- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 7 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم (۱)
الحمد لله الذي جعل الإنسان الكامل معلّم المَلَك ، وأدار بولايته طبقات الفُلك . والصلاة والسلام على أشرف خلق الله ، هادي الورى ، محمّد المصطفى ، سيّد المرسلين وخاتم النبيّين ، وعلى وصيّه وخليفته وأخيه وابن عمّه وزوج ابنته أمير المؤمنين وسيّد الموحّدين وإمام المتّقين أسد الله الغالب الإمام عليّ بن أبي طالب ، روحي وأرواح العالمين له الفداء .
وعلى آلهما الطيّبين الأئمة الهداة الميامين . واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
أمّا بعد : فقد قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم : ( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )(۲) .
باتّفاق المفسّرين أ نّها نزلت في أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) .
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « لو أنّ الغياض أقلام والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب » .
« إنّ الله جعل لأخي عليّ فضائل لا تحصى »(۳) .
« لولا أن تقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمرّ بملأ من المسلمين إلاّ وأخذوا تراب نعليك وفضل طهورك ويستشفون به »(۴) .
يقول الخليل بن أحمد البصري ـ المتوفّى سنة ۱۷۵ هـ ـ واضع علم العروض ومعلّم سيبويه في حقّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) : « إنّ احتياج الكلّ إليه واستغناؤه عن الكلّ ، دليلٌ على أ نّه إمام الكلّ » .
وسئل أيضاً : ما هو الدليل على أنّ عليّاً (عليه السلام) إمام الكلّ في الكلّ ؟ فقال: احتياج الكلّ إليه وغناه عن الكلّ.
يقول الفخر الرازي ـ المتوفّى سنة ۶۰۶ هـ ـ في تفسيره(۵) في تفسير سورة الفاتحة وقوله بالجهر وإقامة الأدلّة على ذلك : « فالدليل السابع : أنّ الدلائل العقليّة موافقة لنا ، وعمل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) معنا ، ومن اتّخذ عليّاً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه » .
يقول الشيخ محيي الدين بن عربي ـ المتوفّى سنة ۶۳۸ هـ ـ : « فلم يكن أقرب قبولا في ذلك الهباء إلاّ حقيقة محمّد (صلى الله عليه وآله) المسمّـاة بالعقل ، وأقرب الناس إليه عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، إمام العالم وسرّ الأنبياء المرسلين »(۶) .
قال ابن أبي الحديد المعتزلي ـ المتوفّى سنة ۶۵۵ هـ ـ في شرح قول (۷) أمير المؤمنين (عليه السلام) حول التمسّك بالأئمة الأطهار من آل محمّد صلوات الله عليهم : « بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم وهم أزمّة الحقّ وأعلام الدين وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش … » .
فقال ابن أبي الحديد : « ( فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ) تحته سرّ عظيم ، وذلك أنّه أمر المكلّفين بأن يجروا العترة في إجلالها وإعظامها والانقياد لها والطاعة لأوامرها مجرى القرآن .
قال : فإن قلت : فهذا القول منه يشعر بأنّ العترة معصومة ، فما قول أصحابكم في ذلك ؟ قلت : نصّ أبو محمّد بن مثنويه في كتاب الكفاية على أنّ عليّاً معصوم ، وأدلّة النصوص قد دلّت على عصمته وأنّ ذلك أمر اختصّ هو به دون غيره من الصحابة » .
هذه بعض النصوص الدالّة على عظمة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)وعلوّ مفامه وشموخه .
هذا وقيمة المرء ما يحسنه من المعرفة ، وأعلى المعارف وأزكاها معرفة الله بأن يعرف الإنسان ربّه ، وأنفعها معرفة النفس ، فمن عرف نفسه فقد عرف ربّه .
فالمعرفة نور القلب وبنيان النبل وبرهان الفضل والفوز بالقدس والحكمة والخير الكثير وميراث التقوى وثمرة الصدق ، ومن عرف دلّته معرفته على العمل ، وأفضلكم أفضلكم معرفة(۸) .
فقيمة الإنسان في الدنيا والآخرة إنّما هي بمقدار معرفته ، والمعرفة كلّي مشكّك له مراتب طوليّة وعرضيّة ، وقد قسّموها إلى ثلاث :
۱ ـ المعرفة البرهانيّة : والتي تكون بالدليل العقلي .
۲ ـ المعرفة الإيمانيّة : والتي تكون بالدليل النقلي من الكتاب والسنّة .
۳ ـ المعرفة الشهوديّة : والتي تكون بالإشراق والكشف والشهود بالقلب .
وبنظري هناك تقسيم آخر للمعرفة ، وهو :
۱ ـ المعرفة الجلاليّة : وهي تعني معرفة الشيء في حدوده وشكله الهندسي كمعرفة الجبل من بعيد .
۲ ـ المعرفة الجماليّة : وهي تعني معرفة الشيء في باطنه وجوهره ، كمعرفة الجبل من قريب .
۳ ـ المعرفة الكماليّة : وهي تعني الوقوف على هدف الشيء وغايته ، كمعرفة الجبل لمن كان في قمّته .
وهذه الأقسام جارية في كلّ شيء ، حتّى معرفة الله سبحانه وشريعته السمحاء .
فمن الناس من يعرف الله في جلاله ، كنفي صفات النقص عنه كالجهل والعجز .
ومنهم من يعرف الله في جماله ، وفي صفاته الثبوتيّة كالعلم والقدرة .
ولا يعرف الله في كماله إلاّ رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما أبد الآبدين ، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) : « ما عرف الله إلاّ أنا وأنت » .
وأمّا معرفة الشريعة : فتارةً يعرفها الإنسان في حدودها وأحكامها ، فهذه معرفة بجلال الشريعة .
واُخرى يقف على أسرارها وحِكمها ، فهذه من المعرفة بجمال الشريعة .
وثالثةً يقف على كُنهها وغاياتها ، فهذه من المعرفة بكمال الشريعة .
وهذا جار في معرفة أهل البيت (عليهم السلام) وسيّدهم أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، فكلّ الناس يعرفونهم بمعرفة جلاليّة ، كما ورد في زيارة الجامعة الكبيرة عن الإمام الهادي (عليه السلام) :
« فبلغ الله بكم أشرف محلّ المكرمين وأعلى منازل المقرّبين ، وأرفع درجات لمرسلين ، حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ، ولا يسبقه سابق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، حتّى لا يبقى ملكٌ مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا صدّيق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دنيّ ولا فاضل ولا مؤمن ولا صالح ولا فاجر طالح ولا جبّار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إلاّ عرّفهم جلالة أمركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم وصدق مقاعدكم وثبات مقامكم وشرف محلّكم ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وخاصّتكم لديه وقرب منزلتكم منه »(۹) .
فما من عالم ولا جاهل ولا دنيّ ووضيع ولا فاضل وشريف ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح إلاّ وعرف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) بمعرفة جلاليّة ، بأ نّهم الصفوة وأ نّهم يجلّون عن الشين والنقائص ، ولا يقاس بهم أحد .
وهذا يقرّ به الموافق والمخالف ، والفضل ما شهدت به الأعداء ، فأعداؤهم يشهدون بعلوّ درجاتهم وشموخ مقامهم وأ نّهم يمتازون عن باقي البشر في تجلّي أسماء الله فيهم .
وهناك معرفة جماليّة لأهل البيت (عليهم السلام) ، يقف عليها أمثال سلمان المحمّدي رضوان الله عليه ، فإنّه يعرف من جمال أمير المؤمنين ما لا يعرفه أبو ذرّ ، مع أنّ التفاوت بينهما في الإيمان بدرجة واحدة ، فعند سلمان عشر درجات ، ولكن مع هذا لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لكفّره ولقال رحم الله قاتل سلمان ، فالدرجة الواحدة سعتها ما بين الكفر والإيمان ، ما بين السماوات والأرض .
وأمّا المعرفة الكماليّة لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) فيدلّ عليه ما يقال عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) : « يا عليّ لم يعرفك إلاّ الله وأنا » .
فلا يعرف إلاّ الله ورسوله سرّ السرّ في أسرار سرّ الوجود وقطب دائرة الإمكان ، ونقطة باء البسملة ، ومركز العوالم بعد رسول الله ، الذي اشتُقّ اسمه المبارك من العليّ الأعلى ، ونوره الأقدس من النور المحمّدي الأنور ، فبلغ العلى بكماله ، وكشف الدجى بجماله ، حسُنت جميع خصاله ، فهدى الورى بجلاله ، صلّوا عليه وعلى ابن عمّه وآله .
فعليّ (عليه السلام) بشر ، لكن تجلّى فيه ربّه وظهر ، ومن أبى فقد كفر ، فإنّه الإنسان الكامل الذي تجلّت فيه أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، فكان مظهراً للتوحيد ، كما كان فيه خلاصة النبوّة وعصارة الولاية ، وكلّ ما يقال في فضائله ومكارمه وعلوّ مقاماته فإنّه لم يبلغ عشر المعشار .
فعليٌّ وليّ الله وحجّته على خلقه وخليفة رسوله وسيّد أوصيائه ، تجلّت فيه أسماء ربّه ، وحمل جميع أوصاف النبيّ (صلى الله عليه وآله) من علومه ومعارفه وأسراره المودعة فيه سوى النبوّة والرسالة ، فهو الداعي والهادي إلى سواء السبيل ، وهو الواسطة المختارة بعد رسول الله في إيصال الفيض الإلهي إلى العباد ، وهو النهج المستقيم والمنهاج القويم والنبأ العظيم ، عنده علم الكتاب وفصل الخطاب : ( فاسألوا أهلَ الذكرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمون )(۱۰) .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب »(۱۱) .
فأمير المؤمنين (عليه السلام) يمثّل الأنبياء في علومهم وصفاتهم كما هو مظهر أسماء الله وصفاته ، وأ نّه جامع الفضائل والمكارم ولا يمكن لأحد سوى الله ورسوله أن يحصي فضائله ومناقبه وآثاره .
وأنّ الأعداء قد كتموا فضائله حنقاً وبغضاً ، والأحبّاء أخفوها خوفاً وتقيّةً ، ومع هذا فقد ملأت فضائله الخافقين .
وسعادة الدنيا والآخرة والنجاة إنّما يكون في متابعته وقبول ولايته العظمى ، فهو الصراط المستقيم : ( وَالَّذينَ لا يُؤْمِنونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبون )(۱۲) .
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « إنّ أئمتكم قادتكم إلى الله ، فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم »(۱۳) .
قال تعالى : ( يَوْمَ نَدْعو كُلَّ اُناس بِإمامِهِم )(۱۴) .
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « إذا كان يوم القيامة يأتي النداء من عند الله جلّ جلاله : ألا من ائتمّ بإمام في دار الدنيا فليتبعه إلى حيث شاء ويذهب به ، فحينئذ يتبرّأ الذين اتُّبِعو من الذين اتَّبَعوا »(۱۵) .
وقال الإمام الحسين (عليه السلام) في قوله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعو كُلَّ اُناس بِإمامِهِم ) : إمام دعى إلى هدى فأجابوه إليه ، وإمام دعى إلى ضلالة فأجابوه إليها ، هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النار ، وهو قوله تعالى : ( فَريقٌ في الجَنَّةِ وَفَريقٌ في السَّعير )(۱۶) .
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من مات وهو لا يعرف إمامه ، مات ميتةً جاهليّة »(۱۷) ، متّفق عليه عند الفريقين .
فعلى كلّ مسلم إلى يوم القيامة أن يعرف إمام زمانه حقّ المعرفة . والإمامة الحقّة والوصاية الصحيحة والحاكميّة الثابتة إنّما هي بنصّ من الله ورسوله ، ولا مجال للناس فيها أبداً ـ كما هو ثابت في محلّه(۱۸) ـ ومن هذا المنطلق نصّ الله في كتابه الكريم ورسوله في مواطن كثيرة على الأئمة الأطهار والخلفاء الأخيار من بعده كما في حديث الثقلين والسفينة والدار وغيرها المئات والاُلوف ، وكما في آية المودّة والولاية والتطهير والمباهلة وغيرها العشرات والمئات ، وهل بعد الحقّ إلاّ الضلال .
وقد صنّف العلماء الأعلام من كلّ الفرق والمذاهب وبلغات كثيرة على مرّ العصور والأحقاب في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وسيرتهم الطيّبة ، ولا سيّما في مناقب وعظمة أمير المؤمنين وإمام المتّقين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) .
وأخيراً ـ وليس بآخر إن شاء الله تعالى ـ قام الشابّ المهذّب الكامل ثقة الإسلام الشيخ فاضل الفراتي ( دام مجده ) بجهد مبرور وسعي مشكور ، بتحرير صفحات ولائيّة ، ومقتطفات علويّة ، في بيان عظمة أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ (عليه السلام) من كتب القوم ، لتكون الحجّة أبلغ والبرهان أتمّ ، فجاء باُسلوب جديد واُطروحة جميلة وتأليف ظريف ، يتبع باكورة أعماله ( عظمة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فللّه درّه ، وعليه أجره ، سائلا المولى القدير أن يهنأه بالكأس الأوفى شربةً لا ظمأ بعدها أبداً ، وأن يكثّر في شباب عصرنا أمثاله ويوفّر أضرابه ، وأن يغفر لي وله وللمؤمنين والمؤمنات وشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) .
والسلام على من اتّبع الهدى . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
ــــــــــــــــــــــــ