- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
هناك رجال من الشيعة الإمامية ـ باعتراف علماء السنة في كتبهم بأن هؤلاء الرجال هم من الشيعة ـ بذلوا جهودا كبيرا في تأسيس علم النحو وقواعده، وفي تنقيط القرآن الكريم وتشكيله، منهم: أبو الأسود الدؤلي، والخليل الفراهيدي، ويحيى بن يعمر، وغيرهم.
المبحث الأول: تأسيس علم النحو
مما لا شك فيه أن فهم النحو العربي وقواعده يعد من الضروريات لدارس العلوم الشرعية من قرآن وحديث، وبدون هذا العلم يتخبط الدارس والقارئ، حتى أن مادة النحو في مقدمة المواد التي تدرس في المعاهد الشرعية والجامعات والحوزات العلمية في العالم الإسلامي.
لو افترضنا عدم وجود علم النحو ماذا سيكون مصير اللغة العربية التي هي الأساس في فهم القرآن الكريم والسنة النبوية؟
يكاد المؤرخون وأهل الشأن يتفقون على أن مؤسس علم النحو هو الإمام علي (ع)، وعنه أخذه تلميذه أبو الأسود الدولي (ت عام ٦٩ هـ).
قال أبو البركات الأنباري: «وحكى أبو حاتم السجستاني، قال: ولد أبو الأسود في الجاهلية، وأخذ النحو عن علي بن أبي طالب (ع).
وروى أبو سلمة موسى بن إسماعيل، عن أبيه، قال: كان أبو الأسود أول من وضع النحو بالبصرة. وزعم قوم أن أول من وضع النحو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج. وزعم آخرون أو أول من وضع النحو نصر بن عاصم.
فأما زعم من زعم أن أول من وضع النحو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ونصر بن عاصم فليس بصحيح؛ لأن عبـد الـرحمـن بـن هرمز، أخذ النحو عن أبي الأسود، وكذلك أيضا نصر بن عاصم أخذه عن أبي الأسود، ويقال عن ميمون الأقرن.
والصحيح أن أول مــن وضع النحو علي بن أبي طالب (ع)؛ لأن الروايات كلها تسند إلى أبي الأسود، وأبو الأسود يسند إلى علي بن أبي طالب (ع)؛ فإنه روي عن أبي الأسود أنه سئل فقيل له: من أين لك هذا النحو؟ فقال: لفقت حدوده من علي بن أبي طالب (ع)»[1].
وجاء في سير الذهبي في ترجمة أبي الأسود الدؤلي: «قاتل أبـو الأسود يوم الجمل مع عليّ بن أبي طالب، وكــان مــن وجوه الشيعة، ومن أكملهم عقلاً ورأياً« وقد أمره علي (ع) بوضع شيء في النحو لما سمع اللحن…
قال محمد بن سلام الجمحي: أبو الأسود هو أول من وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف، وحرف الرفع والنصب والجــر والجزم، فأخذ ذلك عنه يحيى بن يعمر.
قال أبو عبيدة: أخـذ أبـو الأسود عن عليّ العربية، وقال المبرد: حدثنا المازني، قال: السبب الذي وضعت له أبواب النحو أن بنت أبي الأسود قالت له: ما أشد الحــر ! فقال: الحصباء بالرمضاء، قالت: إنما تعجبت من شدته. فقال: أوقــد لحن الناس؟! فأخبر بذلك عليّاً (ع) فأعطاه أصولاً بنى منها، وعمل بعده عليها« وهو أول من نقط المصاحف.
عن أبي الأسود، قال: دخلت على عليّ، فرأيته مطرقاً، فقلت: فـيـم تتفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت ببلدكم لحناً فأردت أن أضع كتاباً في أصول العربية. فقلت: إن فعلت هذا، أحييتنا.
فأتيتـه بعـد أيـام، فألقى إلي صحيفة فيها الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاســم مـا أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل، ثم قال لي: زده وتتبعه، فجمعت أشياء ثم عرضتها عليه»[2].
وقال ابن الجوزي عنه: «وهو أول من وضع النحو»[3].
قال ابن خلکان: «وذكر أبو عبيد الله المرزباني في كتاب المقتبس في أخبار النحويين أن المبرَّد قال: أجمعت العلماء باللغة أن أول من وضع العربية أبو الأسود الدؤلي وأنه لقــن ذلــك عـــن علي بن أبي طالب»[4].
قد يظن البعض أن تشيع أبي الأسود هو تفضيله علي (ع) على عثمان ليس إلا، وهذا الكلام غير دقيق، بل كان رافضيا يدعو عليا بالوصي، وهي عقيدة الإمامية نفسها.
قال ابن سعد: «وكان شاعراً متشيعاً وكان ثقة في حديثه إن شاء الله»[5].
وقال الجاحظ: «كان أبو الأسود الدؤلي واسمه ظالم بن عمرو بن جندل بن سفيان خطيباً عالماً وكان قد جمع شدة العقل وصواب الرأي وجودة اللسان وقول الشعر والظرف وهو يُعدّ في هذه الأصناف في الشيعة»[6].
قال الصفدي: «وقيل: هو أول من نقط المصاحف ووضع للناس علم النحو وهو تابعي شيعي شاعر نحويّ… وكان عبد الله ابن عباس لما خرج من البصرة استخلف عليها أبا الأسود فأقره علي بن أبي طالب وقاتل مع عليّ يوم الجمل وكان يستخلفه بعد ذلك ابـن عبـاس على البصرة، وكان من المتحققين بمحبة علي وأولاده»[7].
قال جلال الدين السيوطي: «ثم كان أول من رسم للناس النحو أبو الأسود الدؤلي، وكان أبو الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وكان أعلم الناس بكلام العرب وزعموا أنه كان يجيب في كل اللغة.
قال أبو الطيب ومما يدل على صحة هذا ما حدثنا به محمد بن عبد الواحد الزاهد: أخبرنا أبو عمرو بـن الـطـوسـي عـن أبيـه عن اللحياني في كتاب النوادر قال: حدثنا الأصمعي قال: كان غلام يطيف بأبي الأسود الدؤلي يتعلم منه النحو.
فقال له يوما: ما فعل أبوك قال: أخذته حمى فضخته ،فضخا، وطبخته طبخا، وفنخته فنخا، فتركته فرخا. قال: فما فعلت امرأة أبيك التي كانت تـشـاره وتجـاره وتـضـاره وتزاره وتهاره وتماره؟ قال: طلقها وتزوج غيرهـا، فحظـيـت عنـده ورضيت وبظيت. قال: وما بظيت يا بن أخي؟ قال: حرف من العربية لم يبلغك، قال: لا خير لك فيما لم يبلغني منها.
وأبو الأسود أول من نقط المصحف، واختلف الناس إلى أبي الأسود يتعلمون منه العربية. وفرع لهم ما كان أصله، فأخذ ذلك عنــه جماعة. قال أبو حاتم: تعلم منه ابنه عطاء بن أبي الأسود، ثم يحيـى بـن يعمر العدواني، كان حليف بني ليث، وكان فصيحا عالما بالغريب.
قال داود بن الزبرقان عن قتادة قال: أول من وضع النحــو بعــد أبي الأسود يحيى ابن يعمر»[8].
المبحث الثاني: الخليل الفراهيدي وتشيعه
قال الذهبي: «الإمام، صاحب العربية ومنشئ علم العروض، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، أحد الأعــلام… وكان رأساً في لسان العرب، ديناً ورعاً قانعاً متواضعاً كبير الشأن، يقال: إنّه دعا الله أن يرزقه علماً لا يسبق إليه، ففتح له بالعروض، ولــه کتاب (العين) في اللغة»[10].
وقال ابن حجر: «الخليل بن أحمد الأزدي الفراهيدي، ويقــال الباهلي، أبو عبد الرحمن البصري، صاحب العروض وكتاب العين في اللغة…»[11].
قال ابن الجوزي في المنتظم: «قال الثوري: اجتمعنا بمكة أدباء كل أفق، فتذاكرنا أمر العلماء، فجعـل أهـل كـل بلـد يرفعون علماءهـم ويصفونهم حتى جرى ذكر الخليل فلم يبق أحد منهم إلا قال: الخليل أذكى العرب، وهو مفتاح العلوم ومـصرفها.
وقـال نـصـر بـن عـلي الجهضمي عن أبيه كان الخليل من أزهد الناس وأعلاهـم نفساً وأشدهم تعففاً، ولقد كان الملوك يقصدونه ويتعرّضون له لينال منهم، فلم يكن يفعل ذلك، وكان يعيش من بستان خلفه له أبوه»[12].
إن علم العروض الذي أسسه الخليل قد أخـذه عـن أئمة أهـل البيت السلام (ع)، وقد أكد هذه الحقيقة أبو حاتم الرازي في كتابه: (الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية).
وقال الدكتور إبراهيم أنيس عـن هـذا الكتاب في مقدمته: «وأشار إليه المؤلّفون في تلك القرون ـ المتقدمة ـ كمرجع من مراجعهم يوثقون ما جاء فيه، ويعتبر كتابـه هـذا عـمـدة الباحثين في العصور التي جاءت بعده».
قال أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي: «وكان الخليل بن أحمد أول من استخرج العروض، فاستنبط منها ومن علل النحو ما لم يستخرجه أحد ولم يسبق إلى مثله سابق… وسمعت بعض أهل العلم يذكر أنّ الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمــد بــن علي، أو من أصحاب علي بن الحسين (ع)، فوضع لـه أصولاً وقـسـم الشعر ضروباً وسماه بها، وجعل لتلك الأقسام دوائر وأسطراً»[13].
وجاء في المناقب لابن شهر آشوب «روي أنّ الخليل بن أحمد اخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد الباقر أو علي بن الحسين، فوضع لذلك أصولاً»[14].
وقد أجمع الشيعة الإمامية على أنّ الخليل الفراهيــدي كــان عـلـى مذهبهم، ولا شكّ أنّ أهل كل مذهب أعلم برجالهم، وهذا بيان لأدلة تشيّع الرجل مع بعض من ترجمته في كتب الإمامية:
ـ ألف الخليل بن أحمد كتاباً في الإمامة ينتصر فيه لمذهب الإمامية، وقد ذكره الشيخ النجاشي في ترجمة محمد بن جعفر بن محمد، أبو الفتح الهمداني الوادعي، المعروف بالمراغي، قال: «كان وجيهاً [وجهاً] في الحفظ النحو واللغة ببغداد، حسن صحيح الرواية فيما نعلمه، وكان يتعاطى الكلام وكان أبو الحسن السمسمي أحد غلمائه، له كتاب مختار الأخبار، كتاب الخليلي في الإمامة»[15].
وقد أورد المراغي كتاب الخليل بن أحمد في كتابه المذكور واستدرك عليه، قال الشيخ الطهراني في الذريعة بعد أن ذكـر كتـاب الإمامة: «الإمامة للمولى أبي الصفا الخليل بن أحمد البصري اللغوي النحوي العروضي المتوفى سنة ١٦٠ هـ أو سنة ١٧٠ هـ أو سنة ١٧٥هـ، من أصحاب الصادق (ع)، أول من رتّب اللغات على الحروف في كتابه (العين) ونقح النحو وصنّف فيه واخترع الـعـروض في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحراً، وصرح بتشيعه في الخلاصة والرياض، وكتابه الإمامة تمتمه أبو الفتح محمد بن جعفر المراغي المتوفّى سنة ٣٧١ هـ صاحب الاستدراك»[16].
قال العلامة الحلّي: «الخليل بن أحمــد كـان أفضل الناس في الأدب، وقوله حجّةٌ فيه، واخترع علم العروض، وفضله أشهر من أن يذكر، وكان إمامي المذهب»[17].
وقال ابن داود الحلّي: «الخليل بن أحمد، شيخ الناس في عـلـوم الأدب، فضله وزهده أشهر من أن يخفى، كان إمامي المذهب»[18].
وقال السيد حسن الصدر: «في أول من جمع كلام العرب وحصره وزم جميعه وبيّن قيام الأبنية من حروف المعجم وتعاقب الحروف: فاعلم أن أول من أسس ذلك بنظر صائب لم يتقدمه أحد فيه هو الحبر العلامة شيخ العالم حجّة الأدب ترجمة لسان العرب المولى أبو الصفاء الخليل بن أحمد الأزدي اليحمدي الفراهيدي… والخـلـيــل مـن الشيعة بلا خلاف»[19].
قال السيد الخوئي في ترجمته: «الخليل النحوي العروضي، عــده الحلّي في مستطرفات السرائر: من كبراء أصحابنا المجتهدين، وذكر أنه الخليل بن إبراهيم بن أحمد… المعروف أنّ الخليل هو ابن أحمد، وعن المبرد أنه فتش المفتشون فما وجدوا بعد نبينا (ص) من اسمه أحمد قبـل والد الخليل، فكان ولده بتلك المنزلة من الذكاء والعلم والزهد كـرامـةً لأول تسمية باسم رسول الله (ص)، ولكنك قد عرفت تصريح الحــلي بأن اسم والد الخليل هو إبراهيم، والله العالم.
قيل إنه سئل الخليل عـــن الدليل على إمامة علي (ع)، على نحو الكـل في الكـل، قال: احتياج الكلّ إليه واستغناؤه عن الكلّ»[20].
وقال المفسر محمد حسين الطباطبائي: «وأوّل كتاب صنّف في علم اللغة هو كتاب العين لمؤلفه العالم المعروف الخليل بن أحمد البصري الشيعي، وهو واضع علم العروض وأستاذ سيبويه النحوي في علـم النحو»[21].
ومما يمكن أن يستدل به على تشيّع الخليل هو أخـذه عــن أستاذه الدولي الشيعي، وتشيع ابنه إبراهيم، حيث قال ابن حجر: «إبراهيم بن الخليل الفراهيدي شيعي»[22].
ومن المستبعد الرجل مثل الخليل وهو الذي كان يطلبه السلاطين لتربية أبنائهم أن يهمل تربية ابنه وتأديبه، والذي يظهر أن تشيع ابنه هو من صنع أبيه ومن تأديبه له.
المبحث الثالث: تنقيط القرآن وتشكيله
كان القرآن دون نقاط وتشكيل، حتى دخل اللحن والتصحيف اللغة العربية، فأحس أبو الأسود الدؤلي بضرورة حفظ اللغة والقرآن، فأوجد النحو ونقط المصحف، وتبعه الخليل الفراهيدي فأوجــد التشكيل فوق الحروف، وسار على نهج الدولي يحيى بن يعمر وغيره.
قال النووي: «اتفق العلماء على استحباب كتابة المصاحف وتحسين كتابتها وتبيينها وإيضاحها وتحقق الخط دون مشقة وتعليقه قال العلماء ويستحب نقط المصحف وشكله فإنه صيانة من اللحن فيه وتصحيفه وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرهـاه في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه وقد أمن ذلك اليوم فلا منع ولا يمتنع من ذلك لكونه محدثا فإنه من المحدثات الحسنة فلم يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك والله أعلم»[23].
قد يُطرح سؤال: ماذا لو بقي القرآن دون تنقيط وتشكيل؟ هـل يستطيع المسلم العربي قراءته فضلا عن الأعجمي؟
لا شك أن الخدمة التي قدمت للمصحف الشريف في هذا الشأن عظيمة جدا.
قال صلاح الدين الزعبلاوي عن نقط المصحف: «وليس هذا بالأمر اليسير الذي يستهان بجدواه فيما عــاد مـنـه عـلـى اللـغـة مـن جزيل الفائدة وموفور العائدة فقد كان (الشكل) أرفـق عـلى العربيـة نفعا وأرجى عاقبة من أي شيء آخر.
وقد وفق الأستاذ أحمد أمين، حين أشار في ضحى الإسلام) إلى ذلك، وأيده فيه الأستاذ سعيد الأفغاني في كتابه أصول النحو حين قال: «والشكل أعود على حفظ النصوص من حدود النحو ولعله أعظم خدمة قدمت للعربية حتى الآن»[24].
وقال السيد رزق الطويل: «فإذا وضعنا بجانب هـذا صنيع أبي الأسود في وضع نقط الإعراب، وتخيره كـاتبـا فـطـنـا يـراقــب حـركـة شفتيه، ويضبط كلمات المصحف على هذا النحو رفعا ونصبا وجرا وجزما تبين لنا أنهم بهذا العمل الخطير قد أحاطوا لفظ القرآن الكريم بسياج يمنع اللحن فيه، مما جعل بعض القدماء يظنون أنهم وضعوا قواعد الإعراب أو أطرافا منها وهم إنما رسموا في دقة نقط الإعراب إلا قواعده، كما رسموا نقط الحروف المعجمة»[25].
يذكر البعض أن من قام بتنقيط القرآن هـو الحـجـاج بـأمـر مـن الخليفة عبد الملك بن مروان، والصحيح أنه لم يباشر عبد الملك ولا واليه الحجاج هذا الأمر بنفسيهما، بل قام بـه رجـال مـن الشيعة لمـا يتمتعون به من موهبة في هذا المجال، لهذا فإن نسبة هذا الأمر للحجاج وخليفته إنما هو بلحاظ صدور الأمر عنهما إن صح ذلك، وقد كان لأبي الأسود الدؤلي السبق في هذا المضمار مــن خــلال تأسيس علـم النحو بإرشاد من الإمام علي (ع).
إن الذي عليه أغلب الروايات والأقوال من مؤرخين وغيرهم أن أبا الأسود الدؤلي والخليل الفراهيدي ويحيى بن يعمر ـ وكلهـم مــن الشيعة ـ هم من قاموا بالتنقيط والشكل، والبعض يضيف إليهم نصر بن عاصم، وهذه بعض الأقوال التي تؤكد هذا الأمر:
قال ابن عطية الأندلسي: «وأسند الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر وذكر أبو الفرج أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف وكان يقال له نصر الحروف»[26].
قال أبو عمرو الداني: يحتمل أن يكون يحيـى ونـصـر أول مـن نقطاها للناس بالبصرة وأخذا ذلك عن أبي الأسود إذ كان السابق إلى ذلك والمبتدئ به وهو الذي جعل الحركات والتنوين لا غيـر عـلى مــا تقدم في الخبر عنه.
ثم جعل الخليل بن أحمد الهمز والتشديد والروم والإشمام وقفا الناس في ذلك أثرهما واتبعوا فيه سنتهما وانتشر ذلك في سائر البلدان وظهر العمل به في كل عصر وأوان والحمد لله على كــل حال»[27].
قال السيوطي في ترجمة أبي الأسود: «كان من سادات التابعين، ومن أكمل الرجال رأيا، وأسدهم عقلا، شيعيا شاعر وهو أول مـن نقط المصحف.
قال الجاحظ أبو الأسود معدود في طبقات الناس، وهو في كلها مقدم مأثور عنه في جميعها، معدود في التابعين، والفقهاء، والمحدثين، والشعراء، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدهاة، والنحاة، والحاضري الجواب، والشيعة، والبخلاء، والصلع الأشراف، والبخر الأشراف. مات سنة تسع وستين للهجرة بطاعون الجارف»[28].
نخلص مما تقدم إلى أن تنقيط القرآن وتشكيله ينسب إلى الدولي والخليل ويحيى بن يعمر، وهؤلاء كلهم شيعة، وبعضهم يضيف نصر بن عاصم، وقد بيّن غير واحد أنه اعتمد في عمله ـ إن صح ـ على أبي الأسود الدؤلي الشيعي.
الاستنتاج
أن تأسيس علم النحو وقواعده تم على يد أبو الأسود الدؤلي، وأن تنقط القرآن الكريم وتشكيله تم على يد الخليل الفراهيدي، ويحيى بن يعمر، وغيرهما، وهؤلاء هم من رجال الشيعة الإمامية باعتراف علماء السنة في كتبهم بأنهم من الشيعة، وهذه الجهود الكبيرة المبذولة في هذا المجال تستحق التقدير والشكر والاعتزاز للمذهب الشيعي.
الهوامش
[1] الأنباري، نزهة الألباء في طبقات الأدباء، ج۱، ص۲۱.
[2] الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج4، ص٨١.
[3] ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ج6، ص٩٦.
[4] ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج6، ص٣٩٢.
[5] ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج۷، ص۹۹.
[6] الجاحظ، البيان والتبيين، ص۱۷۱.
[7] الصفدي، الوافي بالوفيات، ج١٦، ص٣٠٥.
[8] السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ج٢، ص٣٤١.
[10] الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج۷، ص٤٢٩.
[11] ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج۳، ص١٤١.
[12] ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ج۷، ص۲۸۰.
[13] الرازي، الزينة في الكلمات الإسلامية العربية، ص٩١.
[14] ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج۱، ص٣٢٦.
[15] الطوسي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ص٣٩٤.
[16] آقا بزرك الطهراني، الذريعة، ج۲، ص٣٢٥.
[17] الحلّي، خلاصة الأقوال، ص١٤٠.
[18] رجال ابن داود، ص۸۹.
[19] الصدر، الشيعة وفنون الإسلام، ص١٠٣.
[20] الخوئي، معجم رجال الحدیث، ج۸، ص۸۰.
[21] الطباطبائي، الشيعة في الإسلام، ص۸۲.
[22] ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، ج١، ص٥٥.
[23] النووي، التبيان في آداب حملة القرآن، ص۱۸۹.
[24] صلاح الدين الزعبلاوي، دراسات في النحو، ج١، ص٦.
[25] الطويل، مدخل في علوم القراءات، ج۱، ص۲۰.
[26] ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ج١، ص٥٠.
[27] الداني، المحكم في نقط المصاحف، ج١، ص٦.
[28] السيوطي، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، ج٢، ص٢٢.
مصادر المقالة
1ـ ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمّد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1412 هـ.
2ـ ابن حجر العسقلاني، أحمد، تهذيب التهذيب، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1404 هـ.
3ـ ابن حجر العسقلاني، أحمد، لسان الميزان، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأولى، 1406 هـ.
4ـ ابن خلكان، أحمد، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى، بلا تاريخ.
5ـ ابن داود الحلّي، الحسن، رجال ابن داود، تحقيق محمّد صادق بحر العلوم، النجف، منشورات المطبعة الحيدرية، 1392 هـ.
6ـ ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1410 هـ.
7ـ ابن شهرآشوب، محمّد، مناقب آل أبي طالب، النجف، المكتبة الحيدرية، طبعة 1376 هـ.
8ـ ابن عطية الأندلسي، عبد الحق، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق عبد السلام عبد الشافي، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413 هـ.
9ـ أبو حاتم الرازي، أحمد، الزينة في الكلمات الإسلامية العربية، صنعاء، مركز الدراسات والبحوث اليمني، الطبعة الأولى، 1415 هـ.
10ـ أبو حيان الأندلسي، محمّد، تفسير البحر المحيط، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1422 هـ.
11ـ آقا بزرك الطهراني، محمّد محسن، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، بيروت، دار الأضواء، الطبعة الثالثة، 1403 هـ.
12ـ الأنباري، عبد الرحمن، نزهة الألباء في طبقات الأدباء، تحقيق إبراهيم السامرائي، الأردن، مكتبة المنار، الطبعة الثالثة، 1426 هـ.
13ـ الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق فوزي عطية، مصر، المكتبة التجارية الكبرى، الطبعة الأولى، 1345 هـ.
14ـ الحلّي، الحسن، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تحقيق جواد القيومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
15ـ الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث، الطبعة الخامسة، 1413 هـ.
16ـ الداني، عثمان، المحكم في نقط المصاحف، تحقيق عزّة حسن، دمشق، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1407 هـ.
18ـ الذهبي، محمّد، سير أعلام النبلاء، بيروت، مؤسّسة الرسالة، الطبعة التاسعة، 1413 هـ.
17ـ السيوطي، عبد الرحمن، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق فؤاد علي منصور، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
18ـ السيوطي، عبد الرحمن، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، صيدا، المكتبة العصرية، بلا تاريخ
19ـ الصدر، حسن، الشيعة وفنون الإسلام، قم، مؤسّسة السبطين العالمية، الطبعة الأولى، 1427 هـ.
20ـ الصفدي، خليل، الوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرناؤوط، بيروت، دار إحياء التراث، طبعة 1420 هـ.
21ـ صلاح الدين الزعبلاوي، دراسات في النحو، موقع اتحاد كتّاب العرب، بلا تاريخ.
22ـ الطباطبائي، محمّد حسين، الشيعة في الإسلام، الناشر بيت الكاتب، الطبعة الأولى، 1999 م.
23ـ الطوسي، محمّد، فهرست أسماء مصنفي الشيعة، تحقيق جواد القيومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الأولى، 1417 هـ.
24ـ الطويل، رزاق، مدخل في علوم القراءات، المكتبة الفيصلية، الطبعة الأولى، 1405 هـ.
25ـ النووي، أبو زكريا، التبيان في آداب حملة القرآن، تحقيق محمّد الحجار، بيروت، دار ابن حزم، الطبعة الثالثة، 1414 هـ.
مصدر المقالة
خليفات، مروان، فضل الشيعة على الأمة في حفظ القرآن والعناية به، قم، انتشارات محلّاتي، الطبعة الأولى، 1399 هـ.
مع تصرف بسيط