- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 15 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
إن نسبة التشيع إلى الفارسية نشأت في عصور متأخرة ولأسباب وظروف سياسية خاصة أهمها : أن الفرس لما كانوا ولأسباب سنشرحها غير مرغوبين من قبل العرب ولما كان الشيعة فئة معارضة للحكم طيلة العهود الثلاثة الصدر الأول والأموي والعباسي ، وكوجه من وجوه محاصرة التشيع أرادوا رمي التشيع بما هو مكروه عند العرب وهذه الدعوى هي واحدة من مجموعة دعاوى سترد علينا ولا تتعدى هذا الهدف بل هي جزء من المخطط . أما الأسباب التي أدت إلى النفرة بين القوميتين العربية والفارسية فهي :
1 – أن الفرس ما كانوا يفرقون بين الإسلام والعروبة وحيث أن الإسلام قضى على دولتهم واجتاحهم فإنهم بعد إسلامهم كانوا ينزعون لاسترداد مجدهم بأسلوبين أحدهما سليم إيجابي والآخر سلبي حتى إذا جاء دور الأمويين استعان الحكام بهم لتنظيم شؤون الدولة نظرا لخلفيتهم الحضارية وللاستعانة بهم أحيانا لدعم جناح مقابل جناح ، ولاستيلاء جماعة منهم على مناصب همامة في العهدين مما مكنهم من فرض نفوذهم كل ذلك أدى إلى احتكاك شديد بين العرب والفرس ، إذ رأى العرب أنهم حملة الإسلام والسبب في هداية الأمم وهم العمد الذي قام الإسلام عليه فلماذا يزاحمهم غيرهم ، ويقدم عليهم ويلمع نجمه ويحتل مناصب كبيرة ، ورأى الفرس أنهم أبناء حضارة عريقة وأنهم أكثر علما ودراية بسياسة العرب وإدارة شؤون الحكم فلماذا يقدم عليهم من لا يملك هذه المؤهلات . فأدى ذلك كله للاحتكاك ونجمت عنه ظاهرة الشعوبية وترك خزينا كبيرا من الحقد في تاريخ القوميتين كما أدى إلى مواقف سلبية متبادلة .
2 – أن فتح هذه الثغرة التي دخل منها الفرس أدى إلى دخول عناصر غير عربية أخرى مثل الترك وغيرهم مما كان له بعد ذلك آثاره السلبية الفظيعة وقد عصب كسر النطاق هذا بالفرس لأنهم أول من فتح هذا الباب وأدى إلى تدمير الخلافة بعد ذلك .
3 – لعب الاستعمار دورا بارزا فيما خلقه من النفخ بالأبواق التي يحسن صنعها وذلك لتحقيق مصالحه عن طريق فتح أمثال هذه الفجوات واختلاق خصائص للجنسين زعم أنها تصطدم مع بعضها وآراء لا تتلاقى وتأثر بهذه الآراء فريق من هؤلاء وفريق من هؤلاء ممن عاش على موائد المستشرقين ولم يتفطن إلى أهدافهم وغرته الصبغة العلمية الظاهرية في أمثال هذه المزاعم فنسج على منوال هؤلاء وكان صدى لهم وسلاحا بأيدي هؤلاء لضرب أبناء دينه ولهم عقيدته حتى خلقت من ذلك تركة كبيرة تحتاج إلى جهد كبير لإزالة هذا التراكم .
إن أسباب الكره استغلت لينتزع منها كما ذكرت سببا من الأسباب التي تبغض التشيع وتنفر النفوس منه . ولذلك لا نرى هذه التهمة عند أوائل السنة وأسلافهم فيما قدموه من قوائم الأسباب التي ينعت بها التشيع لأن أسبابها لم تكن قائمة آنذاك .
ومن الغريب أن الألسن السليطة التي تشتم الشيعة هي ألسنة السنة الفرس كما سيرد ذلك قريبا .
إن أصحاب الغرض الأصلي في الضرب على هذا الوتر كثيرون ومن أكثرهم حماسا في ذلك المستشرقون وتلاميذهم حيث يستهدف المستشرقون مصالح لا تخفى ويضرب تلاميذهم على نفس الطبول ولمختلف الغايات والأهداف وبالإضافة إلى من يهتز على هذا الإيقاع وإليك آراء بعضهم :
1 – المستشرق دوزي :
لقد قرر المستشرق دوزي أن أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية وذلك لأن العرب تدين بالحرية والفرس تدين بالملك والوارثة ولا يعرفون معنى الانتخاب ولما كان النبي ( ص ) قد انتقل إلى الرفيق الأعلى ولم يترك ولدا فعلي أولى بالخلافة من بعده ( 1 ) .
2 – المستشرق فان فلوتن :
ذهب هذا المستشرق إلى نفس الرأي في كتابه السيادة العربية ولكنه رجح أخذ الشيعة من آراء اليهود أكثر من أخذهم من رأي الفرس ومبادئهم ( 2 ) .
3 – المستشرق براون :
قال إنه لم تعتنق نظرية الحق الإلهي بقوة كما اعتنقت في فارس ولمح إلى أخذ الشيعة منهم ( 3 ) .
4 – المستشرق ولهوزن :
إن هذا المستشرق أشار إلى فارسية قسم كبير من الشيعة ضمنا حيث ذكر أن أكثر من نصف سكان الكوفة من الموالي ولما كان معظمهم شيعة فقسم كبير منهم من الفرس ( 4 ) .
5 – المستشرق بروكلمان :
الذي يقول وحزب الشيعة الذي أصبح فيما بعد ملتقى جميع النزعات المناوئة للعرب واليوم لا يزال ضريح الحسين في كربلاء أقدس محجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين ما برحوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره غاية ما يطمعون فيه ( 5 ).
وبالجملة فإن مراجعة أي بحث للمستشرقين في هذا الموضوع يظهر منه أن كثيرا منهم يذهبون إلى هذا الرأي ولأسباب لا تخفى .
وقد ربطوا بفارسية التشيع أثرا آخر يكون بمثابة النتيجة للسبب وذلك الأثر هو أنه لما كان أكثر الفرس شيعة وكانوا يسمون بالموالي وحيث أنهم يرون أن العرب انتزعوا دولتهم منهم ولما كانت الدولة الأموية يتجسد فيها المظهر العربي فقد زحف عليها الموالي وأسقطوها وأعلنوا بدلها دولة العباسيين التي دعمت الفرس والتي زحف معها بالتالي الفكر الشيعي فتغلغل أيام العباسيين ، وأنت واجد هذه الأفكار عند معظم من كتب في العصور الإسلامية وخصوصا الكتاب المصريين ويتلخص من هذه المقتطفة ثلاثة أمور :
1 – تصوير الزحف الذي جاء من خراسان للقضاء على الدولة الأموية بأنه زحف دوافعه قومية وليست دوافع اجتماعية أو إنسانية وقد اجتمعت فيه أكثر من قومية واحدة وبذلك يطمس الهدف الاجتماعي الذي كان من وراء تلك الحملة .
2 – أن العنصر الرئيسي في الحملة والفاعل هم الفرس وبذلك تكون الحملة انتقامية تستهدف إعادة مجد الفرس الذي قضى عليه العرب ، وبذلك يطمس الدور الرئيسي الذي قام به العرب في الحملة وتولوا فيه القيادة .
3 – أن الفكر الشيعي زحف بزحف هؤلاء وانتصر في العهد العباسي ، إن كل هذه الأمور غير مسلم بها ولم تقم على واقع بل هي تغطية في محاولة مكشوفة .
تعقيب على الأقوال
أما الزعم الأول :
فيبطله أن القادة الذين قادوا الحملة إنما قادوها لتخليص الناس من جور الأمويين وبإمكان أي قارئ أن يستبين الحقيقة باستقراء أحوال الحكم الأموي الذي سايره الجور والظلم من أيامه الأولى حتى سقط أيام مروان بن محمد آخر حكام الأمويين ومن الخطأ أن نورد شاهدا أو شاهدين للتدليل على ذلك محاولة إيضاح الظلم والجور فإن كل أيامهم كانت مليئة بالظلم والجور وإني لأحيل القارئ إلى تتبع التاريخ من أيام معاوية الأول حتى نهاية الدولة وفي كتب كل المسلمين لا الشيعة وحدهم فربما يقال إن الشيعة خصوم الأمويين وهم يحقدون عليهم وهذه كتب الطبري وابن الأثير وابن كثير وابن خلدون ما شئت فخذ لترى إلى أين وصلت الحالة حتى بلغ الأمر حدا يوجزه أحد الشعراء بقوله :
واحربا يا آل حرب منكم * يا آل حرب منكم واحربا
منكم وفيكم وإليكم وبكم * ما لو شرحناه فضحنا الكتبا
وأما الزعم الثاني :
فيبطله أن قادة الحملة ووجوهها هم العرب وقد أفاض في ذلك الجاحظ برسالته المسماة مناقب الأتراك ، وقد ذكر من قادة الحملة ، قحطبة بن شبيب الطائي ، وسليمان بن كثير الخزاعي ، ومالك بن الهيثم الخزاعي ، وخالد بن إبراهيم الذهلي ، ولاهز بن طريف المزني ، وموسى بن كعب المزني ، والقاسم ابن مجاشع المزني ، كما نص المؤرخون على أسماء القبائل العربية التي كانت مقيمة في خراسان والتي كونت الزحف في معظمه وهم خزاعة وتميم ، وطي ، وربيعة ، ومزينة وغيرها من القبائل العربية وللتوسع في معرفة أسماء القادة والقبائل العربية التي جاءت في الحملة للقضاء على الحكم الأموي يراجع كتاب ابن الفوطي مؤرخ العراق لمحمد رضا الشبيبي فقد توسع في إيراد النصوص التاريخية من أمهات الكتب وشرح أهداف الحملة ونوعية الجيش والأقطاب الذين اشتركوا بالحملة وبالجملة بكل ملابسات الموضوع ( 6 ) .
والشق الثاني الوارد في الزعم وهو أن العناصر غير العربية أرادت الانتقام لأنها كانت محرومة من الاشتراك بالمناصب فهو بالجملة غير صحيح لأن كثيرا من العناصر الأجنبية والموالي شغلوا مناصب كبيرة في العهد الأموي على امتداد هذا العهد ولم يكن وضعهم أيام العباسيين يختلف كثيرا عن وضعهم أيام الأمويين وقد أشار لذلك الدكتور أحمد أمين بقوله : فسلطة العنصر الفارسي كانت تنمو في الحكم الأموي وعلى الأخص في آخره ولو لم يتح لها فرصة الدولة العباسية لأتيحت فرص أخرى مختلفة الأشكال ( 7 ) .
لقد تولى جماعة من غير العرب مناصب هامة ومنهم سرجون بن منصور كان مستشارا لمعاوية ورئيس ديوان الرسائل ورئيس ديوان الخراج ، ومرداس مولى زياد كان رئيس ديوان الرسائل ، وزاد نفروخ كان رئيس ديوان خراج العراق ، ومحمد بن يزيد مولى الأنصار كان واليا على مصر من قبل عمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن مسلم مولى ثقيف كان واليا على مصر ، وكان منهم القضاة والولاة ورؤساء دواوين الخراج وقد تغلغلوا في أبعاد الدولة وشعبها بصورة واسعة ( 8 ) .
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن وضع العرب لم يكن يستأثر باهتمام الأمويين إلا بمقدار ما يحقق مصالح الأمويين أنفسهم فإذا اقتضت مصالحهم أن يضربوا العرب بعضهم ببعض فعلوا كما حدث ذلك أكثر من مرة في حكم الأمويين فراجع ( 9 ) . وقد تعرض الدكتور أحمد أمين إلى ذلك وشرحه مفصلا وبين كيف كان العرب يضرب بعضهم بعضا إذا اقتضى الأمر ذلك فراجع ( 10 ) .
وأما الزعم الثالث :
وهو انتشار الفكر الشيعي عن طريق الموالي وتعاظم نفوذهم وامتداده تبعا لذلك فيكذبه أن هذا المضمون بجملته غير صحيح فقد نكب الفرس أيام العباسيين وضرب نفوذهم أكثر من مرة ، ومن أمثلة ذلك القضاء على أبي مسلم وأتباعه أيام المنصور والقضاء على البرامكة أيام الرشيد ، والقضاء على آل سهل أيام المأمون وهكذا ، يبقى أن الموالي لمعوا في ميادين أخرى فذلك صحيح بالجملة ، وتصور نفوذ الفرس إنما هو من أيام السفاح حتى أيام المأمون وهي كما ترى لا تثبت للفرس والموالي نفوذا خارج دائرة العباسيين وإنما ضمن دائرتهم بحيث يستطيعون احتواءهم في أي وقت . أما الفترة التي تبدأ من عصر المتوكل حتى نهاية الحكم العباسي فإن الحكم العباسي ضعف نفوذه حتى انقض عليه حكام الأطراف . ولا يعني ذلك استشراء نفوذ الفرس فقط بل هو شأن الكيان الضعف الذي ينهشه كل طامع . إن العوامل التي أدت إلى ضعف الحكم العباسي أشبعها الباحثون بالتفصيل .
إن تصوير نفوذ الفرس بالشكل الذي أورده بعضهم ونفوذ الموالي مبالغ فيه غاية المبالغة فإذا كانت الشعوبية قد وجدت أيام العباسيين فإنها امتداد لنزعة الشعوبية منذ أيام الأمويين وإذا كان للفرس نفوذ فلم يصل إلى الحد الذي ينتزع نفوذ العرب ، بل كان ذلك النفوذ ملوحظا من قبل الدولة ومسموحا به لأهداف كثيرة استهدفها العباسيون من السماح بذلك .
يقول فلهوزن عن نفوذ الفرس في العصر العباسي : أما أن النفوذ الفارسي كان هو الراجح فهو أمر غير مؤكد ( 11 ).
أما الشق الثاني من هذا الزعم وهو تنفس التشيع أيام العباسيين فهو غير صحيح بل العكس هو الصحيح فإن العباسيين أولعوا بدم الشيعة وأئمتهم وتعرض التشيع في مختلف أدوارهم إلى محن وخطوب مروعة عدى فترات بسيطة مرت مرور الغمام كما هو الحال في فترة البويهيين وبالجملة إن كتب التاريخ قد حفظت لنا صورا مروعة من تعرض الشيعة للإبادة أيام العباسيين وبوسع القارئ الرجوع إلى أي كتاب من كتب التاريخ الرئيسية ليرى ذلك واضحا.
وبعد هذا التعقيب البسيط على هذه المزاعم : أعود إلى تلاميذ المستشرقين الذين نسجوا على منوال أساتذتهم فقلدوهم في هذا الزعم وهو فارسية التشييع ومنهم :
1 – الدكتور أحمد أمين :
يذهب الدكتور أحمد أمين إلى استيلاء الفكر الفارسي على التشيع برغم قدم التشيع على دخول الفرس فيه وذلك لأن أكثر الشيعة فرس – على زعمه – فغلبت نزعاتهم على التشيع وصبغته بالفارسية ولنستمع إلى قوله حرفيا :
( والذي أرى كما يدلنا التاريخ أن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام ولكن بمعنى ساذج ولكن هذا التشيع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الأخرى في الإسلام وحيث أن أكبر عنصر دخل بالإسلام الفرس فلهم أكبر الأثر بالتشيع ( 12 ) .
ويقول في مورد آخر : فنظرة الشيعة في علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين من الملوك الساسانيين ، وثنوية الفرس كانوا منبعا يستقي منه الرافضة في الإسلام فحرك ذلك المعتزلة لدفع حجج الرافضة ( 13 ) .
إني أطلب من القارئ هنا التأمل في هذه اللهجة الحادة التي يفح منها الشرر والنار حتى يعرف مدى موضوعية أحمد أمين ونظرائه ، وقد دأب أحمد أمين على اجترار هذه الفكرة وترتيب الآثار عليها كما يظهر ذلك واضحا في كل مؤلفاته ، إن التركيبة التي تكون منها أحمد أمين هي الحقد والكراهية للشيعة ، زائدا تقليد المستشرقين فيما يقولونه عنهم .
2 – محمد أبو زهرة :
يذهب الشيخ محمد أبو زهرة إلى نفس رأي أحمد أمين ويضيف له : إن أكثر الشيعة الأوائل فرس ولنستمع إلى ما يقوله في هذا الموضوع وهو يستعرض آراء المستشرقين ويعقب عليها قال : وفي الحق أنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس إلى الآن من الشيعة وأن الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس ( 14 ) ورحم الله أبا الطيب المتنبي إذ يقول :
ودهر ناسه ناس صغار * وإن كانت لهم جثث ضخام وأبو زهرة مورد انطباق هذا البيت ، إنه يقول إن الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس وأنا أطلب من كل قارئ أن يستخرج لي من الشيعة الأولين خمسة من الفرس وأنا متأكد سلفا أنهم لا يجدون هذا العدد ، فهل تبقى بعد ذلك قيمة لأقوال مثل أبي زهرة وكم لأبي زهرة من أقوال لا تعرف التحقيق وعلى كل حال لقد لقي الرجل ربه وأسأل الله تعالى له العفو .
3 – أحمد عطية الله :
وهذا الرجل ممن نسج على منوال المستشرقين بنسبة التشيع للفارسية فهو يرى أن الأفكار الشيعية تأثرت بالفارسية عن طريق عبد الله بن سبأ الذي نقل للتشيع أكثر من رافد فكري ومن هذه الروافد : الفارسية فقد قال بالحرف الواحد :
وإن ابن السوداء انتقل إلى المدينة وبث فيها أقوالا وآراء منافية لروح الإسلام نابعة من يهوديته ، ومن معتقدات فارسية كانت شايعة في اليمن وبرز في صورة الداعية المنتصر لحق الإمام علي ( ع ) وادعى أن لكل نبي وصيا وأن عليا وصي محمد الخ ( 15 ) .
هذه مجرد عينة من النماذج التي نسجت على منوال المستشرقين ، وإنك لتجد هذه الفكرة عند المتأخرين من كتاب السنة شائعة يتلقاها الخلف عن السلف ثم يحاول تعميقها وترسيخها بما يملكه هو من عبقرية وسوف لا أتعجل الرد على الفكرة إلا بعد أن أستوفيها فأذكر لك أقوالهم في تعليل دخول الفرس للتشيع فإن ذلك يكون بمثابة الروح للبحث . إن أبرز هذه التعليلات التي ساقوها واعتبروها مبررا لدخول الفرس إلى التشيع ثلاثة أمور :
أسباب دخول الفرس للتشيع في نظر السنة :
1 – الأمر الأول :
إصهار الحسين إلى الفرس لأنه تزوج ابنة يزدجرد وهو أحد الملوك الساسانيين واسمها شاه زنان فولدت له علي بن الحسين الذي اجتمعت فيه الخواص الوراثية للأكاسرة وخواص الإمامة من آبائه كما يقول أبو الأسود الدؤلي :
وإن وليدا بين كسرى وهاشم * لأكرم من نيطت عليه التمائم
وفي ذلك تقول سميرة الليثي معقبة على رأي أرنولد توينبي في انتشار الإسلام بين الفرس :
الذي أدى إلى انتشار الإسلام هو زواج الحسين من شاهبانو إحدى بنات يزدرجرد وقد رأى الفرس في أولاد شاهبانو والحسين وارثين لملوكهم الأقدمين ( 16 ) فزواج الحسين على رأي هؤلاء أحد العوامل التي أدت إلى انتشار التشيع لأهل البيت عند الفرس :
2 – الأمر الثاني :
التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس ومن ذلك موضوع الحق الإلهي فكل منهما يرى أن الحق الإلهي ثابت لمن يتولاه من القادة فالفارسي يراه للملوك الفرس والشيعي يراه للإمام الذي يقول بإمامته ، وهذا المعنى وإن صوره بعضهم بأنه تأثر من الشيعة بالفرس ، ولكن لما كان التشيع أقدم من دخول الفرس فيه ولما كان الرواد من الشيعة كلهم عرب كما أثبتنا ذلك فيما سلف ولما كانت نظرية الشيعة في الإمام لم تختلف عند زرارة عما كانت عليه عند أبي ذر وعمار ينتج من ذلك أن نظرية الحق الإلهي التقى بها الشيعة مع الفرس ولم تكن نتيجة تأثر بآراء الفرس بحكم إيمان الشيعة بأن عليا وصي النبي ( ص ) وأنه منصوص عليه ، وقد دأب على ذكر هذا التقارب كثير من المستشرقين وتلاميذهم يقول محمد أبو زهرة :
وبعض العلماء ومنهم دوزي المستشرق قرر أن أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية إذ أن العرب تدين بالحرية والفرس تدين بالملك وبالوراثة ولا يعرفون معنى الانتخاب ، إلى أن قال إن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته ( 17 ) .
وكذلك يذهب إلى هذا الرأي أحمد أمين وجملة من المستشرقين ذكرهم هو من الذاهبين لهذا الرأي ، وقد أفاض في شرح هذا المعنى في كتابه فجر الإسلام معززا رأيه بآراء المستشرقين ( 18 ) .
3 – الأمر الثالث :
إرادة هدم الإسلام عن طريق الدخول في المذهب الشيعي والتستر بحب أهل البيت ثم نقل أفكارهم الهدامة للإسلام كالقول بالوصية والرجعة والمهدي وغير ذلك . وفي ذلك يقول أحمد أمين : والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستارا ( 19 ) وأرجو ملاحظة نغمة استعداء .
السلطة على الشيعة فهي نغمة ضرب عليها الكثيرون من قبله ومن بعده كصاحب المنار مثلا ( 20 ) إن هذا الاتجاه في تصوير التشيع بأنه أثر فارسي واضح عند كثير من المتأخرين مثل محب الدين الخطيب ، وأحمد شلبي ، ومصطفى الشكعة وغيرهم .
ولأجل إلقاء الضوء على صحة أو عدم صحة هذه الدعاوى التي نسبت للتشيع وبالذات الأمور الثلاثة التي عللوا بها دخول الفرس للتشيع لا بد من ذكر أمور :
1 – الرد على الأمور الثلاثة .
2 – تحديد هوية التشيع عرقيا .
3 – تحديد هوية التشيع فكريا .
4 – تحديد هوية السنة من نفس المنطلق والعلل التي أخذ بها كتاب السنة وسنبحث هذه الأمور .
الإجابة على أسباب دخول الفرس للتشيع :
1 – الأمر الأول :
إصهار الحسين ( ع ) إلى الفرس .
إن من القواعد المسلم بها أن حكم الأمثال فيما يجوز أو لا يجوز واحد ، وبناءا على هذا فإن العلة التي ذكرها هؤلاء الكتاب في اعتناق التشيع من قبل الفرس وهي إصهار الحسين ( ع ) للفرس موجودة عند عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعند محمد بن أبي بكر ، فقد ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار وغيره من المؤرخين ، أن الصحابة لما جاؤوا بسبي فارس في خلافة الخليفة الثاني كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد فباعوا السبايا وأمر الخليفة ببيع بنات يزدجرد فقال الإمام علي إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن فقال الخليفة كيف الطريق إلى العمل معهن فقال : يقومن ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن فقومن فأخذهن علي فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخرى لولده الحسين وأخرى لمحمد بن أبي بكر ، فأولد عبد الله بن عمر ولده سالما ، وأولد الحسين زين العابدين وأولد محمد ولده القاسم فهؤلاء أولاد خالة وأمهاتهم بنات يزدجرد ( 21 ) .
وهنا نسأل إذا كانت العلة في دخول الفرس للتشيع هي مصاهرة الحسين للفرس فلماذا لا تطرد هذه العلة فيتسنن الفرس لإصهار عبد الله بن عمر لهم ومحمد بن أبي بكر كذلك ؟ وكل من محمد وعبد الله أبناء خليفة كما كان الحسين ابن خليفة .
بالإضافة لذلك إن كلا من يزيد بن الوليد بن عبد الملك وأمه شاه فرند بنت فيروز بن يزدجرد ومروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية أمه أم ولد من كرد إيران فلماذا لا تطرد العلة هنا أيضا ( 22 ) وبالعكس لماذا لا يميل العرب السنة لأهل البيت الذين أمهاتهم عربية في حين نجد قسما من العرب يبغض أهل البيت كالنواصب مثلا . هذا سؤال يوجه للعقول التي تقول ولا تفكر .
2 – الأمر الثاني :
التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس . وأن كلا منهما يقول بنظرية الحق الإلهي ، ويقول بالوراثة ولا يعرف الانتخاب ، وفي هذا الأمر شيئان الأول الاتحاد في الآراء الذي يسبب الدخول للتشيع وهذا الأمر لا يقول به من يحترم عقله فمتى كان مجرد الاشتراك في رأي دافعا للاتحاد بالعقيدة ، إن كل باحث يعلم أن كل أمة أو جماعة لا تخلو من الاتحاد مع بعض الأمم الأخرى ، في رأي من الآراء أو مسألة من المسائل ومع ذلك فلا يقوم ذلك سببا للاندماج ولنعد لأحمد أمين نفسه ونلزمه بنتائج رأيه إذا وجد السبب فإنه يقول عند بحثه لمسألة الجبر والاختيار :
إن مسألة الجبر والاختيار تكلم فيها قبل المسلمين فلاسفة اليونان ونقلها السريانيون عنهم وتكلم فيها الزرادشتيون كما بحث فيها النصارى ثم المسلمون ( 23 ) .
وقد توزع هؤلاء بين القول بالجبر والقول بالاختيار ، وبناءا على منطق أحمد أمين فإن المسلمين نصارى لأنهم اتحدوا مع النصارى في شق من الرأي ، وإلا فما هو مبرر أحمد أمين في اعتباره الشيعة فرسا لأنهم اتحدوا مع الفرس بالقول بنظرية الحق الإلهي . ؟
أما الشق الثاني من الدعوى وهو أن كلا من الفرس والشيعة يقولون بالوراثة فهو باطل فيما يخص الشيعة لأن الشيعة لا تعتبر الإمامة متوارثة ولا تقول بالإرث في ذلك بل تذهب إلى أن الإمام منصوص عليه من قبل الله تعالى عن طريق النبي ( ص ) أو الإمام وكتب الشيعة طافحة بذلك ( 24 ) .
وليست مسألة النص على الإمام من المسائل المتأخرة عندهم بل هي معلومة من الصدر الأول عند الطبقة الأولى وذلك لوضوح النصوص التي اعتبروها مصدرهم في مسألة الإمامة . وللتدليل على ذلك أذكر محاورة طريفة حدثت بين الخليفة الثاني وعبد الله بن عباس وكان الخليفة الثاني يأنس بابن عباس ويميل إليه كثيرا فقال له يوما : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتها هل بقي في نفس علي شئ من الخلافة . يقول ابن عباس : قلت نعم ، قال : أو يزعم أن رسول الله ( ص ) نص عليه ؟ قلت : نعم ، فقال عمر : لقد كان من رسول الله في أمره ذروة من قول لا تثبت حجة ولا تقطع عذرا ، ولقد كان يربع في أمره وقتاما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك ( 25 ) إن المنع الذي أشار إليه الخليفة عمر هو عندما طلب النبي من أصحابه في ساعاته الأخيرة دواة وكتف وقال علي بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقال الخليفة عمر : إنه يهجر وقد غلب عليه الوجع ( 26 ) .
وعلى الصوم إن هذه المحاورة وأمثالها توضح رأي الشيعة في موضوع الإمامة وأنها بالنص وليست بالوراثة فمن أين جاء المستشرقون وتلاميذهم بنظرية الوراثة لولا عدم الإحاطة بالتشيع أو التحريف واتباع الهوى .
3 – الأمر الثالث :
وهو دخول الفرس في الإسلام إرادة هدمه ثم لتحقيق مأربهم ونقل نظريات أسلافهم وهو ادعاء طريف ولا بد من الوقوف قليلا حوله فنقول :
أولا : إن مؤلفات هؤلاء القوم في الدفاع عن الإسلام ومساجدهم ومؤسساتهم الدينية وجهادهم في سبيل الله كل ذلك يشكل شواهد قائمة على كذب هذه الدعوى .
وثانيا : لا بد من سؤال لهؤلاء القائلين بهذا القول في أن إرادة الإلحاد والهدم عند الفرس هل هي مختصة بالفرس الذين اختاروا الإسلام ودخلوا في التشيع أم أنها عند كل الفرس من كل من كان من السنة منهم أو من الشيعة ، ولا بد أن تكون الإجابة بالعموم لأن إرادة الإلحاد جاءت من كونهم فرسا لا من أمر آخر وإذا كانت كذلك فلماذا انصبت الحملات على الفرس الشيعة فقط دون الفرس السنة .
وقد يقول قائل إن ذلك انتقل للفرس من الشيعة وهنا ينتقل الكلام إلى عقائد الشيعة وقد ذكرنا أن مصدر عقائدهم الكتاب والسنة فلا سبيل لرميهم بما ينافي الكتاب والسنة هذا إذا كان هؤلاء يبحثون عن الحقيقة – وهم أبعد الناس عنها – ولو لم يكونوا بعيدين عن الإرادة الخيرة لما بضعوا شلو الأمة وفرقوها شيعا ولخجلوا من المفارقات في أقوالهم لأننا سنوقفك عن قريب على أن تاريخ وفقه وعقائد أهل السنة أبطاله الفرس أنفسهم ونحن لا نرى بذلك أي عيب أو غضاضة ما دمنا نعلم أننا كلنا من مصدر واحد وما دام قرآننا يصرح آناء الليل وأطراف النهار بشعار الوحدة وتوحيد المصدر ! بقوله تعالى : * ( ألم نخلقكم من ماء مهين ) * 20 / المرسلات .
ثالثا : إن المسائل التي أوردها القوم واعتبروها مما يهدم الدين ورموا بها الشيعة الفرس مثل الوصاية والرجعة والقول بالمهدية يشاركهم بها أو بمثلها أهل السنة وما سمعنا أحدا ينبزهم بها أو يعتبرها عليهم سبة ، كما أن هذه القضايا وردت في روايات أهل السنة بطرق موثوقة وسنذكر ذلك قريبا إن شاء الله ، هذا بالإضافة إلى أن هذه الآراء ليست من ضروريات الإسلام عند الشيعة وقد تكون من ضروريات المذهب كالقول بالمهدي ، فلماذا كل هذا الضجيج المفتعل ولماذا كل هذا الصرف للطاقات الذي يخلق فجوات بين أهل القبلة فضلا عن عدم جدواه ؟ ولماذا هذا الحماس المفتعل إزاء أمور لا ينفرد بها الشيعة بل يقول بها السنة أنفسهم ؟ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة ج 1 ص 41 .
( 2 ) نفس المصدر السابق والصفحة .
( 3 ) فجر الإسلام ص 111 .
( 4 ) فجر الإسلام ص 92 .
( 5 ) تاريخ الشعوب الإسلامية ص 128 .
( 6 ) مؤرخ العراق ابن الفوطي ج 1 ص 36 و 37 .
( 7 ) ضحى الإسلام ج ص 3 .
( 8 ) راجع الإمام الصادق لأسد حيدر ج 1 ص 344 .
( 9 ) مروج الذهب ج 2
( 10 ) ضحى الإسلام ج 1 ص 20 .
( 11 ) الزندقة والشعوبية لسميرة الليثي ص 81 .
( 12 ) فجر الإسلام ص 276 .
( 13 ) فجر الإسلام ص 111 .
( 14 ) تاريخ المذاهب الإسلامية ج 1 ص 41 .
( 15 ) القاموس الإسلامي ج 3 ص 222 .
( 16 ) الزندقة والشعوبية ص 56 .
( 17 ) تاريخ المذاهب الإسلامية ج 1 ص 40 .
( 18 ) فجر الإسلام ص 276 .
( 19 ) فجر الإسلام نفس الصحيفة 276 .
( 20 ) مجلة المنار الرشيد رضا مجلد 11 سنة 1326 ه .
( 21 ) فجر الإسلام ص 91 .
( 22 ) تاريخ الخميس للدياربكري ج 2 ص 321 و 322 .
( 23 ) فجر الإسلام ص 284 .
( 24 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 281 ، وعقائد الإمامية للمظفر ص 71 .
( 25 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 97 .
( 26 ) أنظر صحيح البخاري ج 5 ص 137 ، أنظر طبقات ابن سعد ج 4 ص 61 ، وانظر النهاية لابن الأثير ج 5 ص 246 في مادة هجر .
وفي هذا المعنى يقول أحد الشعراء :
أوصى النبي فقال قائلهم * قد راح يهجر سيد البشر
لكن أبا بكر أصاب ولم * يهجر وقد أوصى إلى عمر
لأن كلا منهما كانت وصيته في مرض الموت .
المصدر: هوية التشيع/ الشيخ أحمد الوائلي