- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
مناظرة في مسائل شتى ومن سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن مسائل كثيرة ، أنه قال : كيف يعبد الله الخلق ولم يروه ؟ قال : رأته القلوب بنور الإيمان ، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان ، وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف ، ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها ، اقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته .
قال الزنديق : أليس هو قادر أن يظهر لهم حتى يروه فيعرفونه فيعبد على يقين ؟ قال : ليس للمحال جواب .
قال الزنديق : فمن أين أثبت أنبياء ورسلا ؟ قال ( عليه السلام ) : إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيما ، لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ، ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، وثبت عند ذلك أن له معبرين هم أنبياء الله وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين عنه ، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد : من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته .
ثم قال ( عليه السلام ) بعد ذلك : نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة ، ولا تكون الحجة إلا من عقب الأنبياء ، ما بعث الله نبيا قط من غير نسل الأنبياء ، وذلك أن الله شرع لبني آدم طريقا منيرا ، وأخرج من آدم نسلا طاهرا طيبا ، أخرج منه الأنبياء والرسل ، هم صفوة الله وخلص الجوهر ، طهروا في الأصلاب ، وحفظوا في الأرحام ، لم يصبهم سفاح الجاهلية ، ولا شاب أنسابهم ، لأن الله عز وجل جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفا منه ، فمن كان خازن علم الله وأمين غيبه ومستودع سره وحجته على خلقه وترجمانه ولسانه ، لا يكون إلا بهذه الصفة ، فالحجة لا يكون إلا من نسلهم ، يقوم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول ، إن جحده الناس سكت ، وكان بقاء ما عليه الناس قليلا مما في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه ، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس وإنهم إن أقروا به وأطاعوه وأخذوا عنه ، ظهر العدل ، وذهب الاختلاف والتشاجر ، واستوى الأمر ، وأبان الدين ، وغلب على الشك اليقين ، ولا يكاد أن يقر الناس به ولا يطيعوا له أو يحفظوا له بعد فقد الرسول ، وما مضى رسول ولا نبي قط لم تختلف أمته من بعده ، وإنما كان علة اختلافهم على الحجة وتركهم إياه .
قال الزنديق : فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة ؟ قال ( عليه السلام ) : قد يقتدى به ويخرج عنه الشئ بعد الشئ مكانه منفعة الخلق وصلاحهم ، فإن أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم ، وإن زادوا فيه أخبرهم ، وإن نفذوا منه شيئا أفادهم .
ثم قال الزنديق : من أي شئ خلق الله الأشياء ؟ قال ( عليه السلام ) : لا من شئ .
فقال الزنديق : كيف يجئ من لا شئ شئ ؟ قال ( عليه السلام ) : إن الأشياء لا تخلو إما أن تكون خلقت من شئ أو من غير شئ ، فإن كان خلقت من شئ كان معه ، فإن ذلك الشئ قديم ، والقديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير ، ولا يخلو ذلك الشئ من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا ، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى ؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشئ الذي أنشئت منه الأشياء حيا ؟ ومن أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشئ ميتا ؟ ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا ، لأن الحي لا يجئ منه ميت وهو لم يزل حيا ، ولا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل لما هو به من الموت ، لأن الميت لا قدرة له ولا بقاء .
قال الزنديق : فمن أين قالوا إن الأشياء أزلية ؟
قال ( عليه السلام ) : هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء فكذبوا الرسل ومقالتهم ، والأنبياء وما أنبأوا عنه ، وسموا كتبهم أساطير ، ووضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم واستحسانهم ، إن الأشياء تدل على حدوثها ، من دوران الفلك بما فيه ، وهي سبعة أفلاك وتحرك الأرض ومن عليها وانقلاب الأزمنة ، واختلاف الوقت ، والحوادث التي تحدث في العالم ، من زيادة ونقصان وموت وبلى ، واضطرار النفس إلى الإقرار بأن لها صانعا ومدبرا ، ألا ترى الحلو يصير حامضا ، والعذب مرا ، والجديد باليا ، وكل إلى تغير وفناء ؟
قال الزنديق : فلم يزل صانع العالم عالما بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها ؟ قال ( عليه السلام ) : فلم يزل يعلم فخلق ما علم .
قال الزنديق : أمختلف هو أم مؤتلف ؟ قال ( عليه السلام ) : لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف ، وإنما يختلف المتجزي ، ويأتلف المتبعض ، فلا يقال له : مؤتلف ولا مختلف .
قال الزنديق : فكيف هو الله الواحد ؟ قال ( عليه السلام ) : واحد في ذاته ، فلا واحد كواحد ، لأن ما سواه من الواحد متجزي ، وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزى ، ولا يقع عليه العد .
قال الزنديق : فلأي علة خلق الخلق وهو غير محتاج إليهم ، ولا مضطر إلى خلقهم ، ولا يليق به التعبث بنا ؟ قال ( عليه السلام ) : خلقهم لإظهار حكمته وإنفاذ علمه وإمضاء تدبيره .
قال الزنديق : وكيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه ومحتبس عقابه ؟ قال ( عليه السلام ) : إن هذه الدار دار ابتلاء ، ومتجر الثواب ومكتسب الرحمة ، ملئت آفات ، وطبقت شهوات ، ليختبر فيها عبيده بالطاعة ، فلا يكون دار عمل دار جزاء .
قال الزنديق : أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا ، وقد كان ولا عدو له ، فخلق كما زعمت ( إبليس ) فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته ، ويأمرهم بمعصيته ، وجعل له من القوة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم ، فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم ، ويلبس عليهم دينهم فيزيلهم عن معرفته ، حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته ، وعبدوا سواه ، فلم سلط عدوه على عبيده ، وجعل له السبيل إلى إغوائهم ؟
قال ( عليه السلام ) : إن هذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته ، ولا تنفعه ولايته ، وعداوته لا تنقص من ملكه شيئا ، وولايته لا تزيد فيه شيئا ، وإنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر وينفع ، إن هم بملك أخذه ، أو بسلطان قهره ، فأما إبليس فعبد ، خلقه ليعبده ويوحده ، وقد علم حين خلقه ما هو وإلى ما يصير إليه ، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم ، فامتنع من ذلك حسدا وشقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك ، وأخرجه عن صفوف الملائكة ، وأنزله إلى الأرض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم وولده بذلك السبب ، ما له من السلطة على ولده إلا الوسوسة ، والدعاء إلى غير السبيل ، وقد أقر مع معصيته لربه بربوبيته .
قال الزنديق : أفيصلح السجود لغير الله ؟ قال ( عليه السلام ) : لا .
قال الزنديق : فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ؟ قال ( عليه السلام ) : إن من سجد بأمر الله سجد لله إذا كان عن أمر الله .
قال الزنديق : فمن أين أصل الكهانة ، ومن أين يخبر الناس بما يحدث ؟ قال ( عليه السلام ) : إن الكهانة كانت في الجاهلية ، في كل حين فترة من الرسل ، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم ، فيخبرهم عن أشياء تحدث ، وذلك من وجوه شتى : فراسة العين ، وذكاء القلب ، ووسوسة النفس ، وفتنة الروح ، مع قذف في قلبه ، لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة ، فذلك يعلمه الشيطان ويؤديه إلى الكاهن ، ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف .
وأما أخبار السماء : فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك ، وهي لا تحجب ، ولا ترجم بالنجوم ، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء ، فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله ، لإثبات الحجة ونفي الشبهة ، وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها ثم يهبط بها إلى الأرض ، فيقذفها إلى الكاهن ، فإذا قد زاد كلمات من عنده ، فيخلط الحق بالباطل ، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به ، فهو ما أداه إليه الشيطان لما سمعه ، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه ، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة ، واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا للناس بما يتحدثون به ، وما يحدثونه ، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ، ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق ، ومن قاتل قتل ، ومن غائب غاب ، وهم بمنزلة الناس أيضا ، صدوق وكذوب .
قال الزنديق : وكيف صعدت الشياطين إلى السماء ، وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة ، وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود ( عليه السلام ) من البناء ما يعجز عنه ولد آدم ؟ قال ( عليه السلام ) : غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق ، غذاؤهم النسيم ، والدليل على كل ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع ، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها بسلم أو بسبب .
قال الزنديق : فأخبرني عن السحر ما أصله ؟ وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه ، وما يفعل ؟ قال ( عليه السلام ) : إن السحر على وجوه شتى ، وجه منها : بمنزلة الطب ، كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء ، فكذلك علم السحر ، احتالوا لكل صحة آفة ، ولكل عافية عاهة ، ولكل معنى حيلة . ونوع آخر منه : خطفة وسرعة ومخاريق وخفة . ونوع آخر : ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم .
قال الزنديق : فمن أين علم الشياطين السحر ؟ قال ( عليه السلام ) : من حيث عرف الأطباء الطب ، بعضه تجربة وبعضه علاج .
————————————–