخاء ، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم . . ” .
وقد روى العلماء عنه جميع أنواع العلوم مما ملأوا به الكتب ، وقد عرف بين الرواة بالعالم .
وقال الشيخ المفيد :” وقد روى الناس عن أبي الحسن فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه ” ( 2 ).
لقد قام الإمام موسى ( عليه السلام ) بتطوير الحياة العلمية ، ونموها ، وكان من ألمع أئمة المسلمين في نشره للثقافة الاسلامية .
ب – عبادته وتقواه :
واجمع الرواة على أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كان من أعظم الناس طاعة لله ، ومن أكثرهم عبادة له ، وكانت له ثفنات كثفنات البعير من كثرة السجود لله ، كما كانت لجده الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) حتى لقب بذي الثفنات ، وكان من مظاهر عبادته انه إذا وقف مصليا بين يدي الخالق العظيم ارسل ما في عينيه من دموع وخفق قلبه ، وكذلك إذا ناجى ربه أو دعاه ( 3 ) ويقول الرواة :
إنه كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ، ثم يعقب حتى تطلع الشمس ، ويخر لله ساجدا ، فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد لله حتى يقرب زوال الشمس ( 4 ).
وكان من مظاهر طاعته انه دخل مسجد جده رسول الله ( ص ) في أول الليل فسجد سجدة واحدة ، وهو يقول بنيرات تقطر خوفا من الله :” عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك ، يا أهل التقوى ، ويا أهل المغفرة . . ”
وجعل يردد هذا الدعاء بإنابة واخلاص وبكاء حتى أصبح الصبح ( 5 ).
وحينما أودعه الطاغية الظالم هارون الرشيد العباسي في ظلمات السجون تفرغ للعبادة ، وشكر الله على ذلك قائلا :” اللهم إني طالما كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، وقد استجبت لي فلك الحمد على ذلك ” ( 6 ).
وكان الطاغية هارون يشرف من أعلى قصره على السجن فيبصر ثوبا مطروحا في مكان خاص لم يتغير عن موضعه ، وعجب من ذلك ، وراح يقول للربيع :” ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع ؟ ”
فأجابه الربيع قائلا :” يا أمير المؤمنين ، ما ذاك بثوب ، وإنما هو موسى بن جعفر ، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال . . ”
وبهر الطاغية ، وقال: ” أما ان هذا من رهبان بني هاشم . . ”
وسارع الربيع طالبا منه أن يطلق سراح الامام ولا يضيق عليه في سجنه قائلا :
” يا أمير المؤمنين ، مالك قد ضيقت عليه في الحبس ؟ ”
وسارع هارون قائلا : ” هيهات : لا بد من ذلك . . . ” ( 7 ).
وقد عرضنا بصورة شاملة إلى عبادته ، وطاعته لله ، وما صدر عنه من صنوف العبادة التي تدل على أنه كان إمام المتقين وسيد العابدين والموحدين في عصره .
3ـ زهده :
وزهد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) في الدنيا ، وأعرض عن مباهجها ، وزينتها وآثر طاعة الله تعالى على كل شئ ، وكان بيته خاليا من جميع أمتعة الحياة وقد تحدث عنه إبراهيم بن عبد الحميد فقال : دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي فيه ، فإذا ليس فيه شئ سوى خصفة ، وسيف معلق ، ومصحف ( 8 ) .
وكان كثيرا ما يتلو على أصحابه سيرة الصحابي الثائر العظيم أبي ذر الغفاري الذي طلق الدنيا ، ولم يحفل بأي شئ من زينتها قائلا :
” رحم الله أبا ذر ، فلقد كان يقول : جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير : أتغذى بأحدهما ، وأتعشى بالآخر ، وبعد شملتي الصوف ائتزر بأحدهما وأتردى بالأخرى ” ( 9 ).
لقد وضع الإمام موسى ( عليه السلام ) نصب عينيه سيرة العظماء الخالدين من صحابة جده سيد المرسلين يشيد بسيرتهم ، ويتلو مآثرهم على أصحابه وتلاميذه لتكون لهم قدوة حسنة في حياتهم .
4 ـ حلمه :
أما الحلم فهو من أبرز صفات سيدنا الكاظم ( عليه السلام ) ، فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ ، ويقول الرواة : انه كان يعفو عمن أساء إليه ، ويصفح عمن اعتدى عليه ، وذكر الرواة بوادر كثيرة من حلمه كان منها :
1ـ ان شخصين من أحفاد عمر بن الخطاب كان يسئ للإمام موسى ويسب جده الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأراد بعض شيعة الامام اغتياله فنهاهم عن ذلك ، ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه ، فقيل له : إن له ضيعة في بعض نواحي يثرب وهو يزرع فيها فركب الامام بغلته ، ومضى متنكرا إليه ، فأقبل نحوه فصاح به العمري لا تطأ زرعنا فلم يحفل به الامام إذ لم يجد طريقا يسلكه غير ذلك ، ولما انتهى إليه قابله الامام ببسمات فياضة بالبشر قائلا له :
” كم غرمت في زرعك هذا ! . . ”
” مائة دينار . . ” .
” كم ترجو ان تصيب منه ؟ ”
” أنا لا أعلم الغيب . . ” .
” انما قلت : لك كم ترجو أن يجيئك منه ! ”
” أرجو أن يجيئني منه مائتا دينار ” .
فأعطاه سليل النبوة ثلاث مائة دينار ، وقال : هذه لك وزرعك على حاله ، فانقلب العمري رأسا على عقب وخجل على ما فرط في حق الامام ، وانصرف الامام عنه وقصد الجامع النبوي ، فوجد العمري قد سبقه فلما رأى الامام قام إليه ، وهو يهتف بين الناس : ” الله اعلم حيث يجعل رسالته فيمن يشاء . . ”
وبادر أصحابه منكرين عليه هذا التغيير فأخذ يخاصمهم ويذكر مناقب الامام ومآثره ، والتفت الامام إلى أصحابه قائلا : ” أيما كان خيرا ؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار ” ( 10) لقد عامل الامام مبغضيه ومناوئيه بالاحسان واللطف فاقتلع من نفوسهم النزعات الشريرة ، وغسل أدمغتهم التي كانت مترعة بالجهل والنقص ، وقد وضع امامه قوله تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم ) . .
2 – ومن آيات حلمه أنه اجتاز على جماعة من أعدائه كان فيهم ابن هياج فأمر بعض أتباعه ان يتعلق بلجام بغلة الامام ويدعي أنها له ، ففعل ذلك ، وعرف الامام غايته فنزل عن البغلة وأعطاها له ( 11 ) وقد اعطى الامام بذلك مثلا أعلى للحلم وسعة النفس ، وكان ( عليه السلام ) يوصي أبناءه بالتحلي بهذه الصفة الكريمة فقد قال لهم :
” يا بنى أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها ، إذا أتاكم آت ، فأسمع أحدكم في الاذن اليمنى مكروها ، ثم تحول إلى اليسرى فاعتذر لكم ، وقال : إني لم أقل شيئا فاقبلوا عذره ” ( 12 ) وبهذه الوصية نقف على مدى حلمه وسعة أخلاقه ، وعدم مقابلة المسئ بالمثل وهذه الظاهرة من أهم الوسائل الداعية إلى التآلف وجمع الكلمة بين الناس.
5ـ جوده :
وكان الإمام موسى ( عليه السلام ) من أندى الناس كفا ، ومن أكثرهم عطاء للبائسين والمحرومين ، ومن الجدير بالذكر انه كان يتطلب الكتمان وعدم ذيوع ما يعطيه مبتغيا بذلك الاجر عند الله تعالى ، ويقول الرواة : انه كان يخرج في غلس الليل البهيم فيوصل البؤساء والضعفاء وهم لا يعلمون من أي جهة تصلهم هذه المبرة ، وكانت صلاته لهم تتراوح ما بين المائتين دينار إلى الأربعمائة دينار ( 13 ) وكان أهله يقولون :
” عجبا لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر ” (14) وقد حفلت كتب التأريخ ببوادر كثيرة من الحاجة والسؤال ويجمع المترجمون له أنه كان يرى أن أحسن صرف للمال هو ما يرد به جوع جائع ، أو يكسو به عاريا ، وقد ذكرنا بوادر وأمثلة كثيرة من جوده في كتابنا حياة الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ).
6ـ إغاثته للملهوفين :
من أبرز ذاتيات الإمام موسى ( عليه السلام ) إغاثته للملهوفين وانقاذهم مما ألم بهم من محن الأيام وخطوبها ، وكانت هذه الظاهرة من أحب الأمور إليه ، وقد أفتى شيعته بجواز الدخول في حكومة هارون بشرط الاحسان إلى الناس وقد شاعت عنه هذه الفتوى ” كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان ” .
ويقول الرواة : ان شخصا من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري ، وقد عجز عن تسديدها وخاف من الحكومة ان تصادر أمواله ، وتنزل به العقوبة الصارمة ، فسأل عن الحاكم فأخبروه أنه من شيعة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، فسافر إلى يثرب فلما انتهى إليها تشرف بمقابلة الامام وشكا إليه حاله ، وضيق مجاله ، فاستجاب ( عليه السلام ) بالوقت له ، وكتب إلى حاكم الري رسالة جاء فيها بعد البسملة :
” اعلم أن لله تحت عرشه ظلالا يسكنه إلا من أسدى إلى أخيه معروفا ، أو نفس عنه كربة ، أو ادخل على قلبه سرورا ، وهذا أخوك والسلام . . ” . وأخذ الرسالة ، وبعد أدائه لفريضة الحج اتجه صوب وطنه فلما انتهى إليه ، مضى إلى الحاكم ليلا فطرق باب بيته فخرج غلامه فقال له :
” من أنت ؟ ” .
” رسول الصابر موسى بن جعفر . . ” .
فهرع إلى مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلا له فعانقه وقبل ما بين عينيه ، وطفق يسأله بلهفة عن حال الامام وهو يجيبه ، ثم ناوله رسالة الامام ، فأخذها باكبار وقبلها فلما قرأها استدعى بأمواله وثيابه فقاسمه في جميعها ، وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة ، وهو يقول له :
” يا أخي هل سررتك ؟ . . . ”
وسارع الرجل قائلا : ” أي والله وزدت على ذلك . . . ”
ثم استدعى الحاكم السجل فشطب على جميع الديون التي على الرجل ، وأعطاه براءة منها ، فخرج وقد غمرته موجات من الفرح والسرور ، ورأى أن يجازي احسانه بإحسان فيمضي إلى بيت الله الحرام ويدعوا له ، ويخبر الامام بما أسداه عليه من المعروف ، ولما أقبل موسم الحج سافر إلى بيت الله الحرام ، ولما انتهى إليه دعا للرجل باخلاص ، وأخبره بما أسداه حاكم الري من الاحسان إليه فسر الامام بذلك سرورا بالغا ، والتفت إليه الرجل قائلا : ” يا مولاي هل سرك ذلك ؟ ” .
” أي والله لقد سرني ، وسر أمير المؤمنين ، والله لقد سر جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولقد سر الله تعالى . ” ( 15 ) .
وهذه المبادرة تمثل مدى اهتمامه بإغاثة الملهوفين ، وبها نطوي الحديث عن بعض خصائصه وصفاته .
الهوامش
( 1 ) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 138 .
( 2 ) الارشاد ( ص 272 ) .
( 3 ) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 139 .
( 4 ) كشف الغمة .
( 5 ) وفيات الأعيان 4 / 293 كنز اللغة ( ص 766 ) .
( 6 ) وفيات الأعيان 4 / 293 .
( 7 ) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 142 .
( 8 ) البحار 11 / 265 .
( 9 ) أصول الكافي 2 / 134 .
( 10 ) تأريخ بغداد 13 / 28 – 29 .
( 11 ) البحار 11 / 277 .
( 12 ) الفصول المهمة ( ص 22 ) .
( 13 ) تأريخ بغداد 13 / 28 .
( 14 ) عمدة الطالب ( ص 185 ) .
( 15 ) حياة الإمام موسى بن جعفر 1 / 161 – 162 .
المصدر: حياة الإمام الرضا (ع) / الشيخ باقر شريف القرشي
الخلاصة
يتطرق الكاتب في كتابه إلى معالم شخصية الإمام الكاظم (ع) من مواهبة العلمية وعبادته وزهده وحلمه وجوده واغاثته للملهوفين.