- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
كانت المدينة المنوّرة تترقب سماع خبر أعظم حادثة وأكبر كارثة وأفضع فاجعة في العالم، كيف لا وهو خبر قتل سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين (ع)، الذي قال في حقه جده سيّد الكائنات رسول الله (ص): «حسين منّي وأنا من حسين»[1].
علم بعض أقرباء النبي (ص) وأصحابه بمصير الحسين (ع)
إن بعض أقرباء النبي (ص) وأصحابه كانوا يعلمون بمصير الإمام الحسين (ع) إجمالاً، وذلك عبر ما سمعوه عن صاحب الرسالة (ص) مباشرة أو بالواسطة، ـ فإنّهم وإن فاتهم الفوز العظيم، أو قصروا في سبيل نصرة ابن بنت نبيهم ـ ولكن ذلك لم يمنعهم أن يعيشوا في حالة من الخوف والقلق، وترقب الأحداث!
لقد قامت زوجة الرسول الكريم (ص) أم سلمة ـ التي حصلت على شرف العلم والمعرفة وأصبحت موضع سرّ الرسول (ص) ـ بدورها العظيم تجاه هذه المأساة، إذ استودعها النبي (ص) تربة من تراب كربلاء قبل مقتل الحسين بسنوات عديدة، ولقد احتفظت بها، وصار احمرارها علامة تحقق المأساة التي روت أحاديث كثيرة في هذا الشأن، كما سترى.
وروى ابن عباس بدوره عدة روايات حول هذا الموضوع، واتخذ مواقف جيدة ولا نريد بذلك توجيه عدم حضوره في كربلاء.
وثمة بعض القصائد والأشعار التي ربما نسبت إلى الجن، وإنّها وإن كانت بموضع من الإمكان بل الوقوع، فإن مصيبة قتل الحسين (ع) شملت الكون بكامله والخلائق بأجمعها، والموجودات كلها، إلا أن هناك احتمالاً آخر وهو صدورها من بعض الناس الموالين لأبي عبد الله الحسين (ع) ومحبّي أهل بيت رسول الله (ص)، أو أن بعضها كذلك، ولا ضير بأن نجمع حصول كلا الأمرين وتحققهما ـ أي صدور بعضها من الجنّ وبعضها من شيعة الإمام من الإنس ـ.
كما رويت بعض المنامات والرؤى الصادقة من أمثال أم سلمة وابن عبّاس وغيرهما تناقلها الناس وأثّرت في أوساط المجتمع الذي تهيأ لسماع خبر الفاجعة.
ولا ننسى أن الآيات السماوية والأرضية الكثيرة التي حصلت في مناطق عديدة بعد مقتل الإمام الحسين (ع) خلقت الجوّ المناسب لذلك.
وإليك – أيها القارئ الكريم – بعض النصوص التي تعالج هذا الموضوع وتبين ما جرى في هذه الفترة من الزمان.
أُمّ سلمة تعلم بمصير الإمام الحسين (ع)
فقد روى الطبراني بإسناده عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع)، عن أُمّ سلمة قالت:
«قال رسول الله (ص): يقتل حسين بن علي على رأس ستين من مهاجرتي»[2].
أُمّ سلمة ترى تربة الحسين (ع)
روى الطبراني بإسناده عن عتبة بن عبد الله بن زمعة، عن أُمّ سلمة:
«أن رسول الله (ص) اضطجع ذات يوم، فاستيقظ وهو خاثر النفس وفي يده تربة حمراء يقلبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبريل أن هذا ـ الحسين (ع) ـ يُقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها. فهذه تربتها»[3].
وروى الحاكم بإسناده عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال: أخبرتني أُمّ سلمة رضي الله عنها أن رسول الله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم، فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرّة الأولى، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام أنّ هذا ـ الحسين ـ يقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل: «أرني تربة الأرض التي يقتل بها»، فهذه تربتها[4].
وروى الطبراني بإسناده عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أُم سلمة قالت:
«كان رسول الله (ص) جالساً ذات يوم في بيتي فقال: لا يدخل عليَّ أحد، فانتظرت فدخل الحسين (ع)، فسمعت نشيج رسول الله (ص) يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي (ص) يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: إن جبرئيل كان معنا في البيت فقال: تحبّه؟
قلت: أمّا الدنيا فنعم، قال: إن أُمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل (ع) من تربتها فأراها النبي (ص)، فلما أُحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: صدق الله ورسوله أرض كرب وبلاء»[5].
وروي بإسناده عن صالح بن أريد عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت:
«قال لي رسول الله (ص): اجلسي بالباب ولا يلجنّ عليَّ أحد، فقمت بالباب إذ جاء الحسين، فذهبت أتناوله، فسبقني الغلام فدخل على جده، فقلت: يا نبي الله، جعلني الله فداك، أمرتني أن لا يلج عليك أحد، وإن ابنك جاء، فذهبت أتناوله فسبقني، فلما طال ذلك تطلعت من الباب، فوجدتك تقلب بكفيك شيئاً ودموعك تسيل، والصبي على بطنك، قال: نعم. أتاني جبريل، فأخبرني أن أُمتي يقتلونه، وأتاني بالتربة التي يقتل عليها، فهي التي أقلب بكفّي»[6].
تربة الحسين (ع) عند أُمّ سلمة
روى الطبراني بإسناده عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال:
استأذن مَلك القطر ربه عزوجل أن يزور النبي (ص)، فأذن له، فجاءه وهو في بيت أُم سلمة، فقال: يا أُم سلمة، احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد، فبينما هم على الباب إذ جاء الحسين (ع)، ففتح الباب، فجعل يتقفّز على ظهر النبي (ص)، والنبي (ص) يلثمه ويقبّله، فقال له المَلَك: تحبّه يا محمد؟ قال: نعم قال: «أما أن أُمتك ستقتله، وإن شئت أن أُريك من تربة المكان الذي يُقتل فيها، قال: فقبض من المكان الذي يُقتل فيه، فأتاه بسهلة حمراء، فأخذته أم سلمة، فجعلته في ثوبها، قال ثابت: كنا نقول: إنها كربلاء»[7].
وروى الطبراني بإسناده عن شقيق بن سلمة عن أُم سلمة قالت:
«كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يدي النبي (ص) في بيتي فنزل جبريل فقال: يا محمد، إن أُمتك تقتل ابنك هذا من بعدك – فأومأ بيده إلى الحسين (ع)- فبكى رسول الله (ص) وضمه إلى صدره، ثمّ قال رسول الله (ص): وديعة عندك هذه التربة، فشمّها رسول الله (ص) وقال: ويح كرب وبلاء.
قالت: وقال رسول الله (ص): يا أُم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل.
قال: فجعلتها أُمّ سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم»[8].
وقال الشيخ المفيد: وروي بإسناد آخر عن أُمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت:
خرج رسول الله (ص) من عندنا ذات ليلة، فغاب عنا طويلاً، ثمّ جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت: يا رسول الله، ما لي أراك شعثاً مغبراً؟! فقال: أسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلاء، فأُريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دماءهم، فها هي في يدي وبسطها إلي.
فقال: خذيها واحتفظي بها، فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة، وسددتُ رأسها واحتفظتُ به، فلما خرج الحسين (ع) من مكة متوجهاً نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وأنظر إليها، ثمّ أبكي لمصابه، فلما كان في اليوم العاشر من المحرم – وهو اليوم الذي قتل فيها ـ أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها، ثم عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط، فصمت في بيتي وبكيت وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة، فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت حتى جاء الناعي ينعاه، فحقق ما رأيت»[9].
بل المستفاد من بعض النصوص أن أُمّ سلمة كانت تحمل قارورتين من تراب الحسين (ع)، إحداهما سلّمها إليها النبي محمد (ص)، والأخرى تسلمتها من يدي الحسين (ع).
لقد روى الفقيه المحدّث القطب الراوندي أنّ الإمام الحسين (ع) لما أراد العراق قالت له أم سلمة: لا تخرج إلى العراق، فقد سمعت رسول الله (ص) يقول: «يقتل ابني الحسين بأرض العراق، وعندي تربة دفعها إلي في قارورة.
فقال: والله إني مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً، وإن أحببت أن أُريك مضجعي ومصرع أصحابي، ثم مسح بيده على وجهها، ففسح الله في بصرها حتّى أراها ذلك كله، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورة أُخرى، وقال: فإذا فاضتا دماً فاعلمي أني قد قتلت.
فقالت أُمّ سلمة: فلما كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر، فإذا هما قد فاضتا دماً.
فصاحت، ولم يقلب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلا وجد تحته دم عبيط»[10].
ويظهر من رواية الفقيه ابن حمزة عن الإمام الباقر (ع) مرسلاً ـ بعد ذكر ما يقرب من نقل الخرائج في المضمون – أنّها خلطت التربة التي أعطاها الإمام الحسين (ع) مع التربة التي كانت عندها[11].
ما سمعته أُمّ سلمة ليلة قتل الإمام الحسين (ع)
روى الخوارزمي بإسناده عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي سلمة يذكر عن أبيه عن جده عن أم سلمة قالت:
«جاء جبرئيل (ع) إلى النبي (ص) فقال: إن أمتك تقتله ـ يعني الحسين ـ بعدك، ثم قال له: ألا أريك من تربة مقتله؟ قال: نعم، فجاء بحصيات، فجعلهن رسول الله (ص) في قارورة، فلما كانت ليلة قتل الحسين (ع) قالت أُمّ سلمة: سمعت قائلاً يقول:
أيها القاتلون جهلاً حسيناً ** أبشروا بالعذاب والتنكيل
قد لُعنتم على لسان ابن داود ** وموسى وصاحب الإنجيل
قال: فبكيت وفتحت القارورة، فإذا قد حدث فيها دم»[12].
ما رأته أم سلمة في منامها
روى الترمذي بإسناده عن سلمى قالت: «دخلت على أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله (ص) – تعني في المنام – وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفاً»[13].
روى الشيخ الصدوق (ره) بإسناده عن أبي البختري وهب بن وهب عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عن أُمّ سلمة رضي الله عنها أنها أصبحت يوماً تبكي، فقيل لها: ما لكِ؟ قالت: لقد قتل ابني الحسين، وما رأيت رسول الله (ص) منذ مات إلا الليلة، فقلت: بأبي أنت وأمي، مالي أراك شاحباً؟ فقال: لم أزل منذ الليلة أحفر قبر الحسين وقبور أصحابه»[14].
أُمّ سلمة تسمع نوح الجن
روى الشيخ الصدوق (ره) بإسناده عن أُمّ سلمة – زوجة النبي (ص) ـ قالت: ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي (ص) إلا الليلة، ولا أراني إلا وقد أصبت بابني.
قالت: وجاءت الجنّية منهم:
ألا يا عين فانهملي بجهد ** فمن يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا ** إلى متجبّر في ملك عبد[15]
صراخ أُمّ سلمة وضجّة المدينة
عن ابن عباس أن أهل المدينة ـ رجالاً ونساء ـ توجهوا نحو بيت أم سلمة، بعدما سمعوا صراخها وبكاءها.
ومما يؤيد ذلك ما أورده اليعقوبي في تاريخه، قال: «وكان أوّل صارخة صرخت في المدينة أُمّ سلمة زوج النبي (ص)، كان دفع إليها قارورة فيها تربة، وقال لها: إن جبريل أعلمني أن أُمتي تقتل الحسين، وأعطاني هذه التربة، وقال لي: إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أن الحسين قد قتل، وكانت عندها، فلما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة، فلما رأتها قد صارت دماً صاحت: واحسيناه وا ابن رسول الله وتصارخت النساء من كل ناحية، حتى ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط»[16].
خلاصة الكلام
إن أم سلمة ـ بما حازت من موقع انتمائها لرسول الله (ص)، وبما نالت من موضع ائتمانها من قبل رسول الله (ص)، وبما فازت من معرفتها بآل بيت رسول الله (ص)، وبما قامت برسالتها تجاه آل الله… ـ أخذت دورها المحوري في فترة عدم حضور آل بيت المصطفى (ص) بالمدينة، وأثّرت تأثيراً بالغاً، بحيث ضجّت المدينة بصراخها ورجفت بأنينها، سلام الله ورضوانه عليها، ولعلّ عدم إجابتها لسؤال ابن عباس – في ما رواه الشيخ الطوسي – عتاب منها عليه في عدم نصرته سبط الرسول (ص)، والله العالم.
علم ابن عباس بمصير سيد الشهداء (ع)
كان ابن عباس من الذين يعلمون بمصير الإمام الحسين (ع)، فمن الطبيعي أن يكون ممن يترقب خبر استشهاده (ع).
أخرج الحاكم عن ابن عبّاس قال: «ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين (ع) يُقتل بالطف»[17].
رؤيا ابن عباس وإخباره بعض الناس
روى أحمد بإسناده عن ابن عباس قال: رأيت النبي (ص) فيما يرى النائم بنصف النهار، وهو قائم أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم، فأحصينا ذلك اليوم، فوجدوه قتل في ذلك اليوم[18].
وروى ابن عساكر بإسناده عن علي بن زيد بن جدعان قال: «استيقظ ابن عباس من نومه، فاسترجع وقال: قتل حسين والله، فقال له أصحابه: كلا، قال: رأيت رسول الله (ص) ومعه زجاجة من دم، فقال: ألا تعلم ما صنعت أُمتي من بعدي؟ قتلوا ابني الحسين وهذا دمه ودم أصحابه أرفعها إلى الله عزّوجلّ، قال: فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوماً حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل ذلك اليوم، وتلك الساعة»[19].
ما سمعه أهل المدينة
روى الشيخ الجليل ابن قولويه بإسناده عن عمرو بن عكرمة قال: أصبحنا ليلة قتل الحسين (ع) بالمدينة، فإذا مولى لنا يقول: سمعنا البارحة منادياً ينادي ويقول:
أيها القاتلون جهلاً حسينا ** أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم ** من نبي ومرسل وقبيل
قد لُعنتم على لسان ابن داود ** وذي الروح حامل الإنجيل[20]
وقال الشيخ الثقة ابن نما الحلّي (ره): ومما انفرد به النطنزي في كتاب الخصائص عن أبي ربيعة عن أبي قبيل: قيل: سُمع في الهواء بالمدينة قائل يقول:
يا من يقول بفضل آل محمد ** بلغ رسالتنا بغير تواني
قتلت شرار بني أمية سيّداً ** خير البرية ماجداً ذا شان
ابن المفضل في السماء وأرضها ** سبط النبي وهادم الأوثان
بكت المشارق والمغارب ** بعدما بكت الأنام له بكل لسان[21]
وقال ابن نما:
«وناحت عليه ـ أي على الحسين (ع) – الجنّ، وكان نفر من أصحاب النبي (ص) منهم المسوّر بن مخزمة ورجال يستمعون النوح ويبكون»[22].
ولا يخفى أن سماع الهاتف لم ينحصر بالمدينة وضواحيها، بل حصل في أمكنة شتّى وبقاع عديدة منها:
مكة وضواحيها
روى القاضي نعمان عن عبد الله بن زواق، قال: «سمعت رجلاً من الأنصار يحدث معمراً، قال: لما كان اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (ع) مرّ رجل في بعض الليل في منى، فسمع صوتاً على كبكب[23] كأنه صوت امرأة تنوح: «ابك ابكي حسينا أيما»، فأجابتها أُخرى من ثبير[24] تقول: «إبك ابكي ابن الرسول آيما».
قال الرجل: فكتبت تلك الليلة، فإذا هي الليلة التي تتلو اليوم الذي قُتل الحسين (ع)»[25].
ومنها: البصرة
قال ابن نما (ره): وروي أن هاتفاً سُمع بالبصرة ينشد ليلاً:
إن الرماح الواردات صدورها ** نحو الحسين تقاتل التنزيلا
ويهللون بأن قتلت وإنّما ** قتلوا بك التكبير والتهليلا
فكأنما قتلوا أباك محمّداً ** صلى عليه الله أو جبريلا[26]
رؤيا عامر بن سعد البجلي
أورد ابن عساكر بإسناده عن عامر بن سعد البجلي، قال: «لما قُتل الحسين بن علي رأيت رسول الله (ص) في المنام، فقال: إن رأيت البراء بن عازب فاقرأه مني السلام وأخبره أن قتلة الحسين بن علي في النار، وإن كاد الله أن يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم.
قال: فأتيت البراء، فأخبرته، فقال: صدق رسول الله (ص)، قال رسول الله (ص): من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتصوّر بي»[27].
قصة الغراب وفاطمة الصغرى بنت الحسين (ع)
روى الخوارزمي بإسناده عن المفضّل بن عمر الجعفي، سمعت جعفر بن محمد (ع) يقول: حدثني أبي محمد بن علي، حدثني أبي علي بن الحسين (ع) قال: لما قتل الحسين جاء غراب فوقع في دمه، ثم تمرّغ، ثم طار، فوقع بالمدينة على جدار دار فاطمة بنت الحسين وهي الصغرى، فرفعت رأسها إليه، فنظرته فبكت وقالت:
نعب الغراب فقلت من ** تنعاه ويلك من غراب!؟
قال الإمام فقلت من؟ ** قال: الموفّق للصواب
إن الحسين بكربلا ** بين المواضي والحراب
قلت الحسين؟ فقال لي: ** ملقى على وجه التراب
ثم استقل به الجناح ** ولم يطق ردّ الجواب
فبكيت منه بعبرة ** ترضي الإله مع الثواب
قال محمد بن علي (ع): فنعته لأهل المدينة، فقالوا: جاءت بسحر عبد المطلب، فما كان بأسرع من أن جاءهم الخبر بقتل الحسين (ع)[28].
الاستنتاج
إن بعض أقرباء النبي (ص) وأصحابه كانوا يعلمون بمصير الحسين (ع) إجمالاً، فمنهم أم سلمة حيث أراها رسول الله (ص) تربة الحسين (ع)، كما أعطاها قارورة فيها التربة، وقد سمعت ليلة قتله (ع) قائلا ينعاه، كما سمعت نوح الجن على قتله (ع)، كما رأت في منامها رسول الله (ص) شاحبا يوم قتل الحسين (ع)، فصرخت وبكت وضجة المدينة لبكائها.
وقد رأى ابن عباس يوم قتل الحسين (ع) النبي (ص) وفي يده قاروة فيها دم، وأن أهل المدينة وأهل مكة والبصرة سمعوا مناديا ينادي يوم قتل الحسين (ع)، أن عامر بن سعد البجلي رأى رسول الله (ص) في الرؤية يخبره بقتل الحسين، وأن فاطمة الصغرى بنت الحسين رأت نعي الغراب على الحسين (ع).
الهوامش
[1] ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج2، ص299.
[2] الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص110، ح2807.
[3] الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص116، ح2821.
[4] اُنظر: المتّقي الهندي، كنز العمال، ج13، ص657، ح37667.
[5] الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص115، ح2819.
[6] الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص115، ح2820.
[7] الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص112، ح2813.
[8] الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص114، ح2817.
[9] المفيد، الإرشاد، ج2، ص130.
[10] الراوندي، الخرائج والجرائح، ج1، ص253.
[11] ابن حمزة، الثاقب في المناقب، ص331، فصل 5، ح272.
[12] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص94.
[13] الترمذي، سنن الترمذي، ج5، ص657، باب 31، مناقب الحسن والحسين، ح3771.
[14] الصدوق، الأمالي، ص202، مجلس 29، ح217.
[15] الصدوق، الأمالي، ص202، مجلس 29، ح218.
[16] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص245.
[17] الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم، ج3، ص179.
[18] ابن حنبل، مسند أحمد، ج1، ص283.
[19] ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج14، ص237.
[20] ابن قولويه، كامل الزيارات، ص97، باب 29، ح10.
[21] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص95.
[22] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص107.
[23] اسم جبل خلف عرفات مشرف عليها
[24] قال الجمحي: الأثبرة أربعة: ثبير غيني.. وثبير الأعرج.. وثبير منى.. وقال نصر: ثبير من أعظم جبال مكة بينها وبين عرفة.. اُنظر: الحموي، معجم البلدان، ج2، ص85، رقم 2769.
[25] القاضي المغربي، شرح الأخبار، ج3، ص169، ح1113.
[26] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص108.
[27] ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ترجمة الإمام الحسين (ع)، ص444، ح397.
[28] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص92.
مصادر البحث
1ـ ابن حجر العسقلاني، أحمد، تهذيب التهذيب، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأُولى، 1404 ه.
2ـ ابن حمزة، محمد، الثاقب في المناقب، قم، انتشارات انصاريان، الطبعة الثالثة، 1371 ش.
3ـ ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، بيروت، مؤسّسة الرسالة، الطبعة الأُولى، 1416 ه.
4ـ ابن عساكر، علي، تاریخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، بيروت، دار الفكر، طبعة 1415 ه.
5ـ ابن قولويه، جعفر، كامل الزيارات، تحقيق جواد القيّومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
6ـ ابن نما الحلّي، محمّد، مثير الأحزان، النجف، منشورات المطبعة الحيدرية، طبعة 1369 ه.
7ـ الترمذي، محمد، سنن الترمذي، بيروت، دار الفكر، الطبعة الثانية، طبعة 1403 ه.
8ـ الحاكم النيسابوري، محمد، المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار التأصيل، طبعة 1435 ه.
9ـ الحموي، ياقوت، معجم البلدان، بيروت، دار إحياء التراث العربي، طبعة 1399 ه.
10ـ الخوارزمي، الموفّق، مقتل الحسين (ع)، تحقيق محمّد السماوي، قم، أنوار الهدى، الطبعة الثانية، 1423 ه.
11ـ الراوندي، سعيد، الخرائج والجرائح، قم، مؤسّسة الإمام المهدي (ع)، الطبعة الأُولى، 1409 ه.
12ـ الصدوق، محمّد، الأمالي، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
13ـ الطبراني، سليمان، المعجم الكبير، بيروت، دار إحياء التراث العربي، طبعة 1405 ه.
14ـ القاضي المغربي، النعمان، شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار (ع)، تحقيق محمّد الجلالي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1414 ه.
15ـ المتّقي الهندي، علي، كنز العمّال، بيروت، مؤسّسة الرسالة، طبعة 1409 ه.
16ـ المفيد، محمّد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأُولى، 1413 ه.
17ـ اليعقوبي، أحمد، تأريخ اليعقوبي، بيروت، دار صادر، بلا تاريخ.
مصدر المقالة
الشاوي، علي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، قم، مركز الدراسات الإسلامية، طبعة 1421 ه.
مع تصرف بسيط.