- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
أشارت مصادر تأريخية إلى جملة من وقائع حدثت على طريق الركب الحسيني من الكوفة إلى الشام، منها: خروج يد من الحائط تكتب بمدادٍ من الدم، وقصة الراهب مع الرأس المقدّس، وزيارة الانبياء والملائكة للرأس المقدّس، كما حصلت مشاهد مقدّسة في منازل الطريق.
مدة بقاء الركب الحسيني في الكوفة
يُستفاد من بعض النصوص أنّ بقيّة الركب الحسيني لم يطل بقاؤهم في الكوفة إلا يومين أو يوماً وبعض يوم!، كما في نص سبط ابن الجوزي حيث يقول: «ثم إن ابن زياد حط الرؤوس في اليوم الثاني وجهزها والسبايا إلى الشام إلى يزيد بن معاوية»، وهذه المدة هي أقل مدة ممكنة.
وإذا قلنا أن الركب الحسيني تحرّك من الكوفة إلى الشام في نفس اليوم الرابع والعشرين من المحرّم، فإنَّ مدّة بقائهم في الكوفة – وهي تبدأ من اليوم الثاني عشر ـ تكون حوالي إثني عشر يوماً على احتمال قوي، والله العالم.
كيف حمل بقية أهل البيت (ع) إلى يزيد
فيما رواه الطبري قوله: «ثُمّ إنّ عبيد الله أمر بنساء الحسين وصبيانه فجهزن، وأمر بعلي بن الحسين فَغُلَّ بغُلَّ إلى عنقه ثمّ سرّح بهم مع محفّز بن ثعلبة العائذي ـ عائدة قريش ـ ومع شمر بن ذي الجوشن، فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد، فلم يكن علي بن الحسين يُكلم أحداً منهما في الطريق كلمة حتى بلغوا..»[1].
وقال السيد ابن طاووس (ره): «وأما يزيد بن معاوية فإنّه لما وصل كتاب ابن زياد ووقف عليه أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسين (ع) إليه ورؤوس من قتل معه، وبحمل أثقاله ونسائه وعياله، فاستدعى ابن زیاد بمخفر بن ثعلبة العائذي فسلّم إليه الرؤوس والأسارى والنساء، فسار بهم مخفر إلى الشام كما يُسار بسبايا الكفار، يتصفّح وجوههن أهل الأقطار!»[2].
وفيما يرويه لنا الصحابي سهل بن سعد عن لقائه بالركب الحسيني في دمشق قوله: «… فبينا أنا كذلك، حتى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضاً، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس أشبه الناس وجها برسول الله (ص)! فإذا أنا من ورائه رأيت نسوة على جمال بغير وطاء…»[3].
وإن صفة دخول بقية أهل البيت على يزيد كاشفة عن حالهم الأصعب أثناء الطريق، يقول السيد ابن طاووس(ره): «ثُمّ أُدخل ثقل الحسين (ع) ونساؤه ومن تخلف من أهله على يزيد، وهم مقرنون في الحبال! فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال قال له علي بن الحسين (ع):
أنشدك الله يا يزيد، ما ظنّك برسول الله لو رأنا على هذه الحال!؟»[4].
هل كانت الرؤوس المقدسة مع الركب الحسيني
يُستفاد من النصوص التي مضت عن السيد ابن طاووس (ره) أن الرؤوس المقدسة كانت مع الركب الحسيني في حركته من الكوفة إلى الشام.
لكن نصوصاً أخرى تُشعر أن الرؤوس المقدّسة سبقت الركب الحسيني إلى الشام، كما في نص الشيخ المفيد (ره) حيث يقول: «ولما فرغ القوم من التطوف به ـ أي الرأس المقدّس – بالكوفة، ردّه إلى باب القصر، فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس، ودفع إليه رؤوس أصحابه، وسرّحه إلى يزيد بن معاوية عليهم لعائن الله ولعنة اللاعنين في السموات والأرضين وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي، وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة حتى وردوا بها على يزيد بدمشق.
وأوضح من ذلك في هذا الصدد ما قاله الشيخ المفيد (ره) أيضاً: «ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين (ع) أمر بنسائه وصبيانه فجهزوا، وأمر بعلي بن الحسين (ع) فغُل بغل إلى عنقه، ثمّ سرّح بهم في أثر الرأس مع مجفر بن ثعلبة العائذي، وشمر بن ذي الجوشن، فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس، ولم يكن علي بن الحسين (ع) يكلم أحداً من القوم في الطريق كلمة حتى بلغوا…»[5].
جملة من وقائع الطريق إلى الشام
أشارت مصادر تأريخية إلى جملة من وقائع حدثت على طريق الركب الحسيني من الكوفة إلى الشام، نورد هنا ذكر هذه الوقائع – مما اشتهر منها، ومما لم يتفرد به المقتل المنسوب إلى أبي مخنف – في ضوء تتابعها حسب منازل الطريق ما أمكننا ذلك، وهي:
1- خروج يد من الحائط تكتب بمدادٍ من الدم
روى الخوارزمي بسند عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، قال: «لما قتل الحسين (ع) بعث برأسه إلى يزيد، فنزلوا أوّل مرحلة، فجعلوا يشربون ويبتهجون بالرأس! فخرجت عليهم كف من الحائط، معها قلم من حديد، فكتبت سطراً بدم:
أترجو أُمة قتلت حسيناً ** شفاعة جده يوم الحساب!؟»[6].
وفي المقتل المنسوب إلى أبي مخنف أنّ ابن زياد دعا الشمر اللعين، وخولي، وشبث بن ربعي، وعمر بن سعد، وضم إليهم ألف فارس! وأمرهم بأخذ السبايا والرؤوس إلى يزيد، وأمرهم أن يشهروهم في كل بلدة يدخلونها! فساروا على ساحل الفرات، فنزلوا على أوّل منزل كان خراباً، فوضعوا الرأس الشريف المبارك المكرم، والسبايا مع الرأس الشريف، وإذا رأوا يداً خرج من الحائط معه قلم يكتب بدم عبيط شعراً:
أترجو أمة قتلت حسيناً ** شفاعة جده يوم الحساب
فلا والله ليس لهم شفیع ** وهم يوم القيامة في العذاب
لقد قتلوا الحسين بحكم جور ** وخالف أمرهم حكم الكتاب
فهربوا، ثم رجعوا، ثم رحلوا من ذلك المنزل.
2- قصة الراهب مع الرأس المقدّس
قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص: وذكر عبد الملك بن هاشم في كتاب (السيرة) الذي أخبرنا القاضي الأسعد أبو البركات عبد القوي بن أبي المعالي ابن الحبار السعدي في جمادى الأوّل سنة تسع وستمائة بالديار المصرية قراءة عليه ونحن نسمع قال: أنبأنا أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي فـي جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وخمسمائة قال: أنبأنا أبو الحسين علي بن الحسين الخلعي أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن سعيد النحاس النحيي: أنبأنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن رنجويه البغدادي: أنبأنا أبو سعيد عبد الرحيم بن عبد الله البرقي: أنبأنا أبو محمد عبد الملك بن هشام النحوي البصري[7] قال:
لما أنفذ ابن زياد رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية مع الأسارى، موثقين في الحبال، منهم نساء وصبيان وصبيات من بنات رسول الله (ص)، على أقتاب الجمال، موثقين مكشفات الوجوه والرؤوس وكلما نزلوا منزلاً أخرجوا الرأس من صندوق أعدوه له، فوضعوه على رمح وحرسوه طول الليل إلى وقت الرحيل، ثم يعيدوه الى الصندوق ويرحلوا، فنزلوا بعض المنازل، وفي ذلك المنزل دير فيه راهب، فأخرجوا الرأس على عادتهم، ووضعوه على الرمح وحرسه الحرس على عادته، وأسندوا الرمح إلى الدير.
فلما كان في نصف الليل رأى الراهب نوراً من مكان الرأس الى عنان السماء! فأشرف على القوم وقال: من أنتم؟
قالوا: نحن أصحاب ابن زياد.
قال: وهذا رأس من!؟
قالوا: رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ابن فاطمة بنت رسول الله (ص)!
قال: نبيكم!؟
قالوا: نعم!
قال: بئس القوم أنتم! لو كان للمسيح ولد لأسكناه أحداقنا!
ثم قال: هل لكم في شيء؟
قالوا: وما هو ؟
قال: عندي عشرة آلاف دينار، تأخذونها وتعطوني الرأس يكون عندي تمام الليلة، وإذا رحلتم تأخذونه!
قالوا: وما يضرنا!؟
فناولوه الرأس، وناولهم الدنانير، فأخذه الراهب فغسله وطيبه، وتركه على فخذه، وقعد يبكي الليل كله فلما أسفر الصبح قال: يا رأس! لا أملك إلا نفسي، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن جدك محمداً رسول الله، وأشهد الله أنني مولاك وعبدك!
ثم خرج عن الدير وما فيه، وصار يخدم أهل البيت (ع)!
قال ابن هشام في السيرة: ثمّ إنهم أخذوا الرأس وساروا، فلما قربوا من دمشق قال بعضهم لبعض: تعالوا حتى نقسم الدنانير لا يراها يزيد فيأخذها منا!
فأخذوا الأكياس وفتحوها، وإذا الدنانير قد تحوّلت خزفاً وعلى أحد جانبي الدينار مكتوب: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلَاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)[8]، وعلى الجانب الآخر: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)[9]، فرموها في بردى[10].[11].
وينقل السيد هاشم البحراني (ره) عن الطريحي (ره) فيقول: «روى الثقاة عن أبي سعيد الشامي قال: كنت ذات يوم مع القوم اللثام الذين حملوا الرؤوس والسبي إلى دمشق، لما وصلوا إلى دير النصارى فوقع بينهم أن نصر الخزاعي قد جمع عسكراً ويريد أن يهجم عليهم نصف الليل، ويقتل الأبطال، ويجدل الشجعان، ويأخذ الرؤوس والسبي، فقال رؤساء العسكر من عظم اضطرابهم: نلجأ الليلة إلى الدير ونجعله كهفاً لنا. لأن الدير كان لا يقدر أن يتسلّط عليه العدو.
فوقف الشمر وأصحابه على باب الدير، وصاح بأعلى صوته: يا أهل الدير!
فجاءهم القسيس الكبير ، فلما رأى العسكر قال لهم: من أنتم؟؟ وما تريدون!؟
فقال الشمر: نحن من عسكر عبيد الله بن زياد ونحن سائرون من العراق إلى الشام.
فقال القسيس: لأي غرض؟
قال: كان شخص بالعراق قد تباغی وخرج على يزيد، وجمع العساكر! فعقد يزيد عسكراً عظيماً فقتلوهم، وهذه رؤوسهم، وهؤلاء النساء سباياهم!
قال الراوي: قال: فنظر القسيس إلى رأس الحسين (ع) وإذا بالنور ساطع منه! والضياء لامع قد لحق بالسماء! فوقع في قلبه هيبة منه.
فقال القسيس: ديرنا ما يسعكم، بل أدخلوا الرؤوس والسبي إلى الدير، وحيطوا أنتم من خارج، إن دهمكم عدوّ فقاتلوه، ولا تكونوا مضطربين على السبي والرؤوس.
قال: فاستحسنوا كلام القسيس صاحب الدير، وقالوا: هذا هو الرأي!
فحطوا رأس الحسين (ع) في صندوق، وقفل عليه، وأدخلوه إلى داخل الدير والنساء وزين العابدين (ع)، وصاحب الدير حطهم في مكان يليق بهم.
قال الراوي: ثمّ إنّ صاحب الدير أراد أن يرى الرأس الشريف، فجعل ينظر حول البيت الذي فيه الصندوق، وكان له رازونة، فحط رأسه في تلك الرازونة فرأى البيت يُشرق نوراً ورأى أن سقف البيت قد انشق! ونزل من السماء تخت عظيم والنور يسطع من جوانبه، وإذا بامرأة أحسن من الحور جالسة على التخت، وإذا بشخص يصيح: أطرقوا ولا تنظروا، وإذا قد خرج من ذلك البيت نساء، فإذا حواء، وصفية، وزوجة إبراهيم أمّ اسماعيل، وراحيل أم يوسف، وأم موسى، وآسية، ومريم، ونساء النبي.
قال الراوي: فأخرجوا الرأس من الصندوق، وكل من تلك النساء واحدة بعد واحدة يقبلن الرأس الشريف، فلما وقعت النوبة لمولاتي فاطمة الزهراء غشي على بصر صاحب الدير، وعاد لا ينظر بالعين بل يسمع الكلام، وإذا قائلة تقول:
السلام عليك يا قتيل الأم، السلام عليك يا مظلوم الأم، السلام عليك يا شهيد الأم، السلام عليك يا روح الأم، لا يداخلك هم وغم، فإنّ الله سيفرج عني وعنك ويأخذ لي بثأرك.
قال: فلما ا سمع الديراني البكاء من النساء اللاتي نزلن من السماء اندهش ووقع مغشياً عليه، فلما أفاق من ذلك البكاء وإذا بالشخص نزل إلى البيت وكسر القفل والصندوق واستخرج الرأس وغسله بالكافور والمسك والزعفران، ووضعه في قبلته، وجعل ينظر إليه ويبكي ويقول: يا رأس رؤوس بني آدم، ويا عظيم، ويا كريم جميع العوالم! أظنك أنت من الذين مدحهم الله في التوراة والإنجيل، وأنت الذي أعطاك فضل التأويل، لأنّ خواتين سادات الدنيا والآخرة يبكين عليك ويندبنك!
أما أنا أريد أن أعرفك باسمك ونعتك!
فنطق الرأس بإذن الله وقال: أنا المظلوم! أنا المقتول! أنا المهموم! وأنا المغموم! وأنا الذي بسيف العدوان والظلم قتلت! أنا الذي بحرب أهل الغيض ظلمت!
فقال صاحب الدير: بالله أيها الرأس زدني!
فقال الرأس: إن كنت تسأل عن حالتي ونسبي؟ أنا ابن محمد المصطفى! أنا ابن علي المرتضى! أنا ابن فاطمة الزهراء! أنا ابن خديجة الكبرى! وأنا ابن العروة الوثقى! أنا شهيد كربلاء! أنا مظلوم كربلاء! أنا قتيل كربلاء! أنا عطشان كربلاء! أنا ظمآن كربلاء! أنا مهتوك كربلاء!
قال الراوي: فلما سمع صاحب الدير من رأس الحسين (ع) هذا الكلام جمع تلامذته ومريديه، وحكى لهم هذه الحكاية، وكانوا سبعين رجلاً، فضجوا بالبكاء والنحيب، ونادوا بالويل والثبور، ورموا العمائم من رؤوسهم، وشقوا أزياقهم، وجاءوا إلى سيدنا ومولانا علي بن الحسين زين العابدين، ثم قطعوا الزنّار وكسروا الناقوس واجتنبوا أفعال اليهود والنصارى، وأسلموا على يديه، وقالوا: يا ابن رسول الله! مرنا أن نخرج إلى هؤلاء القوم الكفرة ونقاتلهم ونجلي صدأ قلوبنا ونأخذ بثأر سيدنا! فقال لهم الإمام (ع):
لا تفعلوا ذلك، فإنهم عن قريب ينتقم الله منهم ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
فردوا أصحاب الدير عن القتال»[12].
٣- الانبياء والملائكة (ع) يزورون الرأس المقدّس
قال السيد ابن طاووس (ره): روى ابن لهيعة وغيره حديثاً أخذنا منه موضع الحاجة، قال: كنتُ أطوف بالبيت فإذا أنا برجل يقول: اللهم أغفر لي وما أراك فاعلاً!
فقلتُ له: يا عبد الله، إتّقِ الله ولا تقل مثل هذا فإنّ ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار وورق الأشجار فاستغفرت الله غفرها لك فإنّه غفور رحيم!
قال: فقال لي: تعال حتى أخبرك بقصتي!
فأتيته، فقال: إعلم أنا كنا خمسين نفراً ممّن سار مع رأس الحسين (ع) إلى الشام، فكنا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت وشربنا الخمر حول التابوت! فشرب أصحابي ليلة حتى سكروا ولم أشرب معهم، فلمّا جنّ الليل سمعت رعداً ورأيتُ برقاً، فإذا أبواب السماء قد فتحت ونزل آدم ونوح، وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ونبينا محمّد صلّى الله عليه وآله وعليهم أجمعين، ومعهم جبرئيل وخلق من الملائكة.
فدنا جبرئيل من التابوت وأخرج الرأس وضمه إلى نفسه وقبله، ثم كذلك فعل الأنبياء كلهم، وبكى النبي (ص) على رأس الحسين (ع) وعزاه الأنبياء، وقال له جبرئيل (ع): يا محمد، إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أطيعك في أمتك، فإن أمرتني زلزلتُ بهم الأرض، وجعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط!
فقال النبي (ص): لا يا جبرئيل! فإنّ لهم معي موقفاً بين يدي الله يوم القيامة! ثم جاء الملائكة نحونا ليقتلونا، فقلت: الأمان الأمان يا رسول الله!
فقال: إذهب فلا غفر الله لك!»[13].
المشاهد المقدّسة في منازل الطريق
1- مشهد النقطة في الموصل
لم يُذكر في واحد من الكتب التاريخية المعتبرة على مستوى التحقيق أن أهل البيت (ع) في الطريق من الكوفة إلى الشام قد مرّوا بمدينة الموصل، وقد تجنّب بعض المحققين والمؤرّخين الخوض في صدد صحة أو عدم صحة هذا المدعى، ومن ذكرها منهم ذكرها على نحو النقل عمّن ذكرها، فالمرحوم الشيخ عباس القمي مثلاً يقول ما هذا نصه: (وأما مشهده بالموصل، فهو كما في روضة الشهداء ما ملخصه:
«أن القوم لما أرادوا أن يدخلوا الموصل أرسلوا إلى عامله أن يهييء لهم الزاد والعلوفة، وأن يزيّن لهم البلدة، فاتفق أهل الموصل أن يهيئوا لهم ما أرادوا، وأن يستدعوا منهم أن لا يدخلوا البلدة، بل ينزلون خارجها، ويسيرون من غير أن يدخلوا فيها، فنزلوا ظاهر البلد على فرسخ منها، ووضعوا الرأس الشريف على صخرة، فقطرت عليها قطرة دم من الراس المكرّم، فصارت تشع ويغلي منها الدم كل سنة في يوم عاشوراء!
وكان الناس يجتمعون عندها من الأطراف ويقيمون مراسم العزاء والمآتم في كلّ عاشوراء، وبقي هذا إلى أيام عبد الملك بن مروان فأمر بنقل الحجر، فلم يُرَ بعد ذلك منه أثر، ولكن بنوا على ذلك المقام قبة سموها مشهد النقطة»[14].
2ـ مشهد النقطة في نصيبين
ويقول الشيخ عباس القمي: «وأما السانحة التي وقعت بنصيبين: ففي الكامل للبهائي ما حاصله: أنّهم لما وصلوا إلى نصيبين أمر منصور بن الياس بتزيين البلدة، فزينوها بأكثر من ألف مرآة، فأراد الملعون الذي كان معه رأس الحسين (ع) أن يدخل البلد فلم يطعه فرسه! فبدله بفرس آخر فلم يُطعه! وهكذا فإذا بالرأس الشريف قد سقط إلى الأرض، فأخذه إبراهيم الموصلي، فتأمل فيه فوجده رأس الحسين (ع)، فلامهم ووبخهم فقتله أهل الشام، ثمّ جعلوا الرأس في خارج البلد ولم يدخلوه به.
قلتُ: ولعلّ مسقط الرأس الشريف صار مشهداً».
3- مشهد النقطة في حماة
ويقول الشيخ عباس القمي (ره): «وأما المشهد الذي كان بحماة، ففي بعض الكتب، نقلاً عن بعض أرباب المقاتل أنه قال: لما سافرت إلى الحج فوصلت إلى حماة رأيت بين بساتينها مسجداً يسمّى مسجد الحسين (ع)! قال: فدخلت المسجد فرأيت في بعض عماراته ستراً مسبلاً من جدار، فرفعته ورأيت حجراً منصوباً في جدار، وكان الحجر مؤرّباً فيه موضع عنق رأسه أثر فيه، وكان عليه دم منجمد! فسألت من بعض خدّام المسجد: ما هذا الحجر والأثر والدم؟
فقال لي: هذا الحجر موضع رأس الحسين (ع)، فوضعه القوم الذين يسيرون به إلى دمشق…»[15].
٤ – هل هناك مشهد للرأس المقدّس بحمص
يقول الشيخ عباس القمي: «وأمّا مشهد الرأس بحمص فما ظفرت به! كما أني لم أظفر بمشهد الرأس من كربلاء إلى عسقلان!
نعم، في جنب الباب الشمالي من صحن مولانا أبي عبد الله الحسين (ع) مسجد يُسمّى مسجد رأس الحسين (ع)، وفي ظهر الكوفة عند قائم الغري مسجد يسمى بمسجد الحنانة فيه يستحب زيارة الحسين (ع)، لأن رأسه وضع هناك»[16].
5- مشهد النقطة في حلب
يقول صاحب كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب: «وفي سنة إحدى وستين قتل الحسين (ع) بكربلاء، واحتزّ رأسه الشريف شمر بن ذي الجوشن، وسار به وبمن معه من آل الحسين إلى يزيد في دمشق، فمرَّ بطريقه على حلب، ونزل به عند الجبل ووضعه على صخرة من صخراته، فقطرت منه قطرة دم بني على أثرها مشهد عُرف بمشهد النقطة»[17].
وقال أيضاً: «قلت: ذكر أن سبب بناء مشهد النقطة هو أن رأس الحسين (ع) لما وصلوا به إلى هذا الجبل وضعوه على الأرض فقطرت منه قطرة دم فوق صخرة، بنى الحلبيون عليها هذا المشهد، وسُمّي مشهد النقطة، ولعل هذه الصخرة نُقلت من هذا المشهد بعد خرابه إلى محراب مشهد الحسين (ع) فبني عليها…»[18].
٦- مشهد السقط في حلب
قال الحموي: «وفي غربي البلد في سفح جبل جوشن قبر المحسن بن الحسين (ع)، يزعمون أنه سقط لما جييء بالسبي من العراق ليحمل إلى دمشق، أو طفل كان معهم بحلب دفن هنالك»[19].
وقال أيضاً: «جوشن جبل في غربي حلب، ومنه كان يُحمل النحاس الأحمر وهو معدنه، ويقال إنه بَطَل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي (ع) ونساؤه، وكانت زوجة الحسين (ع) حاملاً فأسقطت هناك، فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزاً وماء، فشتموها ومنعوها فدعت عليهم، فمن الآن من عمل فيه لا يربح»[20].
الاستنتاج
أن مدة بقاء الركب الحسيني في الكوفة كان حوالي إثني عشر يوماً، وأن الركب الحسيني خرج من الكوفة ورأس الحسين (ع) على الرمح، ومن خلفه تسير النسوة على جمال بغير وطاء، وقد حدثت جملة من الوقائع في الطريق إلى الشام، كما حصلت مشاهد مقدّسة للركب الحسيني، منها: مشهد النقطة في الموصل، وفي نصيبين، وفي حماة، وفي حلب.
الهوامش
[1] الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص338.
[2] ابن طاووس، اللهوف، ص208.
[3] المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص128، باب 39.
[4] ابن طاووس، اللهوف، ص213.
[5] المفيد، الإرشاد، ج2، ص118.
[6] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص105، رقم 28.
[7] الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج10، ص428، رقم 131.
[8] إبراهيم، 42.
[9] الشعراء، 227.
[10] نهر بدمشق، مخرجه من الزبداني.
[11] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص236.
[12] البحراني، مدينة المعاجز، ج4، ص126.
[13] ابن طاووس، اللهوف، ص208.
[14] القمّي، نفس المهموم، ص٤٢٦.
[15] القمّي، نفس المهموم، ص٤٢٦.
[16] القمّي، نفس المهموم، ص٤٢٧.
[17] الغزّي، نهر الذهب في تاريخ حلب، ج3، ص24.
[18] الغزّي، نهر الذهب في تاريخ حلب، ج3، ص24.
[19] الحموي، معجم البلدان، ج2، ص284.
[20] الحموي، معجم البلدان، ج2، ص186.
مصادر البحث
1ـ ابن الجوزي، يوسف، تذكرة الخواص، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1418 ه.
2ـ ابن طاووس، علي، اللهوف في قتلى الطفوف، قم، أنوار الهدى، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
3ـ البحراني، هاشم، مدينة المعاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر، تحقيق عزة الله المولائي الهمداني، قم، نشر مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1413 ه.
4ـ الحموي، ياقوت، معجم البلدان، بيروت، دار إحياء التراث العربي، طبعة 1399 ه.
5ـ الخوارزمي، الموفّق، مقتل الحسين (ع)، تحقيق محمّد السماوي، قم، أنوار الهدى، الطبعة الثانية، 1423 ه.
6ـ الذهبي، محمّد، سير أعلام النبلاء، بيروت، مؤسّسة الرسالة، الطبعة التاسعة، 1413 ه.
7ـ الطبري، محمّد، تاريخ الأُمم والملوك، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الرابعة، 1403 ه.
8ـ الغزّي، كامل، نهر الذهب في تاريخ حلب، حلب، دار القلم، طبعة 1419 ه.
9ـ القمّي، عباس، نفس المهموم في مصيبة سيّدنا الحسين المظلوم، قم، المكتبة الحيدرية، طبعة 1421 ه.
10ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
11ـ المفيد، محمّد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأولى، 1413 ه.
مصدر المقالة
الشاوي، علي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، قم، مركز الدراسات الإسلامية، طبعة 1421 ه.
مع تصرف بسيط.