- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 8 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
ألقى فتح مكّة الرعب في قلوب المشركين ، والذعر والفزع في نفوسهم ؛ فتشاورت قبيلتا الطائف المهمّتان هوازن وثقيف مع بعض القبائل الأُخرى ، فعزمتا على المسارعة إلى مواجهة جيش الإسلام قبل أن يقبل عليهم ، وجمعتا جيشاً ضخماً بقيادة شابّ باسل شجاع يدعى : مالك بن عوف النصري ، وسار الجيش نحو المسلمين ( 1 ) .
وبادر النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) إلى مواجهتهم على رأس جيش عظيم يتألّف من اثني عشر ألفاً ؛ عشرة آلاف من يثرب ، وألفين من المسلمين الجدد ، وبلغت عظمة الجيش درجةً جعلت البعض يصاب بغرور زائف حتى قال : لا نُغلب اليوم من قلّة ( 2 ) .
وأمر مالك جيشه بالاختباء خلف الأحجار والصخور وشعاب الجبال والنقاط المرتفعة في آخر الوادي الذي كان ممرّاً إلى منطقة حنين . ولمّا وصل الجيش الإسلامي هناك رُشق بالسهام والحجارة ، فمُني بالهزيمة والانكسار ، وحدث ما حدث ، وفرّ كثير من جيش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ( 3 ) ، حتى قال أبو سفيان مستهزئاً : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ( 4 ) .
وفي ساعة العسرة هذه لم يبقَ مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلاّ قليل ؛ قرابة عشرة ، فاستماتوا في الدفاع عنه ، وفيهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فكان لا يفتأ يحوم حوله مدافعاً ، وهزم من كان يريد قتل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وأجبرهم على الفرار ( 5 ) .
وصاح النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) بصوت عال في خضمّ تلك الشدائد والنوازل قائلا : يا أنصار الله وأنصار رسوله ، أنا عبد الله ورسوله ! ثمّ ساق بغلته نحو العدوّ ومعه عدد من الصحابة ، وأمر عمّه العبّاس أن ينادي المسلمين بصوته الجهوريّ ويدعوهم إلى نصرته . وهكذا انتظم أمر الجيش مرّة أُخرى ( 6 ) .
إنّ ثبات عليّ ( عليه السلام ) وقتاله بلا هوادة في هذه المعركة لافتان للنظر أيضاً ، فقد قتل أربعين من هوازن ( 7 ) ، وفيهم أبو جرول ؛ وهو أحد شجعانهم ، وكان هلاكه بداية لانهيار جيشهم ( 8 ) .
ولاحق النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) الفارّين ، وحاصر قلعتهم بالطائف . وفي هذا الحصار اشتبك الإمام ( عليه السلام ) مع نافع بن غيلان فقتله ، فولّى جمع من المشركين مدبرين ، وأسلم آخرون ( 9 ) .
يضاف إلى هذا أنّ الإمام ( عليه السلام ) كلّف عند الحصار بكسر الأصنام التي كانت حول الطائف ، وقد أنجز هذه المهمّة بأحسن ما يكون ( 10 ) .
قال الشيخ المفيد رضوان الله عليه في حضور الإمام ( عليه السلام ) هذه الغزوة : ” فانظر الآن إلى مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في هذه الغزاة وتأملّها وفكّر في معانيها تجده قد تولّى كلّ فضل كان فيها ، واختصّ من ذلك بما لم يشركه فيه أحد من الأُمّة ” ( 11 ) .
ويتسنّى لنا الآن – بناءً على ما ذكرنا وما جاء في الوقائع التاريخيّة – أن نسجّل دور الإمام ( عليه السلام ) في النقاط الآتية :
1 – حمله راية المهاجرين .
2 – حضوره المهيب في احتدام القتال وهجوم العدوّ بلا هوادة ، ودفعه الخطر
عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في أحرج اللحظات التي فرّ فيها الكثيرون .
3 – قتلُه أبا جرول والذي استتبع انهيار جيش هوازن .
4 – قتله أربعين من مقاتلي هوازن .
5 – قيادته لكتيبة كانت قد تعبّأت من أجل إزالة الأصنام .
6 – مبارزة شهاب – من قبيلة خثعم – الذي لم يجرأ أحد من المسلمين على
مبارزته ، فهبّ الإمام ( عليه السلام ) إليه وقضى عليه .
7 – قتله نافعاً ، الذي أدّى إلى إسلام الكثيرين .
1 – تاريخ اليعقوبي : بلغ رسول الله وهو بمكّة أنّ هوازن قد جمعت بحنين جمعاً كثيراً ، ورئيسهم مالك بن عوف النصري ، ومعهم دريد بن الصمّة من بني جشم ؛ شيخ كبير يتبرّكون برأيه ، وساق مالك مع هوازن أموالهم وحرمهم . فخرج إليهم رسول الله في جيش عظيم عدّتهم اثنا عشر ألفاً ؛ عشرة آلاف أصحابه الذين فتح بهم مكّة ، وألفان من أهل مكّة ممّن أسلم طوعاً وكرهاً ، وأخذ من صفوان بن أُميّة مائة درع وقال : ” عارية مضمونة ” . فأعجبت المسلمين كثرتُهم ، وقال بعضهم : ما نؤتى من قلّة . فكره رسول الله ذلك من قولهم .
وكانت هوازن قد كمنت في الوادي ، فخرجوا على المسلمين ؛ وكان يوماً عظيم الخطب ، وانهزم المسلمون عن رسول الله ، حتى بقي في عشرة من بني هاشم ، وقيل تسعة ، وهم : عليّ بن أبي طالب ، والعبّاس بن عبد المطّلب ، وأبو سفيان بن الحارث ، ونوفل بن الحارث ، وربيعة بن الحارث ، وعتبة ومعتّب ابنا أبي لهب ، والفضل بن العبّاس ، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب ، وقيل :
أيمن بن أُمّ أيمن . قال الله عزّ وجلّ : ( وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ) ( 12 ) ( 13 ) .
2 – تاريخ الإسلام عن الواقديّ : سار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من مكّة لستٍّ خلونَ من شوّال في اثني عشر ألفاً ، فقال أبو بكر : لا نُغلب اليوم من قلّة . فانتهوا إلى حُنين لعشر خلونَ من شوّال . وأمر النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه بالتعبئة ، ووضع الألوية والرايات في أهلها ، وركب بغلته ، ولبس دِرعين والمِغفر والبيضة . فاستقبلهم من هوازن شيءٌ لم يرَوا مثله من السواد والكثرة ، وذلك في غبش الصبح . وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشعبه ، فحملوا حملةً واحدة ، فانكشفت خيل بني سليم مُولّيةً ، وتبعهم أهل مكّة ، وتبعهم الناس ( 14 ) .
3 – السيرة النبويّة عن جابر بن عبد الله : لمّا استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حَطُوط ( 15 ) ، إنّما ننحدر فيه انحداراً ، – قال : – وفي عَماية الصبح ( 16 ) . وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شِعابه وأحنائه ومضايقه ، وقد اجمعوا وتهيّؤوا وأعدّوا . فوالله ما راعنا ونحن منحطّون إلاّ الكتائب قد شدُّوا علينا شدّة رجل واحد ، وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد ، وانحاز رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات اليمين ، ثمّ قال : أين ! ! أيّها الناس هلمُّوا إليّ ! أنا رسول الله ، أنا محمّد بن عبد الله . قال : فلا شيء ؛ حمَلت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس ، إلاّ أنّه قد بقي مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته . وفيمن ثبت معه . . . من أهل بيته عليّ بن أبي طالب ( 17 ) .
4 – مسند أبي يعلى عن جابر : كان أيّام هوازن رجل جسيم ، على جمل أحمر ، في يده راية سوداء ، إذا أدرك طعن بها ، وإذا فاته شيء من بين يديه دفعها من خلفه فأبعده . فعمد له عليّ بن أبي طالب ورجل من الأنصار كلاهما يريده – قال : – فضربه عليّ على عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، – قال : – وضرب الأنصاري ساقه – قال : – فطرح قدمه بنصف ساقه ، فوقع ، واقتتل الناس ( 18 ) .
5 – الإرشاد : أقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم ، إذا أدرك ظفراً من المسلمين أكبّ عليهم ، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتّبعوه ، وهو يرتجز ويقول :
أنا أبو جرول لا بَراحُ ( 19 ) * حتى نُبيحَ القومَ أو نُباحُ فصمد له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فضرب عجز بعيره فصرعه ، ثمّ ضربه فقطره ، ثمّ قال :
قد عَلم القومُ لدَى الصباحِ * أنّيَ في الهيجاء ذو نصاحِ
فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول لعنه الله ( 20 ) .
6 – الإرشاد : لمّا قتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أبا جرول وخُذل القوم لقتله ، وضع المسلمون سيوفهم فيهم ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقدمهم حتى قتل أربعين رجلاً من القوم ، ثمّ كانت الهزيمة والأسر حينئذ ( 21 ) .
7 – مسند أبي يعلى عن أنس : كان عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) يومئذ [ أي يوم حنين ] أشدّ الناس قتالاً بين يديه [ ( صلى الله عليه وآله ) ] ( 22 ) .
8 – الإمام الصادق ( عليه السلام ) : قتل عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) بيده يوم حنين أربعين ( 23 ) .
9 – الإرشاد – في ذكر وقايع بعد غزوة حنين – ثمّ سار بنفسه إلى الطائف فحاصرهم أيّاماً . . . – : ثمّ خرج من حصن الطائف نافع بن غيلان بن معتب في خيل من ثقيف ، فلقيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ببطن وَجٍّ ( 24 ) فقتله ، وانهزم المشركون ، ولحق القوم الرعب ، فنزل منهم جماعة إلى النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فأسلموا . وكان حصار النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) الطائفَ بضعة عشر يوماً ( 25 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) السيرة النبويّة لابن هشام : 4 / 80 ، الطبقات الكبرى : 2 / 149 ، تاريخ الطبري : 3 / 70 ، الكامل في التاريخ : 1 / 624 .
( 2 ) الطبقات الكبرى : 2 / 150 ، السيرة النبويّة لابن هشام : 4 / 83 وص 87 ، الكامل في التاريخ : 1 / 625 ، تاريخ الطبري : 3 / 73 ، تاريخ الإسلام للذهبي : 2 / 574 ؛ تاريخ اليعقوبي : 2 / 62 ، الإرشاد : 1 / 140 .
( 3 ) الطبقات الكبرى : 2 / 151 ، تاريخ الطبري : 3 / 74 ، السيرة النبويّة لابن هشام : 4 / 85 ، الكامل في التاريخ : 1 / 625 .
( 4 ) تاريخ الطبري : 3 / 74 ، الكامل في التاريخ : 1 / 626 ، تاريخ الإسلام للذهبي : 2 / 576 .
( 5 ) الطبقات الكبرى : 2 / 151 ، تاريخ الطبري : 3 / 74 ، السيرة النبويّة لابن هشام : 4 / 85 ، الكامل في التاريخ : 1 / 625 .
( 6 ) تاريخ الطبري : 3 / 75 ، الطبقات الكبرى : 2 / 151 ، السيرة النبويّة لابن هشام : 4 / 87 ؛ الإرشاد : 1 / 142 .
( 7 ) الكافي : 8 / 376 / 566 ، الإرشاد : 1 / 144 وص 150 .
( 8 ) الإرشاد : 1 / 143 وص 150 وراجع مسند أبي يعلى : 2 / 344 / 1858 وتاريخ الطبري : 3 / 76 والسيرة النبويّة لابن هشام : 4 / 88 .
( 9 ) الإرشاد : 1 / 153 .
( 10 ) الإرشاد : 1 / 152 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 64 .
( 11 ) الإرشاد : 1 / 149 .
( 12 ) التوبة : 25 و 26 .
( 13 ) تاريخ اليعقوبي : 2 / 62 ، الإرشاد : 1 / 140 نحوه .
( 14 ) تاريخ الإسلام للذهبي : 2 / 574 وراجع المغازي : 3 / 890 .
( 15 ) أجوف : واسع الجوف والحَطُوط : الأكمة الصعبة الانحدار ( لسان العرب : 9 / 35 و ج 7 / 274 ) .
( 16 ) عَماية الصبح : بقيّة ظلمة الليل ( لسان العرب : 15 / 98 ) .
( 17 ) السيرة النبويّة لابن هشام : 4 / 85 ، تاريخ الطبري : 3 / 74 .
( 18 ) مسند أبي يعلى : 2 / 344 / 1858 ، تاريخ الطبري : 3 / 76 ، السيرة النبويّة لابن هشام : 4 / 88 كلاهما نحوه .
( 19 ) البراح : الظهور والبيان ( لسان العرب : 2 / 409 ) .
( 20 ) الإرشاد : 1 / 142 ، كشف الغمّة : 1 / 222 .
( 21 ) الإرشاد : 1 / 144 ، كشف الغمّة : 1 / 223 ، إعلام الورى : 1 / 387 ، كشف اليقين : 175 نحوه .
( 22 ) مسند أبي يعلى : 3 / 443 / 3594 ، المعجم الأوسط : 3 / 148 / 2758 وفيه ” مِن أشدّ ” بدل ” أشدّ ” .
( 23 ) الكافي : 8 / 376 / 566 عن عجلان ، كشف الغمّة : 2 / 83 من دون إسناد إلى معصوم .
( 24 ) وَجٌّ : الطائف ( معجم البلدان : 5 / 361 ) .
( 25 ) الإرشاد : 1 / 153 ، المناقب لابن شهر آشوب : 3 / 145 ، إعلام الورى : 1 / 233 وليس فيهما من ” ولحق القوم . . . ” .
المصدر: موسوعة الإمام علي (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ / الشيخ محمد الريشهري