- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله بجميع محامده كلّها على جميع نعمه كلّها، الحمد لله على حلمه بعد علمه والحمد لله على عفوه بعد قدرته والحمد لله على طول أناته في غضبه وهو القادر على ما يريد. نحمده ونستعينه ونستهديه ونؤمن به ونتوكّل عليه ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه وحافظ سره ومبلّغ رسالاته وسيّدنا ونبيّنا وحبيبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيّما بقية الله في الأرضين، وصلّ على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله. الصوم تشريف ونعمة إلهية قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم). نسأل الله تعالى أن يبارك هذا الشهر، شهر الضيافة الإلهية، على الأمّة الإسلامية جمعاء، وخاصة على الشعب الإيراني العزيز وبالأخص عليكم أيّها المصلّون الكرام.
تتحدث الآية الشريفة عن مسألة الصوم، وأن هذه الفريضة الإلهية كُتبت أيضاً على الأمم التي سبقت الأمّة الإسلامية؛ فمن جملة الفرائض والواجبات التي يحتاج إليها الإنسان في شتى الأدوار المختلفة هي فريضة الصوم، كما هو الحال أيضاً بالنسبة للصلاة وذكر الله. وانطلاقاً من الصفة البشرية التي يحملها الإنسان؛ فهو يبقى في جميع أدوار الحياة البشرية وفي جميع الظروف والأحوال، وفي جميع الحضارات، بحاجة إلى مثل هذه الأعمال والفرائض ومن جملتها الصوم.
سأتحدث هذا اليوم في الخطبة الأولى عن موضوع الصوم، وأتحدث في الخطبة الثانية إن شاء الله عن بعض القضايا الجارية في بلدنا ومجتمعنا. هذا الصوم الذي نتحدث عنه بصفته تكليفاً إلهياً، يُعتبر في الحقيقة تشريفاً إلهياً ونعمة إلهية وفرصة ثمينة جداً لمن يوفّقون للصوم، وهو لا يخلو من المصاعب طبعاً، بل إن جميع الأعمال المباركة والمفيدة لا تخلو من المصاعب؛ والإنسان بدون تحمل المصاعب لا يصل إلى الغاية المنشودة. وهذا القدر من المصاعب التي تواجه الإنسان أثناء الصيام لا تكاد تمثّل شيئاً ذا بال في مقابل ما يعود عليه بالنفع؛ وذلك لأنّه ينفق القليل ويحصل على الكثير.
مراتب الصوم
ذكروا للصوم ثلاث مراتب وكلها مفيدة لمن هم أهل لها.. الأولى منها هي مرتبة الصوم العام بما يعنيه من الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المحرّمات. ولو كان الصوم لا يعني إلا الإمساك عن هذه الأمور، لكانت فيه منافع كثيرة؛ لأنّه بمثابة تعليم لنا، ولنا فيه درس وتمرين وممارسة واختبار، وهو بمثابة رياضة تفوق في فائدتها الرياضة الجسمية. وقد وردت عن الأئمة (عليهم السلام) روايات تتحدث عن هذه المرتبة من الصيام.
فهناك رواية منقولة عن الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) يعلل فيها الصوم بقوله: “ليستوي به الغني والفقير”؛ على اعتبار أن الفقير لا يستطيع الحصول على كل ما تشتهيه نفسه من الأطعمة والأشربة طوال اليوم، بينما الغني يستطيع الحصول على كل ما لذّ وطاب.
ومن الطبيعي أن الغني لا يدرك حالة الفقير وفقره وعدم قدرته على توفير كل ما تشتهيه نفسه. أمّا عند الصوم فيصبح وإيّاه على حد سواء ويُحرم كلاهما من المشتهيات النفسية باختيارهما. ووردت عن الإمام الرضا (عليه السلام) رواية أخرى يشير فيها إلى نكتة أخرى، حيث يقول: “لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلّوا على فقر الآخرة”؛ إذ أن من جملة الابتلاءات التي يواجهها الإنسان في يوم القيامة هي الجوع والعطش. وهكذا يجب عليه مكابدة جوع وعطش شهر رمضان ليعرف حالة يوم القيامة ويتنبّه إلى صعوبة تلك اللحظة العسيرة.
وهناك أيضاً رواية أخرى عن الإمام الرضا (عليه السلام) تعنى ببعد آخر من أبعاد الصيام وهو بعد الجوع والعطش، يقول (عليه السلام) فيها: “صابراً لما أصابه من الجوع والعطش”؛ أي أن الصوم يمنح الإنسان القدرة على الصبر على تحمل الجوع والعطش. فالأشخاص الذين يتربون في ظل حياة مترفة لا يذوقون فيها الجوع والعطش ليس لديهم قدرة على الصبر والتحمّل، ويهزمون سريعاً في الكثير من الميادين، وتسحقهم عجلة الحياة وشدائدها وتجاربها بكل سهولة؛ أمّا الإنسان الذي ذاق طعم الجوع والعطش فهو يعرف معنى هذه الأمور ويتحلى بالقدرة على تحمل الشدائد التي قد تعرض له عن هذا الطريق. وشهر رمضان يمنح الجميع هذا الصبر وهذه القدرة على التحمّل.
ووردت في هذا الميدان أيضاً رواية أخرى عن الإمام الرضا (عليه الصلاة والسلام)، ولعل هذه الجمل تشكّل عدّة فقرات من حديث واحد، فهو يقول في وصف شهر رمضان: “ورائضاً لهم على أداء ما كلّفهم”؛ أي أن تحمل الجوع والعطش في شهر رمضان يعد نوعاً من الرياضة التي تجعل الإنسان قادراً على تأدية شتّى تكاليف الحياة. والمراد طبعاً هنا هو الرياضة الشرعية والرياضة الإلهية والرياضة الاختيارية؛ إذ أن من جملة الأمور التي تمكّن الإنسان من طيّ السبل العسيرة في الحياة هي الرياضة الروحية التي يلتجئ إليها الكثيرون، وهي رياضة شرعية طبعاً.
وعلى هذا، نفهم من الأحاديث الآنف ذكرها أن هذه المرتبة من الصيام، أي مرتبة تحمل الجوع والعطش، تخلق لدى الأغنياء شعوراً بالمساواة مع الفقراء، وتذكّر الإنسان بجوع يوم القيامة، وتعوّده على الصبر وتحمّل الشدائد؛ كما ان الصوم، بصفته رياضة إلهية، يعلّم الإنسان الصبر على أداء التكاليف.
هذه الفوائد موجودة كلّها في هذه المرتبة، علاوة على أن خلوّ البطن من الطعام واجتناب الأعمال المباحة في سائر الأيام يزوّد الإنسان بنورانية وصفاء ونقاء؛ وهو ما ينبغي اغتنامه. المرتبة الثانية من مراتب الصوم هي الورع عن المحارم؛ أي أن يحفظ الإنسان أذنه وعينه ولسانه وقلبه وحتّى جلده وشعره -كما جاء في بعض الروايات- عن اقتراف المآثم. فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: “الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب”. وهذه مرتبة أخرى من مراتب الصوم أكثر رفعة من الأولى.
إذاً، فرصة شهر رمضان ثمينة يجب اغتنامها للتمرين على ترك المآثم… كثيراً ما يطلب مني بعض الشباب أثناء مراجعتهم لي أن أدعو لهم لكي يستطيعوا جبَّ أنفسهم عن المعاصي. ولاشك في أن الدعاء أمر جيّد ولازم، بيد أن التورّع عن اقتراف الذنوب يستلزم وجود إرادة لدى الإنسان، حيث يجب عليه أن يعزم على ترك الذنب، وحينما يعزم المرء يصبح هذا العمل سهلاً جداً؛ فاجتناب المعاصي يبدو أمام نظر الإنسان وكأنّه جبل، ولكنه يبدو بعد العزم وكأنه أرض منبسطة. وشهر رمضان أفضل فرصة للتمرّن على هذا العمل. وردت في هذا المجال رواية أخرى منقولة عن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، وهي أنها قالت: “ما يَصنَع الصائم بصيامه إذا لم يصُن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه؟!”.
ويروى أن امرأة أهانت خادمتها؛ ويبدو أنهما كانتا تجاوران الرسول (صلّى الله عليه وآله) أو كانتا معه في سفر. وكان بيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) طعام، فقدّمه لها وقال لها: كُلي. قالت: أنا صائمة. فقال لها: “كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟! إن الصوم ليس من الطعام والشراب، وإنّما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول”. أي أن الله تعالى أراد من الإنسان اجتناب الذنوب والمعاصي والآثام..
ومن جملة الآثام هي التي يقترفها اللسان وإهانة الآخرين والإساءة إليهم. ومنها أيضاً الآثام القلبية، أي شحن القلب بالحقد والكراهية للآخرين؛ فبعض الآثام يصدق عليها معنى الاصطلاح الشرعي، والبعض الآخر منها أخلاقي، ولها مراتب شتّى. إذاً، فالمرتبة الثانية من الصوم هي الورع عن اقتراف الذنوب والآثام والمعاصي، وإني أوصي الشباب خاصة باغتنام هذه الفرصة، فالشاب لديه القدرة من جهة، ويتصف بصفاء القلب ونورانيّته من جهة أخرى.
اغتنموا هذه الفرصة طوال مدّة شهر رمضان، ومرّنوا أنفسكم على اجتناب الذنوب. وهذه هي المرتبة الثانية من مراتب الصوم. أمّا المرتبة الثالثة من مراتب الصوم فهي اجتناب كل ما يجعل فكر ووجدان الإنسان غافلاً عن ذكر الله. وهذه هي تلك المرتبة السامية التي وردت في حديث المعراج عن الصوم؛ حيث يروى أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لربّه (جلّت عظمته): “يا رب، وما ميراث الصوم”؟ قال: “الصوم يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين؛ فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح بعسر أم بيسر”.
واليقين هو ما طلبه النبي إبراهيم من ربّه، وورد ذكره في مواضع متكررة وعديدة من أدعية هذا الشهر. وعندما يكون للإنسان يقين، تهون عليه كل مصاعب الحياة، ويكون في وضع لا تغلبه فيه حوادث الدهر. لاحظوا مدى أهمية هذا الأمر؛ فالإنسان الذي يروم طيّ سبيل التعالي والتكامل في سنوات حياته، وليصبح على درجة من الصلابة بحيث لا تقهره عوادي الزمن، يمكنه اكتساب هذا كله من اليقين، وهذا كله ناجم عن الصوم. فإذا أحيا الصومُ ذكرَ الله في قلب المرء وأضاء فيه نور معرفة الله، تأتي هذه الأمور كلّها تبعاً له؛ وكل ما يؤدي به إلى الغفلة عن ذكر الله يضمحل على أثر الصوم.
فهنيئاً لمن يستطيعون بلوغ هذه المرتبة. وما علينا إلاّ أن ندعو الله ونسأله، ونصمم على إيصال أنفسنا إلى هذه المرتبة. اللهم إنّا نسألك بحق محمد وآل محمد أن تجعلنا ممن أخلص لك الصيام، ووفّقنا لبلوغ الدرجات العليا للصيام، ومنَّ علينا بجميع البركات التي جعلتها لهذه الفريضة.