- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
الدعوة الإسماعيلية إلى قيام الخلافة الفاطمية
لما ظفر العباسيون بالخلافة لم يرحب بهم العلويون من أبناء الحسن بن على و الحسين بن على بن أبى طالب، و استمر النزاع بين الفريقين طوال العصر العباسى الأول حتى أصبحنا لا نجد تاريخ خليفة عباسى خاليا من الحروب ضد العلويين.
غير أن أحفاد الحسن بن على المعروفين بالحسنيين لم يكونوا فى أوائل العصر العباسى الأول متفقين مع أحفاد الحسين بن على الذين عرفوا بالحسينيين فقد تخلى جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين عن محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن على بن أبى طالب المعروف بالنفس الزكية، و أخذ يعمل فى الخفاء ليمهد السبيل لأبنائه من بعده للوصول إلى الخلافة، و استطاع جعفر الصادق بحسن سياسته أن يقنع بقايا العلويين من أحفاد الحسن بن على الذين التفوا حوله – بعد أن بدد العباسيون شملهم – أنه الوارث الحقيقى لعلى و فاطمة.
انحصرت زعامة العلويين منذ أواخر العصر الأموى، و أوائل العصر العباسى فى جعفر الصادق – و هو الإمام السادس عند طائفة الإمامية -، و كانت هذه الطائفة تذهب إلى أن الإمامة تكون فى سلالة على عن طريق ابنه الحسين، و أنها لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد أن انتقلت من الحسن إلى الحسين، و لا تكون إلا فى الأعقاب(1).
و قد خرج بعض الإمامية على هذه التعاليم بعد موت جعفر الصادق سنة ۱۴۸ ه، و انقسموا إلى طائفتين:
۱ – الإمامية الموسوية و هم الذين أطلق عليهم فيما بعد الإمامية الاثنا عشرية. و قد قالوا بإمامة موسى الكاظم بن جعفر الصادق و هو عندهم الإمام السابع.
۲ – الإمامية الإسماعيلية و قد قالوا بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق و كان أكبر أولاد أبيه جعفر.
و يروى أن الصادق خلع ابنه إسماعيل من الإمامة و أحل ابنه موسى الكاظم محله لمسائل نسبت إليه. و قد اعترض الشيعة الذين كانوا يميلون إلى إمامة إسماعيل على خلعه، كما لم يعترفوا بأحقية جعفر الصادق فى نقل الإمامة إلى موسى الكاظم.
و لما توفى إسماعيل فى حياة أبيه سنة ۱۴۵ ه، رأى أتباعه أن الإمامة يجب أن تنقل بعد وفاة جعفر الصادق إلى حفيده محمد بن إسماعيل طبقا لتعاليمهم التي تنص على أن الإمامة لا تنتقل من أخ إلى أخ، بل يجب أن تظل فى الأعقاب، و بذلك حولوا إليه الإمامة و أصبح الإمام السابع عندهم، و من ثم أطلق على هذه الطائفة اسم السبعية لتمييزهم عن طائفة الاثنا عشرية.
أما الإمامية الموسوية، فقالوا إن الإمامة بعد موسى الكاظم تنتقل إلى ابنه على الرضا، ثم إلى أعقابه من بعده حتى الثانى عشر من أئمتهم و هو محمد المنتظر بن الحسن العسكرى بن على الهادى بن محمد الجواد بن على الرضا. و عرفت هذه الطائفة باسم الإمامية الاثنا عشرية لانتظارهم إمامهم الثانى عشر، و يقال إن محمدا دخل سردابا فى مدينة سامرا سنة ۲۶۰ ه و أمه تنظر إليه، و لكنه لم يعد و لم يقف له أشياعه على أثر من ذلك الحين.
و لا يزال أنصاره ينتظرون عودته، و يعتقدون أنه سيظهر و يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، و من ثم سمى الإمام المنتظر.
انتقلت إمامة الإسماعيلية، إلى محمد بن إسماعيل بعد وفاة جده جعفر الصادق، و أمعن أنصاره فى التخفى و نشر الدعوة(2) له سرا أيام الخلفاء العباسيين المهدى و الهادى و الرشيد. و لما ذاعت دعوته فى خلافة الرشيد أيقن أن بقاءه بالمدينة المنورة سيسهل على العباسيين مهمة تتبع حركاته و التخلص منه، فرحل منها شرقا، و أخذ ينتقل بين بلاد الدولة الإسلامية، فذهب إلى الرى، ثم انتقل إلى جبل دماوند القريب منها، و استقر هناك بقرية تدعى سملا، أطلق عليها فيما بعد اسم محمدآباد نسبة إليه.
كان محمد بن إسماعيل يعتمد فى نشر دعوته على رجل اسمه ميمون القداح، و يقول عنه الإسماعيلية إنه من نسل سلمان الفارسى. و لما توفى محمد خلفه فى الإمامة عبد اللّه الرضى الذى أمعن فى التخفى و اتخذ عبد اللّه بن ميمون القداح داعية له.
يرجع السبب فى اختفاء الأئمة الذين تولوا الإمامة بعد محمد بن إسماعيل إلى ما ذهب إليه الإسماعيلية من أن الإمام يجوز له أن يستتر إذا لم تكن له قوة يظهر بها على أعدائه. و من المرجح أنهم نهجوا هذه الطريقة خشية أن يلحق بهم ما لحق أتباع طائفة الإمامية الاثنا عشرية من الاضطهاد و القتل.
استقر الإمام عبد اللّه الرضى بسلمية من أعمال حمص. و كان العباسيون قد تتبعوه فى عهد المأمون مما اضطره إلى الهرب مع ابنه أحمد ولى عهده فى الإمامة، فقصدا مازندران و الأهواز ثم رحلا إلى قرية سلمية التى لم تلبث أن أصبحت دار هجرة للأئمة الإسماعيلية، و لما توفى عبد اللّه تولى ابنه أحمد إمامة الإسماعيلية، فاتخذ عبد اللّه بن ميمون القداح داعية له كما اتخذه أبوه من قبل(3).
أصبحت سلمية المركز الرئيسى للدعوة الإسماعيلية منذ أن اتخذها الأئمة الإسماعيلية دار هجرة فى عهد المأمون العباسى، فكان يخرج منها الدعاة لنشر دعوتهم فى البلاد الإسلامية، و ظلت على هذه الحال أيام الإمام الحسين بن أحمد بن عبد اللّه الذى استطاع أن يقيم فى سلمية آمنا مطمئنا دون أن تناله يد العباسيين. و الواقع أن كرم الإمام الحسين، و بذله الأموال الكثيرة و تفانيه فى إظهار حبه للهاشميين، و تفانى أنصاره فى طاعته، كل ذلك ساعد على ذيوع الدعوة فى سلمية.
اتسمت أيام الإمام الحسين بن أحمد بانتشار الدعوة الإسماعيلية فى كثير من أرجاء العالم الإسلامى، ففى بلاد اليمن أخذ كل من على بن فضل اليمنى و أبى القاسم رستم بن الحسين بن فرج بن حوشب الكوفى منذ وصلا إليها سنة ۲۶۸ ه فى نشر الدعوة الإسماعيلية، و نجحا فى ذلك نجاحا كبيرا، ثم بنى ابن حوشب حصنا بجبل لاعة (جنوبى صنعاء) و أعد جيشا زحف به على صنعاء و أخرج منها بنى يعفر، و تمكن بمعاونة دعاته من التغلب على كثير من أرجاء اليمن(4).
ثم بعث ابن حوشب الدعاة إلى اليمامة و عمان و البحرين و السند و الهند و مصر و المغرب(5). و كان مبعوثاه إلى المغرب أبا سفيان و الحلوانى. و قد نصح لهما ابن حوشب بأن يبتعد كل منهما عن صاحبه فى نشر دعوة الإسماعيلية و يمهدا بعملهما لظهور المهدى و دولته.
و كان الإمام الحسين بن أحمد يحرص على نشر دعوته فى بلاد المغرب، فأرسل أبا عبد اللّه الشيعى إلى ابن حوشب باليمن سنة ۲۷۸ ه و أمره بالدخول فى طاعته و الاقتداء بسيرته على أن يرحل بعد ذلك إلى المغرب لينشر بها الدعوة الإسماعيلية، فقدم أبو عبد اللّه على بن حوشب و صار من كبار أصحابه، و أقام باليمن عاما واحدا(6).
و لما اتصل بابن حوشب نبأ وفاة أبى سفيان و الحلوانى بالمغرب، عهد إلى أبى عبد اللّه الشيعى القيام بالدعوة إلى المذهب الإسماعيلى فى تلك البلاد و قال له: إن أرض كتامة من بلاد المغرب قد حرثها الحلوانى و أبو سفيان، و قد ماتا و ليس لها غيرك. فبادر فإنها موطأة ممهدة لك(7).
غادر أبو عبد الله الشيعى بلاد اليمن قاصدا مكة، فوصلها فى موسم الحج سنة ۲۷۹ ه، و سأل أبو عبد اللّه عن حجاج كتامة و اجتمع بهم، فسمعهم يتحدثون عن فضائل آل البيت، فاشترك معهم فى الحديث، ثم سألوه عن الجهة التى سوف يرحل إليها بعد الحج، فقال إنه يريد مصر، فسروا بصحبته و رحلوا من مكة و هو يخفى عنهم أغراضه، و ما لبثوا أن تعلقوا به لما شهدوه من ورعه و زهده.
و قد استطاع أبو عبد اللّه بما اجتمع إليه من ضروب الحيل أن يقف على جميع أحوال حجاج كتامة، فلما وصلوا مصر أخذ يودعهم، فشق عليهم فراقه و سألوه عن حاجته بمصر دون غيرها من البلاد، فقال إنه يريد أن يطلب فيها العلم، فقالوا له: «فأما إذا كنت تقصد هذا، فإن بلادنا أنفع لك و أطوع لأمرك و نحن أعرف بحقك»، و ما زالوا به حتى أجابهم إلى المسير بصحبتهم(8).
و لما أصبحوا على مقربة من بلادهم كتامة، خرج إلى لقائهم أصحابهم الذين انتشرت بينهم تعاليم الشيعة على يد دعاة الإسماعيلية من قبل.
و لما أصبحوا على مقربة من بلادهم كتامة، خرج إلى لقائهم أصحابهم الذين انتشرت بينهم تعاليم الشيعة على يد دعاة الإسماعيلية من قبل.
و كان التشيع قد انتشر فى بلاد المغرب على يد الإمام إدريس بن عبد اللّه ابن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب الذى فر من أيدى العباسيين بعد موقعة فخ فى عهد الخليفة الهادى سنة ۱۶۹ ه، و أقام الأدارسة فى المغرب الأقصى دولة علوية سنة ۱۷۲ ه، تعرف بدولة الأدارسة التف حولها البربر، و من ثم أصبحت بلاد المغرب أرضا صالحة للدعوة الإسماعيلية، و كان ذلك مما سهل على كل من الداعيين أبى سفيان و الحلوانى نشر الدعوة للمهدى من آل على.
و صار الناس يتحدثون فى تلك البلاد عن قرب ظهور المهدى، فلما ذهب أبو عبد اللّه الشيعى إلى المغرب فى أوائل سنة ۲۸۰ ه وجد الأمور ممهدة له، كما وجد التشيع قد استقر فى عقول البربر و اعتنقه كثير من وزراء الأغالبة الذين قامت دولتهم فى إفريقية (تونس) على يد إبراهيم بن الأغلب سنة ۱۸۴ ه (۸۰۰ م) و ظلت قائمة إلى أن استولى الفاطميون عليها سنة ۲۹۶ ه.
أكرم أهالى كتامة وفادة أبى عبد اللّه الشيعى و أحلوه من أنفسهم محل الإجلال و الإكرام، و تهافت كل منهم على إنزاله فى بيته، و ازداد التفاف المغاربة حوله بسبب ما كان يخبرهم به من أنه البشير بالمهدى. و لم يلبث أبو عبد اللّه أن كشف عن نواياه لرجال كتامة، فقال لهم: «أنا صاحب البذر الذى أخبر به أبو سفيان و الحلوانى، فازدادت محبتهم له، و عظم أمره فيهم و أتته القبائل من كل مكان(9)، و ظل أبو عبد اللّه مواليا لإمام الإسماعيلية بسلمية الحسين بن أحمد الذى عرف أيضا باسم محمد الحبيب، يرسل إليه رسله و هداياه.
لم يكتف أبو عبد اللّه الشيعى بنشر الدعوة للفاطميين فى بلاد المغرب، بل أخذ يعمل منذ سنة ۲۸۹ ه على بسط نفوذهم فى شمال إفريقية، فوقعت فى يده عدة مدن. و كان مما ساعد على تقدمه فى الفتوح موت إبراهيم الثانى بن أحمد ابن الأغلب أمير الأغالبة بإفريقية سنة ۲۹۱ ه، و لحاق ابنه أبى العباس عبد اللّه به الذى لم يبق فى الإمارة سوى تسعة أشهر، فخلفه ابنه زيادة اللّه الثالث آخر أمراء الأغالبة الذى انصرف إلى اللهو و الترف بينما كان وزراؤه يعملون على نجاح المذهب الشيعى الذى اعتنقه أهالى هذه البلاد.
و لم تنقطع الحرب بين قوات كل من أبى عبد اللّه الشيعى و زيادة اللّه الثالث حتى سنة ۲۹۶ ه حيث دارت واقعة الأربس(10) التى أدت إلى زوال دولة الأغالبة بإفريقية، و امتد نفوذ الفاطميين فى ذلك الوقت إلى أكثر أجزاء بلاد المغرب حتى أصبحوا أصحاب السلطان المطلق فى جميع الجهات الواقعة إلى الغرب من مدينة القيروان(11).
كان دعاة الإسماعيلية باليمن يعتقدون أن دولة المهدى ستظهر فى بلادهم، كما حرص رؤساؤهم على أن يكون قيامها على أيديهم، و كذلك كانت الحال بين دعاة الإسماعيلية فى بلاد المغرب، إذ كانوا يرجون قدوم المهدى إليهم لإقامة دولتهم المنشودة، و لذا أنفذ زعيمهم أبو عبد اللّه الشيعى – بعد أن استقر به المقام فى هذه البلاد و صادفت دعوته شيئا كثيرا من النجاح – إلى عبيد اللّه بن الإمام الحسين بن أحمد – و هو بسلمية – وفدا من رجال كتامة يدعوه للقدوم إلى بلاد المغرب(12). و كانت بلاد المغرب وقتذاك تشمل عدة دول و إمارات و هى دولة الأغالبة فى إفريقية (تونس) و دولة الأدارسة فى المغرب الأقصى، و إمارة بنى مدرار فى سجلماسة، و إمارة بنى رستم فى تاهرت بالمغرب الأوسط (13).
كان الخليفة المكتفى العباسى قد وصله إذ ذاك خبر ذيوع الدعوة الإسماعيلية فى بلاد اليمن و المغرب، فعهد إلى بعض رجاله بتعقب حركات عبيد اللّه و القبض عليه. فخرج عبيد اللّه من سلمية بعد مقابلته وفد كتامة و وقوفه على مدى نجاح الدعوة فى بلاد المغرب و أخبر أتباعه أنه سيقصد اليمن(14).
على أن عبيد اللّه لم يكن راغبا رغبة أكيدة فى إقامة دولته ببلاد اليمن، بل أزمع الرحيل إلى بلاد المغرب منذ خرج من سلمية تلبية للدعوة التى وجهها إليه داعيته أبو عبد اللّه الشيعى. و قد أدى به حرصه على ألا يقع فى قبضة العباسيين إلى إخفاء حقيقة الجهة التى سيقصدها؛ فلما وصل إلى مصر اتضح لداعى دعاته فيروز أنه سيقصد المغرب فشق ذلك عليه، و تخلف عن المسير مع الإمام عبيد اللّه و مضى إلى اليمن(15).
أما عبيد اللّه فرحب به أتباعه بمصر و على رأسهم داعيته أبو على الذى طلب من ابن عياش أن يسمح له بالإقامة فى داره و يكرم وفادته. و كان ابن عياش يخلص للمذهب الإسماعيلى و أنصاره و يمتع بمنزلة كبيرة عند ولاة مصر.
بذلت الخلافة العباسية جهودا كبيرة للقبض على عبيد اللّه، لكنها لم تستطع إلى ذلك سبيلا بفضل ما قدمه له أنصاره من معونة، ذلك أنه لما جاءت أوامر الخليفة العباسى إلى والى مصر محمد بن سليمان الكاتب بالقبض على المهدى، تمكن أنصاره من إيهام الوالى أن عبيد اللّه رجل هاشمى يحترف التجارة و أن الشخص المقصود فر إلى اليمن، كما أن هذا الوالى نفسه لم يكن وفيا للعباسيين، فأمر بالقبض على بعض غلمان المهدى و ضربهم ضربا خفيفا و أهمل شأن المهدى.
لما بلغ العباسيين أن محمد بن سليمان الكاتب تهاون فى القبض على عبيد اللّه المهدى، و لوا عيسى بن محمد النوشرى(16) على مصر بدلا منه: فقدم إليها فى جمادى الآخرة سنة ۲۹۲ ه و كان كثير من حاشية هذا الوالى يدينون بعقائد المذهب الإسماعيلى، فحذروا عبيد اللّه المهدى مما قد يحيق به من خطر العباسيين الذين كانوا إذ ذاك يتعقبونه و يبثون العيون عليه؛ فقرر الرحيل من مصر.
خرج عبيد اللّه من الفسطاط مرتديا زى التجار يريد المغرب، غير أن عيسى النوشرى لحق به و قبض عليه، لكنه ما لبث أن أطلقه بعد أن رشاه بمال كبير. و لم تقف متاعب عبيد اللّه عند هذا الحد، فقد هجم على قافلته و هى فى طريقها إلى طرابلس جماعة من البربر عند الطاحونة (و هى موضع فى برقة) و نهبوها(17).
لما وصل عبيد اللّه المهدى إلى طرابلس، بعث رسلا من قبله إلى داعيه أبى عبد اللّه الشيعى يخبره أنه فى طريقه إليه. و من هؤلاء الرسل الذين أنفذهم عبيد اللّه إلى المغرب أبو العباس أخو عبد اللّه الشيعى و جماعة من الكتاميين، غير أن زيادة اللّه الثالث أمير الأغالبة قبض على أبى العباس هذا بالقيروان و عذبه ليدله على الجهة التى يقيم فيها المهدى، فلم يجبه، و استطاع عبيد اللّه بفضل الأموال التى أعطاها لعامل طرابلس أن يهرب مع أتباعه إلى سجلماسة(18) بالمغرب الأقصى
ظل عبيد اللّه فى بداية الأمر طليقا فى سجلماسة بسبب إغداقه الأموال على واليها اليسع بن مدرار؛ غير أن معاملة و الى سجلماسة لعبيد اللّه ما لبثت أن تبدلت بعد انتصار أبى عبد اللّه الشيعى على الأغالبة سنة ۲۹۶ ه إذ خشى مما سوف تتطور إليه الحال بعد ذلك؛ فقبض على عبيد اللّه و زجه هو و أتباعه فى السجن.
كان أبو عبد اللّه إذ ذاك يمد نفوذه على معظم أرجاء المغرب عن طريق الحرب و الفتح، فدخل رقادة مقر إمارة الأغالبة، و حذف اسم الخليفة العباسى من الخطبة، ثم سار فى قوة كبيرة إلى سجلماسة لإطلاق عبيد اللّه من سجنه، و لما علم اليسع بن مدرار أمير سجلماسة بوصول أبى عبد اللّه الشيعى إليها، هرب ليلا و خلا الجو لأبى عبد اللّه، فأطلق داعى الفاطميين سراح عبيد اللّه المهدى و ابنه أبى القاسم(19).
أخذت البيعة لعبيد اللّه المهدى بسجلماسة، و تلا ذلك تقليد أبى عبد اللّه الشيعى سيفا و منحه خلعة للدلالة على مكانته، و أخذ أبو عبد اللّه يقدم إلى عبيد اللّه أشياعه و أنصاره ثلاثة أيام كاملة، ثم رحل عبيد اللّه عن سجلماسة – بعد أن أقام بها أربعين يوما – قاصدا إفريقية فى حفل كبير من العساكر – و كان أبو عبد اللّه الشيعى و رؤساء كتامة مشاة بين يديه و ولده خلفه – فلما اقترب من رقادة تلقاه أهلها و أهل القيروان بالترحاب، ثم نزل بقصر من قصور رقادة و اتخذها حاضرة له فى شهر ربيع الآخر سنة ۲۹۷ ه و أمر بذكر اسمه فى الخطبة من منابر البلاد و تلقب بالمهدى أمير المؤمنين(20)، و بذلك قامت الخلافة الفاطمية فى شمال إفريقية.
ـــــــــــــــ
1ـ انظر: كتاب فرق الشيعة لأبى محمد الحسن النوبختى، ص ۵۷-۵۸، ۷۱-۷۲.
2ـ هذه الدعوة هى التى نبتت منها الخلافة الفاطمية.
3ـ حسن إبراهيم و طه شرف: كتاب عبيد اللّه المهدى، ص ۴۱-۴۴.
4ـ كتاب النفوذ الفاطمى فى جزيرة العرب للمؤلف ص ۶۲-۶۳.
5ـ ابن خلدون: ج ۴ ص ۳۱.
6ـ انظر: كتاب «عبيد اللّه المهدى». ص ۷۶.
7ـ المقريزى: اتعاظ الحنفا، ص ۷۴-۷۵.
8ـ المقريزى اتعاظ الحنفا، ص ۷۵.
9ـ المقريزى: اتعاظ الحنفا، ص ۷۶-۷۷.
10ـ كانت فيما بعد تعد باب المهدية.
11ـ حسن إبراهيم: تاريخ الدولة الفاطمية ص ۵۰-۵۱.
12ـ المقريزى: المواعظ و الاعتبار بذكر الخطط و الآثار، ج ۲، ص ۱۱.
13ـ انظر زامباور: معجم الأنساب و الأسرات الحاكمة فى التاريخ الإسلامى ج ۱ ص ۱۰۰-۱۰۱، ۱۰۲.
14ـ النفوذ الفاطمى فى جزيرة العرب للمؤلف: ص ۶۴-۶۵.
15. النفوذ الفاطمى فى جزيرة العرب للمؤلف: ص ۶۵-۶۶.
16. كان عيسى بن محمد النوشرى من بين القواد الذين قدموا مع محمد بن سليمان الكاتب إلى مصر للقضاء على الدولة الطولونية (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ۳، ص ۱۴۵).
17ـ المقريزى اتعاظ الحنفا، ص ۸۳.
18ـ ابن الأثير ج ۸ ص ۱۴.
19. المقريزى: اتعاظ الحنفا، ص ۷۸-۹۰.
20. المقريزى: اتعاظ الحنفا، ص 92.
المصدر: تاريخ الدولة الفاطمية / محمد جمال الدين سرور