- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
آية محكمة
قال تعالى مخاطباً نبيّه محمداً صلّى الله عليه وآله: وَتَوَكَّلْ عَلَى العَزيزِ الرحيمِ * آلَّذي يَراكَ حِينَ تَقومُ * وتَقَلُّبَكَ في السّاجِدِين [ سورة الشعراء:217 ـ 219 ].
روى الحويزيّ في ( نور الثقلين 69:4 / ح 97 ) عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: الذي يَراكَ حينَ تَقوم : في النبوّة، وتَقلُّبَكَ في الساجدين : في أصلاب النبيّين صلوات الله عليهم.
وفي رواية فرات بن إبراهيم الكوفي في ( تفسيره:304 / ح 409 ) عن الإمام الباقر عليه السلام أيضاً قال: « يَراك حين تقوم بأمره، وتقلُّبَك في أصلاب الأنبياء، نبيٍّ بعدَ نبيّ ».
فيما كتب الشيخ الطبرسيّ في ( مجمع البيان في تفسير القرآن ـ في ظلّ الآية المباركة ): قيل: معناه: ـ وتقلُّبَك في الساجدين الموحّدين.. مِن نبيٍّ إلى نبيّ، حتّى أخرجك نبيّاً. عن ابن عبّاس في رواية عطاء وعِكْرمة، وهو المرويّ عن أبي جعفر ( الباقر ) وأبي عبدالله ( الصادق ) عليهما السلام قالا: « في أصلاب النبيّين نبيٍّ بعد نبيّ، حتّى أخرجه مِن صُلب أبيه، عن نكاح غير سفاح، مِن لَدُن آدم » ( عنه: نور الثقلين 69:4 / ح 98 ).
قال السيّد الطباطبائي في ( الميزان في تفسير القرآن 336:15 ): أقول: ورواه غير الطبرسيّ من رواة الشيعة، كذا رواه السيوطيّ في ( الدرّ المنثور ) عن: ابن أبي حاتِم، وابن مَردَوَيه، وأبي نُعَيم, وغيرهم عن ابن عبّاس وغيره.
فَهْمٌ نورانيّ
تقتضيه العقيدة الصحيحة والفطرة السليمة، أنّ النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله ـ وهو سيّد الأنبياء والمرسَلين، وأشرف الكائنات والمخلوقات أجمعين ـ لابدّ أن يكون قد انحدر عن أنقى الأنساب والسلالات، وتقلّبَ في ظهور الساجدين وأرحام الساجدات، من الموحِّدين والموحِّدات، نوراً إلهيّاً أشرق في المرأة الطاهرة آمنة بنت وهب بعد أن كان في آخر الأصلاب صُلبِ عبدالله بن عبدالمطّلب بن هاشم رضوان الله تعالى عليهم.
وهذا نَسَبه
المبارك الشريف ينقله الشيخ الطبرسيّ في ( إعلام الورى بأعلام الهدى 43:2 ـ الفصل الأوّل: في ذكر مولده ونسبه إلى آدم عليه السلام.. ) قال: نسبه: محمّدُ بنُ عبدِالله بنِ عبدالمطّلب ( واسمه المُغيرة ) بنِ قصيّ ( واسمه زيد ) بنِ كلابِ بنِ مُرّةَ ابنِ كعبِ بنِ لؤيِّ بنِ غالبِ بنِ فِهْرِ بنِ مالكِ بنِ النَّضْر ( وهو قريش ) بنِ كِنانةَ بنِ خُزَيمةَ بنِ مُدرِكةَ بنِ إلياس بن مُضَرِ بن نِزارِ بنِ مَعدِّ بنِ عدنان. ( روى ذلك أيضاً: ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 154:1، وابن هشام في السيرة النبويّة 1:1، وابن سعد في الطبقات الكبرى 55:1، والطبريّ في تاريخه 271:2، والمسعوديّ في مروج الذهب 5:3 / الرقم 1442، والبيهقيّ في دلائل النبوّة 179:1، وابن عبدالبَرّ في الاستيعاب 13:1، ونقله المجلسيّ في بحار الأنوار 280:15 / ح 25 ).
توارث النور
ينقل الشيخ المجلسيّ عن الشيخ أبي الحسن البكري ـ أستاذ الشهيد الثاني ـ من كتابه ( الأنوار ) شيئاً مفصّلاً مِن تاريخ النبيّ صلّى الله عليه وآله في باب بدء خلقه، عن أمير المؤمنين والإمام الصادق عليهما السلام كيف تقلّب نورُ رسول الله صلّى الله عليه وآله في أصلاب الأنبياء والمرسلين سلامُ الله على نبيّنا وآلهِ وعليهم أجمعين.. فشيث ابن آدم كُسِي حلّتين وقَبِل العهد الإلهيّ وألزمَه نفسه، فلم يزل النور بين عينيه حتّى تزوّج المخاولة البيضاء، فلمّا حملت بأنوش سمعت منادياً ينادي: هنيئاً لكِ يا بيضاء، لقد استودعكِ الله نورَ سيّدِ المرسلين، سيدِ الأوّلين والآخِرين.
فلمّا وَلَدَته أخذ عليه شيث بن آدم العهدَ كما أُخِذ عليه، وانتقل إلى وَلَده قينان، ومنه إلى مهلائيل، ومنه إلى أُدد، ومنه إلى أُخنوخ ـ وهو إدريس عليه السلام ـ، ثمّ أودعه إدريسُ ولَدَه متوشلخ وأخذ عليه العهد، ثمّ انتقل إلى لمك، ثمّ إلى نوح، ومن نوح إلى سام، ومِن سام إلى ولده ارفخشد ( شالخ )، ثمّ إلى ولده عابر، ثمّ إلى قالع، ثمّ إلى أرغو، ومنه إلى شارغ، ومنه إلى تاخور، ثمّ انتقل إلى تارخ، ومنه إلى إبراهيم، ثمّ إسماعيل، ثمّ إلى قيدار، ومنه إلى الهميسع، ثمّ انتقل إلى نبت، ثم إلى يشحب، ومنه إلى أُدد، ومنه إلى عدنان، ومنه إلى معدّ، ومنه إلى نِزار، ومنه إلى مُضَر، ومن مضر إلى إلياس، ومن إلياس إلى مُدرِكة، ومنه إلى خُزَيمة، ومنه إلى كِنانة، ومن كنانه إلى قُصيّ، ومن قصيّ إلى لُوَيّ، ومن لُوَيّ إلى غالب، ومنه إلى فِهر، ومن فهر إلى عبدمَناف، ومن عبدمناف إلى هاشم، وإنّما سُمّي هاشماً لأنّه هَشَم الثريد لقومه، وكان اسمه عَمْرو العلاء، وكان نور رسول الله صلّى الله عليه وآله في وجهه..
( ثمّ تتحدّث الرواية بعد ذلك في 66 صفحة عن فضائل هاشم، وكيف تُوفي فانتقل العهد الإلهيّ النوريّ إلى جدّ النبيّ عبدالمطلب، ثمّ كان الحديث بينه وبين وهب في أمر ابنته آمنة وتزويجها من عبدالله والد النبيّ صلّى الله عليه وآله، فما كان من وهب إلاّ أن قال له: يا أبا الحارث، هذه آمنة هديّةٌ منّي إليك بغير صَداقٍ مُعجَّلٍ ولا مُؤجَّل، فقال عبدالمطّلب: جُزِيتَ خيراً، ولابدّ من صَداق، ويكون بيننا وبينك مَن يشهد به من قومنا ).
قال أبو الحسن البكري بعد ذلك: ولمّا تزوّج عبدالله بآمنة أقامت معه زماناً والنورُ في وجهه لم يزل حتّى نفذت مشيّةُ الله تعالى وقدرته، وأراد أن يُخرِجَ خِيرةَ خلقهِ محمّداً رسول الله، وأن يُشرِّفَ به الأرض ويُنوِّرَها بعد ظلامها، ويُطهِّرها بعد تنجّسها، أمَرَ الله تعالى جبرئيل عليه السلام أن يناديَ في جنّة المأوى أنّ الله جَلّ جلاله قد تمّت كلمتُه ومشيّته، وأنّ الذي وعَدَه من ظهور البشير النذير، السراج المنير، الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله، وهو صاحب الأمانة والصيانة، يظهر نوره في البلاد، ويكون رحمةً على العباد، ومَن أحَبَّه بُشِّر بالشرف والحِباء، ومَن أبغَضَه بسوء القضاء، وهو الذي عُرِض عليكم مِن قبلِ أن يُخلَق آدمُ عليه السلام، الذي يُسمّى في السماء « أحمد » وفي الأرض « محمّداً » وفي الجنّة « أبا القاسم».
فأجابته الملائكة بالتسبيح والتهليل والتقديس والتكبير لله ربّ العالمين، وفُتّحت أبواب الجِنان، وغُلِّقت أبواب النيران، وأشرفت الحُوُر العِين، وسَبَّحت الأطيار على رؤوس الأشجار. فلمّا فَرَغ جبريل من أهل السماوات أمَرَه الله أن يَنزِل في مئةِ ألفٍ من الملائكة إلى أقطار الأرض، وإلى جبل قاف، وإلى خازن السَّحاب، وجملةِ ما خَلَق، يُبشّرهم بخروج رسول الله صلّى الله عليه وآله.
ثمّ نزل إلى الأرض السابع فأخبرهم بخبره، ومَن أراد الله به خيراً ألهَمَه محبّتَه ( صلّى الله عليه وآله )، ومَن أراد به شرّاً ألهمه بُغضَه، وزُلزِلَت الشياطين وصُفِّدت، وطُرِدت عن الأماكن التي كانوا يَستَرقون فيها السمع، ورُجِموا بالشهب.
قال صاحب الحديث: ولمّا كانت ليلة الجمعة، وكان عبدالله قد خرج هو وإخوته وأبوه عبدالمطّلب، فبينما هم سائرون وإذا بنهرٍ عظيم فيه ماءٌ زلال، ولم يكن قبل ذلك اليوم هناك ماء، فبقيَ عبدالمطّلب وأولاده متعجّبين، وبقيَ عبدالله متعجّباً متفكّراً ولم يجد طريقاً وقد قُطعت عليه الجادّة، فبينما هو كذلك إذ نُودي: يا عبدالله، إشرَبْ من هذا النهر. فشَرِب منه، وإذا هو أبردُ من الثلج وأحلى من العسل وأزكى من المِسك، فنهض مسرعاً والتفتَ إلى إخوته فلم يَرَوا للنهر أثراً، فتعجّبوا منه، ثمّ إنّ عبدالله مضى مسرعاً إلى منزله فرأته آمنةُ مضطرباً فقالت له: صرَفَ الله عنك الطوارق، فقال لها: قُومي فتطهرّي، وتطيّبي وتعطّري، فعسىالله أن يستودعكِ هذا النور. فقامت وفعلت ما أمرها، ثمّ جاءت إليه فغَشِيَها تلك الليلة المباركة، فحملَت برسول الله صلّى الله عليه وآله، فانتقل النور من وجه عبدالله في ساعته إلى آمنة بنت وهب.
قالت آمنة: لمّا دنا منّي ولا مَسَني أضاء منه نورٌ ساطع، وضياء لامع، فأنارت منه السماء والأرض، فأدهشني ما رأيت. وكانت آمنة بعد ذلك يُرى النور في وجهها كأنه المرآة المضيئة…
وتطول رواية البكريّ، ليكون فيها حديث آمنة رضوان الله عليها مفصّلاً حول قصّة ولادة النور الأقدس، حيث تقول: وإذا أنا بخَفقان أجنحة الملائكة، وإذا بهاتفٍ قد نزل، وسمعتُ تسبيحاً وتقديساً وأرياشاً مختلفة، هذا ولم يكن في البيت أحدٌ إلاّ أنا، فبينما أنا أقول في نفسي: أنا نائمة أو يقظانة ؟! إذ لمع نورٌ أضاء لأهل السماء والأرض حتّى شقّ سقف البيت، وسمعتُ تسبيح الملائكة، فبينما أنا متعجّبة من ذلك إذ وضعتُ ولدي محمّداً ( صلّى الله عليه وآله )، فلمّا سقط إلى الأرض سجد تلقاءَ الكعبة رافعاً يديه إلى السماء كالمتضرّع إلى ربّه. ( بحار الأنوار ج 26:15 ـ 104 / ح 48، وص 299 ـ 329 / ح 37 ).
وهكذا ينبثق النور الإلهيّ في رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى عوالمنا لننعم به خيراً مباركاً ورحمةً واسعةً وهدايةً كبرى ونعمةً عظمى، ثمّ يتفتّق هذا النور الأقدس في الصديقة الزهراء فاطمة صلوات الله عليها، وكان قد انشطر من عبدالمطّلب في وَلَديه: عبدالله فانبثق في محمّد المصطفى صلّى الله عليه وآله، وأبي طالب فانبثق في عليٍّ صلوات الله عليه، ليعود بعد ذلك يلتقي في عليٍّ وفاطمة ليمضي في الحسن والحسين، والتسعة الأئمّة مِن ذريّة الحسين سلام الله عليهم جميعاً، متألّقاً مُشِعّاً على العوالم أماناً، وضماناً.