- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 9 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
يقول أعداء الإسلام عن الإسلام بأنّه لا علاقة له بتنظيم الحياة والمجتمع أو تأسيس حكومة، وإن ما يعتني به ويوليه أهمية فقط هو أحكام الحيض والنفاس… ومن المؤسف ما لأقوالهم هذه من آثار سلبية في نفوس المسلمين… فقد اخرجوا قوانين الإسلام القضائية والسياسية عن حيز التنفيذ، واستبدلوا بها قوانين أوروبا، تحقيراً للإسلام، وطرداً له من المجتمع (الامام الخميني).
ما من شيء في الحياة إلا وللشريعة حكم فيه، قال الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، ومِن أحكامها ما يتعلق بشئون الدولة ونظام الحكم فيها، وهي مستمدة مِن نصوص يلزم تطبيقها وتنفيذها، أي إقامة نظام الدولة حسب المفاهيم التي جاءت بها هذه الشريعة، بل إن كثيراً مِن الأحكام المتعلقة بالمجتمع كالعقوبات والحدود والجهاد، لا تكون إلا بسلطان ودولة تصوغ المجتمع وفق الصياغة المطلوبة، وتسهر على سلامته ومنع تخريبه أو إفساده.
ونلاحظ هنا مدى الفارق بين عدل الإسلام وجور هذه النظم الوضعية، والتي يعتقد أصحابها أنها أرقى ما وصل إليه العقل البشري، ونحن هنا سنتعرض إلى الفوارق الأساسية بين النظامين لداعي الإيجاز.
دعائم الدولة في المدنية الغربية الحديثة
فنقول: إن الدولة في المدنية الغربية الحديثة ترتكز على دعائم ثلاث، هي:
1ـ العلمانية أو اللادينية.
2ـ القومية أو الوطنية.
3ـ الديمقراطية أو حكم الشعب.
دعائم الدولة في إطار الشريعة الإسلامية
بينما الدولة في إطار الشريعة الإسلامية فهي دولة:
1ـ دينية تستمد نظامها وأحكامها من الدين الإسلامي.
2ـ تؤمن بالعالمية بديلاً عن القومية المحدودة الضيقة.
3ـ تؤمن بأنّ الناس مستخلفين في الأرض في ظلّ السيادة الإلهية، فالحاكمية لله تعالى وحده، لا للشعب، ونزيد الأمر إيضاحاً فنقول: الدولة الإسلامية: فهي دولة فكرية تقوم على أساس العقيدة الإسلامية وأحكام الإسلام، ولذا فهي دولة عالمية وليست دولة إقليمية محدودة بحدود أرضية، ولا دولة عنصرية قومية محدودة بحدود القوم والجنس والعنصر
بعث الله سبحانه وتعالى محمداً (ص) بدين جديد: هو دين التوحيد، وبملة سمحة: هي الحنيفية البيضاء، بزغت أنوار الإسلام وانتشرت تعاليمه في رُبى الحجاز وفي ربوع اليمن، فأدخلت هذه الأمة في طور جديد، كان فاتحةً لعصرمن عصور الحضارة التي أبهرت العالم أجمعه في تلك الأيام، ولا تزال موضع الإعجاب إلى هذا الزمان، تلك الحضارة التي وضعت للناس أول أساس للحرية والإخاء والمساواة، وكانت مقدمة لما نشاهده من آثار العمران، وارتقاء المدارك وتقرير حقوق الإنسان.
إن المبادئ التي جاء بها الإسلام هي التي جمعت كلمة العرب وألَّفت بين قلوبهم؛ فتكونت منهم أمة واحدة متجانسة متماسكة، كانت قبل ذلك أشتاتًا بعضها لبعض عدو، وهي في مجموعها بمعزل عن سائر الأمم والشعوب، كأنها في غير هذا الوجود، تنبهت الأمة العربية من غفلتها، وأفاقت من غفوتها، وقامت من رقدتها، حينما أخذت بأوامر دينها الجديد، ودخلت في معترك الحياة، عملًا بأوامر ربها ونبيها والنابغين من رجالاتها؛ فسادت العالم القديم في أقل من القليل؛ لأنها بلغت في مدة ثمانين سنة من عزة المُلك، وضخامة السلطان، ورجحان الكلمة، واتساع دائرة النفوذ ما لم تبلغه أكبر الأمم القديمة حتى الرومان في عشرة أمثال هذه المدة من الزمان.
العمليات الأساسية ذات التأثير السياسي التي قام النبي (ص) بها
وفي مكة كانت العمليات الأساسية ذات التأثير السياسي التي قام النبي (ص) بها منحصرة في ثلاث:
العملية الاولى :
البناء الداخلي لمجتمع المسلمين وترسيخ مفاهيم العقيدة الإسلامية الصحيحة بصفائها ونقائها وتمايزها عن العقائد الباطلة، مع تبشير المسلمين بمستقبل مملوء بالنصر والتمكين والمجد.
العملية الثانية :
تحقيق أكبر قدر متاح من حماية المسلمين داخل المجتمع المكي الوثني المعادي للإسلام والمسلمين، وفق الأعراف التي كانت سائدة آنذاك في هذا المجتمع، مثل كتمان الإيمان والإسرار بالعبادات الإسلامية بالنسبة للبعض، ومثل القبول أو طلب حماية بعض سادة قريش ممن تعاطفوا مع بعض المسلمين بسبب أواصر الدم والنسب، أو الصداقة أو بدوافع أخلاقية ذاتية، ومن أبرز الأمثلة على الحماية التي تمت بدافع النسب والدم حماية أبي طالب للنبي (ص)، ومن أبرز عمليات الحماية بدوافع أخلاقية حماية المطعم بن عدي للنبي (ص) بعد عودته من الطائف.
العملية الثالثة :
سعي النبي (ص) لإقامة دولة الإسلام في بلد غير مكة، كانت دعوة النبي (ص) لزعماء القبائل تتم في موسم الحج من كل عام بمكة، كما أنه ذهب بنفسه الشريفة للطائف حيث عرض دعوته على زعمائها فرفضوا الإسلام، وفي هذا الإطار دعا النبي (ص) العديد من القبائل ورفض البعض بينما تردد آخرون، وفي النهاية قبائل الأوس والخزرج الإسلام وهما القبيلتان العربيتان اللتان كانتا تسكنا يثرب.
فقد حكم رسول الله (ص) على رقعة من الأرض تشتمل على أكثر من خمس دول ـ في خريطة عالم اليوم ـ فقد حكم الحجاز واليمن الجنوبية واليمن الشمالية والبحرين وأراضي الكويت ـ حيث كانت مسكناً للقبائل ـ وبعض الخليج، وقد عمل (ص) أمرين إبان حكومته:
الأمر الأول: أنه أسقط الحواجز السياسية بين تلك البلاد، فصارت البلاد بفضله (ص) بلداً واحداً يسافر المسافر فيه من الطائف إلى مكة إلى المدينة إلى غيرها بدون حاجز أو مانع.
﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (سورة الحج: 41).
ففي بداية دعوته (ص) كان لابد من تأمين الحماية للمسلمين في مكّة حاول رسول الله (ص) حماية أتباعه بكلّ الوسائل المتاحة خلال المرحلة المكيّة، حيث كان المجتمع الجاهلي محارباً للإسلام بكلّ ما تعنيه الكلمة، فقد عُذّب كثيرٌ من المسلمين وتمّ اضطهادهم، بل وصل حقد الكفّار بهم إلى قتل بعض الصحابة رضوان الله عليهم؛ ولذلك كان من أولويات المرحلة؛ تأمين أكبر قدرٍ ممكنٍ من الحماية للمسلمين، وهذا ما دفع رسول الله (ص) إلى أن يأمر أصحابه بالهجرة الأولى إلى الحبشة، والهجرة الثانية أيضاً، بالإضافة إلى قبول حماية بعض سادة قريش على الرغم من كفرهم، وأخيراً الهجرة إلى المدينة المنوّرة.
الأمر الثاني: أنه (ص) آخ وأسقط الحواجز النفسية فجعل الكل أخوة، بينما لم يكن العربي قبل ذلك أخاً للعربي، نعم فالعربي أخاً للفارسي والهندي و.. فالرسول (ص) جعل أبا ذر العربي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي وصهيب الرومي أخوة، كما جعل صفية (اليهودية الأصل) وماريا (المسيحية الأصل)، وسودة (المشركة الأصل) أخوات.
قيام الدولة المسلمة في المدينة المنوّرة
شكّلت الهجرة النبويّة إلى المدينة المنوّرة المنعرج الأهمّ في قيام دولة الإسلام، حيث أصبح للمسلمين وطنٌ يعيشون فيه، ورجالٌ يدافعون عنهم بحدّ السيف، وحريّةٌ في إعلان مبادئهم وتطبيق شرائعهم، وكانت أوّل خطوات رسول الله (ص) في إقامة الأمّة المسلمة بناء المسجد؛ وفي ذلك دلالةٌ على أنّها أمّةٌ قامت على توحيد الله تعالى ونبذ الشرك، وأنّ في توحيد الأمّة لربها صلاح دينها ودنياها.
وقد اختار رسول الله (ص) موقع بناء المسجد في المكان الذي بركت فيه ناقته، وبنى المسلمون المسجد من الحجارة وجريد النخل، وقد شارك رسول الله (ص) بنفسه في بناء المسجد، حيث حمل الحجارة مع أصحابه رضي الله عنهم، وكانت الخطوة التالية لبناء المجتمع في المدينة المنوّرة المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين؛ في إشارةٍ إلى ضرورة الترابط بين أبناء المجتمع الإسلامي.
ولم تقتصر خطوات تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة على بناء المسجد والإخاء بين المهاجرين والأنصار فقط، بل كانت هناك خطوات أخرى لصهر بقية سكان المدينة من يهود ووثنيين في إطار مواطنة الدولة الإسلامية، ومن هنا تأتي أهمية الوثيقة المشهورة باسم وثيقة المدينة بينما أطلق عليها بعض الكتاب المعاصرين اسم (دستور المدينة)، وذلك لأنها بحق بمثابة نص دستوري هام جدًا وفي منتهى الأهمية والتحضر والتقدم الدستوري.
أهم بنود دستور المدينة
وكان من أهم بنود هذه الوثيقة المعروفة في كتب التراث باسم (الصحيفة) أو (صحيفة المدينة) ما يلي:
1ـ المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم، أمة واحدة من دون الناس.
2ـ هؤلاء المسلمون جميعًا على اختلاف قبائلهم يتعاقلون بينهم ويفيدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
3ـ إن المؤمنين لا يتركون مفرحًا ـ أي المثقل بالديون ـ بينهم أن يعطوه في فداء أو عقل.
4ـ أن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى ظلم ـ أي ظلم كبير ـ، أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعًا ولو كان ولد أحدهم.
5ـ لا يقتل مؤمنٌ مؤمنًا في كافر ولا ينصر كافرٌ على مؤمن.
6ـ ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، والمؤمنون بعضهم موالي بعض دون الناس.
7ـ لا يحل لمؤمن أقر بما في الصحيفة وآمن بالله واليوم والآخر أن ينصر محدثًا أو يؤويه، وإن من نصره أو أواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، لا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
8ـ اليهود ينفقون مع اليهود ما داموا محاربين.
9ـ يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ ـ أي لا يهلك ـ إلا نفسه وأهل بيته.
10ـ إن على اليهود نفقاتهم وعلى المسلمين نفقاتهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
11ـ كل ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله.
12ـ من خرج من المدينة آمن، ومن قعد آمن، إلا من ظلم وأثم.
انتهت أهم بنود هذه الوثيقة الدستورية وكفى بها ترسيخًا وتأسيسا لأصول الحكم وحقوق وواجبات المواطنة وحرية الاعتقاد في دولة الإسلام الوليدة، التي بدأت لتوها تشق طريقها في غابة الوثنية في الجزيرة العربية بل وفي العالم.
وعاش النبي محمد سنتين بعد فتح مكة، وفي السنة العاشرة للهجرة خرج للحج في أكثر من مائة ألف من المسلمين، وعند جبل عرفات ألقى عليهم خطبته التي تعتبر دستور الإسلام، فقد بيّن فيها أسس الإسلام ومبادئه، ونادى بالمساواة بين الناس، لا فرق في ذلك بين العبد الحبشي والشريف القرشي، وقرأ عليهم آخر ما نزل من القرآن: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ وتوفي النبي محمد يوم 8 يونيو سنة 632م، الموافق في 28 من شهر صفر سنة 11 هـ.
وبعد وفاته (ص) جرت حادثة السقيفة التي تعتبر بنظر الكثيرين كسر اول مبدأ من مبادئ الدولة وهو الشورى لأن الرأي لم يكن ليؤخذ بعد التشاور انما بالتنصيب القسري الذي فرضه المستغلين للمواقف حيث كان أهل بيت النبوة مشغولين بتجهيز النبي لدفنه بينما البقية مشغولين بالتنصيب .
خلقت وفاة النبي مُحمَّد وضعيَّة خاصَّة ذات ملامح مُتفرِّدة ومصيريَّة، وبرزت فورًا مسألة الحِفاظ على إنجازاته من دين ودولة، وبالتالي مسألة خِلافته، وأسهمت غيبته في إبراز الطابع الدُنيوي للأحداث؛ حيث أخذت المصالح الاجتماعيَّة للقبائل المُختلفة، التي ما زالت ضمن الحظيرة الإسلاميَّة، تُعبِّرُ عن نفسها بأشكالٍ مُباشرةٍ وصريحةٍ تتلاءمُ مُباشرةً مع محتواها.
والواضح أنَّ مسألة قيادة المُسلمين بعد وفاة النبي، كانت المسألة الرئيسَة والحاسمة التي ارتبطت بها كل المسائل الأخرى، على أن تتلازم مع الأُسس التي وضعها لإقامة دولة؛ ففي الوقت الذي أُعلن فيه خبر الوفاة، برزت لدى كِبار الصحابة من الأنصار، الأوس والخزرج، قضيَّة اختيار خليفة للنبي، ذلك أنَّه:
وفقًا لعلماء أهل السنَّة لم يرد في القرآن نصٌّ صريح يُحدد أُسس انتخاب خليفة للرسول، لكنَّه دعا إلى الشورى في سورةٍ تحملُ ذات الاسم ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، وفي سورة آل عمران ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾، وكان النبيّ قد أمر بالشورى فيما لا نص فيه، وكان يتخذ من أهل الرأي والبصيرة مجلسًا للشورى، وكان يُكثر من مُشاورة الصحابة، وبالأخص كبارُهم السبَّاقون إلى الإسلام.
بالمُقابل يرى عُلماء الشيعة أنَّ مسألة اختيار خليفة للمُسلمين كانت محسومة بنصٍّ قرآنيّ، وبعددٍ من الأحاديث النبويَّة، وأنَّها كلّها تُشير إلى أحقيَّة آل بيت الرسول بالخِلافة، وفي مُقدِّمتهم عليّ بن أبي طالب، ومن ذلك الآية 55 من سورة المائدة: ﴿إنَّمَا وَليّكم اللّه وَرَسوله وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلاَةَ وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ﴾؛ حيث ذهب المُفسرون والعُلماء إلى أنَّها نزلت في حق عليّ، حينما تصدَّق بخاتمه في أثناء الصلاة.
وقول النبي مُحمَّد لعليّ: «أَمَا تَرضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى؟»، وقوله أيضًا: «عَلِيُّ وَليُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدِي».
واختلف رأي العُلماء والباحثين السُنَّة مع رأي العُلماء والباحثين الشيعة في هذا المجال، فقال السنَّة إنَّ عليًّا عتب على أبي بكر لأنَّه لم يأخذ مشورته قبل بيعة السقيفة والبيعة العامَّة، ثمَّ بايعه البيعة العامَّة في المسجد، بعد أن طلبه حين لم يرَهُ بين الجمهور، وإنَّ مُبايعة عليّ لأبي بكر كانت بملء إرادته، بينما قال الشيعة إنَّ عُمَرَ وجماعة من الصحابة أرغموا بني هاشم والزُبير على مُبايعة أبي بكر، في حين امتنع عليّ ستَّة أشهر عن المُبايعة.
بلغت الدولة الاسلامية أوج اتساعها في الخِلافةُ الرَّاشِدة؛ فامتدت أراضيها من شبه الجزيرة العربيَّة إلى الشام فالقوقاز شمالًا، ومن مصر إلى تونس غربًا، ومن الهضبة الإيرانيَّة إلى آسيا الوسطى شرقًا، وبهذا تكون الدولة قد استوعبت أراضي الإمبراطوريَّة الفارسيَّة الساسانيَّة كافَّة، وحوالي ثُلثيْ أراضي الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة.
وأخذت القبائل العربيَّة تتوطن في البلاد الجديدة، وتعمل على نشر الإسلام بين أهلها، فأصابت في ذلك نجاحًا كبيرًا؛ حيث اعتنقت الأغلبيَّة الساحقة من أهالي تلك البلدان الإسلام خلال السنوات اللاحقة، وقد برز في عهد الخِلافة الراشدة أسماء عدد من القادة العسكريين الذين احتلّوا منذ ذلك الحين مكانةً مرموقة في عالم الفاتحين التاريخيّين .
وكان اتساع الدولة سببًا في جعل العرب يقتبسون لأوَّل مرَّة النظم الإداريَّة الأجنبيَّة؛ فاتبعوا التنظيمات والتقسيمات الإداريَّة البيزنطيَّة والفارسيَّة، وأبقوا على بعضها كما هو، وأدخلوا تعديلاتٍ على أخرى حتى تتناسب مع الظروف المُعاصرة.
خلال تلك الفترة الاولى وقع أبو بكر بالحمَّى، واستمرَّ مرضه طيلة خمسةَ عشرَ يومًا، و كتب عُثمان بن عفَّان عهدَ أبي بكرٍ إلى عُمر، وأوصى أبو بكر خليفته باستكمال الفتوح، وذكَّره بما يجب أن يكون عليه وليّ أمر المُسلمين، وفي يوم الاثنين 22 جمادى الثانية سنة 13هـ المُوافق 23 أغسطس سنة 634 م، توفي أبو بكر في منزله بالمدينة المنوَّرة عن 61 سنة.
نصّب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عن طريق وصية مباشرة من أبي بكر، استمر في حكمه مدة 10 أعوام، اتسعت أقاليم الدولة الإسلامية الأولى، نتيجة انتشار المسلمين في الأقاليم المتاخمة لشبه الجزيرة العربية، لذلك عمد عمر بن الخطاب إلى تقسيم الأمصار المفتوحة إلى خمس مناطق كبيرة تنقسم بدورها إلى ولايات.
كذلك كان لعمر مُفوَّضون رسميُّون يسافِرُون إلى الأمصار، ويراجعون أعمال الوُلاة، يُشير بعض المؤرخين إلى أن عمر بن الخطاب اتبع نظام المركزية الإدارية في حكمه للدولة الإسلامية، أي أن حكومته المركزية القائمة في المدينة المنورة كانت تقوم وحدها بالوظيفة الإدارية، دون مشاطرة الهيئات الأخرى لها في ذلك، حتى قيل أن ظروف الدولة الإسلامية في عهد عمر فرضت أسلوبَ المركزية في الحكم؛ بل إن عمر قد سلك أسلوبًا مركزيًّا متطرِّفًا، يكاد لا يوجد له مثيل في التاريخ، وأن هيمنته في العاصمة لم تتوقف على الأمور العسكرية فحسب؛ بل امتدَّت إلى الشؤون المدنيَّة، ومن ذلك استئذان المسلمين الخليفةَ في طريقة بناء المساكن في المدن الجديدة، وحرص الخليفة على أن يُحاط علمًا بأقاليم الدولة التي لم يذهب إليها.
نشأت الدواوين في عهد عمر بن الخطاب نتيجة لاتساع الدولة الإسلامية، على الرغم من وجودها قبل ذلك ولكن بشكل يختلف الا أنها نسبت له فكرة انشاء الدواوين .
قام عمر بعد أن طعنه أبو لؤلؤة وإحساسه بدنو أجله بتشكيل مجلس مؤلف من ستة أشخاص ، على أن يتم الاختيار من بينهم بالشورى ، و تمت أول ما يمكن تسميته بانتخابات ضمن المجتمع الإسلامي الوليد للاختيار بين عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب ، و أسفرت النتائج كما تقول المصادر عن العملية الاستفتائية عن تسمية عثمان بن عفان خليفة للمسلمين ، واستمر في الحكم 12 عاما .
سار النصف الأول من خلافة عثمان على ما يرام، وكانت الدولة خلاله مستقرَّة، لكن بحلول عام 31هـ بدأت القلاقل والتوترات تظهر وتتصاعد، واستمرَّت حتى نهاية عهده ونهاية دولة الخلافة الراشدة بأكملها.
من بين الاضطرابات الأولى التي واجهها عثمان في خلافته حادثة مقتل الهرمزان وجفينة الجهني وابنة أبي لؤلؤة على يد عبد الله بن عمر قصاصًا لأبيه، إلا أنَّه قام بذلك دون أمرٍ من الخليفة، وطالب البعض بقتل ابن عمر قصاصًا لأنه تجاوز القانون، بينما صعب على البعض ذلك، وسوَّى عثمان الأمر بأن دفع الدِّيَة لابن الهرمزان من ماله الخاص وانتهت المشكلة هنا.
بعد وفاة الخليفة عثمان بن عفان في أول فتنة تشهدها الدولة الإسلامية استلم علي بن أبي طالب (ع) الخلافة بمبايعته من قبل جمع من الصحابة ليستلم بذلك دولة في حالة اضطراب شديد اضطر فيها لنقل مركز الخلافة من المدينة المنورة إلى الكوفة ، ورفض والي الشام وقتها معاوية بن أبي سفيان مبايعة علي بن أبي طالب (ع) تذرعا بضرورة القصاص أولا من قتلة الخليفة عثمان مما أدى إلى فتنة بين المسلمين ومعارك بين الجانبين ، واستمر علي في الحكم 5 أعوام.