- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الأول: خصائص مسألة وجود الله تعالى
1 ـ تناول القرآن الكريم موضوع التوحيد من جهة وحدانية الله وألوهيته وربوبيته وغيرها من مراتب التوحيد.
ولم يرد في القرآن دليل صريح على إثبات أصل وجود الله; لأنّ القرآن تعامل مع مسألة وجود الله كمسألة ثابتة ومفروغ عنها، وكأنّها مسألة بديهية لا يحتاج إثباتها إلى دليل أو برهان.
ولهذا قال تعالى : { أفي الله شك فاطر السماوات والأرض}[ إبراهيم: 10 ]
تنبيه : المشكلة الأساسية التي واجهتها البشرية ـ على مرّ العصور ـ لم تكن في مسألة “أصل وجود الله”، وإنّما كانت في مسألة “وحدانية الله وربوبيته”، ولهذا: أصبح “توحيد وجود الله” الأصل الأوّل من أصول الدين.
ولم يصبح “إثبات وجود الله” الأصل الأوّل من أصول الدين.
أهم طرق إثبات وجود الله :
أوّلاً ـ طريق الفطرة، وسنبيّن تفاصيل هذا الطريق في المبحث القادم.
ثانياً ـ طريق الاستدلال، أي: طريق إقامة الأدلة والبراهين العقلية، من قبيل برهان الحدوث وبرهان الإمكان، وهي البراهين التي سنبيّنها بصورة مفصّلة في المباحث الآتية.
المبحث الثاني : اثبات وجود الله عن طريق الفطرة
الفطرة : الفطرة منبع كامن في باطن الإنسان يجذبه نحو المبدأ الأعلى.
وهذا المنبع هو الذي يرشد الإنسان إلى حقائق كامنة في أعماق ذاته ويدفعه نحو البحث عمّا يروي تعطّشه الروحي في الصعيد الديني والمعنوي.
خصائص الأمور الفطرية :
1 ـ موجودة في أعماق ذات كلّ إنسان .
2 ـ تتحرّك بوحي داخلي، ولا تحتاج إلى تعليم وتعلّم.
3 ـ لا تخضع لتأثير العوامل الخارجية(1).
4 ـ تعتريها حالة الشدّة والضعف، ولكنّها ثابتة، ولا يمكن استئصالها أو القضاء عليها.
الفطرة والإيمان بوجود الله : إنّ الايمان بوجود الله أمر فطري.
دليل ذلك : وجود “الرغبة الدينيّة” بين أبناء البشر على مرّ العصور واختلاف الشعوب، وهدا ما يدفعنا إلى الإذعان بأنّ هذا الشعور أمر فطري .
ولو كان هذا الشعور:
1 ـ يتواجد عند بعض الناس دون غيرهم.
2 ـ يحتاج إلى تعليم وتعلّم .
3 ـ يخضع للعوامل والظروف الخارجية.
4 ـ غير ثابت في الذات البشرية.
لوجب أن تكون هذه الرغبة الدينيّة فقط عند من تتوفّر عندهم هذه الشروط .
ولوجب أن توجد هذه الرغبة الدينيّة عند بعض الأشخاص أو بعض الطبقات الخاصة أو بعض الشعوب فقط دون غيرهم.
ولكن الواقع يكشف عكس هذا الأمر تماماً، ونحن نرى بأنّ الرغبة الدينيّة تستيقظ في باطن كلّ إنسان، ويشعر بها الإنسان تلقائياً سواء كان في برهة من حياته ولا سيما في حالة الشدّة والبلاء .
فيثبت أنّ “الرغبة الدينيّة” أمر فطري في الذات الإنسانيّة، وهي تمتلك كلّ خصائص الأمور الفطرية التي ذكرناها آنفاً .
تنبيهات :
1 ـ إنّ الأمور الفطرية ـ في خصوص معرفة الله ـ تنقسم إلى قسمين :
أوّلاً: المدركات الفطرية، من قبيل: معرفة الله الفطرية.
ولهذا تسمّى معرفة الله التي لا تحتاج إلى تعلّم بـ “معرفة الله الفطرية”.
ثانياً: الميول والرغبات الفطرية، من قبيل: عبادة الله الفطرية.
ولهذا يسمّى الشعور بوجود اللّه والرغبة في عبادته في كلّ إنسان بـ “عبادة الله الفطرية” أو “التديّن الفطري”(2).
2 ـ يتّجه الإنسان بفطرته نحو “عبادة الله” كما يتّجه بغريزته نحو حبّ الذات وحبّ الخير وحبّ الجاه وحبّ الاستطلاع.
3 ـ تعتبر الفطرة الدافع الابتدائي نحو الإيمان بوجود الله، ثمّ يتكامل هذا الإيمان بمساعدة العقل.
بعبارة أخرى : إنّ “الفطرة” تقوم بعملية الاستعداد والتوجّه نحو الله تعالى.
أمّا الطريق إلى الله تعالى فهو “العقل”.
ودور “الأنبياء” هو التنبيه ومخاطبة العقل وإقناعه بالدليل والبرهان.
4 ـ إنّ التيارات المعاكسة والمخالفة للإيمان بوجود الله قد تؤدّي إلى تضعيف الاتّجاه الفطري للإنسان نحو الإيمان، ولكن هذه التيارات لا تستطيع أبداً أن تستأصل هذا الاتّجاه أو تقضى عليه بالمرّة.
5 ـ كانت أبرز وظائف الأنبياء تحذير الناس من عبادة الموجودات التي لا تستحق العبادة، من قبيل: الأصنام، الشمس، القمر و… كي لا يروي الناس تعطّشهم الفطري للعبادة بمصاديق كاذبة للآلهة.
الفطرة في أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) :
1 ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): “كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني: المعرفة بأنّ الله عزّ وجلّ خالقه”(3).
2 ـ أقوال أهل البيت(عليهم السلام) حول قوله تعالى: { فطرة الله التي فطر الناس عليها } [ الروم: 30 ]: قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام): “هي الفطرة التي فطر الناس عليها، فطر الله الخلق على معرفته”(4).
وقال(عليه السلام) أيضاً: “فطرهم على معرفته أنّه ربّهم، ولولا ذلك لم يعلموا ـ إذا سُئلوا ـ من ربّهم؟ ولا من رازقهم؟”(5).
قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “فطرهم على التوحيد”(6).
3 ـ سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: { وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى } [ الأعراف: 173 ].
فقال(عليه السلام): “ثبتت المعرفة في قلوبهم، ونسوا الموقف، وسيذكرونه يوماً ما، ولولا ذلك لم يدر أحد مَن خالقه ولا مَن رازقه”(7).
المبحث الثالث: برهان النظم
معنى النظم : “النظم” هو الائتلاف بين الأشياء لأداء مهمّة معيّنة.
ويقابل هذا المعنى “الفوضى”.
مثال ذلك :(8)
1 ـ الكلمات: التي تشاهدها على هذه الصفحة رُتّبت لتفهم منها مقاصد معيّنة، فلهذا يقال حول هذه الكلمات: إنّها “منظّمة”.
ولو كانت هذه الكلمات منثورة نثراً عشوائياً، لما حصل منها المقصود المطلوب، ولقيل عنها: إنّها “غير منظّمة”.
2 ـ مواد البناء : إذا رتّبها بانيها على هيئة دار للسكنى، فسيُقال عنها: إنّها “منظّمة”.
ولكن هذه المواد لو كُدّست دون ترتيب معيّن فإنّها ستفقد قابليتها للسكنى، وسيقال عنها في هذه الحالة: إنّها “غير منظّمة”.
3 ـ رتّب مخترع جهاز المذياع أدوات هذا الجهاز. لسحب ذبذبات الأصوات التي ترسلها محطّات الإذاعة، فيقال لهذه الأدوات: إنّها “منظّمة”.
ولكن هذه الأدوات لو جُمعت وجعلت في صندوق من غير تنسيق فإنّها ستفقد القدرة على سحب ما يذاع من المحطّات، فسيُقال عنها في هذه الحالة: بأنّها “غير منظّمة”.
تقرير برهان النظم :
عندما يتأمّل الإنسان في السماوات والأرض وما بينها…
فإنّه يرى بأنّها مخلوقة بأحسن نظم وأتقن تدبير..
فيحكم العقل بأنّه: لابدّ لهذا النظم من منظّم حكيم.
ولابدّ لهذا التدبير من مدبّر عليم.
فيثبت بذلك وجود منظّم حكيم ومدبّر عليم لهذا العالم.
قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “العجب من مخلوق يزعم أنّ الله يخفى على عباده، وهو يرى أثر الصنع في نفسه بتركيب يبهر عقله وتأليف يبطل حجّته”(9).
تنبيه : غاية ما يثبته “برهان النظم” ضرورة وجود “منظّم” و “مدبّر” للعالم فقط، أعم من كونه هو الله تعالى أو غيره.
وتوجد في هذا الصعيد أدلة أخرى ـ سنبيّنها لاحقاً ـ تثبت وجود ووحدانية الله تعالى.
مناقشة رأي الماديين حول منشأ النظم(10)
ذهب بعض الماديين إلى أنّ العالم وُجد نتيجة سلسلة من العلل المتتالية.
ولكلّ شيء في هذا العالم علّة، ولهذه العلّة علّة إلى ما لا يتناهى من العلل.
وهذا في نفسه يوجد النظم بصورة لا إرادية، ويشكّل في هذا العالم سلسلة مترابطة ومنظّمة.
بعبارة أخرى : إنّ الناظم في العالم عبارة عن العلل المكوّنة لهذا العالم.
وليس النظم شيئاً آخر وراء العلل الموجودة في العالم.
بل النظم عبارة عن الترابط الموجود فيما بين هذه العلل الحاكمة على هذا العالم.
يرد عليه :
1 ـ التسلسل ـ كما سنبيّن ـ باطل، وإذا كان لكلّ علّة في العالم علّة أخرى، فلابدّ أن يصل الأمر إلى علّة قائمة بذاتها تشكّل الانطلاقة لهذه السلسلة.
2 ـ “العلل” التي لا تمتلك “الشعور” و “الإدراك”، تعمل بصورة عشوائية وغير متّجهة نحو هدف معيّن.
ولهذا لابدّ من توجيه مركزي لهذه العلل، ولابدّ من وجود قوّة عُليا ذات شعور وإدراك تدبّر وتدير نظام الأسباب والمسبّبات، وتغرس في كلّ علّة ما يهديها إلى أهدافها المطلوبة.
مثال ذلك: القوّة المحرّكة ليد الكاتب قادرة فقط على تحقّق الكتابة.
ولكن الكتابة لا تكون مفهومة وذا هدف إلاّ أن يكون الكاتب صاحب شعور وإدراك بحيث يتمكّن من إيصال مقصوده إلى المخاطب عن طريق اختيار أفضل الكلمات.
الصدفة وحدوث العالم :
معنى الصدفة : الصدفة تعني تحقّق أحداث منظّمة في العالم من دون أن يكون وراءها تخطيط أو محاسبة أو تنظيم.
تنبيه : ليس المقصود من “الصدفة” : أن يوجد حدث بنفسه ومن دون علّة لوجوده.
أو تتحقّق ظاهرة بذاتها ومن دون سبب خارجي لها.
لأنّ هذا الأمر لم يقل به أحد، كما أنّه يتنافى مع “قانون العلّية”.
وإنّما المقصود من “الصدفة”: أن يوجد حدث منظّم من دون أن يكون وراءه جهة ذات شعور وإدراك تدير وتنظّم شؤونه.
مناقشة رأي الماديين القائلين بالصدفة في نشوء العالم :
أنكر بعض الماديين وجود التخطيط والتنظيم في نشوء العالم من قبل جهة ذات شعور وإدراك تدير وتنظّم شؤون هذا العالم.
وقالوا بأنّ العالم لم يخلق على أساس من التنظيم المتقن والمسبق.
وإنّما خُلِق نتيجة سلسلة من التفاعلات الطويلة والحركات المتتالية من دون أن يكون وراء هذه العلل أي تخطيط أو تنظيم.
يرد عليه :
1 ـ البحوث العلمية التي أجراها العلماء في مختلف مجالات العلوم أثبتت بأنّ الأشياء الموجودة في العالم خُلقت وفق نظام تهيمن عليه حسابات دقيقة مدهشة بحيث يكون من المستحيل للمادّة الصمّاء والعلل التي لا تمتلك الشعور والإدراك أن تكون سبباً لخلق هذا النظام.
2 ـ لا ينكر أحد وجود “الصدفة” في العالم; لأنّها موجودة بمفهوم نسبي لا مطلق، ولكن لا يخفى بأنّ “الصدفة” عمياء وغير مدركة وغير منظّمة ولا تخضع لأيّ حساب وقانون، ولهذا كلّما ازداد الشيء تعقيداً في نظامه ضعف احتمال الصدفة في حصول أثره.
مثال : إذا مسك أحد الأطفال قلماً، وكتب حرفين على ورقة، فإنّنا يسعنا احتمال وقوع الصدفة في كتابة هذا الطفل لهذين الحرفين.
ولكن إذا كتب هذا الطفل رسالة ذات معاني رائعة وجميلة، فإنّنا نجزم بأنّ الأمر لم يحدث صدفة، بل يثبت عندنا بأنّ هذا الطفل عارف بالقراءة والكتابة.
3 ـ لو سلّمنا بأنّ “الصدفة” لعبت دوراً هامّاً في خلق هذا العالم، فإنّنا لا نسلّم بأنّ الصدفة قادرة على خلق شيء من لا شيء، بل غاية ما تقوم به الصدفة عبارة عن إيجاد مخلوق جديد متكوّن من أشياء كانت موجودة قبله، ولهذا تعجز نظرية “الصدفة” عن بيان منشأ الذّرات الأوّلية المكوّنة للعالم.
4 ـ غاية ما تقوم به الصدفة عبارة عن “تأثير الأشياء بصورة لا شعورية على الأشياء الأخرى”، ولكنّنا عندما نتأمّل ونتدبّر في هذا العالم نرى وجود انسجام بين أحداثه وظواهره.
وهذا ما يثبت وجود مدبّر ومنظّم وراء مجموع العلل والمعاليل الموجودة في هذا العالم.
____________
1- من قبيل العوامل الجغرافية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
2- انظر: نظرة حول دروس في العقيدة الإسلامية، محمّد تقي مصباح اليزدي، إعداد: عبدالجواد الإبراهيمي: الدرس الخامس، ص 31.
3- الكافي، الشيخ الكليني: ج2، كتاب الإيمان، باب فطرة الخلق، ح3،ص13.
4- المحاسن، أبو جعفر البرقي: ج1، باب جوامع من التوحيد، ح [824] 226، ص 375.
5- المصدر السابق: ح [825] 227، ص 375 ـ 376. وعنه البحار ك 3 / 279 ح 13.
6- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 53: باب فطرة الله، ح5،ص321.
7-المحاسن، أبو جعفر البرقي: ج 1، باب جوامع من التوحيد، ح [826] 228، ص 376. وعنه بحار الأنوار: 3 / 280ح16.
8- انظر: محاضرات في العقيدة الإسلامية، أحمد البهادلي: ص 239، 240 (بتصرّف).
9- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج3، كتاب التوحيد، باب 5، خبر الإهليلجة، ص 152.
10- انظر: التوحيد، مرتضى مطهري: 64 ـ 87 .
المصدر: التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون