- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 13 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
يمثل اضطهاد المرأة وجهاً من وجوه التمييز والامتهان الذي كانت تتعرض له الطبقات الأكثر ضعفاً وتهميشاً في المجتمعات البدوية.
ونلاحظ في هذا السياق ، أن السبي كان شكلاً مقونناً ومشرعناً لعمليات الإغتصاب الجماعي التي رافقت الغزو البدوي لدول الجوار حيث كانت تستباح المدن أياماً عديدة بلياليها، وهو أمر كان شائعاً ومألوفاً في الأحقاب التاريخية السالفة ، وقد تمت ممارسته تاريخياً، من قبل فاتحين كبار، من دون التعرض لأية مساءلة قانونية بل تم تصنيفه غالباً في معايير البطولة والجهاد والغزوات . ظواهر كثيرة هي الأخرى كانت من هذا القبيل، وهي إحدى أهم إفرازات الثقافة التي حملها البدو الأعراب معهم إلى كافة الأمصار التي ابتليت بفكرهم وسلوكهم وأصبح وضع المرأة المتردي جراء ذلك واحداً من أهم السمات التي تطبع وجه تلك الثقافة والمجتمعات .
ولعل جرائم الشرف إحدى أوجه ممارسة السلوك البدوي الذي فرض نفسه حتى على نصوص المادة القانونية المعاصرة اليوم التي استندت إلى فقه البدو الصحراوي وتراثهم الضحل الذي لم يكن يوماً في جانب المرأة والإنسانية المثلى، ولذلك لم يوفق هذا القانون في أمصارنا العربية في إنصاف المرأة أو في ترقيتها إنسانياً أو إعطائها شيئاً من حقوقها المعترف بها قرآنياً وإسلامياً وحتى دولياً أيضاً ، برغم كل تلك البلاغة الفقهية التي تحاول تجميل الواقع المر والحقيقة المؤلمة .
ويبدو أن انكشاف نمط سلوكنا الأسري عموماً وفيما يخص المرأة خصوصاً، قد ألزمنا بكشف اللثام والمصارحة بموقف يعيدنا إلى نصابنا الإنساني الإسلامي العادل ، فإن قراءة عميقة للأدلة الشرعية، ستنتهي بنا إلى وجوب إنصاف المرأة وحمايتها من العدوان الذكوري الذي يتستر بستار الدين والقيم حيث إن مرتكبي ما اصطلح على تسميته “جرائم الشر ف” ، يحملون فكراً تسلطياً يتخذ من القيم والدين والعادات والخصوصية ذريعة لحماية المرأة والأسرة . وإذا كان مجرد إثارة هذا الموضوع يثير جدلاً حتى بين الأكاديميين والعلماء والمفكرين من ذوي الإنتماء والثقافة الإسلامية، فإن مقصودنا هنا هو أن نلقي الضوء لنفسح المجال أمام الكثيرين ليكونوا على إطلاع وإحاطة بالتصور الإسلامي للمسألة المطروحة في ضوء قيم الإسلام وأخلاقة وفي قناعتي إن إنتشار ظاهرة جرائم الشرف في مجتمعاتنا يرجع إلى التطبيق السيئ والخاطئ لأحكام الإسلام وتعاليمه من قبل المجتمع الإسلامي الذي اشتغلت في عقله وسلوكه مورثات تنتمي إلى القبلية الجاهلية، ومنها المورث الذي يجعل من الذكورة معيارًا للحق والصواب، ويرتب على ذلك مجموعة من الحقوق المفتعلة، متيحًا الفرصة لكثير من التعسف في استخدام الحقوق الفعلية أو التنصل من الواجبات الشرعية والإنسانية
تعريف المصطلح :
جرائم الشرف وهي أكثر أشكال العنف ضد المرأة خطورة ,وأقصاها عنفاً, ويتم ارتكابها عند ورود الشك لدى احد أفراد الأسرة من الرجال بأن إحدى أقاربهم من النساء قد قامت بتصرف غير أخلاقي…أو قد اتهمت بالزنا…وهناك نسبة عالية تثير القلق من الجرائم التي ترتكب ضد النساء باسم الشرف , وتسجل معظم الأحيان كحالات انتحار أو موت مفاجئ . وتعتبر عادة قتل المرأة على خلفية (الإخلال بالشرف) عادة قبلية قديمة متوارثة منذ القدم , وما تزال الكثير من المجتمعات المحلية العربية ذات الامتدادات القبلية والعشائرية تدين بهذه العادة وتمارسها كأسلوب تربوي يهدف إلى الحفاظ على سمعة العشيرة أو العائلة ومكانتها في المجتمع . حيث تتخذ شعارها من قول الشاعر: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبـه الـدمُ ويقصد( بالإخلال بالشرف ) أن تقيم الفتاة أو المرأة علاقة برجل خارج إطار الزوجية , ولا يعتبر الرجل الذي يقيم مثل هذه العلاقة مخلاً بالشرف ,أو يتخذ ضده أي إجراء بهدف العقاب/ الشرف وفق هذا المفهوم لا ينطبق إلا على المرأة هنا يبرز التميز الواضح من المجتمع لصالح الرجل ففي الوقت الذي يعاقب حتى الموت احد شقي العلاقة المرأة ) ويغض الطرف كليا عن الشق الثاني ( الرجل ) علما أن الرجل والمرأة أقدما على الفعل نفسه وفق إرادة كل منهمكا ).
ولا تعتبر العشيرة أو العائلة التي أقدمت على قتل احدى بناتها أو نسائها أنها تمارس فعلا إجراميا , ولا ينظر للرجل الذي نفذ عملية القتل ( هذه ) على انه مجرم لا من وجهة نظر المجتمع ولا من وجهة نظر أفراد العشيرة , ولا من وجهة نظر القانون , بل على العكس ينظر إليه على انه رجل شريف ( مسح عار أسرته ) وأعاد لها مكانتها في المجتمع ويقدم القانون اكبر حماية لمرتكب عملية القتل,من خلال الأحكام المخففة التي يحكم بها عليه .
وقوانين العقوبات العربية تتضمن نصوصاً في التميز بين الرجل والمرأة في العقوبة في حالة التلبس بالزنا , بينما لم تعطي المرأة هذا الحق واعتبرت معظم قوانين العقوبات أن المرأة تعتبر زانية في أي مكان زنت فيه , بينما لا يعتبر الرجل زانيا إلا إذا زنا على فراش الزوجية . ولذلك نعتقد أن قضية جرائم الشرف هي “مشكلة قانونية”، ذات ارتباط كبير بـ”الفكر التسلطي الأبوي الذي يفرض من القيود ويحمّل المرأة من المسؤوليات – في الإطار الاجتماعي والسلوكي- أضعاف ما يحمّله للرجل “.
علم الاجتماع وجرائم الشرف:
بعد مراجعة وتأمل فيما يُنقل على لسان مختصين ومعنيين نلاحظ العديد من الآراء العلمية ذات العلاقة بمحل الحديث من قبيل التفسير النفسي للإخلال بالشرف، والذي يرتبط بدوافع نفسية وبيولوجية، وفيما تنقسم الدوافع النفسية إلى دوافع تقوى وفجور، يرتبط كل ذلك بولادة الإنسان أصلاً على الفطرة السليمة، ومن ثم تفاعله مع الحياة وزينتها من المال والبنين. وما أودعه الله فيها من شهوات ولذات زيّنها له. وفي هذه الحالة تكون دوافع الإخلال بالشرف عند النساء إما الجنس، أو بهدف الخيانة. وفي الإطار الاجتماعي لقضايا الشرف نؤكد أن موقع قيمة الشرف في المجتمع لها علاقة بما يحدث من جرائم؛ فثمة خمسة احتياجات للإنسان في مجتمعه: هي الدين والتكاثر والمال والعقل والأمن. وكل المجتمعات الإنسانية بحسب المختصين لديها ترتيبات وأولويات فيما يخص تنظيم الغريزة الجنسية والزواج، ولأن الأسرة هي عمود المجتمعات وأساسها فإنها تُحاط بسياج حماية، وخط دفاع اسمه الشرف، خاصة في المجتمعات الشرقية الأكثر محافظة.
ومن هنا فإن الأسرة التي تُصاب في شرفها تنهار بالكامل؛ لأن الشرف هو قوامها، ولأن المساس به يسبب لها عزلة اجتماعية ، بسبب اعتياد المجتمعات توسيع دائرة الاتهام للأسرة المطعونة في شرفها ، لتشمل الإخوة والأخوات والأب والأم، وحتى الأقارب، ولهذا يسارع بعضهم إلى التخلص من هذا العار -كما يعتقدون- بالقتل.
ونلاحظ إجتماعياً أن مرتكب جريمة الشرف يحظى بالقبول والرضا من المجتمع، وأن ارتكاب هذه الجريمة يغطي على التقصير الحاصل أصلاً من الأسر في التنشئة والتربية.
جرائم شرف أم قتل الشك :
يقدر المراقبون أن كثيراً من جرائم الشرف تُرتكب بسبب تلقي معلومات خاطئة ومضللة عن الضحية، وأن كثيراً منها يقوم على أساس الشك فقط . ويفسر علماء الاجتماع ذلك بما يسمونه تكوين الانطباعات الخاطئة المتراكمة، التي تؤدي في النهاية إلى الحكم على الضحية بأنها فاسدة أخلاقياً ، ومن ثم قتلها. ويشير هؤلاء إلى أن الأخبار والمعلومات السيئة أسرع وصولاً وقبولاً من أخبار الخير والإصلاح، وأن الإنسان يميل الى الحكم النهائي في مثل هذه القضايا دون تحري الحقيقة؛ إذ يتوقف البحث عن الحقيقة وتحري المصداقية فوراً.
جرائم الشرف في الرؤية الدينية :
إلى أي مدى تُقدّم المفاهيم والقيم الدينية الغطاء لمثل هذه الظواهر في عالمنا العربي والإسلامي؟ سؤال يطرح دائماً أمام هذا النوع من الجرائم نتيجة توهم الرخصة الدينية لها ، مع أن الحقيقة أن هذه الظاهرة لا يمكن تغطيتها بأي دين أو شريعة من الأديان أو الشرائع ، وإنما غطاؤها مستمدٌّ من قسوة التقاليد وظاهرة الخوف من العيب أكثر من الخوف من الحرام، من حيث أن مسألة العيب تتعلق بآنية المجتمعات الإسلامية والنظرة إليها، بينما الحلال والحرام في أذهان الكثير من الناس قضيةٌ مؤجّلةٌ إلى يوم القيامة، ونحن نعرف بأن ظاهرة جرائم الشرف والعرض تنتشر في عالمنا خاصةً من حيث أن المجتمع ينظر إلى مكانة الناس وإلى علاقاتهم بالآخرين من هذا الجانب، ولا يخفى على أحدٍ أن من خصائص هذه الأمة هو الحرص على اتصال النسب وسلامة الانتساب وطهارة العِرض بشكلٍ ربما لا نجده بهذه الدقة وهذا الاهتمام المتزايد المغالى فيه عند بقية الأمم, ولذلك فأن العالم العربي خاصةً والإسلامي عامةً غالى مغالاةً كبيرة في أن ينأى بنفسه عن أن يُثلم عرض هذه العائلة أو تلك أو يُنال من سمعتها بأن أحاطوا ذلك بسياجٍ من القسوة الشديدة التي لا يرضى بها الشرع ولا الدين ولا الله عز وجل, نحن نعلم أن في بعض المجتمعات يُنكّل بناءً على هذه الجرائم بالمجرم أو بالمتهم تنكيلاً أكثر من كونه قتلاً, نحن نعلم أنه في بعض البلدان تُفقأ عين الزانية ويُقطع أنفها، وتبقى حيةً كأنها أمثولة للآخرين, وهذه أمور حرمها الإسلام لأنها من التمثيل والتشويه غير الأخلاقي على الإطلاق ونحن نعرف أيضاً أن الإسلام حدد قضية الزنا وما يتصل به تحديداً كاملاً حين أحاط ذلك بسياجٍ من القيود لا يمكن الوصول إلى حقيقته, يعني أنه لا تقام عقوبة الزنى إلا إذا كان هناك أربعة شهود يشهدون على جريمةٍ كاملةٍ رأوها رأي العين، وأنت تعلم أن هذا من المستحيل أن يُثبت, وفعلاً في الإسلام ما ثبت جريمة بالشهادة وإنما تثبت بالاعتراف عندما يغلب الطابع الديني وخوف الله عز وجل على من يقترف مثل هذه الجرائم فيعترف أمام القضاء ويُقام عليه الحد..إما رجماً وإما جلداً..ولكن الذي يحدث هو غير هذا، وهو أن الناس يتحركون في هذا الموضوع تحركاً بعيداً عن أحكام الشرع الذي نهى عن التسرّع في إقامة الحدّ بل أمرنا الإسلام أن ندرأ الحدود بالشبهات.ولذلك نمن الطبيعي أن تحرم الرؤية الدينية هذه القسوة من حيث أن غطاءها هو التقاليد وخوف العيب أكثر من خوف الحرام.
جرائم الشرف بين التعاليم الدينية وأجواء التعصب :
الحقيقة كما أسلفنا أن التعاليم الدينية تحرّم القتل، لكن أجواء التعصب الديني بلا شك تشجع على القتل، وذلك لأن عقلية التعصب الديني من شأنها أن تنشئي أجواءً تستسهل قتل الآخر سواء كان معارضاً سياسياً أم كان معارضاً أخلاقياً ، ومن هنا نقول بصراحة إنه لا شك أن جرائم قتل الشرف لها علاقة بأجواء دينية سائدة في العالم العربي، هذا لا يعني أن التعاليم الإسلامية أو المسيحية تسمح بالقتل لكن أجواء التعصب الديني تدفع أشخاصاً مهووسين بهذا القدر أو ذاك إلى استسهال عملية القتل، طالما أن إلغاء الآخر إذا كان لا يتفق معي سياسياً أو إذا كان لا يتفق معي أخلاقياً أو إذا كان شخصاً آخر علمانياً أو إذا كان له نظرة مختلفة إلى الحياة والعلاقات الإنسانية، استسهال قتله أو إلغائه أو تجريمه أو جعله خارج النطاق الاجتماعي هذا الاستسهال يؤدي إلى الجريمة وهذه المشكلة مردها بشكل رئيسي هو التعصب الديني.
الموقف الشرعي من جرائم الشرف :
إن الولوج في معنى كلمة الشرف هو أمر شائك بين تعريف اللغة ومفهومه في الأعراف وفي الشرائع، فالشرائع السماوية متكاملة لا متصادمة ولا اختلاف بين ما جاء به سيدنا إبراهيم وما جاء به موسى و عيسى ومحمد عليهم السلام فجميعهم حملوا رسالة من إله واحد فكانت عقيد واحدة وشرائع مختلفة. ولاشك أن الشرف، أو ما يسمى بـ(العرض)، هو إحدى الضروريات الخمسة التي يحافظ عليها الإسلام، وهذه الضرورات هي (العقل، النفس، العرض، الدين، المال). وعلى المسلم كما غيره من أبناء باقي الأديان، صيانة وحماية هذه الضرورات. لكن أمر حمايتها شيء.. والانتقام لها شيء آخر! فالقتل من أجل صيانتها ليس متروكاً للإنسان على المستوى الفردي في مجال التطبيق والإجراء. بل الأمر من مختصات الدولة أو الحاكم الشرعي ، وهذا ما يسمى في الإسلام بصلاحية وليّ الأمر، فالدولة هي صاحبة الاقتصاص. وعلى هذا فالمستقل في القتل يعتبر قاتل للنفس البشرية بغير حق وهو قاتل بكل المواصفات القانونية كذلك. فمن اعتدى على شرف إنسان وانتهك هذه المحرمة فجزاؤه العقاب، ولكن ليس من قبل الفرد. بل تنفذ العقوبة حيث تثبت الجريمة بأركانها الأربعة.
وحسب النص الشرعي على مسؤولية الدولة والولي العادل. فالولي والدولة هما صاحبا القول الفصل . أن الشريعة لم تسمح لأحد أن يقيم الحد بنفسه بل فسحت المجال أن تتأثر هذه الحدود بالقيم والأخلاق، لأننا نحتاج في هذه المسألة إلى أربعة شهود عدل، وفقط بين الزوج والزوجة كان هناك تخصيص له أسبابه فكانت الملاعنة بينهما. فلو ترك الأمر للأفراد ينفذون ما يريدون لأضحى المجتمع فوضوياً، وتم فرط العقد الاجتماعي من غير أن نستطيع فيما بعد أن نجمعه. بل إننا نرى أن من أصابه مسّ في شرفه أن يرفع الأمر لولي الأمر أوللدولة والقانون. وأن يلحّ، إن تباطأت الدولة، بكل وسائله، وأن يجند معه من استطاع لتنفيذ العقوبة لتكون رادعاً.. لكي لا يطمع المجرمون في مثل هذه الجرائم. هذا من جهة ومن جهة أخرى فيما يخص وقوع الجريمة، هناك أمر أساسي يجب التأكد منه.. وهو أن تكون هذه الجريمة جريمة ثابتة من وجهة نظر شرعية وقانونية، لا من وجهة نظر شخصية. ولو تركنا توصيف الجرائم للناس كما يشاؤون، لا لنظر القانون والشريعة، لكانت الجرائم بطولات! وبعض البطولات جرائم إن موضوع جرائم الشرف يتعارض مع الشريعة الإسلامية في ثلاثة مخالفات تعتبر من الكبائر وهي: – القتل في مسالة لا يفترض أن يكون عقابها الشرعي القتل. – حد القذف. – الاعتداء على حق ولي الأمر في إقامة الحد.
وتوضيح ذلك : إن جرائم الشرف غالباً ما تحصل من خلال شباب العائلة، بحيث تُتَّهم المرأة بالفعل دون أن يدقّق في صحة التهمة بشكل قضائي أو بشكل موضوعي، بل إن مجرد إشاعة تكفي في تجريم هذه الفتاة أو المرأة، ما يدفع شيوخ العائلة أو الأب أو الأخ أو الزوج إلى القيام بقتل هذه المرأة، وهذا ما لا يبرره عقل ولا دين. لذلك لا يجوز لنا أبداً أن نعاقب إنساناً على فعل لم يثبت قيامه به. أما لو ثبت الجرم على المرأة، فإنّه لا يجوز لأحد قتلها، حتى لو كانت تعيش في دولة إسلامية، بل يجب أن تعاقب بعد ثبوت الجرم بالجلد مائة جلدة، ويطبَّق الأمر نفسه على الرجل: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة} (النور:۲). وفي خصوص مسألة الإثبات، فلا يجوز الحكم على المرأة بأنها مارست الزنى إلا بعد أن يكون شهد على ذلك أربعة شهود عدول في أرفع درجة من الاستقامة الدينية، ولا يكفي أن يرى الشهود مثلاً رجلاً على جسد امرأة في عملية تعكس إنطباعاً عن ممارسة الجنس، ولكن يجب أن يشاهدوا العمل الجنسي بتفاصيله، وإلا اعتبرت شهادتهم باطلة من الناحية الشرعية. وقد احتاط الإسلام لعملية الكذب والتلفيق، واعتبر أنه في حال انسحب شاهد من أصل الشهود الأربعة، يتم معاقبة الشهود الثلاثة، ويعتبر ذلك قذفاً للمرأة بالزنى.
ويذكر بعض الفقهاء في فرضية تصوير العملية الجنسية كاملة؛ بأن عملية التصوير ليست حجّة شرعية، لأنها قد تخضع لعمليات فنية تظهر الواقعة كما لو أنها مسألة حقيقية، في ما يمكن أن لا تكون كذلك. فاللعبة الفنية في عملية التصوير قد تظهر ما هو باطل على أنه حقّ. أما لو وجد رجل امرأته متلبّسة بالزنى مع شخص آخر؟فهناك رأي يحترمه الكثيرون من الفقهاء، وهو أنه لا يجوز للرجل أن يقتل امرأته، بل عليه أن يرفع الأمر إلى الجهات القضائية المختصة ، لأن الله لم يسلِّط الرجل على تطبيق القانون، كما لم يسلطه على مسألة الحكم بالزنى. وقد ورد في كتب السيرة، أن بعض الصحابة كانوا يتحدثون عن هذه المسألة، وعندما سُئل أحدهم عما يفعل في حال وجد زوجته مع رجل آخر، أجاب بأنه يقتلها. ولكن عندما نُقل الخبر إلى النبي(ص)، دعا الرجل إليه وسأله السؤال نفسه، فأجابه الرجل بالجواب المعهود، فسأله النبي(ص): وأين الشهود الأربعة؟ وهذا ما يفسّر أنه لا يمكن إجراء العقاب على الزوجة وصاحبها ما لم يكن هناك أربعة شهود.
وفيما يرتبط بشهادة الزوج فإن الرؤية الشرعية لا تكتفي بها ، لأنه قد يكذب. فقد تكون عنده عقدة ضد زوجته أو ضد الشخص الآخر، فلا بد هنا من رفع الأمر إلى القضاء المختص مع وجود الشهود الأربعة الذين يشهدون على العملية الجنسية. وهكذا تقدّم القضية إلى السلطات القضائية ليكون الحكم بالأمر بعدها للسلطة التنفيذية. وبناء على ما تقدم فإن الموقف الشرعي العام يؤدي إلى إعتبار جريمة الشرف عملاً منكراً ومداناً ومحرماً من الناحية الشرعية وجريمةً كاملة تترتب عليها كل تبعات الجريمة من دون أن تحمل أية عناصر تخفيفية، لأن هذه الجرائم ترتكب من دون إثباتات أو أسس شرعية، وتجري في الغالب الأعم على الشبهة، على أن الرجل زوجاً كأن أو أباً أو أخاً أو قريباً لا يملك ولاية تطبيق القانون ومعاقبة المرأة، وإنما ذلك من صلاحيات السلطة القضائية العادلة. وإنّ من يقوم بذلك ـ خلافاً للموقف الشرعي، يستحق العقاب في الدنيا كما أن هذه الجريمة هي من الكبائر التي يستحق مرتكبها دخول النار يوم القيامة
فكّ الارتباط بين الشرف والجريمة
في سياق هذه الدراسة الموجزة يجب فك الارتباط ما بين كلمة جريمة وكلمة شرف، لأنه لا توجد جريمة تتوائم مع الشرف إذ الشرف من مقولات عالم الأخلاق والقيم والقتل يقع على النقيض تماماً..فهو مصطلح فيه تناقض كبير وأيضاً فيه نوع من إضفاء جانب أخلاقي على الجريمة، وكأن هناك جريمة مشرّفة وجريمة غير مشرّفة . وبناءً على ذلك فاللازم أن تندرج هذه المسألة تحت مسمى الاعتداء على النساء . ونتساءل : هل يصان هذا الشرف بالقيم والأخلاق أم بالأحكام والحدود فمن لم تصنه الأولى لن تصنه الثانية. فما هو الشرف في خيالنا ؟ وما هو تعريفه .. هناك من حصر الشرف بالأنثى وهناك من ربطه بالفرج وعلى هذا نشأت عقولهم وتربت، وحتى يصان هذا الشرف لا بد أن تسيل الدماء.. فأين شرف الأرض والكرامة والدين … أليست كلها في مسمى الشرف، فلماذا نجزأه فنقتل باسم شرف مزعوم ونتناسى شرفنا في أماكن أخرى!؟. ثم من هو المجرم الحقيقي؟ هل هي التقاليد البالية أم الجهل بالحقوق والواجبات أم التنكر لأصول الشرع والدين ؟
أليست مصادرة حق المرأة في الحياة شكل جديد من أشكال الوأد الذي ينفي إنسانية المرأة وحقها في أن تتمتع بمجموعة من الحقوق باعتبارها فرداً في المجتمع؟ وهل يمكن لجريمة أن ترتكب بإسم الأخلاق؟! هل يمكن فعلاً التوفيق بين ما هو من عالم الجرائم وما هو من عالم الشرف والقيم ؟! ثم هل يمكن أن ينفصم الشرف فينطلق إباءً في دائرة الأسرة أو الفرد ويسكن ذلاً في دائرة الأمة وشرف مقدساتها؟! أليس غريباً أن نطلق سراح الأنا الفردية ثم نحبس أنا الجماعة لينتهك الشرف العربي والإسلامي في كل يوم وفي أكثر من صقع من بقاع محيطنا وخليجنا ؟! ضمن هذه الأسئلة المفتوحة، نلاحظ أن مصطلح جرائم الشرف، يحمل في طياته تناقضاً غير منطقي، فهو يضيف الشرف الذي هو القيمة التي يكسبها الإنسان نتيجة التزامه المبادئ السامية والمثل العليا إلى الجريمة التي تمثل التعبير العملي لمدى الانحطاط الأخلاقي أو القانوني لدى الفرد أو المجتمع.
جرائم الشرف أم جرائم القانون :
وهنا يكمن التناقض فالشرف قيمة معنوية لايمكن أن تكون دافعاً لارتكاب جريمة، خاصة إزهاق الروح.. كما أن الجريمة لا يمكن أن تضفي على مرتكبها صفة الشرف، لأن الشرف لا يؤخذ من الاستسلام لدوافع الإجرام وغرائزه وإنما من مقاومة هذه الدوافع والتغلب عليها . إن بعض القوانين التي تتعاطى مع موضوع البحث لا تختلف كثيراً عن جرائم الشرف، بل هي إحدى إفرازاتها المباشرة، فإنها تساهم في تكريس واقع إجرامي وتضفي عليه بعداً قانونياً قدسياً وسماوياً،وفي المحصلة النهائية، لن تكون تلك القوانين سوى تشجيعاً على البغاء وممارسة الرذيلة سراً وتمادياً في نشر الاغتصاب والتعدي على الحرمات وأعراض النساء . إنها مفارقة كبيرة أن يكون القانون مع القاتل ويشكل غطاء له، ومفارقة أكبر أن يكون هنالك تناقض واضح بين مواد القانون ومواد الدستور، فإن بعض الدساتير العربية اليوم لا ينص في أي بند من بنوده على أي تمييز بين الرجل والمرأة، ولكن بعض مواده من قانون العقوبات تنص على ما يخالف بنود الدستور. وهذه حالة فريدة في القانون حيث يكون جنس المجرم (ذكر أو أنثى) هو المعيار في استفادته من أحد الأعذار المحلة المنصوص عليها في القانون فإذا كان المجرم ذكراً فإنه يستفاد من العذر المحل وينجو بفعلته أما إذا كان الفاعل أنثى فإنه يحرم من هذا العذر وتنزل به أقسى العقوبات.
وهذا التمييز يخالف بالتأكيد نص الدستور الذي يعتبر المواطنين (بغض النظر عن جنسهم) متساوين أمام القانون والقضاء. وهو يخالف أيضاً العلة التي يتذرع بها واضع القانون لمنح القاتل عذراً محلاً في الجرائم التي ترتكب بذريعة الحفاظ على الشرف. فإذا كانت هذه العلة هي تفاجؤ القاتل بالوضع المريب الذي وجد قريبته فيه مع رجل غريب، وطغيان مشاعر الغيرة عليه، وثورته للدفاع عن عرضه وشرفه المهتوك، فإن هذه العلة تتوافر في الرجل كما تتوافر في المرأة بل ربما تتوافر في المرأة أكثر خاصة إذا رأت زوجها مع امرأة أخرى وغيرة المرأة أشد من غيرة الرجل.
وعلى ضوء ذلك أدعو المتخصصين في الدراسات القانونية والدينية أن يحولوا دون هيمنة الفكر الأحادي والأيديولوجيا السياسية التي تشوه الدين والقانون وتتلاعب بالنصوص ومقاصدها وتبرر التمييز وممارسة كل أشكال العنف على المرأة. ولا يتسنى ذلك إلاّ بتفكيك بنيان النصوص فقها وتفسيرا وبيان مواطن الضعف فيها بما يتوافق مع أخلاق الإسلام وكرامة الإنسان وحرمة دمه . فهذه النصوص تستند إلى ترسانة من التصورات والتمثلات الاجتماعية الخاصة بالمرأة والرجل، الذكورة والأنوثة، الأنا والآخر ، إلى غير ذلك من الثنائيات المتضادة التي تتحكم في المتخيل الجمعي. ويتعيّن على المعاصرين إعادة النظر في المرجعيات وإخضاع النصوص للنقد الدقيق والرصين حتى نتجاوز العقبات ومنطق الارتداد. فالناظر في الإجراءات المتخذة في عديد البلدان يدرك أن عجز السياسيين عن حل القضايا المزمنة كالفقر والبطالة والإدمان والتبعية للغرب والفساد جعلهم يحملون النساء مسؤولية الانحطاط والوهن فيعمدون إلى حجبها في البيت وتقليص أدوارها.
ولعل مكمن الخطر أن كل هذه الإجراءات التمييزية وهذا العنف يتم باسم الدين والشريعة. إنّ أزمة المعرفة الدينية وحالة الفوضى المنتشرة خاصة في مؤسسة الإفتاء المعاصرة وغيرها من مظاهر الوهن تقتضي وضع التراث موضع تمحيص ومساءلة الذات. إن قراءة بسيطة لما ورد في تعريف القانون “لجرائم الشرف”، بالإضافة لهذه النصوص والاجتهادات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، رغبة المشرّع القانوني ليس فقط في تأمين الحماية القانونية للجاني وإعفائه من العقاب أو منحه العذر المخفف، بل أيضاً في تشريع هذا النوع من الجرائم واعتباره الرد الطبيعي والأمثل لإقدام الإناث على إقامة علاقات أو صلات غير مشروعة مع الغير أو لمجرد الشبهة أو الريبة.
هذا أمر يدعو للدهشة، إذ كيف يُعقل أن يجيز المشرع القانوني القتل لمجرد الشبهة أو الريبة، خاصة وأن مصطلح “الشبهة أو الريبة” مصطلح فضفاض لا معيار له ويصعب تحديده، قد يصل بالبعض إلى ارتكاب القتل لمجرد الشك أو حتى لمجرد ثرثرة كيدية. وكيف يُعقل أن يجيز المشرع حق القاتل بأن يكون الخصم والحكم والمنفذ للعقوبة بآن معاً؟ وكيف يعقل أن يجيز المشرع أن يحكم امرؤ على آخر بعقوبة القتل دون أن يُسمح للأخير حتى بالدفاع عن نفسه؟ وأخيراً كيف للمشرع أن يوافق وأن يساهم في إفساح المجال للإساءة للأنثى وأذيتها وحتى قتلها رغم أن ذلك يشجع على الإجرام والقتل لغايات أخرى بعيدة كل البعد عن الشرف، وإن كانت تظهر للعلن على أنها جريمة شرف فإن الشرف قيم وأخلاق وليس دعوة إلى القتل .
لا شك أن هذه النصوص والاجتهادات القانونية التي تبيح للرجل قتل الأنثى، قد صيغت استناداً إلى أعذار وهمية، لكنها أرست قيم فكرية واجتماعية متخلفة وإزدواجية أخلاقية بات من الضروري تجاوزها وتعديلها بما يتناسب مع قيم الإسلام وكرامة الإنسان وروح الشرائع ومنطق الأخلاق الذي لا يقبل تجزيئاً وبلا إنفصاماً. كذلك وهو الأهم، فإن إباحة القتل بذريعة (الدافع الشريف) يعني إعمال مبدأ استيفاء الحق بالذات، وهو المبدأ ذاته الذي رفضه المشرع عندما صاغ مواد قانون العقوبات لما فيه من مجافاة للعدالة، وتكريس لمبدأ القوة والتسلط، بدلاً من مبادئ العدالة والقانون وقيم الأخلاق والإيمان .
وختاماً : لقد حاولنا أن نلقي الضوء على هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة التي تتسبب سنوياً في مقتل حوالي خمسة آلاف فتاة وامرأة في العالم، هذه الآفة التي وصفتها وزيرة خارجية السويد بأنها ظاهرةٌ عالميةٌ ليست قصراً على ثقافةٍ أو دينٍ معين إلا أنها تنتشر أشد ما تنتشر في العالم العربي والإسلامي, وهي انتقلت إلى العالم الغربي في السنوات الأخيرة جرّاء ارتكابها من جانب مهاجرين حملوا معهم إرثهم الثقافي الاجتماعي إلى الغرب، خطورة الظاهرة لا تكمن فقط في العدد الكبير من الضحايا والذين بحسب الخبراء تثبت براءة غالبيتهن العظمى من التهم الموجهة إليهن بعد مقتلهن، بل في انعكاساتها وتأثيراتها على المجتمع وعلى دور المرأة والتنمية وعلى العلاقة ما بين الدولة والمجتمع، وفوق كل هذا على دور مؤسسات المجتمع المدني، والأهم من ذلك كله تأثيراتها على أصل النظرة إلى الدين الإسلامي الحنيف ومجتمعه الإيماني ، حيث يتم إلتقاط المشهد زوراً لينسب إلى الإسلام ، هذا الدين الأخلاقي الراقي الذي يعاني من محاولات التشويه والتزوير لقيمه وأخلاقياته وإنسانياته الرحبة ، حتى ليكاد يصبح غريباً منبوذاً . وكفى بربك هادياً ونصيراً