إن التشيع كعقيدة سابق على الاعتزال كعقيدة ، وأن الاعتزال ولد ودرج في أحضان التشيع ، وأن رؤوس الشيعة أسبق من جهابذة المعتزلة . أزعم ذلك ما دمنا نسلم بالحقائق التأريخية ، وما دمنا لا نشك من أن الرعيل الأول من الشيعة أخذوا في الظهور منذ عصر الراشدين وتطوروا في خلافة الإمام علي ( ع ) في صورة لا تقبل الجدل .
وما كاد الإمام يستشهد ظلما وعدوانا وينتقل إلى الدار الآخرة حتى أصبح للشيعة حزب يناهض جميع الأحزاب السياسية والدينية في الإسلام ( 1 ) والتشيع بالمعنى الخاص ينافي الاعتزال ، ويكفي في تحقيق المباينة أن الشيعة تقول بالنص – والمعتزلة لا تقول به ، ولكن كثيرا من الشيعة كانوا يتظاهرون بالاعتزال ، لمصلحة كانت يقتضيها ذلك الوقت ، ومنهم يحيى بن زيد العلوي ، الذي ينقل عنه ابن أبي الحديد جملة من التحقيقات العالية ( 2 ) .
إن الشيعة تقول بمقالة المعتزلة من نفى أن يكون له صفات أزلية من علم وقدرة وحياة وسمع غير ذاته ، وهي تذهب أيضا كذهاب المعتزلة من الشارع الأقدس لم يجعل الشئ حسنا لأمره به ، ولا القبيح قبيحا لنهيه عنه ، بل إنما أمر به ، أو نهى عنه لأنه حسن بذاته ، أو قبيح بذاته ، وهذا بخلاف الأشاعرة فإنهم لا يقولون بالحسن والقبح العقليين ، وإنما يعتقدون أن الحسن ما أمر به الشارع وإن كان العقل يراه قبيحا وهكذا القول بالقبح .
وحيث اتفقت الشيعة والمعتزلة في كثير من النظريات الاعتقادية التي قام عليهما الدليل القطعي ترى بعض الباحثين يخلط أحيانا بين رجال الشيعة والمعتزلة وقد وقع في مثل هذا الخبط في التأريخ ( أحمد أمين ) في كتابه ( فجر الإسلام ) حيث قد عد العلامة المعتزلي ابن أبي الحديد من الشيعة وقال عنه : إنه من معتدليهم .