وهو تعالى لا يفعل القبيح ، لعلمه بقبحه ، وبأنه غني عنه ، وقلنا ذلك لأن صفة القبح صارفة عنه .
وكذلك من علم وصوله إلى نفعه بالصدق على الوجه الذي يصل إليها بالكذب لا يؤثره على الصدق ، وإنما يصح إيثاره على الصدق متى جهل قبحه ، فينتفي الصارف ، أو دعت إليه الحاجة ، فيقابل داعيها صارف القبح فيؤثره .
وأيضا فالقبح يستحق به الذم والاستخفاف وخفوض الرتبة ، وذلك صارف قوي عنه ، لا يجوز معه إيثاره إلا لجهل به ، أو لحاجة زائدة عليه ، وكلا الأمرين مستحيل فيه سبحانه ، فلا يصح منه مواقعة القبيح .
وإذا كانت هذه القضية سارية في القبح ، وجب القطع على انتفاء الداعي منه تعالى إلى شئ منه ، وتعذر وقوع جميعه ، ولا يلزم على ذلك وقوع كل حسن ، لأن صارف القبح موجب لارتفاعه ممن علمه واستغنى عنه ، وداعي الحسن غير موجب ، لعلمنا بأن أحدنا قد يفعل الشئ لحسنه ، ولا يفعل كل ما شاركه في صفة الحسن كصدقة درهم لحسنها ، وترك أمثالها مع مساواتها لها في صفة الحسن ، ولا يجوز أن يترك كذبا لقبحه ويفعل مثله .
وليس لأحد أن يقول : كما لا يفعل القبيح إلا لجهل به أو اعتقاد حاجة إليه ، فكذلك الحسن قد لا يفعل إلا لاجتلاب نفع أو دفع ضر ، فيجب أن لا يفعله سبحانه لاستحالة الضر والنفع عليه .
لأنا قد بينا تعذر وقوع القبيح إلا لجهل أو لحاجة ، فيجب فيمن لا يصحان عليه أن لا يفعله على حال ، والمعلوم ضرورة في الحسن خلاف ذلك ، لوقوعه منه تعالى ، مع استحالة النفع والضر عليه .
ولأنا نعلم إرشاد الملحد الضال عن الطريق إليها ، وعن التردي في البئر ، بحيث لا يراد أحد ولا يرجو معه نفعا ولا دفع ضرر ، فلم يبق لفعله وجه إلا مجرد الحسن ، ولأن من علم وصوله إلى نفع أو دفع ضرر بالصدق كالكذب لا يختار إلا الصدق ، ولا وجه لذلك إلا مجرد الحسن .