- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
هل الحساب والكتاب موجودان يوم القيامة؟ وما هي صحيفة الأعمال التي تطرقت إليها الآيات؟ وما هو معنى ميزان الأعمال في يوم القيامة؟ ومن هم الشهود الذين يشهدون مع أو ضد الإنسان؟ وكيفية شهادة أئمة الدين (ع)، بحوث نتطرق إليها في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الحساب والكتاب
يستفاد من القرآن الكريم أن الحساب والكتاب موجودان يوم القيامة، وهو ما اصطلح عليه في علم الكلام بـ «تطاير الكتاب». أي كما يجد الطير عشه، كذلك صحيفة الأعمال للإنسان تجد صاحبها.
ولكون البحث قرآنياً لذلك سنبحث في دلالات الآيات القرآنية الشريفة فلو أردنا الدخول في الروايات وفي خصوصيات البحث من النواحي العرفانية والفلسفية والكلامية لما وصلنا إلى نتيجة، فقد قررنا البحث في المعاد ضمن إطار الآيات القرآنية، وأن لا نلجأ إلى الروايات والاستدلالات والبراهين الفلسفية إلا عند الحاجة.
صحيفة الأعمال
للقرآن الكريم تأكيدات خاصة على صحيفة الأعمال، وسنحاول هنا البحث في الآيات التي تطرقت إلى صحيفة الأعمال لنفهم المراد منها. ورد في القرآن الكريم أن صحيفة أعمال الصالحين تعطى بيمينهم، بينما تعطى صحيفة أعمال المسيئين بشمالهم أو من الخلف إعطاء صحيفة العمل باليمين:
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ[1].
ثم يبين سبب نظافة صحيفته فيقول: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ[2].
ثم يصف القرآن الكريم حالهم في قوله تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ[3].
إنها ثمرة أعمالهم الصالحة واستقامتهم في الدنيا.
إعطاء صحيفة العمل بالشمال
تحدث القرآن الكريم عمن يُعطى القرآن كتابه بشماله في قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ القَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ[4].
نفس المعنى في سورة الإنشقاق: كذلك جاء الحديث عن صحيفة عمل الإنسان في سورة الإنشقاق حيث نقرأ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا[5].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا…[6].
نستفيد من هذه الآيات الشريفة أن شهداء الزور والمنافقين والمرائين يأتون المحشر ووجوههم مردودة على الإدبار. أولئك الذين أعطوا صحائف أعمالهم من الأقفية.
إتمام الحجة
في سورة الإسراء آية تهز من الأعماق وتنبه النفوس ولطالما تلاها علينا استاذنا العظيم وقائد الثورة (قده) في دروسه الأخلاقية، هذه الآية يُستشهد بها في البحوث الأصولية. فالله تعالى لا يحاسب قبل إتمام الحجة، وقد أتمها على الإنسان في الدنيا وسيدخله الجنة أو النار في الآخرة بناءً على حججه التامة عليه.
وَكُلَّ إِنسَانٍ الزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولَاً[7].
معنى صحيفة الأعمال
تُعطى صحيفة الأعمال يوم الحساب فما هي؟ أهي صفحة قلب الإنسان؟ بعض الآيات الشريفة تشير إلى هذا المعنى باعتبار أن هوية الإنسان هي صحيفة أعماله ذاتها. أهي أعمال الإنسان التي أحاطت به؟ بعض الآيات الشريفة تشير إلى هذا المعنى أيضاً، أهي خلاصة الحساب؟ نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى:
مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[8].
فتكون صحيفة الأعمال خلاصة لما يكتبه الملكان الموكلان بالإنسان والتي تعطى له يوم الحساب.
إن الآيات الشريفة تدل على المعاني الثلاثة، لهذا تكون صحيفة الأعمال ثلاثة أمور:
١- صفحة النفس الإنسانية
وهي نفس صحيفة الأعمال التي تظهر فيها حقيقة الإنسان وسرائره.
هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ[9].
ورد في تعبير آخر في سورة المطففين لصحيفة الأعمال في قوله سبحانه وتعالى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ * كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ[10].
(كلّا) هنا تحقيقية، معناها: يقينا صحيفة أعمال المجرمين في جهنم، يعني صحائف أعمالهم هي صفحات قلوبهم وهذه أصبحت جهنمية، فصحيفة الأعمال هي هوية الإنسان.
يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ [11].
ففي ذلك اليوم يعرف الأفراد بسيماهم، أيهم من أهل النار وأيهم ليسوا من أهلها.
٢- تجسم الأعمال
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ[12].
فالجنان نتيجة الأعمال الصالحة التي رأتها الملائكة الموكلة وهي الأعمال التي بيضت صحيفة عمل الإنسان. وفي سورة الكهف أيضاً جاءت صحيفة الأعمال بمعنى تجسم الأعمال:
وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[13].
فالمكان الموكلان يكتبان كل صغيرة وكبيرة، فهما لا يغفلان عن شيء من أول العمر حتى آخره، كاتبين كل شيء بلا استثناء.
آية أخرى بنفس المعنى: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا[14].
يعني سيجدون كل ما عملوه في الدنيا حاضراً أمامهم غداً، بشكل يكون الإنسان في الآخرة محاطاً بأعماله. وقد خوف الله تعالى في القرآن الكريم عباده وحذرهم من عواقب المعاصي والذنوب لما بين لهم إحاطة أعمالهم بهم يوم الحساب فلو ارتكبتم سوءاً، ستبتلون بعذاب يكون فيه لسان حالكم: يا ليت بيننا وبين أعمالنا بعد المشرقين.
خلاصة الحساب
خلاصة الحساب هو المعنى الآخر لصحيفة الأعمال.
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا اليَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[15].
المطلب الثاني: الميزان في يوم القيامة
يُخبر القرآن الكريم عن وجود ميزان لوزن الأعمال في يوم الحساب، فمن ثقلت أعماله الصالحة فهو من أصحاب الجنة، ومن خفت أعماله الصالحة فهو من أصحاب الجحيم.
وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم…[16].
قال الله تعالى في سورة الأنبياء عن موازين القسط في يوم القيامة: وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ[17].
هناك الكثير من الآيات المشابهة لهاتين: فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ[18].
التناسب بين الميزان والموزون
ميزان الشيء يتناسب معه، فوزن مواد كالقمح والشعير تقاس بوحدة الثقل، أما الذهب فيكال بمكيال دقيق جداً يسمى (القيراط). وهكذا بالنسبة البقية المواد والأشياء.
ثقل الشيء يتناسب مع نفسه: كذلك فإن ثقل وخفة كل شيء أو موضوع تتناسب ونفس ذلك الشيء أو الموضوع. ففي الأمور المادية يكون ثقل وخفة الحنطة والشعير متناسبة معها، وحين يقال قطعة قماش ثقيلة فلا يقصد وزنها، بل متانة موادها. ولما ينعت مثقال الماس بالثقل فالمراد كثرة جودته وقيمته تماماً كما يطلق على من كان واسع الصدر، وذو أخلاق سامية، بالإنسان الكبير، فالكبر يعني الشرف والسيرة المعنوية والإنسانية. لهذا يكون ثقل كل شيء متناسباً مع نفسه،
وحينا يكون المقصود بثقل الشيء أو خفته الكمية وحيناً آخر الكيفية.
معنى ميزان الأعمال
ليس المراد بميزان الأعمال في يوم القيامة المعنى الاصطلاحي والمتبادر إلى الذهن، أي الموازين الدائرة بيننا من ذي الكفتين والقبان وغيرهما، ولا يقاس ثقل وخفة السيء أو الأعمال بكميتها، بل للميزان يوم القيامة مصاديق مختلفة وهي:
۱- ميزان الهوية
هوية الإنسان ميزان لأعماله، ووحدة قياس للثقل أو الخفة يوم القيامة.. فإذا ورد الإنسان صف المحشر تحفه الملائكة من كل صوب، ويسير تحت لواء مولى الموحدين أمير المؤمنين (ع)، ووجهه يضيء كالبدر التمام،
فميزان أعمال وهوية هذا الإنسان يشهدان على أنه من أصحاب الجنة. أما من يرد صف المحشر بشكل عقرب، والسلاسل تطوق عنقه والأغلال تقيد رجليه، نفس هذه الهيئة أو الهوية هي ميزان أعماله. إذن المقصود بالثقل هنا العزة والكرامة، وبالخفة الضعة والخسة.
۲- ميزان تجسيم الأعمال
تجسم الأعمال بالمعنى الثاني ميزان للإنسان، أي أن أعمال الإنسان تكون ميزاناً له يوم القيامة. فالعمل بذاته هو إما ثقيل أو خفيف. كما الدرة المتلألئة يكون ذاتها ثقيلاً. أما الحجارة فذاتها خفيفة لا قيمة لها. لذا حين يصل الصالحون صحراء المحشر تدلّ أعمالهم الصالحة المتجسمة صوراً جميلة على أنهم من أصحاب الجنة، فهي خير ميزان لفرز الصالح عن الطالح. لكن المجرمين يحشرون وقد أحاطت بهم أعمالهم السيئة المتجسمة صورا بشعة، دماء، ثعابين، حشرات ووحوش.
إذن تجسم الأعمال ميزان حاسم.
3- میزان صحيفة العمل
صحيفة أعمال الإنسان هي الميزان الثالث. ففي ذلك اليوم تسلّم خلاصة أعمال الناس إليهم، وهذا خير ميزان. فمن أوتي كتاب أعماله بيمينه كان من الفائزين وأصحاب الجنة. ومن أوتي كتاب أعماله بشماله كان من أصحاب النار. فما يؤدي بالإنسان إلى النار هو خفة صحيفة أعماله، وما يجعله من أصحاب الجنة هو ثقل تلك الصحيفة، أو بعبارة أخرى كون صحيفة الأعمال بشمال الإنسان دليل على خسارته، وكونها بيمينه دليل على فوزه.
4- ميزان الإمام علي (ع)
يعتبر الإمام علي ابن أبي طالب (ع) هو الميزان الرابع، حيث أكدت كثير من الروايات على ذلك. ففي زيارته (ع) نقرأ: (السلام عليك يا ميزان الأعمال)[19].
وجاء في روايات أخرى أن الأنبياء والأوصياء (ع) هم الموازين القسط: إن الموازين القسط هم الأنبياء والأوصياء[20].
وجاء في أخرى: سألت أبا عبد الله الصادق (ع) عن قوله سبحانه وتعالى: وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا، قال (ع): هم الأنبياء والأوصياء[21].
بديهي أن الميزان هو العمل برأي أئمة الدين (ع)، والسير على خطاهم والتخلق بأخلاقهم والتمسك بولايتهم وعشق وجودهم المبارك. فلو لم يعرف الإنسان أولئك العظماء ولم يثبت على طاعتهم في الدنيا لما كان من المهتدين في الآخرة، لحظة ميزانه.
ومن تمسك بهم فقد تمسك بالله تعالى. ومن ابتعد عنهم فقد ابتعد عنه تعالى. فالبعد عنهم يسبب خفة الميزان، والقرب منهم يسبب ثقله. إذن الإمام علي (ع) ميزان الأعمال، فيحضر الإنسان يوم القيامة إلى صف المحشر، وتوزن أعماله بعلي (ع)، فلو تناسبت أعماله وأقواله وأفكاره مع أعمال وأقوال وأفكار علي (ع)، كان من أصحاب الجنة، وإلا فهو من أصحاب النار.
فأمير المؤمنين علي (ع) ميزان الحق والباطل، لأن القرآن يميّز الحق من الباطل وعلي هو القرآن الناطق.
ويظهر من القرآن الكريم الذي ذكر الميزان بصيغة الجمع وَنَضَعُ المَوَازِينَ…[22] أن موازيناً وليس ميزاناً واحداً سيوزن بها أعمال الناس يوم القيامة. كذلك يستدل على تعدد الموازين من استعمال الخفة والثقل بصيغة الجمع أيضاً: فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ[23] إذن فهوية الإنسان، وصحيفة أعماله، وتجسم الأعمال، وأمير المؤمنين (ع) هي الموازين القسط للأعمال.
المطلب الثالث: شهادة الشهود وحال العباد
تؤكد الآيات القرآنية الشريفة وروايات أهل البيت (ع) عن وجود أكثر من عشرة شهود يوم القيامة يشهدون مع أو ضد الإنسان. هنا سنشير إلى ثلاث مجاميع من الشهود تتمتع بأهمية أكبر من غيرها.
1- أعضاء وجوارح الإنسان
نقرأ في القرآن الكريم أن أعضاء وجوارح الإنسان تشهد ضده يوم القيامة. فحين ينكر المجرمون أعمالهم السيئة التي ارتكبوها في الدنيا، وأمام الله تعالى، ولا يعبأون لصور أعمالهم المتجسمة، ينطق الله تعالى أعضائهم وجوارحهم لتشهد عليهم.
اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[24].
في هذه الآية الشريفة ذكرت الأيدي والأرجل من باب المثال، وإلا فإن جميع الأعضاء والجوارح تشهد ضد الإنسان كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[25].
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولَاً[26].
تفيد الآيات الشريفة السابقة أن أعضاء الإنسان، كالعين والأذن والجلد، تشهد أيضاً ضده، وأشير في الآية الأخيرة إلى مسؤولية «الفؤاد» في معصية باقي الجوارح. وهذا يعني أن هوية الإنسان وشخصيته ستشهد ضده، وسيشهد القلب على أفكاره الضالة وعقائده المنحرفة والخرافية. وهي الشهادة الأصعب.
تذكرة
تدبروا في هذه الآيات المباركة، واعلموا أن عقائدنا ستشهد علينا «أي ضدنا» يوم القيامة، فاحذروا من المبادرة إلى عمل أو التفوه بحديث دون تفكير مسبق.
٢- الملائكة
كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ[27].
سيكون الأمر عسيراً لو كان المقصود بـ «المقربون» الملكين (رقيب) و(عتيد)، فالروايات تحدثت عن وضع الإنسان الدائم تحت مراقبة الملكين يتغير ان كل يوم، بحيث لا يوكلان عليه أكثر من مرة طول عمره، ومن هنا تأتي صعوبة الأمر حيث سيزدحم الشهود ضده يوم القيامة.
٣- أئمة الدين (ع)
مجموعة الشهود الثالثة والأهم من السابقين هم الأئمة الأطهار (ع)، والذين سيشهدون معنا أو ضدنا. ومن شهد أئمة الدين (ع) ضده فهو أخسر الخاسرين.
قال الإمام جعفر الصادق (ع): ويل لمن كان شفعاؤه خصماؤه.
حقاً أنه أمر صعب لا يمكن تحمله.
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا[28].
للآية الشريفة معنيان:
الأول: جعلناكم أمة وسطا بتخللكم بين طرفي الإفراط والتفريط، لتشهدوا على أعمال الناس ولتهتدي سائر الأمم بدينكم ولتكونوا لهم أمثالاً في الفضائل والأخلاق الإنسانية، كما كان الرسول عليكم شهيداً ليكون لكم المثل الأكمل.
الثاني: وهو معنى باطني، وهو الشهادة على الأعمال في يوم القيامة، على هذا يكون معنى الآية إن الله تعالى يخاطب الأئمة المعصومين (ع) بأنه خلقهم معصومين دون إفراط أو تفريط ليشهدوا على أعمال الخلق يوم القيامة[29].
كيفية شهادة أئمة الدين (ع)
تبين لنا مما سبق أن الأئمة المعصومين (ع)، سيشهدون مع أو ضد الإنسان يوم القيامة. وأن لأئمة الدين نحواً من الشهود على جميع عالم الوجود. فكل العالم الآن، ونحن منه – في المحضر المقدس لإمام العصر (ع). فهو شاهد على أقوالنا وأفعالنا، بل أكثر من ذلك، شاهد على نياتنا وخطرات قلوبنا، فكما ذكرنا سابقاً أن شهادة الأئمة (ع) في ذلك العالم تتطلب اطلاعاً وبصيرة بأعمالنا ونياتنا في هذا العالم. فكيف يمكن الشهادة على خواطر قلوب لم يطلعوا عليها.
الشهداء الآخرون
الزمان والمكان وحتى الشيطان هم من شهداء يوم القيامة. فكما نقل القرآن الكريم عن الشيطان أنه يقول لا تلوموني بل لوموا أنفسكم، فلم يكن لي عليكم سلطان وإنَّما وسوستُ في قلوبكم فقط، وكان من نتائج هذا الوسواس دعوات ( ١٢٤) ألف نبي، والأئمة الطاهرين (ع) إلى الصراط المستقيم.
حال الإنسان بعد الحساب
بعد الحساب والكتاب والميزان والشهادة يمتاز أصحاب الجنة عن أصحاب النار، ويتوجه كل فريق إلى مقره، وقد شرح القرآن الكريم في آخر سورة الزمر وفي سورة الحديد حال كلا الفريقين وهما في طريقهما إلى مقرهما. فالمؤمن يشع نوراً وهو يتجه إلى الجنة، وهذا النور هو أثر أعماله الصالحة في الدنيا، كما أن الملائكة تستقبله مرحبة، محيطة ومحتفية به.
أما أصحاب النار، فهم بؤساء أثناء طريقهم إلى جهنم، لا يجدون غير الظلام، لأن أعمالهم الدنيوية السيئة لا تنير لهم الدرب.
يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ[30].
جسر الصراط
يقول الشيخ الصدوق (ره) في كتابه «الاعتقادات»: نحن الشيعة نعتقد بوجود جسر فوق جهنم ما من أحد إلا ويعبر منه.
وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا[31].
ما المراد من هذا الجسر؟
لعل المراد هو أن من عبروا في الدنيا جسر النفس الأمارة بالسوء، وبلغوا مرتبة الإنسانية سيتمكنون هناك أيضاً من عبور جسر جهنم ليصلوا إلى أعلى عليين – لكن الذين لم يقدروا على هذا العبور وسقطوا في النار المحرقة للنفس الأمارة، سوف لن يستطيعوا بالتأكيد عبور جسر القيامة وسيسقطون بنار جهنم، إذن فالأخرة هي باطن الدنيا، ستظهر الحقائق بها، فتكون حقيقة جسر النفس الأمارة هو جسر صراط الآخرة. «الصراط» لغة يعني الطريق، وفي اصطلاحنا الطريق إلى الجنة.
كيفية عبور أصحاب الجنة من الصراط
نقرأ في بعض الروايات أن بعض الناس يعبرون جسر الصراط كلمع البرق، بعضهم كمر الريح، وآخرين كراكبي الخيل، وبعضهم كالمواشي، أو يتعثرون في سيرهم، حتى يصلون إلى الجنة. هؤلاء كلهم من أصحاب الجنة. فالتابعين في الدنيا لأمير المؤمنين والأئمة الأطهار (ع) والواضعين طوق العبودية في أعناقهم، يعبرون الصراط كلمع البرق وينالون ما وعدهم به ربهم سريعاً، والآخرون يعبرون بسرع متفاوتة، وصعوبات مختلفة تتناسب مع أعمالهم الصالحة وتمسكهم بأئمتهم (ع).
الكافرون لا يدخلون الجنة
لكن هذا الجسر يكون بالنسبة لأصحاب النار أدق من الشعرة وأحد من السيف[32]. وربما يكون المراد من هذه العبارة أن حال الكفار سيكون يوم القيامة بشكل لا يقدرون فيه على عبور الصراط: وَلَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ[33].
فيمكن القول أن الكافرين والمذنبين والظالمين والأفاكين ومشيعي الفواحش… الخ سوف لن يقدروا على اجتياز الصراط، فيتردون في أعماق الجحيم.
المعنى الآخر للصراط
وحسب رواية أخرى فإن الصراط هم المعصومون (ع) ومعناه أن كل من عرفهم واتبعهم وتمسك بولايتهم سيهتدي إلى صراط الله المستقيم.
ومن هدي في الدنيا إلى الصراط المستقيم من الطبيعي أن يجتاز جسر الصراط بسهولة، والإمام أمير المؤمنين (ع) يشير إلى هذا المعنى: إنا صراط الله المستقيم وعروته الوثقى التي لا انفصام لها[34].
فالطريق إلى الله تبارك وتعالى والسبب في اجتياز الصراط بسرعة وسهولة هو معرفة الأئمة (ع) والتمسك بولايتهم.
الاستنتاج
أن الحساب والكتاب كما يستفاد من القرآن موجودان يوم القيامة، وأن صحيفة أعمال الصالحين تعطى بيمينهم، بينما تعطى صحيفة أعمال المسيئين بشمالهم أو من الخلف، وأن القرآن يخبر عن وجود ميزان لوزن الأعمال في يوم الحساب، كما أن الآيات والروايات تؤكد عن وجود أكثر من عشرة شهود يوم القيامة يشهدون مع أو ضد الإنسان، منها: أعضاء وجوارح الإنسان، الملائكة، أئمة الدين (ع)، والزمان والمكان وحتى الشيطان هم من شهداء يوم القيامة، وبعد الحساب والكتاب والميزان والشهادة يمتاز أصحاب الجنة عن أصحاب النار، ويتوجه كل فريق إلى مقره.
الهوامش
[1] الحاقة، ۱۹.
[2] الحاقة، ٢٠.
[3] الحاقة، ٢١ – ٢٤.
[4] الحاقة، ٢٥ – ٢٩.
[5] الإنشقاق، ۷ – ۹.
[6] النساء، ٤٧.
[7] الإسراء، ١٣ – ١٥.
[8] ق، ۱۸. رقيب وعتيد ملكان يرافقان الإنسان دائماً أحدهما على كتفه الأيمن والثاني على الأيسر يكتبان كل أعمال الإنسان.
[9] يونس، ۳۰.
[10] المطففين، ٦- ٧.
[11] الرحمن، ٤١.
[12] المطففين، ۱۸ – ۲۱.
[13] الكهف، ٤٩.
[14] الكهف، ٤٩.
[15] الجاثية، ۲۸.
[16] الأعراف، ۸-۹.
[17] الأنبياء، ٤٧.
[18] القارعة، ٦ – ١١، الهاوية اسم إحدى طبقات جهنم.
[19] جاء في الروايات أن أمير المؤمنين (ع) والأئمة الطاهرين هم الموازين القسط، قال الصادق (ع): نحن الموازين القسط، الفيض الكاشاني، علم اليقين، ج٢، ص٥٤٤.
[20] الفيض الكاشاني، علم اليقين، ج٢، ص٥٤٤.
[21] الفيض الكاشاني، علم اليقين، ج٢، ص٥٤٤.
[22] الأنبياء، ٤٧.
[23] القارعة، ٦.
[24] يس، ٦٥.
[25] فصلت، ۲۰ – ۲۱.
[26] الإسراء، ٣٦.
[27] المطففين، ۲۰ – ۲۱.
[28] البقرة، ١٤٣.
[29] وردت روايات كثيرة عن الأئمة الطاهرين (ع) تقول: نحن شهداء الناس. عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (ع): في قوله تبارك وتعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس... قال (ع): نحن الشهداء على على الناس بما عندهم من الحلال والحرام، وبما ضيعوا منه، الحويزي، تفسير نور الثقلين، ج١، ص١٣٤.
[30] الحديد، ۱۲ – ۱۳.
[31] مريم، ۷۱.
[32] الصدوق، الاعتقادات، ص104.
[33] الأعراف، ٤٠.
[34] الصدوق، الاعتقادات، ص153. قال مولانا جعفر الصادق (ع) سئل عن الصراط فقال: وهو الطريق إلى معرفة الله عز وجل وهما صراطان، صراط الدنيا وصراط الآخرة، فأما صراط الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم.
مصادر البحث
1ـ الحويزي، عبد علي، تفسير نور الثقلين، قم، مؤسّسة إسماعليان، الطبعة الرابعة، 1412 ه.
2ـ الصدوق، محمّد، الاعتقادات في دين الإمامية، تحقيق عصام عبد سيّد، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ه.
3ـ الفيض الكاشاني، محمّد محسن، علم اليقين في أُصول الدين، تحقيق محسن بيدار فر، قم، انتشارات بيدار، الطبعة الأُولى، 1418 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
المظاهري، حسين، المعاد في القرآن، ترجمة وتحقيق لجنة الهدى، بيروت، دار ومكتبة الرسول الأكرم (ص)، الطبعة الأُولى، 1412 ه.