- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 7 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث السابع: صلة البداء بالقضاء الالهي
أقسام القضاء الإلهي :
1 ـ القضاء المحتوم:
وهو القضاء القطعي الذي لا يقبل المحو والتبديل والتغيير.
2 ـ القضاء غير المحتوم:
وهو القضاء غير القطعي الذي جعل الله تحقّقه متوقّفاً على توفّر بعض الشروط وانتفاء بعض الموانع.
ولهذا يقع التبديل والتغيير في هذا القضاء فيما لو لم تتوفّر بعض شروطه أو فيما لو لم تنتف منه بعض الموانع.
صلة البداء بالقضاء الإلهي:
البداء يكون في القضاء غير المحتوم دون المحتوم.
ولهذا قال الشيخ المفيد: “فالبداء من الله تعالى يختص ما كان مشترطاً في التقدير”(1).
مثال للقضاء الإلهي المحتوم وغير المحتوم : الأجل
معنى الأجل: هو المدّة المعيّنة للإنسان ليعيش في الحياة الدنيا.
أقسام الأجل
1 ـ الأجل المحتوم (المقضي) (المسمّى):
وهو الأجل الذي قضاه الله وقدّره بصورة حتمية بحيث جعله لا يقبل التقديم والتأخير.
2 ـ الأجل غير المحتوم (الموقوف) (غير المسمّى):
وهو الأجل الذي جعل الله فيه قابلية التقديم والتأخير.
أقوال أهل البيت(عليهم السلام) حول قوله تعالى :
{ ثمّ قضى أجلاً وأجل مسمّى عنده } [ الأنعام: 2 ]
قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليهم السلام): “هما أجلان: أجل موقوف يصنع الله ما يشاء.
وأجل محتوم”(2).
وقال(عليه السلام) أيضاً: “الأجل الذي غير مسمّى موقوف يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء.
وأمّا الأجل المسمّى… [ فهو محتوم، ومنه ] قول الله: { إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [ الأعراف: 34 ]”(3).
سأل حمران بن أعين الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام) حول هذه الآية، فقال(عليه السلام): إنّهما أجلان: أجل محتوم وأجل موقوف.
قال حمران: ما المحتوم؟
قال(عليه السلام): الذي لا يكون غيره.
قال: وما الموقوف؟
قال(عليه السلام): هو الذي لله فيه المشيّة [ أي: يقدّم أو يؤخّر منه ما يشاء ]…”(4).
المبحث الثامن: البداء ولوح المحو والاثبات
قال تعالى: { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } [ الرعد: 39 ]
أنواع اللوح :
1 ـ اللوح المحفوظ (أم الكتاب)
وهو اللوح الذي يُكتب فيه القدر والقضاء الإلهي المحتوم، ولهذا يكون هذا اللوح مصوناً من المحو والإثبات والتغيير والتبدّل، ولا يطرأ البداء على ما تمّ تدوينه في هذا اللوح.
2 ـ لوح المحو والإثبات
وهو اللوح الذي يُكتب فيه القدر والقضاء الإلهي غير المحتوم، أي: القدر والقضاء الذي جعل الله تحقّقه متوقّفاً على توفّر بعض الشروط وانتفاء بعض الموانع.
ولهذا يقع التغيير والتبديل في ما تمّ تدوينه في هذا اللوح.
ويمحو الله تعالى في هذا اللوح ما يشاء ويثبت ما يشاء.
توضيح: يكتب الله في لوح المحو والإثبات ما قدّر تحقّقه في المستقبل.
وبما أنّ لأفعال ومواقف العباد دوراً في تغيير ما قدّره الله لهم، فلهذا إذا غيّر العباد سلوكهم وتصرّفاتهم فإنّ الله سيغيّر ما قدّره لهم، وسيمحو ما كتبه في لوح المحو والإثبات ويبدل ذلك بتقدير آخر.
صلة البداء بعلم الله الذاتي :
وقوع التغيير في التقدير الإلهي لا يوجب وقوع التغيير في العلم الإلهي الذاتي; لأنّه تعالى كما هو عالم بالتقدير الأوّل فإنّه كذلك عالم من الأزل بأنّه سيغيّر هذا التقدير بتقدير آخر.
المبحث التاسع: أمثلة وقوع البداء لله تعالى
البداء الأوّل : رفع العذاب عن قوم يونس(عليه السلام)
قال تعالى: { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } [ يونس: 98 ]
خطوات تحقق البداء الإلهي بالنسبة إلى قوم يونس(عليه السلام) :(5)
1 ـ أرشد النبي يونس(عليه السلام) قومه إلى الهدى والإيمان.
2 ـ أصرّ قوم يونس على الكفر والعصيان.
3- أيس النبي يونس(عليه السلام) من دعوة قومه، فطلب من الله أن ينزل عليهم العذاب.
4 ـ استجاب الله دعاء النبي يونس(عليه السلام) على قومه.
5 ـ قضى الله قضاءً غير حتمياً بإنزال العذاب على قوم يونس(عليه السلام).
6- أخبر الله النبي يونس(عليه السلام) بأنّه سينزل على قومه العذاب في يوم كذا.
7- أخبر النبي يونس(عليه السلام) قومه بتعلّق الإرادة الإلهية بإنزال العذاب عليهم في يوم كذا .
8- خرج النبي يونس(عليه السلام) في اليوم المحدّد من المنطقة التي يسكنها قومه.
9- ظهرت آثار نزول العذاب الإلهي على قوم يونس(عليه السلام) في الوقت المحدّد.
10- ندم قوم يونس(عليه السلام) على عصيانهم لله، فتابوا وفزعوا إلى الله تعالى.
11- ظهر لله في الواقع الخارجي ندم وتوبة قوم يونس(عليه السلام) واستغاثتهم به لرفع العذاب.
12 ـ غيّر الله ما قدّره من العذاب على قوم يونس(عليه السلام) بعد توبتهم.
13- محا الله تقديره الأوّل بإنزال العذاب على قوم يونس(عليه السلام) واستبدله بتقدير آخر.
14 ـ كان التقدير الإلهي الثاني أن يرفع عنهم العذاب ويمتّعهم إلى حين.
15 ـ وهنا وقع البداء، وكذلك يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أُمّ الكتاب.
البداء الثاني : بداء آخر بالنسبة إلى النبي يونس(عليه السلام)
قال تعالى: { فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } [ الصافات: 143 ]
خطوات تحقّق هذا البداء :(6)
1- استاء النبي يونس(عليه السلام) لعدم نزول العذاب على قومه، فلم يرجع إليهم.
2- قدّر الله وقضى أن تبلع الحوت النبي يونس(عليه السلام)، وأن يلبث في بطنها إلى يوم القيامة.
3 ـ أكثر النبي يونس(عليه السلام) في بطن الحوت من ذكر الله وتسبيحه.
4- ظهر لله في الواقع الخارجي توسّل النبي يونس(عليه السلام) بالذكر والتسبيح.
5- غيّر الله ما قدّره للنبي يونس(عليه السلام) في خصوص بقائه في بطن الحوت إلى يوم القيامة.
6- استبدل الله تقديره الأوّل بتقدير آخر، وهو إخراج النبي يونس(عليه السلام) من بطن الحوت.
7- أخرج الله النبي يونس(عليه السلام) من بطن الحوت، وقال تعالى: { فلولا أنّه كان من المسبّحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } [ الصافات: 143 ـ 144 ]
البداء الثالث : تغيير مدّة ميقات النبي موسى(عليه السلام)
قال تعالى: { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة } [ الأعراف: 142 ]
خطوات تحقّق هذا البداء :
1 ـ قدّر الله أن يستدعي النبي موسى(عليه السلام) لميقاته مدّة ثلاثين ليلة.
2- أخبر النبي موسى(عليه السلام) قومه بأنّه سيغيب عنهم ثلاثين ليلة، وقال لهم: “إنّ ربّي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه”(7).
3 ـ ذهب النبي موسى(عليه السلام) إلى ميقات ربّه وناجى الله ثلاثين ليلة.
4- غيّر الله تقديره الأوّل في خصوص مدّة بقاء النبي موسى(عليه السلام) في الميقات، واستبدله بتقدير آخر، وهو أن يزيد الميقات عشرة ليال أخرى.
5- قد يكون سبب هذا التغيير ما ظهر لله من أحوال قوم موسى(عليه السلام)، فأراد أن يختبرهم ويرى ما هو موقفهم عند تأخير عودة النبي موسى(عليه السلام) من الميقات.
البداء الرابع : إبعاد الله الموت عن العروس
روي أنّ المسيح عيسى بن مريم مرّ بقوم مُجلَبين(8).
فقال: ما لهؤلاء؟
قيل: يا روح الله، إنّ فلانة بنت فلان تُهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه.
قال: يجلبون اليوم ويبكون غداً.
فقال قائل منهم: ولِمَ يارسول الله؟
قال: لأنّ صاحبتهم ميّتة في ليلتها هذه…
فلمّا أصبحوا جاؤوا، فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء.
فقالوا: ياروح الله إنّ التي أخبرتنا أمس أنّها ميّته لم تمت!
فقال عيسى(عليه السلام): يفعل الله ما يشاء، فاذهبوا بنا إليها.
… قالت : … كان يعترينا سائل في كلّ ليلة جمعة، فننيله ما يقوته إلى مثلها، وأ نّه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري، وأهلي بمشاغيل، فهتف فلم يجبه أحد، ثمّ هتف فلم يجب حتّى هتف مراراً، فلمّا سمعت مقالته قمت متنكّرة حتّى أ نَلْتهُ كما كنّا نُنيله.
فقال [ عيسى(عليه السلام) ] لها: تنحّي عن مجلسك، فإذا تحت ثيابها أفعى مثل جَذَعة عاض على ذنبه.
فقال(عليه السلام): بما صنعتِ صرف الله عنكِ هذا”(9).
البداء الخامس : إبعاد الله الموت عن اليهودي
عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)، قال: مرّ يهودي بالنبي(صلى الله عليه وآله)، فقال: السّام عليك.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): عليك!
فقال أصحابه: إنّما سلّم عليك بالموت، قال: الموت عليك، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): وكذلك رددت.
ثمّ قال النبي(صلى الله عليه وآله): إنّ هذا اليهودي يعضّه أسود في قفاه فيقتله، قال: فذهب اليهودي فاحتطب حطباً كثيراً، فاحتمله ثمّ لم يلبث أن انصرف، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): ضعه.
فوضع الحطب، فإذا أسود في جوف الحطب عاضّ على عود.
فقال(صلى الله عليه وآله): يا يهودي ما عملت اليوم؟
قال: ما عملت عملاً إلاّ حطبي هذا احتملته فجئت به، وكان معي كعكتان، فأكلت واحدة وتصدّقت بواحدة على مسكين.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): بها دفع الله عنه.
وقال(صلى الله عليه وآله): إنّ الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان(10).
البداء السادس : التأجيل والتأخير في النصر الإلهي
ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “كان في بني إسرائيل نبي وعده الله أن ينصره إلى خمس عشرة ليلة، فأخبر بذلك قومه.
فقالوا: والله إذا كان ليفعلن وليفعلن!
فأخّره الله إلى خمس عشرة سنة.
وكان فيهم من وعده الله النصرة إلى خمس عشرة سنة.
فأخبر بذلك النبي قومه.
فقالوا: ما شاء الله.
فعجّله الله لهم في خمس عشرة ليلة”(11).
البداء السابع : تأجيل الله أجل المَلِك
قال الإمام علي بن موسى(عليه السلام): لقد أخبرني أبي عن آبائه أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان المَلِك أنّي متوفّيه إلى كذا وكذا.
فأتاه ذلك النبي فأخبره، فدعا الله المَلك وهو على سريره حتّى سقط من السرير، فقال: ياربّ أجّلني حتّى يشبّ طفلي وأقضي أمري.
فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ذلك النبي: أن ائت فلان المَلِك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله، وزدت في عمره خمس عشرة سنة.
فقال ذلك النبي: ياربّ إنّك لتعلم أنّي لم أكذب قطّ!
فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: إنّما أنت عبد مأمور، فأبلغه ذلك، والله لا يسأل عمّا يفعل(12).
المبحث العاشر: أسباب أهمية البداء
1 ـ التأكيد على حرّية الله في أفعاله.
إنّ الله تعالى غير مقيّد بحدود معيّنة مقدّرة منه تعالى منذ الأزل بحيث يكون الله تعالى ـ والعياذ بالله ـ عاجزاً عن تخطّيها أو تجاوز حدّها، بل الله تعالى قادر على تغيير ما قدّره مسبقاً بتقدير آخر، ومجرّد تقديره لشيء لا يحدّد أفعاله ولا يمنعه من تغيير ذلك.
بعبارة أخرى: إذا قدّر الله شيئاً فإنّه غير مقيّد بالعمل وفق ما قدّره مسبقاً، بل له الحرّية والقدرة على تغيير هذا التقدير واستبداله بتقدير آخر.
2- التأكيد على هيمنة الله وسلطانه على أمور العالم كلّها، وتصرّفه المباشر فيها حسب مشيئته وإرادته الحكيمة.
3- التأكيد على مسألة اختيار الإنسان ودوره في تغيير مصيره بأفعاله وأعماله.
وهذا ما يحثّ الإنسان على الجدّ والاجتهاد لرفع مستواه والوصول إلى ما هو الأفضل عن طريق تمسّكه بالأسباب المادّية المتاحة له والأسباب المعنوية كالدعاء والتوسّل والصدقات وأنواع البرّ والطاعات.
وهذا بعكس ما لو كانت عقيدة الانسان بأنّ التقدير كلّه بيد الله من دون أن يكون للإنسان أيّ أثر في ذلك، وقد كُتب مصير كلّ إنسان، وجفّ القلم، والإنسان غير قادر على تغيير ما قُدّر له.
فهذه العقيدة تبعث الإنسان نحو الإحباط واليأس والقنوط، وتشلّ قدرته وتسلب منه القوّة والعزم والإرادة على تغيير مصيره نحو الأفضل.
وبصورة عامّة: الاعتقاد بالبداء يعني الاعتقاد بامتلاك القدرة على تغيير المصير المقدّر من قبل الله تعالى، وهذا ما يحثّ الإنسان على العمل الدؤوب والجاد من أجل تغيير مصيره بيده نحو الأفضل.
4 ـ التأكيد على أنّ إرادة الله حادثة وليست قديمة.
وتنقسم إرادة الله إلى قسمين:
أوّلاً: إرادة وقوع فعل معيّن في نفس الوقت.
ثانياً: إرادة وقوع فعل معيّن في المستقبل.
فالقسم الأوّل : إرادة وقوع فعل معيّن في نفس الوقت.
تتجسّد هذه الإرادة عن طريق تحقّق الفعل المقصود في الواقع الخارجي.
قال تعالى: { إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } [ يس: 82 ]
والقسم الثاني : إرادة وقوع فعل معيّن في المستقبل.
تتجسّد هذه الإرادة عن طريق الكتابة في الألواح.
فتتجسّد إرادة الله الحتمية في لوح أم الكتاب.
وتتجسّد إرادة الله غير الحتمية في لوح المحو والإثبات.
____________
1- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في معنى البداء، ص 67.
2- التفسير، العياشي: ج 1، تفسير سورة الأنعام، ح 7، ص 355.
3- المصدر السابق: ح 5، ص 354.
4- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 52، باب 25، ح 133، ص 249.
5- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج 5، تفسير آية 98 من سورة يونس، ص 203 ـ 205.
6- انظر: المصدر السابق.
7- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي،ج 7، تفسير آية 142 من سورة الأعراف، ص 175.
8- مجلبين، أي: في حالة صياح وصخب.
9- الأمالي، الشيخ الصدوق: المجلس 75، ح 816 / 13، ص 589 ـ 590.
10- الكافي، الشيخ الكليني: ج1، باب أنّ الصدقة تدفع البلاء، ح3 ، ص5 .
11- الإمامة والتبصرة، الشيخ الصدوق: ح 86 ، ص 95.
بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج4، كتاب التوحيد، باب 3، ح 32، ص 112.
12- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 66 ، ح1، ص 430 ـ 431 .
المصدر: التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون