- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الخامس: مناقشة رأي الأشاعرة حول غرض وغاية الفعل الإلهي
رأي الأشاعرة : إنّ أفعال اللّه تعالى ليست معلّلة بالأغراض(1).
أدلة الأشاعرة(2) :
الدليل الأوّل للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى :
لو كان لفعله تعالى غرض ، لزم أن يكون الباري عزّوجلّ ناقصاً بذاته ومستكملا بتحصيل ذلك الغرض، ولكن اللّه تعالى غني بذاته، ولايجوز له الاستكمال .
يرد عليه :
1- إنّ الاستكمال يكون فيما لو كانت أغراض وغايات الفعل الإلهي تعود على اللّه تعالى بالمنفعة، ولكن الأمر ليس كذلك ، وإنّ منفعة هذه الأغراض والغايات تعود للمخلوقات .
فلهذا لا يلزم وجود الغرض والغاية في الفعل الإلهي الاستكمال له تعالى(3).
تنبيه : قد لا يكون الغرض من الفعل الإلهي منفعة العبد، وإنّما يكون ذلك لاقتضاء نظام الوجود.
مثال ذلك : إنّ من أمثلة “اقتضاء نظام الوجود”: خلود أهل النار في النار، لأنّ خلودهم لا نفع فيه لهم، ولكنه من قبيل اقتضاء أعمالهم السيئة، لأنّ الإنسان يخلّد في الآخرة مع أعماله التي قام بها في الدنيا ، والأعمال السيئة تتحوّل إلى نار، فيعيش معها .
بعبارة أُخرى : إنّ منشأ خطأ الأشاعرة هو الخلط بين :
أ ـ غاية الفاعل .
ب ـ غاية الفعل .
والمنفى عنه تعالى هو “غاية الفاعل”، لأنّ وجود الغاية للفاعل تعني: أنّ الفاعل ناقص، فيصل إلى الكمال عن طريق الغاية ، وهذا لا يجوز بالنسبة إلى اللّه تعالى .
والثابت للّه تعالى هو “غاية الفعل” ، وهذا لا يستلزم وجوده النقص للّه تعالى، بل يؤدّي إلى نفي العبث عن أفعاله تعالى(4).
2 ـ إنّ احتياج الفعل الإلهي إلى الغرض والغاية ليس من قبيل :
الاحتياج الدال على نقصه تعالى .
بل هو من قبيل : احتياجه تعالى في كونه “رازقاً” إلى “مَن يرزقه” .
وهذا الاحتياج ليس نقصاً، والأصح عدم تسميته “احتياجاً” .
بل هو “شرط” من شروط وجود الفعل أو شروط كماله .
فمن شروط كونه تعالى “رازقاً” أن يكون في الواقع الخارجي “مَن يرزقه” .
ومن شروط “كمال الفعل الإلهي” أن يكون هذا الفعل “ذا غرض وغاية حكيمة”(5).
الدليل الثاني للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى :
إنّ أداء الفعل من أجل الغرض والغاية يعني الوقوع تحت تأثيرها، فيكون اللّه تعالى محكوماً لا حاكماً، واللّه تعالى منزّه عن المحكومية(6).
يرد عليه : إنّ وجود الغرض والغاية لا يعني وجود عامل خارجي يجعل اللّه تعالى متأثّراً بهذا العامل ومحكوماً ومقيّداً به، بل يعني ذلك: أنّ مقتضى كماله تعالى وحكمته أن يكون فعله ذا غرض وغاية حكيمة .
بعبارة أُخرى : إنّ وجود الغرض والغاية في فعله تعالى لا يعني كون الغرض والغاية قيداً لهذا الفعل .
وإنّما يكون وجود الغرض والغاية من شروط كمال الفعل الإلهي ، لأنّ الفعل الفاقد للغرض والغاية يكون فعلا متّصفاً بالعبث واللغو ، واللّه تعالى منزّه عن ذلك .
الدليل الثالث للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى :
إنّ القول بوجود الغرض في الفعل الإلهي يعني :
عدم حصول الفعل الإلهي إلاّ بتوسّط الغرض .
وعدم حصول الفعل الإلهي إلاّ تبعاً للغرض .
ولكن اللّه تعالى فاعل لجميع الأشياء ابتداءً ومن دون توسّط شيء(7) .
يرد عليه : إنّ غرض الفعل الإلهي ليس شيئاً خارجاً ومنفصلا عن وجود فعله تعالى ليكون واسطة لتحقّق الفعل الإلهي ، وإنّما الغرض هنا عبارة عن الأمر الذي يُخرج الفعل من العبث واللغو، وهذا الأمر عبارة عن:
1 ـ الحكمة الكامنة في هذا الفعل .
2 ـ الأهداف المطلوبة من هذا الفعل .
مثال : إنّ الغرض والغاية من خلقه تعالى للعالم ليس أمراً خارجاً عن وجود هذا العالم، بل هو عبارة عن:
1 ـ الحكمة الكامنة في خلق هذا العالم .
2 ـ الأهداف المطلوبة من خلق هذا العالم .
وهذه الحكمة وهذه الأهداف هي بلوغ العالم بأجزائه إلى الكمال الممكن .
وهذا الكمال خصوصية موجودة في نفس العالم .
وليس الغرض والغاية الإلهية هنا شيئاً مفصولا وخارجاً عن خلقه تعالى للعالم.
ولهذا لا يوجد أي تناف بين الأمرين التاليين :
1 ـ وجود الغرض والغاية في الفعل الإلهي.
2 ـ فعل اللّه الأشياء ابتداءً ومن دون توسّط شيء خارج عنها .
الدليل الرابع للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى :
لو قلنا بضرورة وجود الغرض في جميع الأفعال الإلهية .
فينبغي القول بأنّ هذا الغرض أيضاً يجب أن يكون له ـ حسب هذه القاعدة ـ غرض آخر .
ومن هنا تتسلسل الأغراض إلى ما لا نهاية لها .
فنضطر إلى الاعتراف بانتهاء أفعاله تعالى إلى فعل لا غرض له .
فيثبت وجود فعل إلهي ليس له غرض .
وهذا يتنافى مع قاعدة ضرورة وجود الغرض لجميع الأفعال الإلهية(8).
يرد عليه : إنّ الغرض لا يحتاج إلى غرض آخر ، وعندما نقول: إنّ الغرض من التكامل هو “حسن التكامل” ، هذا “الحُسن” لا يحتاج إلى غرض يحسّنه ، بل هو حسن بذاته، ويكون الغرض منه نفس وجوده(9) .
الدليل الخامس للأشاعرة على إنكار وجود الغرض في أفعال الله تعالى :
إنّ بعض الآيات القرآنية تدل على نفي وجود الغرض في الفعل الإلهي منها(10) :
1 ـ { لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ } [ الأنبياء: 23 ]
يلاحظ عليه : إنّ هذه الآية لا تدل على نفي وجود الغرض في الفعل الإلهي، بل تدل على :
أوّلا : عدم وجود آمر وناه عليه تعالى حتّى يسأله عن فعله كما يُسأل الناس عن أفعالهم .
ثانياً : لا معنى للسؤال عن فعله تعالى ، لأ نّه حكيم ، ولا يفعل إلاّ ما تقتضيه الحكمة(11).
سُئل الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام) حول أفعاله تعالى: كيف لا يُسأل عما يفعل؟
قال(عليه السلام): “لأ نّه لا يفعل إلاّ ما كان حكمة وصواباً”(12) .
2 ـ { يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ } [ إبراهيم: 27 ] ، { يَحْكُمُ ما يُرِيدُ } [ المائدة: 1 ]
يلاحظ عليه : إنّ مفاد هاتين الآيتين إطلاق مشيئته تعالى وإرادته، وليس فيهما أيّة دلالة على عدم وجود الغرض والغاية في فعله تعالى وحُكمه(13).
3 ـ { فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [ إبراهيم: 8]
يلاحظ عليه : غنى الله تعالى يعني الغنى عن الغرض والغاية التي تعود بالمنفعة إليه تعالى.
ولكن الأغراض والغايات الإلهية ـ في الواقع ـ لا تعود بالمنفعة إليه تعالى، وإنّما تعود بالمنفعة إلى غير اللّه عزّ وجلّ.
وليس في هذه الآية ما يدل على نفي الأغراض والغايات التي تعود بالمنفعة إلى غير اللّه تعالى(14).
رأي التفتازاني حول وجود الغرض والغاية في أفعال الله تعالى :
اختار “التفتازاني” قولا وسطاً بين العدلية والأشاعرة، وهو تعليل بعض أفعاله تعالى بالغاية دون الجميع فقال:
“والحقّ أنّ تعليل بعض الأفعال لاسيما شرعية الأحكام بالحكم والمصالح ظاهر كإيجاب الحدود والكفارات وتحريم المسكرات وما أشبه ذلك ، والنصوص أيضاً شاهدة بذلك … وأمّا تعميم ذلك بأن لا يخلو فعل من أفعاله [ تعالى ] عن غرض فمحل بحث”(15).
يلاحظ عليه : إنّ مسألة “الغرض والغاية” ليست من التعبّديات ليمكننا الاقتصار على الأدلة النقلية فقط ، بل هي من الأُمور العقلية ، وملاكها لزوم وجود العبث في الفعل الإلهي فيما لو نفينا الغرض عن أفعاله تعالى ، وهذا يعمّ التكوين والتشريع سواء علمنا بالغاية أم لا(16) .
تنبيه : قالت الأشاعرة في الصعيد الفقهي بحجّية “القياس”.
ولا يخفى بأنّ “القياس” لا يثبت إلاّ بعد الاعتقاد بوجود “الغرض الإلهي” في تشريعه تعالى لكلّ موضوع، ليمكن قياس الموضوع الآخر عليه، وتسرية الحكم الشرعي من الموضوع الأصلي إليه .
وهذا القول يتنافى مع رأيهم في الصعيد العقائدي ويتنافى مع قولهم بعدم وجود الغرض في الأفعال الإلهية .
____________
1- انظر: الأربعين في أصول الدين ، فخر الدين الرازي: ج1، المسألة السادسة والعشرون ، ص350 .
كتاب المواقف، عضد الدين الإيجي: ج3 ، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 8 ، ص294 .
شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج4، المقصد 5 ، الفصل 5 ، المبحث 5، ص301 .
2- انظر: المصادر المذكورة في الهامش السابق .
3- انظر: كشف المراد ، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الرابعة، ص422 .
النافع يوم الحشر، مقداد السيوري، الفصل الرابع، ص71 .
4- انظر: القواعد الكلامية، علي الرباني الكلبايكاني: العدل والحكمة، الفصل الثاني، ص158 .
5- انظر: دلائل الصدق ، محمّد حسن المظفر: ج1 ، المسألة 3، المبحث 11، المطلب 4، ص391 .
6- انظر: المصادر المذكورة في بداية هذا المبحث .
7- انظر: المصادر المذكورة في بداية هذا المبحث .
8- انظر: المصادر المذكورة في بداية هذا المبحث .
9- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: 1/268 ـ 269 .
صراط الحقّ ، محمّد آصف المحسني: ج2 ، المقصد الخامس ، تبعية أفعاله للأغراض ، ص198 .
10- انظر: التفسير الكبير، فخر الدين الرازي: ج10، تفسير آية 56 من سورة الذاريات، ص193 .
11- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج7، تفسير آية 23 من سورة الأنبياء، ص70 .
12- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 61، ح13، ص386 .
13- انظر: صراط الحقّ ، محمّد آصف المحسني: ج2، المقصد الخامس ، القاعدة الرابعة، ص202 ـ 203 .
14- صراط الحقّ ، محمّد آصف المحسني: ج2، المقصد الخامس ، القاعدة الرابعة، ص202 ـ 203 .
15- شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج4، المقصد 5، الفصل 5 ، المبحث 5، ص302 ـ 303 .
16- انظر: القواعد الكلامية، علي الرباني الكلبايكاني: الفصل الثاني ، ص158 .
المصدر: العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون