- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 46 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
مقدّمة:
إنّ البحث عن الحجاب يُعتبر من أهمّ المسائل الدينية والاجتماعية؛ لكونه المظهر الذي من شأنه أن يُحدّد هوية الفرد والعائلة والمجتمع والدولة، وبتبعه يتحدّد الموقف الفردي للطرف المقابل أو الاجتماعي أو الدولي، من هنا فإنّ البحث عن وجوب الحجاب، وعن آثاره الدينية والاجتماعية، وعن حدوده وأنواعه، والتثقيف عليه أو ضدّه، وما إلى ذلك من المسائل العديدة المرتبطة بالحجاب، جميعاً تستحقّ البحث والتنقيب والدراسة على المستوى الديني والاجتماعي والنفسي والتربوي، بل وحتّى السياسي والتاريخي.
ولأهمّية الموضوع ولتأثيراته الاجتماعية والسياسية وغيرها الكثير، تعاقبت وجهات النظر حول قبول الحجاب أو رفضه، وحول فرضه أو منعه، لذلك نجد دولاً قديماً وحديثاً قد منعت الحجاب واعتبرته جرماً يُحاسب عليه القانون، وبالضدّ نجد دولاً قديماً وحديثاً قد فرضت الحجاب وجرّمت مَن لا يلتزم به، والأمر لا يقتصر على الدين الإسلامي، بل إنّ ظاهرة الحجاب عمّت بقية الأديان الإلهية بل وحتّى غير الأديان، ممّا يرى ارتباط الحجاب بالعفّة والحياء، وهما أمران فطريان جُبلت عليهما النفوس البشرية، وإن اختلفوا في حدودهما وتعريفهما وبعض خصوصيّتهما، لذلك فإنّ بحث هذه المسألة هو بحث إنساني عامّ، ولا يختصّ بثقافة معينة، أو دين خاصّ، أو قناعات بعض البشر، ولعلّ أهمّ جنبة اجتماعية ظاهرية ترتبط بمسألة الحجاب هو منعه أو فرضه، سواء على المستوى الديني أو اللاديني، أو الاجتماعي أو القانوني أو النفسي وغير ذلك.
ونحن في هذه المقالة لا نريد أن نُسلّط الضوء على تمام هذه البحوث وهذه الموضوعات، وإنّما نريد أن نبحث عن موقف الشريعة الإسلامية تجاه خصوص مسألة فرض الحجاب، وأنّه هل يحقّ للدولة الإسلامية فرض الحجاب على مواطنيها، أو مَن يكونون تحت سلطتها؟
أهمّية البحث:
إنّ لهذا البحث أهمّية بالغة جدّاً، وليس المقام لتسليط الضوء عليها بشكل مفصّل، وإنّما سنذكر بعض نقاط الأهمّية بشكل مختصر، هناك مجموعة من النقاط التي يبرز من خلالها أهمّية هذا البحث وضرورته، وأنّه لابدّ من اتّخاذ موقف واضح وصريح منه، منها:
أوّلاً: أهمّية الموضوع على الصعيد الفقهي، حيث أنّ إجبار الناس على فعل لا يقبلوه بحاجة إلى دليل واضح وصريح من قبل الشارع الأقدس، حيث أنّ الأصل في الأُمور أنّه لا ولاية لأحد على أحد (1)، فالخروج عن هذا الأصل بحاجة إلى تثبّت أدلّة واضحة.
ثانياً: أهمّية الموضوع على الصعيد النفسي للأفراد، حيث أنّ إجبار الناس على أُمور لا يقبلون بها، ربما يولد ردّة فعل على نفوسهم ويتأذّون بذلك، والالتزام بذلك بحاجة إلى دليل وبرهان.
ثالثاً: أهمّية الموضوع على الصعيد الاجتماعي، فإنّ فرض الحجاب ربما يولد ردّة فعل من قبل بعض أفراد المجتمع، ويجعلهم يعلنون رفضهم وعدم قبولهم بما يُفرض عليهم لأيّ سبب كان، وهذا من شأنه أن يولد حالة من الانفصال بين بعض أفراد المجتمع والدولة، والالتزام بهذه النتيجة يحتاج إلى دليل واضح، ومع ثبوته فالحقّ أحقّ أن يُتّبع وإلّا فلا.
رابعاً: أهمّية الموضوع على الصعيد الدولي، حيث أنّ فرض الحجاب والالتزام به ربما يفرض قيوداً على الدولة الإسلامية من حيث العلاقات الدولية، بما يشمل السياسية والرياضية والسياحية وغيرها، ومن حيث الوفود والضيوف وغيرهم.
فهذه أُمور تُحتّم بحث الموضوع بشكل علمي تحقيقي وعلى أعلى المستويات، حيث أنّه له تبعات على أهمّ المستويات وأعلاها.
بيان موضوع البحث وأهمّيته:
إنّ موضوع بحثنا هو فرض الدولة الإسلامية للحجاب، لذلك لابدّ أن نعرف أوّلاً ما هي مفردات البحث، أي ما المقصود من الدولة والحكومة الإسلامية؟ وما المقصود من الفرض؟ وهل يعني تقنين تجريم عدم الحجاب؟ وما هي أدلّة ذلك، وما هي الأُمور التي يستند إليها الفرض أو القانون الذي يُوضع لذلك؟ وقبل ذلك كلّه ما هو الحجاب، وما هي حدوده التي لابدّ أن تُفرض؟
جميع هذه الأُمور لابدّ أن تُبحث ويسلّط الضوء عليها، لذلك سيكون بحثنا كالآتي:
1_ بيان مفاهيم مفردات البحث
2_ أهمّ وظائف وأهداف الدولة الإسلامية
3_ النظريات في المسألة، مع بيان نظرية المقصودة بالبحث
4_ أدلّة المثبتين للإلزام
أ_ الأدلّة التامّة
ب_ الأدلّة الضعيفة
5_ إشكالات وأجوبة
6_ خاتمة بأهمّ النتائج
هذه مجموعة من النقاط التي سنتطرّق إليها في البحث.
مفاهيم مفردات البحث:
حتّى يتّضح البحث بشكل كامل، لابدّ من بيان مفاهيم مفردات العنوان والوقوف على ما تعنيه تلك الكلمات والمفردات، فعندما نقول الدولة الإسلامية لابدّ أن نعرفها، وكذا لابدّ من معرفة الإلزام وحدوده، ومعرفة الحجاب الذي هو موضوع الفرض.
الدولة الإسلامية:
إنّ الدولة الإسلامية هي تلك الدولة التي تكون قوانينها ومقرّراتها وفق الأحكام الإسلامية المنصوصة، أو منسجمة مع الثوابت الإسلامية، بحيث لا تتعارض مع كلّيات ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف، كما وتأخذ على عاتقها إحياء القيم الإسلامية والإيمانية، ومحاربة المفاسد الاجتماعية، والانحرافات التي تُخالف أحكاماً شريعية واضحة، وكذا تهتمّ بتقوية الروح الإيمانية للمجتمع.
وهنا نقطة محورية حرية بالبحث والتتبّع وهي: إنّ الدولة الإسلامية ليست مسؤولة عن جميع الأحكام الشرعية في الرسائل العلمية للفقهاء _ وأعني بعدم مسؤوليّتها هو عدم معاقبة مَن يخالف تلك الأحكام وعدم تجريمه _ لأنّ الرسائل متعدّدة ومختلفة في مجموعة من الأحكام، بل تكون مسؤوليّتها عن خصوص تلك الأحكام التي تُقنّن وتُصاغ على شكل بنود قانونية وتُحدّد عقوباتها، إمّا بأصل الشرع كالحدود، وإمّا بتقدير الحاكم كالتعزيرات.
قال الشيخ المنتظري: >تفترق الحكومة الإسلامية عن الحكومة الديمقراطية بوجهين أساسين:
الأوّل: أنّه يُشترط في حاكم المسلمين مطلقاً، سواء كان بالنصب أو بالانتخاب، أن يكون أعلم الناس وأعدلهم وأتقاهم وأقواهم بالأمر، وأبصرهم بمواقع الأُمور، وبالجملة أجمعهم للفضائل.
ففي عصر النبي (ص) كان هو بنفسه إِماماً للمسلمين، وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبعده كانت الإمامة عندنا حقّاً للأئمّة الإثني عشر (عليهم السلام) على ما فصّل في الكتب الكلامية.
وفي عصر الغَيبة للفقيه العادل العالم بزمانه، البصير بالأُمور والحوادث، الحافظ لحقوق الناس حتّى الأقليّات غير المسلمة، فلا يجوز للأُمّة انتخاب غيره، وقد مرّ تفصيل الشروط وأدلّتها في الباب السابق، فراجع.
وبالجملة في صورة عدم النصب تكون آراء الأُمّة معتبرة، ولكنّها في طول الشروط المذكورة، وفي الرتبة المتأخّرة عنها، فلا تصحّ إِمامة الفاقد لها.
الثاني: أنّ الحكومة الإسلامية بشعبها الثلاث: من التشريع والتنفيذ والقضاء، تكون في إطار قوانين الإسلام وموازينه، وليس لها أن تتخلّف عمّا حكم به الإسلام قيد شعرة.
فالحكومة مشروطة مقيّدة، والحاكم في الحقيقة هو الله ـ تعالى ـ والدين الحنيف بمقرّراته الجامعة، ولذا يُعبّر عنها بالحكومة الثئوقراطية في قبال الحكومة الديموقراطية، فالمراد بالحكومة الثئوقراطية حكومة القانون الإلهي، لا حكومة رجال الدين حكومة استبدادية على نحو ما كان لرجال الكنيسة والبابا في القرون الوسطى.
هذا، ولو فرض وجود أقلّيات من غير المسلمين أيضاً، فالإسلام بقوانينه الجامعة قد ضمن حقوقهم أيضاً على ما فُصّل في محلّه، قال الله ـ تعالى ـ: “إن الحكم إِلّا لله”، وقال: “ألا له الحكم”، وقال: “… ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الكافرون… ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الظالمون… ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الفاسقون”، وقال مخاطباً لنبيّه (ص): “وأنزلنا إِليك الكتاب بالحقّ مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عمّا جاءك من الحق… وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إِليك”، إِلى غير ذلك من الآيات الشريفة، فهذان الأمران خصيصتان للحكومة الإسلامية< (2).
وكلامنا في هذا المبحث مبني على مشروعية الدولة الإسلامية أو عموم حكومة الصالحين، وأمّا بناء على عدم ذلك، فالمسألة تأخذ منحا آخر.
الحجاب:
الحجاب هو ذلك الواجب الذي فرضته الشريعة الإسلامية على النساء، لمنع نظر غير المحارم إليهنّ بحيث يجب عليهنّ تغطية ما عدى الوجه والكفّين من أجسامهنّ (3)، وعليه فليس مورد بحثنا عن الحجاب في الصلاة أو في الحجّ أو في أيّ عبادة مشروطة به، وإنّما عن خصوص الحجاب في قبال نظر غير المحارم، والمحارم هم الذين ذكرتهم الآية المباركة: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَو آبَائِهِنَّ أَو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبْنَائِهِنَّ أَو أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو إِخْوَانِهِنَّ أَو بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَو بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَو نِسَائِهِنَّ أَو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَو التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَو الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِين مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جميعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (4).
وبذلك يتبيّن معنى ترك الحجاب، فهو ما خالف الحجاب الشرعي، فكلّ مَن ترك الحدود المتقدّمة لحجاب فهو يصدق عليه قد ترك الحجاب، والبحث يتمحور حول فرض هذا الحجاب والعقوبة على مَن خالفه، وهل أنّ الدولة الإسلامية لها الحقّ في ذلك أو لا؟
وظيفة الدولة:
بعد أن كان الحجاب من الأحكام الشرعية الثابتة في الإسلام قرآنياً وروائياً، يأتي البحث عن وظيفة الدولة الإسلامية تجاه هكذا حكم، فلابدّ من البحث عن أنّه هل يحقّ للدولة الإسلامية التدخّل في مثل هذه المسألة، بحيث يكون لها الحقّ بفرض الحجاب والمعاقبة على تركه؟
ثمّ إن كان لها حقّ، فهل هو اختيار لها أو واجب عليها؟ بمعنى أنّه إذا كان التدخّل في أمر الحجاب من اختيارات الدولة، فهذا يعني أنّها لها الحقّ أن تتدخّل وتفرض وتأتي بما تراه مصلحة، ولها أن لا تتدخّل، فلا يحقّ لأحد أن يعترض عليها فيما إذا تدخّلت، كما أنّه لا يحقّ الاعتراض عليها إذا لم تتدخّل، فهو أمر من اختياراتها.
وأمّا إذا كان فرض الحجاب مسؤولية على الدولة، فهي تُحاسب فيما إذا لم تلتزم بذلك، أو كانت مقصّرة في بعض الجوانب.
جميع ذلك تتمّ دراسته من وجهة نظر إسلامية، أي أنّ الشريعة الإسلامية ماذا حدّدت على الدولة في هذه المسألة المهمّة والخطيرة والحسّاسة؟
والثمرات العملية على الفروض الثلاثة كثيرة ومتنوّعة تحتم النظر في هذه المسألة، بالإضافة إلى ما تقدّم من أهمّية الموضوع.
أهداف ووظائف الدولة الإسلامية:
هناك مجموعة من الأهداف التي حدّدتها الشريعة على الدولة العمل على تحقيقها والوصول إليها بأفضل شكل ممكن، وقد ذكرت في المقام مجموعة من الأهداف، قال الشيخ المنتظري ـ بعد أن ذكر الآيات والروايات في هذا المقام ـ: >والمتحصّل من جميعها مع التحفّظ على التعبيرات الواقعة فيها خمسة عشر عنواناً، ولعلّ بعضها متداخلة كما ترى، ولكن نذكر الجميع حفظاً للتعبيرات:
1ـ جمع أمر المسلمين وحفظ نظامهم، ومنع الثغور والأطراف، والدفاع عنهم، وقتال مقاتليهم والبغاة عليهم.
2ـ الإصلاح في البلاد وإيجاد الأمن فيها وفي السبل.
3ـ أن يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم من الرسوم والقيود والعادات والتقاليد الباطلة.
4ـ أن يعلّمهم الكتاب والسنّة وحدود الإسلام والإيمان، ويُبيّن لهم الحلال والحرام وما ينفعهم ويضرّهم، ويعمّم التعليم والتربية ببثّ المعلِّمين فيهم، وتأليف الناس جميعاً ليرغبوا في تعلّم الدين والتفقّه فيه.
5 ـ إِقامة فرائض الله وشعائره من الصلاة والحجّ وغيرهما، وتأديب الناس على الأخلاق الفاضلة.
6ـ إِقامة السنّة وإِماتة البدع، والذبّ عن دين الله، وحفظ الشرائع والسنن عن التغيير والتأويل والزيادة والنقصان.
7ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومهما الوسيع، أعني السعي في إِشاعة المعروف وبسطه، ومكافحة أنواع المنكر والظلم والفساد.
8ـ منع الظلم وإحقاق حقوق الضعفاء من الأقوياء، وإعمال الشدّة في قبال الظالمين.
9ـ القضاء بالعدل وإقامة حدود الله وأحكامه.
10ـ ردّ ما غُصب من بيت المال والأموال العامّة، وإِجراء المساواة في حكم الله وماله، ورفع التبعيضات الظالمة التي توجب كظّة الظالمين وسغب المظلومين.
11ـ جباية الفيء والصدقات على نحو ما أمر الله به، وتوفيرها على مستحقّيها من الأشخاص والمصارف العامّة.
12ـ تتابع الوعظ والتذكير والإنذار والتبشير.
13ـ التمييز بين الأخيار من الناس والأشرار منهم، بإكرام الخير والإحسان إليه، وتأنيب الشرّ ومجازاته.
14ـ إِعمال الرفق والعفو في غير ترك الحقّ، فيكون للرعية كالوالد الرحيم.
15ـ حسن العلاقة مع سائر الأُمم والمذاهب بالسلم والبرّ والقسط، وحفظ الحقوق المتقابلة في النفوس والملّة والأراضي والأموال، إذا لم يقاتلوا المسلمين ولم يخرجوهم من ديارهم، لا بأن يتّخذهم الوالي بطانة أو يجعل لهم سبيلاً على المسلمين وشؤونهم.
فهذه خمسة عشر عنواناً ما يجب على الحاكم الإسلامي بالأصالة، اقتبسناها ممّا ذُكر من الآيات والروايات، ونرد الاستقصاء فيها، بل ذكر نماذج< (5).
ويمكن تلخص ما تقدّم في النقاط التالية:
1ـ إقامة وتثبيت أحكام الشريعة المقدّسة من واجبات ومحرّمات.
2ـ تهيئة الظروف المناسبة لتقوية الحالة الإيمانية والأخلاقية عند أفراد المجتمع.
3ـ ترويج الفضائل ونشرها، والمنع من الرذائل والمساوئ.
4ـ معاقبة المتخلّفين عن القوانين والأحكام الشرعية (6).
5ـ إعداد الآليّات المناسبة والمدروسة والعملية لتحقيق الأهداف المعيّنة.
6ـ الحفاظ على تماسك المجتمع وحيويته وحمايته بشتّى الطرق المشروعة.
وقد نصّ القانون الأساسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية على هذه النقاط بصيغات قانونية ملزمة لعموم الشعب (7).
النظريات في موضوع البحث:
ذكرت في المقام ثلاث نظريات حول مسألة تدخّل الدولة في قضية فرض الحجاب، وهي:
النظرية الأُولى: يُعتبر الحجاب من الواجبات الشرعية الواضحة في الإسلام، ويجب على النساء مراعات ذلك والالتزام بالحدود الشرعية المقرّرة، وفي حال التخلّف عن ذلك فإنّه يحقّ للدولة الإسلامية أن تضع قوانين لمعاقبة المتخلّفين.
النظرية الثانية: إنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الحجاب من الواجبات الإسلامية التي يجب مراعاتها، وعلى الدولة أن تنشر ثقافة الحجاب وتروّج له وتشجّع عليه، ولكن لا يحقّ لها فرض الحجاب أو معاقبة مَن يتخلّف عن الالتزام به.
النظرية الثالثة: أنّ أصل الالتزام بالحجاب ليس واجباً شرعياً، وعلى فرض وجوبه فهو أمر شخصي فردي لا يحقّ لأحد التدخّل فيه، فلا يصحّ منعه، كما لا يصحّ فرضه.
ومن خلال هذه النظريات الثلاثة نستنتج ثلاثة أُمور في البين:
الأمر الأوّل: أصل وجوب الحجاب، وهو ما اتّفقت عليه النظرية الأُولى والثانية، وأمّا الثالثة فقد جعلته على فرض الثبوت، أي أنّها شكّكت بأصل وجوبه، وبما أنّ بحثنا ليس عن وجوب الحجاب وعدمه، بل أنّ هذه النقطة أُخذت من مسلّمات البحث ـ كما هي من مسلّمات الدين الإسلامي ـ لذلك سوف لا نتطرّق إلى هذه النقطة أصلاً.
الأمر الثاني: منع الحجاب، وهذه نقطة اتّفقت عليها النظريات الثلاثة، فإن عدم جواز المنع ثابت بالأولوية على النظرية الأُولى، وثابت بشكل واضح على النظرية الثانية، حيث لا يجوز منع الواجبات، وثابت على النظرية الثالثة حيث أنّها كما منعت فرض الحجاب فقد رفضت منعه كذلك، لأنّها عدّته أمراً شخصياً.
إذن فمحلّ البحث على النظريات الثلاثة هو في جواز تدخّل الحكومة لفرض الحجاب أو عدم جواز ذلك، ولا يهمّنا كثيراً شرح وبيان النظريات في المسألة بقدر ما يهمّنا بحث الأدلّة والبراهين المدعاة في المقام، فعليها يدور البحث وتترتّب النتائج، لذلك سوف نستعرض أدلّة المثبتين والإشكالات عليها، ثمّ نستعرض أدلّة النافين والإشكالات عليها.
الأدلّة التي تثبت مشروعية دخالة الدولة لفرض الحجاب:
الدليل الأوّل: الحجاب حقّ عامّ
يتكوّن هذا الدليل من مقدّمتين: كبرى وصغرى.
أمّا الكبرى: فهي أنّ الدولة الإسلامية والحكومة الشرعية مسؤولة عن الأُمور العامّة والحقوق الاجتماعية في البلاد، فهي التي تحفظ الأمن وتُعاقب المسيئ، وتُرجع الحقوق، وتُحكم النظم والانسيابية في سير أفراد المجتمع، والضامن لتحقيق وحفظ القانون، وقد ذُكرت في المقام أدلّة عديدة لإثبات مسؤولية الدولة عن الأُمور العامّة، ويكفي دليلاً على هذا أنّه لو تتبّع كلّ إنسان حقّه المسلوب، وأقدم هو بنفسه وبالأسلوب الذي يريده لاستنقاذ حقّه، لأصبح المجتمع مجتمع الغاب، ولأكل البعض البعض الآخر، ولتسلّط القوي على الضعيف، ولضاعت أكثر الحقوق، وهذا لا يقتصر على الحكومة والحاكم العادلين، وإنّما هو ضرورة حتّى لو كان الحاكم جائراً.
جاء في النهج: > ومن كلام له× في الخوارج، لمّا سمع قولهم: لا حكم إلّا لله، قال×: كلمة حقّ يُراد بها باطل، نعم إنّه لا حكم إلّا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلّا لله، وإنّه لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويُؤخذ به للضعيف من القوي حتّى يستريح به بر ويستراح من فاجر< (8)، فبالأولوية إذا كانت الحكومة إسلامية عادلة.
إذن فالكبرى وهي مسؤولية الدولة الإسلامية عن الأُمور العامّة والحقوق ثابتة(9).
وأمّا الصغرى: فقد أثبتنا في بحث مستقلّ تحت عنوان (الحجاب واجب فردي أو حقّ اجتماعي) أنّ للحجاب جنبة حقوقية تمسّ عامّة أو أكثر أفراد المجتمع، لما للمرأة من تأثير وجاذبية على أفراد المجتمع، وقد ذكرنا مجموعة من الأدلّة هناك، ودفعنا بعض الإشكالات التي ربما تُذكر في المقام، وقد دعمنا البحث بالآيات القرآنية والروائية، مع أقوال جملة من العلماء من فقهاء ومحدّثين ومفسّرين ومفكّرين.
وبعد تمامية كبرى الدليل وصغراه يثبت أنّ فرض الحجاب ورعايته من واجبات الدولة الإسلامية، وهو مسؤولية في عنقها وواجب عليها، فليس هو حقّ من حقوقها فقط، وليس من ضمن اختياراتها التي يجوز لها تركها أو جعلها خارج الأولويات، بل لابدّ من العمل بوظيفة فرض الحجاب، وبخلاف ذلك تُعتبر الدولة مقصّرة في عملها، ولابدّ أن تُحاسب على إهمالها وتسويفها وعدم محافظتها على الحقوق العامّة.
فإن قلت:
إنّ الدولة وإن كانت مسؤولة عن الحقوق العامّة إلّا أنّه بحاجة إلى شخص مشتكي وإقامة دعوى حتّى تقوم الدولة بمتابعة الأمر، أي لابدّ أن يكون هناك شخص مطالب بحقّه من امرأة غير محجّبة؛ حتّى تتحرّك الدولة لاستحصال حقّه من خلال فرض الحجاب، ونعني بالمطالبة بحقّه، أنّ السفور وعدم الحجاب يؤذيه ويهيج شهوته ويؤلمه، وهذا يؤدّي إلى منعه من الخروج، أو الخروج مع الحرج، وما شاكل من هذه الصعوبات التي يواجهها الشباب على وجه الخصوص.
أمّا مع عدم وجود شاكّ خاصّ فلا حقّ ضائع فلا يأتي دور الحكومة، وعليه فمع وجود المشتكي الخاصّ فلا فرق بين مسألة الحجاب وأيّ مسألة أُخرى يقع فيها الترافع بين طرفين؛ حيث أنّ الدولة ملزمة بالنظر إلى أيّ دعوة تُقام، فلا خصوصية لمسألة الحجاب حينئذ، ومع عدم وجود مشتك خاصّ فلا يحقّ للحكومة فرض الحجاب وجعله قانوناً عامّاً في المجتمع أصلاً، فالدليل المذكور غير تام.
قلت:
إنّ المحافظة على الحقوق العامّة لا يحتاج إلى وجود شاكّ خاصّ أو إلى إقامة دعوى، بل إنّ المحافظة على الحقّ العامّ من واجبات الدولة حتّى لو تنازل المشتكي الخاصّ عن دعوته ـ في حال إقامها مسبقاً ـ أو أصرّ على إسقاطها وتبرئة المذنب، وهذا هو المتعارف والمعمول به في المحاكم الدينية وغير الدينية، وفي الدول الإسلامية وغيرها، فإنّه يوجد هناك مصطلح (الحقّ العامّ) وهو يبقى ثابت حتّى بعد التنازل عن الدعوى، ويكون تنفيذه بيد الدولة، وعليه فالدولة مسؤولة عن فرض الحجاب حتّى لو لم يكن هناك مشتك خاصّ، فلا يرد الإشكال المتقدّم.
الدليل الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من الأدلّة التي ذُكرت في المقام هو دليل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد عُدّ هذا الأمر من فروع الدين الإسلامي، وثبوته من بديهيات الشريعة، وحاصله يجب الأمر على كلّ مكلّف بالمعروف، ويجب النهي عن المنكر، وهذه القضية المسلّمة والثابتة تُعتبر كبرى الدليل على مسألة البحث.
وأمّا الصغرى فهي أنّ الحجاب من المعروف، حيث أنّ الشريعة الإسلامية أمرت به وأوجبته وتركه من المنكر، حيث أنّ هناك أدلّة كثيرة على حرمة ترك الحجاب، لذلك يجب الأمر بالحجاب لأنّه معروفاً، ويجب النهي عن ترك الحجاب لأنّه منكراً.
ولكن لا يمكن التمسّك بهذا الدليل على إثبات المطلب إلّا بعد إثبات مجموعة من الأُمور:
الأمر الأوّل: إنّ المعروف يشمل كلّ أمر واجب، والنهي كلّ أمر محرّم.
الأمر الثاني: إنّ مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعدّدة، وبعض تلك المراتب فيها شروط خاصّة هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فإنّ هذا الدليل لا يتمّ فيما نحن فيه إلّا من خلال بعض مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا جميعها، فهذه أُمور بحاجة إلى بحث وتنقيح.
الأمر الثالث: إنّ أدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ناظرة إلى الأفراد بالأصل، فهل تعمّ الدولة أيضاً؟ وبعبارة أُخرى: إنّ الظاهر من الأدلّة هو توجّه الخطاب إلى الشخصية الحقيقية، فهل نسرّيه إلى الشخصية الحقوقية الاعتبارية أيضاً أو لا؟
الأمر الرابع: لو سلّمنا جميع ما تقدّم، وأنّه يجوز للدولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل يجوز لها أن تضع قانوناً لذلك؟
الأمر الأوّل:
ادّعى البعض أنّ المعروف المأمور به لا يشمل كلّ واجب، والمنكر المنهي عنه لا يشمل كلّ محرّم، وذلك لأنّ النصوص الموجبة للأمر بالمعروف قد أكّدت على لفظ المعروف ولفظ المنكر، وهي الأُمور التي تكون واضحة للمجتمع بكونها معروفاً، وكذا بكونها منكراً يتنفّر منه الطبع وتشمئزّ منه النفوس، وعليه فإنّ تحديد المعروف والمنكر يكون من خلال رؤية المجتمع لهما، ولا يكفي لإثبات المعروف كونه واجباً ولا المنكر كونه حراماً، لذلك لا نجد تعبيراً عن الواجبات والمحرّمات الفردية والشخصية بالمعروف والمنكر، بل عبّرت النصوص عن مثل القتل والظلم والفساد والإجحاف بالمجتمع بالمنكر.
ثمّ ذكر كلاماً للسيّد الطباطبائي ما نصّه: >قوله تعالى: وعاشروهن بالمعروف إلى آخر الآية، المعروف هو الأمر الذي يعرفه الناس في مجتمعهم من غير أن ينكروه ويجهلوه< (10).
ونقل أيضاً عن السيّد الطباطبائي ما نصّه: >قوله تعالى: ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهن درجة، المعروف هو الذي يعرفه الناس بالذوق المكتسب من نوع الحياة الاجتماعية المتداولة بينهم< (11).(12).
وبناء على هذا الكلام فلا يصحّ للدولة وغيرها الأمر بالحجاب ولا النهي عنه، إلّا إذا كان مصداقاً للمعروف وللمنكر، وبما أنّه لا يوجد دليل على ذلك فلا يصحّ التمسّك بدليل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإثبات المطلب في المقام.
نقاش الأمر الأوّل:
ولنا أن نناقش ما تقدم بأُمور:
أوّلاً: إنّ الرأي المتقدّم في تحديد معنى المعروف والمنكر كان مستنداً وبحسب الظاهر إلى عبارتي العلّامة الطباطبائي في الميزان، وهذا التفسير بهذا الدليل لا يمكن قبوله بتاتاً، لأنّ صاحب الميزان كان في معرض كلامه عن العِشرة بين الرجل والمرأة، وأنّها لابدّ أن تكون بالمعروف، والمعروف هو ما تعارف عند أبناء المجتمع، وكذا كلامه في الآية الثانية، وهذا لا علاقة له بما نحن فيه من المعروف والمنكر في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّ الكثير من الأُمور المتعارفة في المجتمع والمتداولة بينهم لا علاقة لها بالأُمور الدينية أصلاً، فكيف يمكن تصوّر الأمر بها وتكون من مصاديق أحد أهمّ فروع الدين الإسلامي؟
ثانياً: بعد أن لم يقدّم المستشكل أيّ دليل واضح على كلامه سوى عبارة فهمها على غير وجهها من تفسير الميزان، لابدّ من تحديد معنى المعروف والمنكر حتّى يمكن القول بشمولهما للحجاب وترك الحجاب، وهذا البحث وإن كان خارجاً عن محلّ بحثنا، إلّا أنّه سنتطرّق إلى مورد الحاجة باختصار حتّى تتمّ الفائدة، ويتمّ الدليل المذكور.
معنى المعروف والمنكر:
سوف نذكر معنى المعروف والمنكر في القرآن والروايات، ثمّ عند العلماء والفقهاء، ثمّ عند أهل اللغة، وسيتبيّن حينئذ معنى المعروف والمنكر، وهل أنّهما يشملان جميع الواجبات والمحرّمات أو بعضهما.
معنى المعروف والمنكر في القرآن:
قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( 103 ) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 104 ) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (13).
وقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوآَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (14).
وقال تعالى: (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (15).
وقال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (16).
وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (17).
نجد أنّ هذه الآيات وغيرها قد قرنت بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين طاعة الله وطاعة الرسول والإيمان بالله، والأحكام الشرعية الواضحة في الإسلام كالصلاة والصوم وغير ذلك من القرائن التي تدلّ على المعروف المأمور بالأمر به هو ما جاء من الله تعالى، لا كما ذكره المستشكل فيما تقدّم، وما جاء من الله تعالى يعمّ جميع الواجبات والمحرّمات إلّا ما خرج بالدليل إن وجد.
معنى المعروف والمنكر في روايات الفريقين:
الرواية الأُولى: جاء في الكافي: >عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن بشر بن عبد الله، عن أبي عصمة قاضي مرو، عن جابر، عن أبي جعفر× قال: يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرّؤون ويتنسّكون، حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلّا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير، يتبعون زلّاة العلماء وفساد عملهم، يُقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلّمهم في نفس ولا مال، ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها، كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها، إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تُقام الفرائض، هنالك يتمّ غضب الله عزّ وجل عليهم فيعمّهم بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الفجّار، والصغار في دار الكبار، إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تُقام الفرائض وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتُرد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم، وصكّوا بها جباههم، ولا تُخافوا في الله لومة لائم، فإن اتّعظوا وإلى الحقّ رجعوا فلا سبيل عليهم (إنّما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أُولئك لهم عذاب أليم)، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم، وأبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطاناً ولا باغين مالاً، ولا مريدين بظلم ظفراً حتّى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته.
قال: وأوحى الله عزّ وجل إلى شعيب النبي×: إنّي معذّب من قومك مائة ألف، أربعين ألفاً من شرارهم وستّين ألفاً من خيارهم، فقال×: يا ربّ هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزّ وجل إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي< (18).
فالرواية تُصرّح بأنّ المعروف هو أمر الله وطاعته والمنكر خلافه.
الرواية الثانية: جاء في الكافي: >عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم ابن حميد، عن أبي حمزة، عن يحيى عن عقيل، عن حسن قال: خطب أمير المؤمنين× فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أمّا بعد، فإنّه إنّما هلك من كان قبلكم حيث ما عملوا من المعاصي ولم ينههم الربّانيون والأحبار عن ذلك، وإنّهم لما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربّانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات، فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر< (19).
الرواية واضحة في المطلوب.
الرواية الثالثة: جاء في الكافي: >عنه، عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير في قول الله عزّ وجل: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) قلت: كيف أقيهم؟ قال: تأمرهم بما أمر الله، وتنهاهم عمّا نهاهم الله، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك< (20).
الرواية واضحة في المطلوب.
الرواية الرابعة: ما جاء في سنن ابن ماجة: >حدّثنا أبو كريب، ثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: >لا يحقّر أحدكم نفسه< قالوا: يا رسول الله، كيف يُحقر أحدنا نفسه؟! قال: “يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثمّ لا يقول فيه، فيقول الله عزّ وجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإيّاي كنت أحقّ أن تخشى”< (21).
أكّدت الرواية أنّه لابدّ من الدفاع عن ما كان لله فيه مقال، وإلّا فيُعد هذا الشخص مقصّراً.
الرواية الخامسة: >حدّثنا أبوكريب، ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، وعن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد الخدري، قال: أخرج مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقال رجل: يا مروان! خالفت السنّة: أخرجت المنبر في هذا اليوم ولم يكن يخرج، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، ولم يكن يبدأ بها! فقال أبو سعيد: أمّا هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: “مَن رأى منكم منكراً فاستطاع أن يغيّره بيده فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان< (22).
فقد عدّت الرواية مخالفة السنّة من المنكر، وإنّ هذا الرجل الذي نهى مروان عن هذا الأمر قد امتثل وجوب النهي عن المنكر.
معنى المعروف والمنكر في كلمات العلماء:
قال حمزة بن عبد العزيز في المراسم العلوية: >كلّ مَن أمكنه إنكار منكر وجب عليه، والأمر بالمعروف ينقسم إلى واجب وندب، فالواجب: كلّ أمر بواجب، والندب: كلّ أمر بندب، فمَن وجب عليه إنكار المنكر والأمر بالمعروف فحاله ينقسم إلى ثلاثة أضرب: مَن يمكنه بيده، ومَن يمكنه بلسانه، ومَن يمكنه بقلبه< (23).
قال الشيخ الطوسي: >والمعروف على ضربين: واجب، وندب، فالأمر بالواجب واجب والمندوب مندوب، لأنّ الأمر لا يزيد على المأمور به نفسه، والمنكر لا ينقسم بل كلّه قبيح، فالنهي عنه كلّه واجب< (24).
قال القاضي ابن البرّاج: >والأمر بالمعروف يصحّ أن يكون واجباً ويكون ندباً، فأمّا الواجب فبأن يكون أمر المعروف واجباً، وأمّا الندب فبأن يكون أمر بالمعروف ندباً، لأنّ كلّ واحد منهما يتبع في كونه ندباً أو واجباً حكم ما هو أمر به منهما، فإن كان واجباً كان الأمر به واجباً، وإن كان ندباً كان الأمر به ندباً كما ذكرنا.
وأمّا النهي عن المنكر فجميعه واجب، لأنّ المنكر كلّه قبيح، والنهي عن القبيح واجب، وليس ينقسم النهي عن المنكر انقسام الأمر بالمعروف لما ذكرناه من قبح المنكر< (25).
قال ابن حمزة الطوسي: >والأمر بالمعروف يتبع المعروف في الوجوب والندب، والنهي عن المنكر يتبع المنكر، فإن كان المنكر محظوراً كان النهي عنه واجباً، وإن كان مكروها كان النهي عنه مندوباً< (26).
قال الشيخ كاشف الغطاء: >في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما راجحان واجبان في محلّ الوجوب، مندوبان في محلّ الندب< (27).
قال النجفي في الجواهر: >وكيف كان ف (المعروف) على ما في المنتهى ومحكي التحرير والتذكرة (هو كلّ فعل حسن اختصّ بوصف زائد على حسنه إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه، والمنكر كلّ فعل قبيح عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه)، فالأوّل بمنزلة الجنس، ضرورة كون المراد بالحسن الجائز بالمعنى الأعمّ الشامل لما عدا الحرام، فإنّه على ما عرّفوه بما للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله، أو بما لم يكن على صفة تؤثر في استحقاق الذمّ ويقابله القبيح، والاختصاص بوصف إلى آخره بمنزلة الفصل لإخراج المباح الذي لا وصف فيه زائداً على حسنه المراد به جواز فعله، ويتبعه المكروه وإن دخل في تعريفي الحسن بالأولوية، أو لأنّه لا وصف فيه زائداً على حسنه بمعنى الجواز، بناءاً على كون المراد الزيادة في الحسن كالندبية والوجوبية، فلا تدخل المرجوحية في الفعل حينئذ فيه< (28).
جاء في منهاج الصالحين للسيّد السيستاني: >مسألة 1270: يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كون المعروف واجباً والمنكر حراماً، وفي كون وجوبه عينياً أو كفائياً وجهان، ولا يبعد الأوّل في إظهار الكراهة قولاً أو فعلاً، والثاني فيما يتوقّف على إعمال القدرة كالضرب والحبس ممّا كان من وظائف المحتسب في بعض الأزمنة السالفة.
مسألة 1271: إذا كان المعروف مستحبّاً كان الأمر به مستحبّاً، فإذا أمر به كان مستحقّاً للثواب، وإن لم يأمر به لم يكن عليه إثم ولا عقاب.
ويلزم أن يراعى في الأمر بالمستحبّ أن لا يكون على نحو يستلزم إيذاء المأمور أو إهانته، كما لابدّ من الاقتصار فيه على ما لا يكون ثقيلاً عليه بحيث يزهده في الدين، وهكذا الحال في النهي عن المكروه< (29).
وهناك الكثير من كلمات العلماء التي تؤكّد أنّ المعروف الواجب هو ما أمر الله تعالى به وأوجبه، والمعروف المستحبّ هو ما ندب اليه، وكذا المنكر المحرّم والمكروه.
معنى المعروف والمنكر عند اللغويين:
قال الراغب: >المَعْرُوفُ: اسمٌ لكلِّ فِعْلٍ يُعْرَفُ بالعَقْلِ والشَّرْعِ حُسْنُه، والمُنْكَرُ: ما يُنْكَرُ بِهِما، قال تَعالى: (تَأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَن المُنْكَرِ)< (30).
قال الطريحي في مجمع البحرين: >والمنكر في الحديث ضدّ المعروف، وكلّما قبّحه الشارع وحرّمه فهو منكر، يقال أنكر الشيء ينكره فهو منكر واستنكره فهو مستنكر، والمعروف الذي يذكر في مقابله الحسن المشتمل على رجحان، فيختصّ بالواجب والمندوب، ويخرج المباح والمكروه وإن كانا داخلين في الحسن< (31).
والنتيجة المتحصّلة من الآيات القرآنية والروايات عند الفريقين وأقوال العلماء واللغويين: أنّ المعروف الذي يجب الأمر به هو ما أوجبه الله تعالى وأمر به، وأنّ المنكر الذي يجب النهي عنه هو ما نهى عنه الله تعالى، وعليه فنخرج بنتيجة واضحة فيما يرتبط بالأمر الأوّل الذي تتوقّف عليه تمامية الدليل الثاني، وهي أنّ كلّ واجب وكلّ محرّم يدخل في حدود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجب، وأنّ ما ذُكر من الإشكال ـ من كون المعروف أمراً خاصّاً وكذا المنكر، ولا يشمل جميع الواجبات والمحرّمات ـ ليس في محلّه، لأنّه لا دليل عليه، بل الدليل ـ آيات، روايات، كلمات علماء ولغويين ـ على خلافه.
ثالثاً: حتّى لو سلّمنا أنّ المعروف والمنكر لا يشملان إلّا نوعية خاصّة من المعروف والمنكر، وهما ما كان واضحان بالنسبة للمجتمع بكونهما معروفاً أو منكراً، فمع ذلك فإنّ الحجاب من المصاديق الاجتماعية الواضحة، حيث أنّ الالتزام بالحجاب أو تركه له أهمّية بالغة في المجتمع على عدّة مستويات، كما بيّنا هذا في مطلع البحث، وعليه فالحجاب داخل في المعروف وتركه داخل في المنكر حتّى على رأي المستشكل.
الأمر الثاني:
قد يقال: حتّى لو قلنا بأنّ الأمر بالحجاب من موارد الأمر بالمعروف، وأنّ النهي عن ترك الحجاب نهي عن المنكر، مع ذلك لا يصحّ فرض الحجاب والعقاب على تركه، وذلك لأنّ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إمّا أنّه مقتصر على الإنكار القلبي واللساني، وحينئذ فلا معنى لفرض الحجاب بل يكتفى بالنصيحة والبيان.
وإمّا أن تكون المراتب ثلاث، والمرتبة الثالثة هي الإنكار باليد والعمل، ولكن ليس بمعنى إجبار الطرف المتخلّف على الفعل المعيّن، وإنّما معناه أن يعمل نفس الشخص الواعظ بالحكم الشرعي، فيراه الطرف المتخلّف فيتّعض بعمله، وقد نصّ الشيخ الطوسي على هذا المعنى حيث قال: >والأمر بالمعروف يكون باليد واللسان، فأمّا باليد، فهو أن يفعل المعروف ويجتنب المنكر على وجه يتأسّى به الناس، وأمّا باللسان، فهو أن يدعو الناس إلى المعروف< (32).
وأمّا أن يكون الإنكار باليد، بمعنى أن يتدخّل الآمر ويمنع المتخلّف عن ذلك العمل، فهنا توجد شروط خاصّة، كحضور الإمام المعصوم مثلاً، فلا يحقّ لأيّ أحد أن يجري المرتبة الثالثة من مراتب النهي عن المنكر بالمعنى المذكور إلّا بالإذن من الإمام، وعليه فجواز دخالة الدولة في فرض الحجاب لا يتمّ إلّا على القول بجواز المرتبة الثالثة للدولة، وهو ما لم يثبت (33).
نقاش الأمر الثاني:
ذُكرت في ما تقدّم ثلاث مراتب للإشكال، ونحن سنجيب عنها بالترتيب المتقدّم:
نقاش المرتبة الأُولى من الإشكال:
ما قيل أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتصر على القلب واللسان، فهو ممّا لا يمكن قبوله، ومن الغريب أن يتبنّى البعض مثل هذا الرأي، حيث أنّ الروايات وكلمات الفقهاء نصّت بما لا شكّ فيه على المرتبة الثالثة وهي الإنكار باليد، نعم وقع اختلاف ونقاش في شروط المرتبة الثالثة، وهذا أمر غير أصل ثبوتها.
وسنكتفي بنقل ما جاء في الجواهر لإثبات المطلوب، ونحيل بقية الكلام إلى المصادر، قال في الجواهر: >كيف كان ف (مراتب الإنكار ثلاث) بلا خلاف أجده فيه بين الأصحاب:
الأُولى الإنكار (بالقلب) كما سمعته سابقاً في الخبر المروي عن الباقر×: “فأنكروا بقلوبكم، وألفظوا بألسنتكم، وصكّوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم – إلى أن قال – فجاهدوهم بأبدانكم، وأبغضوهم بقلوبكم” إلى آخره، وفي المروي عن أمير المؤمنين× أيضا “مَن ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميّت في الأحياء”، وفي الآخر المروي عنه× أيضاً “إنّ أوّل ما تقبلون عليه من الجهاد الجهاد بأبدانكم، ثمّ بألسنتكم، ثمّ بقلوبكم، فمَن لم يعرف معروفاً ولم ينكر منكراً قلب فجعل أعلاه أسفله”، وفي المروي عن العسكري× عن النبي صلى الله عليه وآله: “مَن رأى منكراً فلينكر بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبقلبه، فحسبه أن يعلم الله من قلبه أنّه لذلك كاره” إلى غير ذلك من النصوص…، كالمرتبة الثانية والثالثة (و) هي الإنكار (باللسان وباليد) اللتين لا خلاف في اشتراطهما بما سمعت، كما لا خلاف في وجوبهما أيضاً لما سمعته من النصوص السابقة، مضافاً إلى خبر يحيى الطويل عن أبي عبد الله× “ما جعل الله بسط اللسان وكفّ اليد، ولكن جعلهما يبسطان معاً ويكفّان معاً” وغيره أيضاً< (34).
نقاش المرتبة الثانية من الإشكال:
إنّ المعنى الذي ذُكر من أنّ النهي باليد هو عبارة عن عمل الشخص نفسه ليتأسّى به الغير لا يمكن قبوله بوجه؛ وذلك:
أوّلاً: لأنّه خلاف الظاهر، ولا توجد أيّ قرينة لرفع اليد عن الظهور، والظهور حجّة.
ثانياً: قد نصّت الروايات وكذا الفقهاء وغيرهم على أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد بمعنى التدخّل، ومنع الآخرين من عمل المعصية، ومن ترك الواجب، ولأجل ذلك بحث الفقهاء بحثاً مطوّلاً حول أنّه إذا سبّب منع الآخرين ضرراً على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، فهل يبقى الوجوب أو يسقط؟ فبحثوا مقدار الضرر ونوعيّته، ومتى يغضّ النظر عنه ومتى يُعتنى به، فلو كان المنع باليد بالمعنى الذي ذُكر في الإشكال لما كان هناك داع إلى بحث هذه الأُمور جميعاً.
وقد جاء في الرواية: >إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تُقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتُرد المظالم، وتعمّر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم، وألفظوا بألسنتكم، وصكّوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم< (35).
قال السيّد السيستاني في المنهاج: >مسألة 1270: يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كون المعروف واجباً والمنكر حراماً، وفي كون وجوبه عينياً أو كفائياً وجهان، ولا يبعد الأوّل في إظهار الكراهة قولاً أو فعلاً، والثاني فيما يتوقّف على إعمال القدرة كالضرب والحبس، ممّا كان من وظائف المحتسب في بعض الأزمنة السالفة< (36).
ثالثاً: ما ذُكر من الاستشهاد بكلام الشيخ الطوسي، فسننقل نصّ كلامه كاملاً حتّى يتّضح المعنى المقصود، حيث أنّ الناقل جزّأ الكلام، قال الشيخ الطوسي: >والأمر بالمعروف يكون باليد واللسان، فأمّا باليد، فهو أن يفعل المعروف ويجتنب المنكر على وجه يتأسّى به الناس، وأمّا باللسان، فهو أن يدعو الناس إلى المعروف، ويعدهم على فعله المدح والثواب، ويزجرهم، ويحذّرهم في الإخلال به من العقاب، فمتى لم يتمكّن من هذين النوعين، بأن يخاف ضرراً عليه أو على غيره، اقتصر على اعتقاد وجوب الأمر بالمعروف بالقلب، وليس عليه أكثر من ذلك.
وقد يكون الأمر بالمعروف باليد بأن يحمل الناس على ذلك بالتأديب والردع وقتل النفوس وضرب من الجراحات، إلّا أنّ هذا الضرب لا يجب فعله إلّا بإذن سلطان الوقت المنصوب للرئاسة، فإن فقد الإذن من جهته، اقتصر على الأنواع التي ذكرناها.
وإنكار المنكر يكون بالأنواع الثلاثة التي ذكرناها: فأمّا باليد، فهو أن يؤدّب فاعله بضرب من التأديب: إمّا الجراح أو الألم أو الضرب، غير أن ذلك مشروط بالإذن من جهة السلطان حسب ما قدمناه، فمتى فُقد الإذن من جهته اقتصر على الإنكار باللسان والقلب، ويكون الإنكار باللسان بالوعظ والإنذار والتخويف من فعله بالعقاب والذمّ< (37).
كلام الشيخ الطوسي هذا يدلّ على أُمور:
أوّلاً: إنّ الأمر بالمعروف له معنيان: الأوّل: أن يكون بمعنى فعل المعروف ليتأسّى به الآخرون، والثاني: أن يكون بمعنى المنع من ترك المعروف، وحمل الناس على الفعل، وهذا المعنى الثاني يتوقّف على إذن السلطان، وهذه مسألة وقع فيها البحث.
ثانياً: إنّ كلا المعنيين مقبول في تفسير الأمر بالمعروف، غاية الأمر أنّ الثاني منهما يتوقّف على الإذن، والمعنى الأوّل مطلوب بلا إشكال، حيث أنّه من غير المقبول أن تأمر بشيء وأنت لا تفعله، ففعلك داع قوي لعمل الآخرين بالمعروف.
ثالثاً: إنّ النهي عن المنكر والذي هو أكثر مدعاة للتعرّض للآخرين من الأمر بالمعروف له معنى واحد، وهو أن يتدخّل بفعل لمنع المنكر كالضرب والجرح وما شابه، وهو يتوقّف على الإذن أيضاً بحسب رأي الشيخ الطوسي.
إذن عبارة الشيخ الطوسي واضحة في المطلوب، واستظهار شيء آخر من بعضها خلاف الأمانة العلمية.
نقاش المرتبة الثالثة من الإشكال:
إنّ ما أُدّعي من أنّ المرتبة الثالثة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها شروط معينة وهي غير متوفّرة، وعليه فلا يحقّ للدولة التدخّل لفرض الحجاب، فلابدّ من البحث ـ ولو إجمالاً ـ عن تلك الشروط، ثمّ نرى مدى انطباق تلك الشروط على ما نحن فيه:
ذكر الفقهاء مجموعة من الشروط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبه الثلاثة، وملخّصها كالآتي:
الأوّل: معرفة المعروف والمنكر ولو إجمالاً.
الثاني: احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر، وانتهاء المنهي عن المنكر بالنهي.
الثالث: أن يكون الفاعل مصرّاً على ترك المعروف وارتكاب المنكر.
الرابع: أن يكون المعروف والمنكر منجّزاً في حقّ الفاعل.
الخامس: أن لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر في النفس، أو في العرض، أو في المال، على الآمر أو على غيره من المسلمين (38).
هذه الشرائط تشترك فيها المراتب الثلاثة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن وقع الكلام في إضافة شرط آخر لخصوص المرتبة الثالثة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو لزوم إذن الإمام لهذه المرتبة أو نائب الإمام، فهنا أقسام:
الأوّل: لا يشترط إذن الإمام أو نائبه فيما دون القتل والجراح ويشترك ذلك فيهما، قال الشيخ المفيد: >والإنكار باليد يكون بما دون القتل والجراح ـ كما يكون بهما ـ وعلى الإنسان دفع المنكر بذلك في كلّ حال يغلب في ظنّه زوال المنكر به، وليس له القتل والجراح إلّا بإذن سلطان الزمان المنصوب لتدبير الأنام، فإن فقد الإذن بذلك لم يكن له من العمل في الإنكار إلّا بما يقع بالقلب واللسان< (39).
الثاني: لا يشترط إذن الإمام، كما نقل ذلك الطوسي عن المرتضى (40)، وابن حمزة في الوسيلة (41).
الثالث: يشترط إذن الإمام أو نائبه مطلقاً (42).
هذه هي الأقوال في المسألة، وعمدتها القول الأوّل، والذي عليه مشهور الفقهاء من المتقدّمين والمتأخّرين، وكيف كان فإنّه على جميع هذه الأقوال لا يوجد إشكال على جواز فرض الدولة للحجاب وذلك:
أوّلاً: إذا أخذنا بالرأي الثاني فالمسألة واضحة، حيث لا يشترط إذن الإمام وتبقى الشروط الخمسة المتقدّمة، وهي من المفروض تحققّها في المقام، فلا يوجد أيّ إشكال.
ثانياً: إنّ أخذنا بالقول الأوّل فهو يفصّل بين القتل والجرح الذي يحتاج الإذن وبين ما دونه، ومن الواضح أنّ فرض الحجاب دون القتل والتجريح عادة فهو في هذه المرتبة، لا إشكال في جواز فرضه من قبل الدولة.
ثالثاً: إنّ أخذنا بالقول الثالث أو فرضنا حالة القتل أو الجرح، فهنا وإن اشترط إذن الإمام أو نائبه إلّا أنّ هذا أمر حاصل بالنسبة للدولة الإسلامية، حيث فرضنا في بداية البحث أنّ الكلام عن الدولة الإسلامية المشروعة وهي التي يتصدّر أُمورها الولي الفقيه، أو الحاكم الجامع للشرائط.
إذن فعلى جميع الأقوال والآراء في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الجواز بالإذن أو بعدم الإذن، فإنّه يجوز للدولة الإسلامية التدخّل والعمل بالمرتبة الثالثة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيحقّ لها فرض الحجاب.
الأمر الثالث:
ربما يُقال: إنّ أدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ناظرة إلى الأفراد ولا تشمل الدولة، وبعبارة أُخرى: إنّ الظاهر من الأدلّة هو توجّه الخطاب إلى الشخصية الحقيقية لا الشخصية الحقوقية الاعتبارية.
في مقام الجواب نقول:
أوّلاً: لا يوجد ظهور من الأدلّة على أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مختصّ بالأفراد ولا يشمل الدول، بل الظهور على خلافه؛ لأنّ الايات والروايات مطلقة فتشمل الجميع.
ثانياً: قد نصّ الفقهاء على مسؤولية الجميع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال السيّد محسن الحكيم في المنهاج: >مسألة 5: لا يختصّ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء وغيرهم، والعدول والفسّاق، والسلطان والرعية، والأغنياء والفقراء، وقد تقدّم أنّه إن قام به واحد سقط الوجوب عن غيره، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع واستحقّوا العقاب< (43)، والمقصود من السلطان هو الدولة والحكومة كما هو واضح.
إذن فالأمر الثالث مردود أيضاً، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مسؤوليّات الدولة الإسلامية، والحجاب من المعروف وتركه من المنكر، فيحقّ لها الأمر به والنهي عن تركه.
الأمر الرابع:
قد يُقال: لو سلّمنا جميع ما تقدّم، وأنّه يجوز للدولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل يجوز لها أن تضع قانوناً لذلك؟
الجواب عن السؤال المتقدّم يتّضح بالتمييز بين أمرين:
الأوّل: أن يكون المقصود بالقانون الذي تضعه الدولة هو لزوم حفظ الحجاب في الأماكن العامّة على جميع النساء، فإن كان هذا هو المقصود فهذا أمر قنّنته الشريعة الإسلامية، وليس هناك أيّ صلاحية للدولة الإسلامية إلّا قبول هذا الحجم والقانون الإلهي، وعليه فلا معنى للإشكال أصلاً.
الثاني: أن يكون المقصود من القانون هو كيفية وكمّية العقوبة التي تضعها الدولة لمن تترك الحجاب، فهنا لابدّ من الإشارة إلى عدّة نقاط:
الأُولى: إنّ من أهم وظائف الدولة هو حفظ النظم والانسيابية في المجتمع، ومنع التقاطعات والتنازعات بين الأفراد والجماعات.
الثانية: حفظ النظام لا يكون إلّا من خلال قوانين مدوّنة وبنصوص واضحة ومنشورة ومتّفق عليها، أو صوّت عليها أكثر أفراد المجتمع.
الثالثة: بعد أن ثبتت مسؤولية الدولة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها الأمر بالحجاب والنهي عن تركه، فهنا توجد حالتان:
الحالة الأُولى: أن تتدخّل الدولة لفرض الحجاب بدون قانون واضح، ولا عقوبات مدوّنة لتارك الحجاب، بحيث تُعاقب كلّ شخص بحسب ما تراه في حينها.
الحالة الثانية: أن يكون هناك قانوناً مدوّناً وواضحاً يشمل الجميع، وتسير عليه الدولة في كلّ مفاصلها، وتطبّقه على جميع مواطنيها بالسوية.
ولا اعتقد أنّ هناك منصفاً يرجّح الحالة الأُولى على الحالة الثانية، فالتقنين هو الراجح، وخلافه بحاجة إلى دليل.
الرابعة: إنّ العقوبة المفترضة على ترك الحجاب يُصطلح عليها فقهياً بالتعزير، والتعزير بيد الحاكم، وقد قلنا أنّ الدولة الإسلامية لا تكون إلّا تحت إمرة حاكم جامع للشرائط، فما يُقنّن يكون تحت نظره، على أنّ الواقع الموجود في الدولة الإسلامية اليوم هو تقنين وجوب الحجاب على النساء، وتقنين ضرورة التصدّي لحالة ترك الحجاب.
وبذلك يتمّ الكلام عن الاستدلال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إثبات مسؤولية الدولة عن فرض الحجاب، فدخالة الدولة من الواجبات لا من الحقوق، بحيث إذا لم تتدخّل بدون سبب فهي مقصّرة في ذلك.
شبهات وردود:
ذُكرت بعض الإشكالات على الاستدلال المتقدّم ـ ولعلّه اتّضح الجواب عنها ممّا تقدّم ـ سنشير إليها ونُجيب عنها بشكل موجز:
الإشكال الأوّل:
إنّ وجوب الحجاب يمكن أن يكون لأحد سببين:
السبب الأوّل: هو حفظ كرامة المرأة ومنزلتها، فإذا كان هذا هو السبب فلا معنى لأن تُجبر المرأة التي لا تريد حفظ كرامتها على الحجاب، لأنّ هذا حقّ خاصّ لها، ولا يصحّ إجبارها عليه.
السبب الثاني: هو منع وقوع المفاسد التي تترتّب على ترك الحجاب، فإذا كان هذا هو السبب، فلابدّ أن يتحقّق شرطان حتّى تُجبر المرأة على الحجاب:
الشرط الأوّل: أن تكون المفسدة من ترك الحجاب واضحة جدّاً، وتثبت من خلال الأدلّة العلمية والتحقيقات الاجتماعية.
الشرط الثاني: أن يكون ترك الحجاب عن قصد لإيقاع المفسدة في المجتمع، فإذا لم يتحقّق هذان الشرطان فلا يصحّ إجبار المرأة على الحجاب، ولا أقلّ أنّ هناك نسبة ليست بالقليلة غير قاصدة لإيقاع المفسدة في المجتمع، وإنّما تتجمّل من دافع غريزتها وميولها ـ ولذلك نجد هناك نسبة كبيرة من السافرات يرفضن الفاحشة بكلّ أنواعها (44).
جواب الإشكال الأوّل:
أوّلاً: إن جميع ما ذُكر في تعليل وجوب الحجاب يُعتبر حكمة له، ولا نحرز أيّ منها هو العلّة، ومن الثابت في الأُصول أنّ الأحكام تدور مدار العلل المنصوصة لا الحكم، فينتفي الإشكال من أساسه.
ثانياً: قد ثبت ممّا تقدّم أنّ الحجاب من الواجبات، وهي من المعروف، وتركه من المنكرات، وقد ثبت في مورده ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ثبت ضرورة تدخّل الحكومة في ذلك، سواء ثبتت المفسدة أو لم تثبت، وسواء كان هناك داع لحفظ الكرامة أو لم يكن ـ طبعاً بالنسبة لمَن لا تريد أن تتحجّب ـ فلا معنى للإشكال، لأنّه عُلّق على أُمور لا دخل لها بالحكم.
ثالثاً: القصد وعدم القصد لا يمنع من تحقّق النتائج السلبية من الفعل، والمنع قصده منعها.
الإشكال الثاني:
إنّه لا توجد رواية واحدة تُشير إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون باليد، بل هو بمجرد النصح والإرشاد.
جواب الإشكال: قد عرفت ممّا تقدّم بطلان هذا القول، وقد ذكرنا الأدلّة على ذلك.
الإشكال الثالث:
إنّ ما جاء من الإلزام في الروايات إنّما هو في الموارد الاجتماعية العامّة، ولا يشمل الأحكام الخصوصية والتي منها الحجاب.
جواب الإشكال: قد اتّضح ممّا تقدّم أنّ الحجاب من الأحكام الاجتماعية العامّة، فهو داخل في روايات الإلزام على كلّ حال، هذا أوّلاً، وثانياً: قد ثبت أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عامّ وشامل لكلّ الأحكام.
الدليل الثالث: لزوم التعزير على فعل الحرام
من الأدلّة التي يمكن أن تُقام على إثبات مسؤولية الدولة في مسألة فرض الحجاب، هو ما يرتبط بقضية التعزير على كلّ محرّم، حيث أنّ عقوبة المحرّمات على قسمين: بعضها فيه الحدّ وهو مقدار العقوبة التي نصّت عليه الشريعة، كحدّ الزنا والسرقة، والآخر العقوبة التي فوّضت الشريعة أمرها إلى الحاكم الشرعي، وهو ما يُصطلح عليه بالتعزير، ولكي يتمّ الدليل على ما نحن فيه لابدّ من إثبات قضيّتين:
القضية الأُولى: ثبوت عقوبة التعزير على كلّ محرّم.
إمّا فيما يرتبط بالقضية الأُولى، فإنّ هناك أدلّة عديدة تُثبت العقوبة على كلّ فعل محرّم، ولسنا بصدد بحث هذه المسألة وعرض أدلّتها ونقاشها، وإنّما نكتفي بما نصّ عليه الفقهاء أعزّهم الله في أبحاثهم الاستدلالية والفتوائية، قال السيّد الخوئي في مباني تكملة المنهاج: >(مسألة 282): مَن فعل محرّماً أو ترك واجباً إلهياً عالماً عامداً عزّره الحاكم حسب ما يراه من المصلحة<، وقد علّق عليه: >على المشهور شهرة عظيمة، بل بلا خلاف في الجملة، وتدلّ على ذلك عدّة أُمور:
(الأوّل) – فعل أمير المؤمنين× ذلك في موارد مختلفة، كما يظهر من عدّة روايات في أبواب متفرّقة، وهذا يدلّ بوضوح على مشروعية ذلك.
(الثاني) – إنّ الإسلام قد أهتمّ بحفظ النظام المادّي والمعنوي وإجراء الأحكام على مجاريها، ومن الطبيعي أنّ هذا يقتضي أن يعزّر الحاكم كلّ مَن خالف النظام.
(الثالث) – النصوص الخاصّة الواردة في موارد مخصوصة الدالّة على أنّ للحاكم التعزير والتأديب حتّى في الصبي والمملوك.
(الرابع) ما ورد في عدّة روايات من أنّ الله تعالى جعل لكلّ شيء حدّاً:
(منها) – معتبرة سماعة عن أبي عبد الله× قال: (إنّ لكلّ شيء حدّاً، ومَن تعدّى ذلك الحدّ كان له حدّ)< (45).
نعم نصّ بعض الفقهاء على أنّ التعزير يكون لخصوص الكبائر لا الصغائر (46).
ومن خلال ما تقدّم وما نقلناه في الهامش من مصادر تثبت القضية الأُولى، وهي أنّ لكلّ محرّم عقوبة وتعزير، وعلى أقل تقدير لكلّ كبيرة ـ وهو محلّ اتّفاق ـ، ومن الواضح أنّ ترك الحجاب وما يؤدّي إليه من معاصي ونتائج خطيرة على المجتمع يُعدّ من الكبائر، إذن فالقضية الأُولى ثابتة.
القضية الثانية: ثبوت تنفيذ العقوبات بعهدة الدولة.
من الأُمور الواضحة والثابتة في الفكر الإسلامي أنّ هناك ولاية للمعصوم× في إجراء الحدود والتعزيرات، وكذا قد ثبت في محلّه أنّ هذه الولاية تكون للحاكم الجامع للشرائط، ويكون ذلك من خلال محكمة عادلة يرأسها قاض قد استجمع شرائط القضاء، وقد ذكرنا هذا البحث في مقال سابق بشكل مفصّل، ننقل موضع الحاجة منه:
>هناك مجموعة من الشرائط لابدّ من توفّرها في القاضي حتّى يمكنه تقلّد هذا المنصب والحكم وفصل الدعاوي:
الشرط الأوّل: البلوغ، وقد استدلّ على شرطية البلوغ بمجموعة من الأدلّة: منها: الإجماع، والأصل، وانصراف الأدلّة عن الصبي، ومعتبرة أبي خديجة المتقدّمة، ومقبولة ابن حنظلة، ومناسبة الحكم للموضوع، وربما يُعدّ منها السيرة العقلائية والمتشرعية المتّصلة بزمن المعصوم×، ومنها: سلب فعل الصبي وعبارته، إلى غير ذلك من الأدلّة.
نعم، ذُكرت عدّة مناقشات على بعض هذه الوجوه أو جميعها، إلّا أنّ التسالم يمنع من الأخير وهو منع الجميع.
الشرط الثاني: العقل، ودليله واضح.
الشرط الثالث: الذكورة، وقد استدلّ على شرطيتها بوجوه: منها: الإجماع، وصحيحة أبي خديجة المتقدّمة، ومقبولة ابن حنظلة، والنبوي: “لا يفلح قوم وليتهم امرأة”، والنبوي الآخر: “ليس على المرأة جمعة… ولا تولّي القضاء”، والنبوي الثالث: “لا تولّى المرأة القضاء ولا تولّى الإمارة”، ومنها انصراف أدلّة القضاء عن المرأة، وغير ذلك.
وقد ذُكرت مجموعة من الملاحظات على بعض الوجوه، راجعها في المطوّلات الفقهية (47)، إلّا أنّ التسالم بين الفقهاء قديماً وحديثاً يُثبت الشرطية.
الشرط الرابع: الإيمان، وقد استدلّ عليه بالإجماع، وعدّة روايات، منها: معتبرة أبي خديجة المتقدّمة، ومقبولة عمر بن حنظلة، وقد استدلّ على ذلك أيضاً بمثل قوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلَاً) (48)، إلّا أنّ المناقشة في الاستدلال بهكذا آيات واضحة، إذ الكلام عن الإيمان الذي هو شرط هنا هو الولاية لأهل البيت(عليهم السلام) في قبال أبناء العامّة، وأمّا الإيمان في الآية فهو في قبال الكفر، فهو شامل لعموم المسلمين، نعم هذه الآية تدلّ على شرطية الإسلام.
الشرط الخامس: الاجتهاد، وقد استدلّ على شرطيّته بعدّة أدلّة: منها: الإجماع، ومنها: الخروج عن الأصل، وهو يعني أنّ حكومة شخص على آخر خلاف الأصل، ولا يخرج عن هذا الأصل إلّا في القدر المتيقّن، والقدر المتيقّن هو حكومة المجتهد، ومنها: مجموعة من الآيات القرآنية التي دلّت على أنّ الحكومة لرسول الله(ص) وأهل بيته، كآية أُولي الأمر، ولا يخرج عن هذه الآيات إلّا بإذنهم(عليهم السلام)، ولم يأذنوا إلّا المجتهدين، ومنها: مجموعة من الروايات كمعتبرة أبي خديجة ومقبولة ابن حنظلة.
وهناك مجموعة من الشرائط الأُخرى التي لابدّ أن تتوفّر في القاضي من قبيل: طهارة المولد، والعدالة، والرشد، والعلم بأحكام القضاء، والحرّية عند بعض الفقهاء، وقد ذُكرت أدلّة عديدة على هذه الشروط، وذُكرت ضمنها نقاشات كثيرة، راجعها في المطوّلات الفقهية الاستدلالية، وبحثها خارج عن هذه الدراسة.
والنتيجة: إنّ مَن توفّرت فيه الشروط المتقدّمة، فإنّه يحقّ له تقبل منصب القضاء، ويحقّ له إصدار الأحكام القضائية الشرعية، سواء كانت مرتبطة بحقوق الله تعالى من التعزيرات والحدود وغيرهما، أو كانت في مسائل الدعاوي والمرافقات وفضّ النزاعات بين أفراد المجتمع، أي ما يرتبط بحقوق الناس ومشاكلهم< (49).
ومن الواضح فإنّ بحثنا حول تدخّل الدولة الإسلامية المشروعة التي تكون تحت نظر نائب الإمام×، وعليه فتثبت القضية الثانية أيضاً، وهي أنّه يجوز للدولة أن تجري التعزيرات والعقوبة على ترك الحجاب منها.
إذن يتشكّل دليلان لإثبات المطلوب:
الحجاب من الواجبات في الشريعة الإسلامية، وتركه من المحرّمات (صغرى الدليل الأوّل).
كلّ فعل محرّم في الشريعة عليه العقوبة والتعزير (كبرى الدليل الأوّل).
إذن: تارك الحجاب يستحقّ العقوبة والتعزير (صغرى الدليل الثاني).
يحقّ للدولة الإسلامية المشروعة أن تجري كلّ الحدود والتعزيرات (كبرى الدليل الثاني).
النتيجة النهائية: يجب على الدولة أن تفرض الحجاب وتُعاقب تاركه.
وقلنا يجب ولم نقل يحقّ؛ لأنّ إجراء الحدود والتعزيرات من الواجبات التي تُعتبر بعهدة الحاكم الشرعي، ومن أهم وظائفه ومسؤوليّاته، والمسألة مذكورة مفصّلاً في محلّها.
فهذا الدليل أيضاً يثبت المسؤولية لا مجرد الحقّ.
الدليل الرابع: إلغاء الخصوصية
وردت مجموعة من النصوص في الشريعة الإسلامية تُثبت التعزير على بعض المحرّمات، وتلك المحرّمات متنوّعة، وفي أبواب متعدّدة من الفقه، ولا يوجد جامع مشترك فيما بينها إلّا أنّها أُمور محرّمة، فإذا ألغينا خصوصية كلّ موضوع، يثبت أنّ لكلّ محرّم عقوبة معيّنة يحدّدها الحاكم بحسب ما يراه من المصلحة، وهنا أيضاً لابدّ من إثبات قضيّتين:
الأُولى: نفي الخصوصية
يمكن إثبات نفي الخصوصية من خلال متابعة العقوبات المنصوصة، فهي على أنواع:
منها: ما جاء في مثل حقّ الله تعالى، ولا علاقة لحقّ الناس به، من قبيل الاستمناء، وكما في التقرّب للزوجة وقت الحيض أو في شهر رمضان، ومن قبيل أكل الميتة والدم.
ومنها: ما جاء في مثل حقّ الناس، من قبيل ما جاء في السبّ والشتم، والنظر إلى بيوت الناس.
ومنها: من قبيل النوم تحت لحاف واحد.
ومنها: البقاء مع الأجنبية في خلوة.
ومنها: ما يضرّ بالمجتمع ككلّ، من قبيل الاختلاس والاحتكار، وأكل الربا، وشهادة الزور.
إلى غير ذلك من الأحكام التي ورد فيها عقوبة التعزير، والملاحظ أنّه لا فرق بين الذنب الكبير ولا الصغير، ولا في حقّ الله ولا الناس، ولا في المعصية الفردية ولا الاجتماعية، فالظاهر أنّه لا خصوصية للموضوعات المذكورة في النصوص، وإنّما العقوبة على الذنب وما أرتكبه من الحرام (50).
القضية الثانية: ثبوت تنفيذ العقوبات بعهدة الدولة.
وقد تقدّم الكلام عن إثبات هذه القضية في الدليل السابق.
تحليل الدليل الرابع:
إنّ إثبات أو نفي القضية الأُولى في الدليل المتقدّم يعتمد على ملاحظة النصوص الواردة في كلّ مورد تقدّم، حيث أنّه بدون ملاحظة النصّ الوارد لا يمكن أن ننفي الخصوصية، لأنّه ربما تكون النصوص أشارت لبعض الخصوصيات، لذلك نقول:
أمّا فيما يرتبط بالاستمناء: فقد جاء فيه: >عن أبي جعفر× قال: إنّ عليّاً× أُتي برجل عبث بذكره حتّى أنزل، فضرب يده حتّى احمرّت، قال: ولا أعلمه إلّا قال: وزوّجه من بيت مال المسلمين< (51).
وجاء أيضاً: >سُئل الصادق× عن الخضخضة، فقال: إثم عظيم قد نهى الله في كتابه، وفاعله كناكح نفسه، ولو علمت بما يفعله ما أكلت معه، فقال السائل: فبيّن لي يا ابن رسول الله من كتاب الله فيه، فقال: قول الله: “فمن ابتغى وراء ذلك فأُولئك هم العادون”، وهو ممّا وراء ذلك، فقال الرجل: أيّما أكبر؟ الزنا أو هي؟ فقال: هو ذنب عظيم، قد قال القائل بعض الذنب أهون من بعض، والذنوب كلّها عظيم عند الله لأنّها معاصي، وأنّ الله لا يُحبّ من العباد العصيان، وقد نهانا الله عن ذلك لأنّها عن عمل الشيطان، وقد قال: “لا تعبدوا الشيطان”، “إنّ الشيطان كان لكم عدوّ فاتّخذوه عدوّاً إنّما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير< (52).
ربما يقال: في النصين المتقدّمين يمكن أن نحتمل الخصوصية حيث أنّ الاستمناء يمكن أن يهدّد الأمن العائلي في المجتمع، وأنّ الشريعة قد تشدّدت كثيراً في المسائل الجنسية وما يرتبط بها، حيث أنّها وضعت قوانين واضحة للزواج، وحذّرت من تجاوزها، وهو ما نصّت عليه الرواية الثانية مع الاستشهاد بالآية القرآنية المباركة.
ولكن يمكن أن نناقش ونقول:
إنّ الرواية الأُولى لم تشر إلى خصوصية معيّنة، وإنّما مجرد عقوبة التعزير، ومنه استنتج الفقهاء حرمة نفس الفعل، وأمّا الرواية الثانية فهي وإن أمكن استظهار الخصوصية من صدرها، إلّا أنّ النصّ في ذيلها ينفي الخصوصية، حيث أنّ ذيل الرواية أشار إلى أمرين:
الأمر الأوّل: إنّه لا فرق في الذنوب، وأنّها جميعاً معصية لله تعالى، حيث أنّها كلّها عظيمة عند الله ومعصية له.
الأمر الثاني: إنّ الرواية طبّقت المعصية على فعل الاستمناء، وأنّه استحقّ العقوبة لأنّه استمنى.
وبعبارة أُخرى: الظاهر أنّ العقوبة على الاستمناء لأنّه معصية، وكلّ معصية هي أمر عظيم عند الله، لا أنّ العقوبة على الاستمناء لأنّه معصية خاصّة، وبذلك يمكن أن ننفي الخصوصية من العقوبة على ذنب الاستمناء.
وأمّا فيما يرتبط بالتقرّب للزوجة وقت الحيض، فقد جاء فيه: >عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر× عن الرجل يأتي المرأة وهي حائض؟ قال: يجب عليه في استقبال الحيض دينار، وفي استدباره نصف دينار، قال: قلت: جُعلت فداك يجب عليه شيء من الحدّ؟ قال: نعم خمس وعشرون سوطاً، ربع حدّ الزاني لأنّه أتى سفاحاً< (53)، وهناك رواية أُخرى بنفس المضمون < (54).
وهذه الرواية ومثيلتها أشارت إلى أمرين: الأوّل وجوب الكفارة على العمل المذكور، الثاني: وجوب الحدّ المعين على الفاعل، وكلا الأمرين غريب عمّا نحن فيه، فلا علاقة لبحثنا بالكفّارات، كما لا علاقة للبحث في موارد الحدود، وإنّما كلامنا عن العقوبات التعزيرية، وهو ما نريد إثباته لموضوع ترك الحجاب، وعلى هذا المورد لا يصحّ التمسّك به في المقام.
وأمّا فيما يرتبط بالتقرّب للزوجة وقت الصيام، فقد جاء فيه: > عن أبي عبد الله× في رجل أتى امرأته وهي صائمة وهو صائم، قال: إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة، وإن كان أكرهها فعليه ضُرب خمسين سوطاً نصف الحدّ، وإن كانت طاوعته ضُرب خمسة وعشرين سوطاً، وضُربت خمسة وعشرين سوطاً< (55).
الكلام عن هذه الرواية كسابقتها، فلا يصحّ الاستدلال والاستشهاد بها في المقام.
وأمّا فيما يرتبط بأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، فقد جاء فيه: >عن أبي عبد الله× أنّه قال: آكل الميتة والدم ولحم الخنزير عليهم أدب، فإن عاد أُدّب، قلت: فإن عاد يُؤدّب؟ قال: يُؤدّب، وليس عليهم حدّ<، ورواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمار مثله، إلّا أنّه قال: وليس عليه قتل< (56).
في هذه الرواية يمكن أن ننفي الخصوصية عن كلّ مورد من الموارد الثلاثة، حيث أنّها جمعتهم في خطاب واحد، ولكن من المحتمل أن تكون هناك خصوصية للآكل الذي اشتركت فيه الموارد، وعليه فلا يصحّ الاستدلال بها.
وأمّا فيما يرتبط بالسبّ والشتم والهجاء، فقد جاء فيه: >عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سألت أبا عبد الله× عن رجل سبّ رجلاً بغير قذف يعرض به، هل يُجلد؟ قال: عليه تعزير<، ورواه الشيخ بإسناده عن يونس مثله< (57)، وجاء أيضاً: >عن أبي عبد الله× قال: إذا قال الرجل: أنت خبيث أو أنت خنزير فليس فيه حدّ، ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة< (58). وجاء أيضاً: >عن أبي جعفر× قال: قضى أمير المؤمنين× في الهجاء التعزير، محمّد بن الحسن بإسناده عن علي بن إبراهيم مثله< (59).
الموارد المتقدّمة جميعها بين طرفين أي: معتدي ومعتدى عليه، وهذه الأُمور إذا لم يوضع لها حدّ واضح في الشريعة، فسوف تؤدّي إلى الانفلات وعدم الأمن في المجتمع، حيث أنّ المعتدى عليه سوف يرد بالمثل أو أكثر، فالشريعة جعلت تعزيراً لهذا العمل للحدّ من المشاكل الكثيرة التي يمكن أن تترتّب عليه فيما لو تُركت المسألة بلا تعزير، وهذه خصوصية محتملة جدّاً تميّز هذا النوع على غيره من المعاصي والمحرّمات.
وأمّا فيما يرتبط بالنظر إلى بيوت الآخرين فقد جاء فيه: >عن أبي جعفر× قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام، وقال: مَن اطّلع على مؤمن في منزله فعيناه مباحة للمؤمن في تلك الحال< (60).
الخصوصية المحتملة في رواية هذا المورد كسابقاتها.
وأمّا ما يرتبط بالنوم تحت لحاف واحد، فقد جاء فيه: > عن أبي عبد الله× قال: حدّ الجلد أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يُجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحدّ، والمرأتان تُجلدان إذا أخذتا في لحاف واحد الحدّ< (61).
يمكن الإشكال على نفي الخصوصية من هذا المورد بإشكالين:
الأوّل: إنّ الخصوصية محتملة هنا، حيث أنّ هذا المورد من موارد الأُمور الجنسية التي احتاط فيها وفي أمثالها الشارع كثيراً.
الثاني: إنّ الرواية جاء فيها لفظ الحدّ وكلامنا عن التعزير، فالرواية أجنبية عمّا نحن فيه.
فإن قلت: إنّ لفظ الحدّ هنا أُخذ بمعناه اللغوي لا الاصطلاحي، والمقصود منه مطلق العقوبة التعزيرية، ولذلك لم تُحدّد عقوبة معيّنة.
قلت: في هذه الرواية لم تُحدّد عقوبة معيّنة، ولكن في رواية أُخرى قد حدّدت بمئة، جاء عن أبي عبد الله× قال: سمعته يقول: حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يوجدان في لحاف واحد، والمرأتان توجدان في لحاف واحد< (62)، وكيف ما كان فالخصوصية في المورد محتملة.
وأمّا فيما يرتبط بالبقاء مع الأجنبية في خلوة، فقد جاء فيه: >عن أبي عبد الله× قال: إذا وجد الرجل مع امرأة في بيت ليلاً وليس بينهما رحم جُلدا<، وجاء أيضاً: >عن جعفر، عن أبيه(عليهما السلام)، أنّه رُفع إلى أمير المؤمنين×: رجل وجد تحت فراش امرأة في بيتها، فقال: هل رأيتم غير ذلك؟ قالوا: لا، قال: فانطلقوا به إلى مخروة، فمرغوه عليها ظهر البطن، ثمّ خلّوا سبيله< (63).
والخصوصية هنا محتملة أيضاً لما تقدّم.
وأمّا فيما يخصّ الاختلاس والاحتكار وأكل الربا وشهادة الزور وما شاكل، فهي من الجرائم المصنّفة عالمياً سواء عند اتباع الديانات أو غيرهم، وهذا يدلّ على الخصوصية الواضحة لمثل هذه الأُمور كونها تُهدّد المجتمع بشكل عام، فإذا كان الحجاب يُمثّل هذا الخطر الكبير فممّا لا إشكال فيه بأنّه لابدّ من فرضه، ولكن كلّ الكلام في إثبات ذلك.
ومن خلال ما تقدّم يتبيّن ضعف هذا الدليل، حيث أنّه لا دليل على نفي الخصوصية بل الخصوصية محتملة، وجميع ما تقدّم من الموارد لا يصلح لنفيها، وإذا كان ثم مورد أو أكثر يمكن نفي خصوصيّته، فهذا لا يجيز لنا أن نعمّم العقوبة لكلّ ذنب، وإن اختلف عنه ماهية وحقيقة.
الدليل الخامس: شعائرية الحجاب
أكّد الإسلام على الالتزام بمجموعة من الأحكام من باب أنّها أصبحت شعائر للإسلام، وعلامات فارقة بين المسلم وغير المسلم، وقد عُدّ تركها من المخالفات التي تستحقّ العقوبة، وإنّ للحاكم أن يجبر الناس على ممارستها، وإن كانت تلك الأحكام في نفسها، ولكلّ فرد فرد مستحبّة، والحجاب يُعتبر من الشعائر والعلامات الإسلامية، من هنا كان للحاكم فرضه وعقوبة مَن تركه.
ولكي يتمّ هذا الدليل لابدّ من إثبات الكبرى، وهي استحقاق العقوبة على ترك الأحكام الشعائرية، وإثبات الصغرى وهي شعائرية الحجاب.
أمّا الكبرى، فقد أشار الفقهاء إلى جملة من المواضيع التي فُرضت لأجل شعائريتها من قبيل: الأذان والإقامة، وزيارة الرسول الأعظم| في حال أعرض الناس عن الزيارة، وكذا زيارة الأئمّة عليهم السلام، وصلاة الجماعة.
قال الشهيد الأوّل في القواعد: >وثانيهما: ما يكون زاجراً عن الإصرار على القبيح، كقتل المرتد والمحارب، وقتال الكفّار والبغاة، والممتنع عن الزكاة، وقتال الممتنعين عن إقامة شعائر الإسلام الظاهرة، كالأذان وزيارة النبي والأئمّة عليهم الصلاة والسلام< (64).
وأمّا الصغرى، فيمكن الاستدلال عليها بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (65)، حيث جعلت الآية الحجاب من العلامات الفارقة بين المسلمة وغيرها، وأنّ المسلمة تُعرف بالحجاب، فهو علامة وشعار لها (66).
ويمكن أن يُذكر أيضاً من أدلّة إثبات شعائرية الحجاب، ما نجده من المنع للحجاب في الدول الغربية وغير الإسلامية، وقد بيّنوا السبب في منعهم له أنّه من العلامات التي تفرّق المجتمع وتميّزه، وهذا يدلّ على أنّ شعائرية الحجاب الإسلامية من الأُمور الواضحة.
الإشكال على الدليل الخامس
يمكن أن يناقش الدليل الخامس بأُمور:
الأوّل: إنّ جملة من الأُمور التي ذُكرت هي محلّ نقاش واختلاف بين الفقهاء، بل الأكثر على أن جملة ممّا تقدّم ليست واجبة من قبيل الأذان والجماعة، قال العلّامة في التذكرة: >الجماعة مشروعة في الصلوات المفروضة اليومية بغير خلاف بين العلماء كافّة، وهي من جملة شعائر الإسلام وعلاماته… الجماعة ليست فرض عين في شيء من الصلوات الخمس… إذا ثبت هذا، فإنّ أهل البلد لو تركوها لم يأثموا ولم يقاتلوا، وهو أحد قولي الشافعية لأنّها مستحبّة< (67)، وكذا أشكل في النهاية (68).
وعليه فالمسألة بحاجة إلى بحث فقهي موسّع يطرح أدلّة كلّ موضوع على حدة، ثمّ يجمع المشتركات، ثمّ تظهر النتيجة الاجتهادية لما نحن فيه.
الثاني: إنّ الموارد المتقدّمة جاء فيها نصوص معيّنة دعت بعض الفقهاء للقول بوجوب فرضها حال تركها من قبل المجتمع، وما ذُكر من كونها شعائر فلعلّه من باب الحكمة لا غير، وإلّا فلا هي علّة منصوصة ولا هي علّة قطعية للحكم، وعليه لا يمكن تسريتها إلى موارد أُخرى.
الثالث: بناء على وجوب فرض الموارد المتقدّمة فهو ليس من باب الشعائرية فقط، وإنّما الوجوب بسبب تركها من قبل المجتمع ككل، أي في حال إعراض المجتمع الإسلامي عن هذه الأُمور فللحاكم أن يجبرهم على ذلك، وهذا غير ما نحن فيه من ضرورة فرض الحجاب على كلّ امرأة تترك الحجاب، فغاية ما يثبته الدليل لو تمّ هو فرض الحجاب في حال ترك المجتمع بأجمعه الحجاب.
وعليه: فهذا الدليل غير تام، وفي أحسن حالاته يُثبت الوجوب في حالة خاصّة، وهي حالة إعراض المجتمع عن الحجاب.
مجموعة من الأدلّة غير التامّة
ذُكرت في بعض البحوث مجموعة من الأدلّة على مشروعية تدخّل الدولة في مسألة فرض الحجاب، ولكنّها أدلّة ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها، ونحن سوف نذكرها بشكل موجز من باب الإشارة لتتميم البحث:
الدليل الأوّل: دليل الأولوية
ذُكرت في المقام ثلاثة أولويات تدلّ على مسؤولية الدولة في مسألة فرض الحجاب (69):
الأولوية الأُولى: أولويت الإلزام، وهي تعني أنّ هناك مجموعة من الأحكام الشرعية المستحبّة وغير الملزمة قد جعل الشارع عقوبة على تركها، من قبيل صلاة الجماعة والأذان والإقامة، فإذا كانت بعض الأحكام غير الإلزامية فيها عقوبة فبالأولوية تكون هناك عقوبة للأحكام الإلزامية.
ويتّضح الجواب عن هذه الأولوية في الجواب المتقدّم على الدليل الخامس، بالإضافة إلى أنّ العقوبة ليست للأمر غير الإلزامي، وإنّما هو للإعراض عنه من قبل المجتمع ككل، وهذا أمر ممنوع شرعاً، فلا أولوية في البين أصلاً.
الأولوية الثانية: أولوية الأحكام التوصّلية على التعبّدية.
إنّ الشريعة فرضت عقوبة على بعض الأحكام التعبّدية والتي تحتاج إلى نية القربة، من قبيل الإجبار على الحجّ وزيارة الرسول وأهل بيته، مع أنّه لا يجتمع الإجبار مع التعبّدية، فإذا جاز الإجبار على الأحكام التعبّدية فمن باب أولى يصحّ الإجبار على الأحكام التوصّلية التي لا تحتاج إلى نية قربة، وفرض الحجاب من الأحكام التوصّلية.
أقول: وهذه الأولوية كما ترى.
الأولوية الثالثة: أولوية الأحكام الاجتماعية على الشخصية.
هناك مجموعة من الأحكام الشخصية يحقّ للدولة أن تفرضها على المكلّفين، من قبيل اهتمام المزارع بزرعه وحيونته وما شاكل، وإذا كان هذا يحقّ لها فمن باب أولى يحقّ لها فرض الأحكام الاجتماعية والتي منها الحجاب.
قلت: أمّا كون الحجاب من الأحكام الاجتماعية فهذا ما قدّمنا عنه البحث بشكل مفصّل، واعتبرناه أحد الأدلّة التامّة في المقام، وأمّا ما طُرح من الأولوية فهو أوّل الكلام.
الدليل الثاني: قياس الأولوية أو المساوات
جعلت الشريعة الإسلامية عقوبة على مجموعة من الذنوب والمعاصي، من قبيل: الاستمناء ونوم مرأتين أو رجلين تحت لحاف واحد، والتقبيل بشهوة في موارد المنع، وأكل الميتة والدم، وما شاكل، وبما أنّ ترك الحجاب أكثر مفسدة من هذه المواضيع فبقياس الأولوية تكون لترك الحجاب عقوبة، أو لا أقل أنّه لا يقلّ عنها مفسدة، فبقياس المساواة تكون لترك الحجاب عقوبة (70).
أقول: وهو كما ترى، بالإضافة إلى أنّه تمّ نقاش الموارد المذكورة فيما تقدّم.
الدليل الثالث: قاعدة اللطف
إنّ اللطف من القواعد الكلامية في المذهب الإمامي، وهذه القاعدة تعني أنّ الله تعالى يأتي بما يقرّب العبد إلى الطاعة، ويبعده عن المعصية من خلال الأحكام الشرعية، وكذلك من خلال تهيئة الظروف المناسبة لامتثال الواجبات وترك المحرّمات، ومن موارده فرض الحجاب، لأنّ الحجاب من شأنه أن يحضّ المجتمع عن الوقوع في المعصية… (71).
أقول: والقاعدة مناقشة كبرى وصغرى وتطبيقاً.
الدليل الرابع: سيرة العقلاء
إنّ سيرة العقلاء قائمة على أنّ ما يضرّ المجتمع ومصالحه لابدّ أن يُمنع ويُعاقب كلّ مَن أرتكبه، وبما أنّ ترك الحجاب يؤدّي إلى مفاسد اجتماعية عديدة، إذن فالسيرة تقتضي منع تركه وعقوبة المخالف.
أقول: هذا الدليل فيه مناقشات عديدة (72)، ولو تمّ فهو أخصّ من المدّعى، حيث أنّه يتمّ في مورد تحقّق الفساد الذي يضرّ بمصلحة المجتمع ككل.
وهناك أدلّة ضعيفة أُخرى ذُكرت في المقام نعرض عنها توخّياً للاختصار.
إشكالات وردود
ذُكرت في المقام مجموعة من الإشكالات على مسألة تدخّل الدولة في مسألة فرض الحجاب، نستعرضها ونبيّن الجواب عنها:
الإشكال الأوّل: عدم وجود شاهد تاريخي على تطبيق الحكم
صاحب هذا الإشكال يدّعي أنّه لا يوجد ولا شاهد واحد على أنّ أهل البيت قد عاقبوا امرأة على ترك الحجاب، فلو كان عقاب المرأة التاركة للحجاب أمراً مشروعاً وأنّه من مسؤولية الدولة لنُقل لنا ولو شاهداً واحداً على ذلك، وبما أنّه لم يُنقل فهذا يدلّ على أنّه لا يحقّ لأحد التدخّل في ذلك، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الحجاب وعدم الحجاب حالة عامّة في المجتمع الإسلامي من الصدر الأوّل وإلى يومنا هذا، فالمسألة بهذا الحجم وبهذا الانتشار وبهذه الأهمّية ولا يوجد شاهد عليها، فهذا دليل على عدم المشروعية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ هناك أُموراً اقلّ أهمّية من هذه المسألة، ومع ذلك نجد لها شواهد في التاريخ (73).
جواب الإشكال الأوّل:
يمكن الجواب عن الإشكال المتقدّم بأُمور:
الأمر الأوّل: قد ثبت فيما تقدّم وبعدّة أدلّة مسؤولية الدولة والحاكم الإسلامي عن مثل مسألة الحجاب وفرضها ومعاقبة المقصّر في ذلك، ومع تمامية الأدلّة لا يضرّ عدم النقل التاريخي للمسألة.
الأمر الثاني: إنّ الأدلّة المتقدّمة أثبتت أصل المطلب، والإشكال المتقدّم ينفي التطبيق لا أصل الدليل، وهناك فرق بين الأمرين.
الأمر الثالث: لو سلّمنا إمكان تسرية عدم التطبيق إلى إثبات عدم الدليل ووهنه، فهو لا يكون إلّا مع عدم أي احتمال آخر لعدم النقل التاريخي، وفي المقام يوجد أكثر من احتمال:
منها: قد تحقّق ذلك، ولكنّه لم ينقل لأسباب قد لا نعرفها.
ومنها: أنّه قد تحقّق ولكنّه في مجالات ضيّقة لم يتيسّر للعموم مشاهدتها، حيث لم يثبت أنّ عقوبة ترك الحجاب لابدّ أن تكون علنية.
ومنها: قد نُقل إلّا أنّه ضاع مع ما ضاع من التراث الإسلامي الكثير.
الأمر الرابع: إنّ فترات حكومة الصالحين كانت قليلة جدّاً، فعدم نقل تحقق هذا الأمر فيها أمر طبيعي جدّاً، وأمّا فعل بقية الحكومات فلا يصحّ الاستدلال به كما هو واضح.
الأمر الخامس: هناك موارد كثيرة في الفقه لم ينقل تطبيقها مع عمومها وانتشارها، ومَن راجع أبواب الحدود والتعزيرات يقف على بعضها.
الإشكال الثاني: الحجاب أمر شخصي
استدلّ البعض على أنّه لا يحقّ للدولة الدخالة في أمر الحجاب، بأنّ الحجاب أمر شخصي أوكلته الآية القرآنية إلى صفة الإيمان، وصفة الإيمان حالة شخصية ترتبط بعقيدة كلّ فرد، هذا بالإضافة إلى أنّ الشريعة الإسلامية لم تُحدّد أي عقوبة لترك الحجاب، ومع عدم التحديد لا يصحّ الفرض والإجبار (74).
جواب الإشكال الثاني:
ويرد عليه أُمور:
أوّلاً: إنّ مخاطبة المؤمنين والمؤمنات ببعض الأحكام لا يعني أنّها غير شاملة لغيرهم، وذلك فقد ذهب المشهور من الفقهاء إلى أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع، وهذا بحث مفصّل مذكور في محلّه (75).
ثانياً: إنّ تخصيص الخطاب بالمؤمنين والمؤمنات من حيث أنّهم الذين يلتزمون بالأحكام والواجبات.
ثالثاً: إنّ خطاب المؤمنين والمؤمنات قد فرض ذلك عليهم لا أنّه جعله باختيارهم، فما استنتج كان مغالطة واضحة وصريحة، قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَو آبَائِهِنَّ أَو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبْنَائِهِنَّ أَو أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو إِخْوَانِهِنَّ أَو بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَو بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَو نِسَائِهِنَّ أَو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَو التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَو الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِين مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جميعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (76)، فهذه مجموعة من الأوامر التي وجّهها القرآن الكريم للمؤمنات، فأين الاختيار في ذلك؟
رابعاً: إنّ الكثير من المخالفات الشرعية الاجتماعية لم يوضع لها حدّ معيّن، بل أوكل أمرها إلى الحاكم الشرعي، لذلك فإنّ العقوبات في الشريعة الإسلامية تُقسّم إلى الحدود والتعزيرات، والتعزيرات تعني تلك العقوبات التي يحدّدها الحاكم الشرعي وفقاً لما تقتضيه المصلحة، وما يقتضيه الموقف، ومقدار الجرم وتأثيره على الفرد والمجتمع، فلا ملازمة أصلاً بين الحقّ الاجتماعي وبين تحديد عقوبة معيّنة.
خامساً: هناك آيات قرآنية عديدة خاطبت المؤمنين والمؤمنات بخطابات جعلت عليهم واجبات اجتماعية، وفي مخالفتها عقوبات ومؤاخذات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) (77)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ) (78)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (79)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ) (80)، فالدولة الإسلامية من حقّها أن تُعاقب من يأكل الربا ويأكل الأموال بالباطل، وكذا الذي يخالف قول الرسول وأُولي الأمر، أو الذي لا يقاتل الكفّار وقت وجوب الجهاد، وغير ذلك من الآيات القرآنية (81).
الإشكال الثالث: لا إكراه في الدين
إنّ الدين الإسلامي يؤكّد على أنّه لا إكراه في الدين ولا إجبار، وإنّ الإنسان مختار في أفعاله وتصرّفاته واختياراته، وعليه فلا يحقّ للدولة ولا غيرها أن يفرض الحجاب، قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (82) وقال تعالى: (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) (83) وغيرها من الآيات (84).
جواب الإشكال الثالث:
يمكن أن يُجاب عن هذا الإشكال بأُمور:
أوّلاً: إنّ مورد الآية المسائل العقائدية لا الفقهية، فحديثنا خارج موضوعاً عن الآية.
ثانياً: لو التزمنا بالآية في هذا المورد، فلابدّ أن نلتزم بها في جميع الموارد الأُخرى المماثلة، وهو كما ترى.
ثالثاً: إنّ مَن يتعدّى على حقوق الآخرين لابدّ أن يُعاقب ويوقف عند حدوده، وترك الحجاب تجاوز على حقوق الآخرين، كما أثبتنا هذا في الدليل الأوّل المتقدّم، فحتّى لو سلّمنا دلالة الآية في الأُمور الفقهية، فهي في الأُمور الشخصية التي ليس فيها تعدّ على حقوق الآخرين، فمسألتنا خارج حدود الآية.
الإشكال الرابع: استثناء غير الحرائر من حكم الحجاب
إنّ استثناء غير الحرائر من حكم الحجاب وكذا الكتابيّات يدلّ على أنّ الحجاب ليس حكماً اجتماعياً، وإلّا لما استثنين، فاستثناؤهنّ سوف ينفي أي فائدة اجتماعية لفرض الحجاب، لأنّه سوف يكون حالة ظاهرة في المجتمع آنذاك (85).
جواب الإشكال الرابع
يمكن الجواب عن هذا الإشكال بأُمور:
أوّلاً: قد ثبت بالدليل الواضح أنّه لابدّ من فرض الحجاب، وإنّ هذا مسؤولية الدولة والمجتمع، ومع هذا الثبوت فلا يضرّ استثناء غير الحرائر والكتابيات، حيث أنّ غايته ينفي بعض الفوائد الظاهرة من الحجاب، وستبقى هناك فوائد عديدة في المقام، هذا غير الفوائد التي لم نطّلع عليها إلى الآن.
ثانياً: إنّ استثناء حالة أو حالتين من حكم كلّي عامّ لا يضرّ بالحكم، فكم من حكم عامّ له مستثنيات بحسب الظروف والمقتضيات، وهذه حالة عامّة وشائعة في القوانين الدينية والوضعية.
ثالثاً: إنّ استثناء غير الحرائر والكتابيّات كانت له فوائد مهمّة، حيث أراد الإسلام أن يهيئ الأرضية لتحرير وإسلام تلك النساء، ففي الحقيقة أنّ الإسلام بصدد علاج حالات يعيشها المجتمع آنذاك (86)، ومن هنا لعلّه يمكن أن يقال: أنّ حكم الاستثناء كان لفترة معينة وتحت ظروف معينة، وقد قلنا في مقال سابق: >إنّ هذه الحالة لابدّ أن تُدرس وتُبحث في محلّها، وأنّه لابدّ من دراسة الأوضاع الاجتماعية آنذاك والوقوف على رؤى المجتمع وقناعاته، خصوصاً وأنّ الأزمان المتأخّرة ليس فيها إماء وجواري، لذلك من الصعب إدراك الوضع والإحساس به لمجرد قراءة بعض الروايات.
الإشكال الخامس: الشكل الفعلي للحجاب لا أصل له
إنّ الشكل الفعلي للحجاب والطريقة المنتشرة اليوم لإسلوب الحجاب لا أصل ديني لها، حيث أنّ الحجاب كان له شكل آخر، ففرض هذا النحو من الحجاب في هذه الأزمان لا معنى له (87).
جواب الإشكال الخامس
يمكن الجواب عن هذا الإشكال بما يلي:
أوّلاً: كلامنا عن فرض الحجاب بأيّ نحوكان، سواء كان بهذه الكيفية أو بغيرها، فاختلاف الكيفية لا يغيّر من الحكم شيئاً.
ثانياً: إنّ حدود الحجاب اليوم هو ما استنتجه الفقهاء اعزّهم الله من مجموع الآيات والروايات، وكلامهم حجّة في المقام، وعليه العمل وله الاعتبار.
ثالثاً: هناك شواهد عديدة على أنّ الحجاب في ذلك الزمان إن لم يكن أكثر فهو ليس بأقل، كما نُقل عن حجاب السيّدة فاطمة الزهراء عند خروجها للمسجد بعد وفاة الرسول الأعظم | عندما ألقت خطبتها الشهيرة، وكذا ما نُقل عن السيّدة زينب وبقية نسوة البيت الهاشمي وبعض المؤمنات.
الإشكال السادس: فرض الحجاب خلاف منافع الدولة
إنّ فرض الحجاب يخالف منافع الدولة، حيث أنّه سوف يفرض عليها قيوداً فيما يرتبط بالسياحة والعلاقات الدولية في السياسة والاقتصاد والرياضة والتكنلوجيا، وهو يولّد مقاطعات تؤدّي إلى الخلل في الموارد المذكورة، حيث أنّ الدول يستفيد بعضها من البعض الآخر، فالحجاب سوف يكون حاجزاً ومانعاً من تطوّر وتقدّم الدولة (88).
جواب الإشكال السادس
الجواب بأُمور:
أوّلاً: إنّ الدولة التي تحفظ هويّتها ومعتقدها وتجعل عملها موافقاً لرؤيتها الكونية، سوف تكون منسجمة وواضحة وذات شخصية، وسوف تفرض احترامها وهيبتها على الآخرين.
ثانياً: إنّ حكم الله مقدّم لأنّه تعالى الأعلم بالمصالح والمفاسد، والتوفيق بيد الله تعالى.
ثالثاً: إنّ الدول الأُخرى تتبع المصالح والمفاسد، فإذا استطاعت الدولة الإسلامية أن تقوّي نفسها علمياً واقتصادياً وسياسياً فبقية الدول ستخضع لها، بل وستتأثّر بفكرها وعقيدتها وأسلوبها في الحياة.
رابعاً: إنّ علاج مثل مسألة الحجاب من شأنه أن يحقّق الأمن الاجتماعي والفكري لأفراد المجتمع، ويحقّق لهم الاستقرار، وهذا عامل مهمّ للتطوّر والتقدّم وبناء الدولة القوية.
خامساً: لو تنازلت الدولة عن بعض أحكامها من أجل إرضاء الغير فلتعلم أنّ الغير لا يرضى إلّا بالتنازل عن الجميع، وحتّى عن الهوية والعزّة والكرامة، فإنّ العدو يريد كلّ شيء ولا يقف عند حدّ.
الإشكال السابع: فرض الحجاب يولد الصدام
إنّ فرض الحجاب في المجتمع من قبل الدولة سوف يؤدّي إلى حالة من التصادم بين الأفراد والدولة، وهذا يؤدّي إلى حالة من الإرباك والفوضى وعدم رضاية الناس عن الحكومة، وهذا بدوره يضعف الدولة ويخسّرها الكثير من إمكانيّاتها وقدراتها، وستكون مضرّة فرض الحجاب أكثر من تركه.
جواب الإشكال السابع
يمكن الجواب بأُمور:
أوّلاً: إنّ أكثر أفراد المجتمع الإسلامي ملتزمون بالحجاب، ويعتبروه من الواجبات الدينية التي لابدّ من الالتزام بها، وهذا يعني وجود ثقافة عامّة في المجتمع تقبل الحجاب، وبذلك يكونون قلّة مَن لا يقبلون بالحجاب أو فرضه، فلا تتحقّق السلبيات المتقدّمة في الإشكال.
ثانياً: على الدولة أن تسبق فرض الحجاب بحملة تثقيفية توعوية تُبيّن فيها فوائد الحجاب ومضارّ تركه وحكمه الشرعي، بحيث تكون هناك مقبولية لفرض الحجاب بشكل عام.
ثالثاً: إنّ أحكام الله تعالى لا تُغيّر، وإن رفضت من قبل شريحة من المجتمع، أو تسبّب رفضهم بمشاكل للدولة، فإنّ أحد أهمّ وظائف الدولة هو الحفاظ على الأحكام الشرعية وتطبيقها، وعادة ما يكون هناك مخالف لبعض الأحكام الشرعية، فلو تنازلنا عن كلّ حكم له معارض لما بقي هناك حكم.
الإشكال الثامن: لا فائدة من فرض الحجاب
إذا نظرنا إلى أوضاع الدول التي فرضت الحجاب نجدها أوضاعاً غير جيّدة، وأنّ هناك ردّة فعل على الحجاب بحيث أصبح أمراً مكروهاً ومنبوذاً؛ لأنّ فيه جهة إجبار وغصب، وهذا أضرّ بحكم الحجاب أكثر ممّا أفاد.
جواب الإشكال الثامن:
أوّلاً: لا نُسلّم أنّ الأوضاع مع فرض الحجاب أسوأ حالاً من عدم الفرض.
ثانياً: إنّ في تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران شواهد على أنّ فرض الحجاب كانت فيه ثمرات إيجابية عديدة للمجتمع، وإن كانت هناك تخلّفات في بعض الأماكن.
ثالثاً: هناك عوامل أُخرى هي التي تؤدّي إلى التنفّر من فرض الحجاب، فقد ذكر البعض مجموعة من العوامل (89):
منها: عدم التنسيق بين المؤسّسات الثقافية والاجتماعية والرقابية.
ومنها: عدم الجدّية في إجراء العقوبات التي نصّ عليها القانون.
ومنها: عدم وضوح القانون.
ومنها: المشكلات التي يواجهها تنفيذ القانون.
الخاتمة:
ابتدأنا بحثنا ببيان مجموعة من المفاهيم والمعاني المهمّة التي يتوقّف عليها استخلاص النتائج.
وقد تبيّن ممّا تقدّم أنّ هناك مجموعة من الأدلّة التي تثبت مسؤولية الدولة في مسألة فرض الحجاب، أي أنّ فرض الحجاب من وظائف الدولة المسؤولة عنها، بحيث إذا لم تفرضه أو لم تُعاقب مَن تخلّف عنه فهي مقصّرة في ذلك، والأدلّة هي عبارة عن:
الدليل الأوّل: وهو دليل أنّ الحجاب حقّ عام، والحقوق العامّة يجب مراعاتها من قبل أفراد المجتمع، وأنّ الدولة مسؤولة عن تحقيق وحفظ تلك الحقوق.
الدليل الثاني: وهو دليل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث أثبتنا أنّ الحجاب من المعروف، وأنّ تركه من المنكر، وأنّ من وظائف الدولة النهي عن المنكر والعقوبة على ذلك، لأنّ من مراتب النهي عن المنكر مرتبة التدخّل باليد، وقد فصّلنا الكلام في ذلك على مستوى بيان معاني المفردات والأقسام وعلى مستوى الأدلّة، وكذا ذكرنا مجموعة من الإشكالات في المقام، ورددنا عليها بشكل مفصّل.
الدليل الثالث: لزوم التعزير على فعل الحرام، وقد أثبتنا كبرى الدليل وصغراه من خلال الآيات والروايات وكلمات الفقهاء وما يرتبط بذلك الشأن.
ثمّ ذكرنا دليلين آخرين على المطلب، وهما وإن كانت لهما نسبة من القوّة في الاستدلال على المطلب، إلّا أنّه قد أشكلنا عليهما ببحث مفصّل من خلال الشواهد المذكورة في كلّ دليل، ولذلك لم نتمّم دلالتهما على المطلوب.
ثمّ ذكرنا _ من باب تتميم الفائدة_ مجموعة من الأدلّة الضعيفة التي تمسّك بها البعض، وقد ذكرنا ردوداً بشكل مختصر عليها.
ومن باب التذكير، فإنّ بعض الأدلّة وإن أمكن التمسّك بها إلّا أنّها أخصّ من المدّعى لذلك لم نتمسّك بها في المقام.
ثمّ ذكرنا مجموعة من الإشكالات على أصل حكم فرض الحجاب من قبل الدولة، وأجبنا عليها جميعاً.
ــــــــــــــــــــــــــ
1ـ اُنظر: مباني تكملة المنهاج، ضمن موسوعة السيّد الخوئي: ج 41 ص 12، وغيره من الكتب الفقهية.
2ـ دراسات في ولاية الفقيه: ج1 ص538.
3ـ هذا هو الرأي المشهور في حدود الحجاب الشرعي، وهناك رأي في قباله يوجب على الأحوط ستر تمام البدن حتّى الوجه والكفّين.
4ـ سورة النور: 31.
5ـ دراسات في ولاية الفقيه: ج2 ص21.
6ـ اُنظر: مقال تحت عنوان: (مباني مسئوليت دولت إسلامي در زمينه حجاب بانوان) للكاتب جواد ورعي، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص106.
7ـ اُنظر: مقال (مباني مسئوليت حكومت إسلامي در ترويج حجاب) للباحث حسن علي أكبريان، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص34.
8ـ نهج البلاغة: ج1 ص 91.
9ـ واُنظر أيضاً: مقال تحت عنوان: (مباني اختيارات نظام إسلامي در جلو كيري از بد حجابي) للكاتب سعيد ضيائي فر، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص252.
10ـ تفسير الميزان: ج4 ص255.
11ـ تفسير الميزان: ج2 ص232.
12ـ اُنظر: مقال تحت عنوان (نقد وبررسي أدلّة فقهي الزام حكومتي حجاب) للكاتب: محمّد علي ايازي، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص337.
13ـ آل عمران: 103، 104، 105.
14ـ آل عمران: 110.
15ـ آل عمران: 114.
16ـ الأعراف: 157.
17ـ التوبة: 71
18ـ الكافي: ج5 ص56، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واُنظر: تهذيب الأحكام: ج6 ص180، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
19ـ الكافي: ج5 ص57، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واُنظر: كتاب الزهد للكوفي: ص106، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
20ـ الكافي: ج5 ص62، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واُنظر: تهذيب الأحكام: ج6 ص179، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
21ـ سنن ابن ماجة: ج2 ص1328، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
22ـ سنن ابن ماجة: ج2 ص 1330، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
23ـ المراسم العلوية في الأحكام النبوية: 263.
24ـ الاقتصاد: ص148، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
25ـ المهذّب: ج1 ص341، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
26ـ الوسيلة: 207.
27ـ كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء: ج4 ص426، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
28ـ جواهر الكلام: ج21 ص357، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
29ـ منهاج الصالحين: ج1 ص415، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
30ـ مفردات ألفاظ القرآن، مادّة عرف.
31ـ مجمع البحرين: ج3 ص502، مادّة نكر.
32ـ النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: ص299. باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
33ـ اُنظر: مقال تحت عنوان: (نقد وبررسي أدلّة فقهي الزام حكومتي حجاب) للكاتب: محمّد علي ايازي، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي، ص339 ـ345.
34ـ جواهر الكلام: ج21، ص374، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واُنظر: الهداية للشيخ الصدوق: ص15، المقنعة للشيخ المفيد: ص807، الكافي في الفقه لأبي الصلاح: ص 271، الاقتصاد للشيخ الطوسي: ص150، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى للشيخ الطوسي: ص299، مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي: ص855، المهذّب لابن البراج: ج1 ص341، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ص207، السرائر لابن إدريس: ج2 ص23، إشارة السبق لأبي المجد الحلبي: ص146، المختصر النافع للمحقّق الحلّي: ص115، شرائع الإسلام: ج1 ص259، الجامع للشرائع ليحيى بن سعيد الحلي: ص243، إرشاد الأذهان للعلّامة الحلّي: ج1 ص352، الدروس للشهيد الأُولى: ج2 ص47، الرسائل العشر لابن فهد الحلّي: ص274، الأقطاب الفقهية لابن أبي جمهور الإحسائي: ص96، جامع المقاصد للمحقّق الكركي: ج3 ص488، مسالك الأفهام: ج3 ص104، منهاج الصالحين للسيّد محسن الحكيم: ج1 ص490، تحرير الوسيلة للسيّد الإمام الخميني: ج1 ص462، منهاج الصالحين للسيّد الخوئي: ج1 ص352، منهاج الصالحين للسيّد السيستاني: ج1 ص418، وغير ذلك من المصادر الكثيرة.
35ـ الكافي: ج5 ص56، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واُنظر: تهذيب الأحكام: ج6 ص180، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
36ـ منهاج الصالحين: ج1 ص415، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
37ـ النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: ص299. باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
38ـ اُنظر منهاج الصالحين للسيّد الحكيم: ج1 ص488، تحرير الوسيلة للسيّد الإمام: ج1 ص465، منهاج الصالحين للسيّد الخوئي: ج1 ص351، منهاج الصالحين للسيّد السيستاني: ج1 ص416. وغيرها من المصادر الكثيرة.
39ـ المقنعة: ص809، واُنظر: المراسم العلوية في الأحكام الفقهية لحمزة بن عبد العزيز: ص263، المختصر النافع للمحقّق الحلّي: ص115، تبصرة المتعلّمين للعلّامة الحلّي: ص114، منهاج الصالحين للسيّد الحكيم: ج1 ص490، منهاج الصالحين للسيّد الخوئي: ج1 ص353.
40ـ الاقتصاد: ص150.
41ـ اُنظر: الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ص207،
42ـ اُنظر: الاقتصاد للطوسي: ص149. منهاج الصالحين للسيّد السيستاني: ج1 ص418.
43ـ منهاج الصالحين: ج1 ص489، واُنظر أيضاً ما قدّمناه من المصادر السابقة.
44ـ اُنظر: مقال تحت عنوان (نقد وبررسي أدلّة فقهي الزام حكومتي حجاب) للكاتب: محمّد علي ايازي، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص340.
45ـ مباني تكملة المنهاج: ج1 ص338، واُنظر أيضاً: المبسوط للشيخ الطوسي: ج8 ص69، شرائع الإسلام: ج4 ص168، تحرير الأحكام: ج2 ص 237، قواعد الأحكام: ص 262، تذكرة الفقهاء: ج2 ص 656، تنقيح مباني الأحكام (الحدود والتعزيرات) للميرزا جواد التبريزي: ص239، منهاج الصالحين للشيخ الفيّاض: ج3 ص315، منهاج الصالحين للشيخ الوحيد الخراساني: ج3 ص503.
46ـ اُنظر: جواهر الكلام: ج41 ص448، الدرّ المنضود في أحكام الحدود للسيّد الكلبايكاني: ج2 ص295.
47ـ اُنظر: مستند الشيعة: ج17 ص36، جواهر الكلام: ج40 ص14، العروة الوثقى: ج6 ص418.
48ـ النساء: 141.
49ـ موسوعة ردّ الشبهات الفقهية: ج2 ص345 ـ 352.
50ـ اُنظر: مقال تحت عنوان: (مباني اختيارات نظام إسلامي در جلوكيري از بد حجابي) للكاتب سعيد ضيائي فر، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص245.
51ـ وسائل الشيعة: ج28 ص363.
52ـ المصدر السابق.
53ـ وسائل الشيعة: ج28 ص377.
54ـ المصدر السابق.
55ـ المصدر السابق.
56ـ الوسائل: ج28 ص371.
57ـ الوسائل: ج28 ص202.
58ـ الوسائل: ج28 ص203.
59ـ الوسائل: ج28 ص204.
60ـ الوسائل: ج29 ص66.
61ـ الوسائل: ج28 ص84.
62ـ الوسائل: ج28 ص85.
63ـ الوسائل: ج28 ص145.
64ـ القواعد والفوائد: ج1 ص340، وانظر: نضد القواعد الفقهية للمقداد السيوري: ص304.
65ـ الاحزاب: 59.
66ـ اُنظر: مقال تحت عنوان: (مباني اختيارات نظام إسلامي در جلوكيري از بد حجابي) للكاتب سعيد ضيائي فر، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص249.
67ـ تذكرة الفقهاء: ج4 ص227.
68ـ نهاية الأحكام: ج1 ص410.
69ـ اُنظر: مقال تحت عنوان: (مباني اختيارات نظام إسلامي در جلوكيري از بد حجابي) للكاتب سعيد ضيائي فر، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص248.
70ـ اُنظر: مقال تحت عنوان: (مباني اختيارات نظام إسلامي در جلوكيري از بد حجابي) للكاتب سعيد ضيائي فر، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت اسلامي: ص245.
71ـ المصدر السابق: ص238.
72ـ اُنظر مقال تحت عنوان: (نقد وبررسي أدلّة فقهي الزام حكومتي حجاب) للكاتب سيّد محمّد علي ايازي، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص330.
73ـ اُنظر: ماهنامه زنان، مهر 1382، ش103، ص16_17، نقلاً عن مقال تحت عنوان: (مباني اختيارات نظام إسلامي در جلوكيري از بد حجابي) للكاتب سعيد ضيائي فر، ضمن كتاب حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص81.
74ـ اُنظر: مقالة تحت عنوان دولت اصلاحات ومسئلة حجاب، ضمن كتاب حجاب مسؤوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص95، نقلاً عن جريدة نشاط الصادرة في 17 خرداد سنة 1378ش، ص3.
75ـ اُنظر: باب الزكاة في الكتب الفقهية، وغير باب الزكاة أيضاً.
76ـ سورة النور: 31.
77ـ ال عمران: 130.
78ـ النساء: 29.
79ـ النساء: 59.
80ـ التوبة: 123.
81ـ اُنظر: مقال تحت عنوان: مباني مسئوليت دولت إسلامي در زمينه حجاب بانوان، ضمن كتاب: حجاب مسؤوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص117.
82ـ البقرة: 256.
83ـ الكهف: 29.
84ـ اُنظر: مقال تحت عنوان (رابطة حجاب با حكومت ومصلحت نظام) للكاتبة إلهه هاديان رسناني، ضمن كتاب: حجاب مسؤوليتها واختيارات دولت إسلامي ص195، واُنظر مقال تحت عنوان: (نقد وبررسي أدلّة فقهي الزام حكومتي حجاب) للكاتب سيّد محمّد علي ايازي، ضمن كتاب: حجاب مسئوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص333.
85ـ المصدر السابق.
86ـ هناك بحوث مفصّلة مذكورة في محلّها تبحث عن كيفية علاج الإسلام لمسألة العبيد، وما هي الاجراءات والخطوات التي اتّخذها الإسلام لمحو هذه الحالة من المجتمع.
87ـ المصدر السابق.
88ـ المصدر السابق.
89ـ اُنظر: مقال تحت عنوان: (نكرش جرم شناختيبه بديده بي حجابي) للكاتب قدرت الله خسروشاهي، ضمن كتاب: حجاب مسؤوليتها واختيارات دولت إسلامي: ص545.
الكاتب: الشيخ رافد التميمي