- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
هل وضع الإسلام قواعد وضوابط لتربية الطفل؟ وما هو أهم واجبات الزوجين في داخل أسرتهما، ومن المناهج التربوية العامة في العلاقات الأسرية هو: الاتفاق على منهج مشترك، ومراعاة الحقوق والواجبات، وتجنب إثارة المشاكل والخلافات، والتحذير من الطلاق.
تنشئة الطفل في الإسلام
يعتبر الإسلام الأسرة المؤسسة الأولى والأكثر أهمية بين مؤسسات المجتمع المختلفة، والتي تعمل على إعداد الأبناء وتعليمهم لدخول الحياة ويصبحوا أشخاصا فاعلين في بناء مجتمع صالح، والأسرة هي نقطة الانطلاق التي في العقل، وقلب الطفل، لأنه يؤثر على جميع مراحل حياته.
وضع الإسلام قواعد وضوابط لتربية الطفل، والتنشئة الصحيحة والصحية التي توازن بين الجوانب السلوكية والعاطفية والفكرية والفردية، وكذلك الحفاظ على أساس الأسرة ومؤسستها، وتجنب الخلط في العلاقات الأسرية التي تؤدي إليها فقدان الأبناء وعدم استقرارهم العقلي والارتباك في حاضرهم ومستقبلهم.
بدأ الإسلام مع الأبناء من مراحل العلاقة الزوجية الأولى، والانتقال إلى الولادة، والحضانة ومرحلة ما قبل البلوغ، وانتهى باستقلال الذات وتحسين الذات ويعتمد على نفسه.
والذات الطفل ونفسيته تتحسن من خلال زرع المودة وتنميتها بين الزوجين والريحان عموما قال سبحانه وتعالى: وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً[1]، الكلمة المفتاح الثانية لسعادة الزوجين في القرآن الكريم هي المودة.
من أهم واجبات الزوجين أن يشيعا الاستقرار والود والأمان في داخل أسرتهم، فالعلاقات الزوجية والعلاقات الأسرية يجب أن تقوم على المودة والرحمة، ويجب أن تكون مسلكا لتهدئة النفوس وهدوء الأعصاب واطمئنان الروح، واستمرار كيان الأسرة الموحد، وبالتالي التعاون والاحترام بين أفراد الأسرة والعمل على حل المشاكل وتجاوز الصعوبات والعوائق التي تعصف بالأسرة، وهذا مهم وضروري لتوازن الطفل الانفعالي، وهذه المودة يجب أن تدوم في كافة مراحل نموالأطفال مرحلة ما قبل الولادة وما يليها من مراحل.
وقد أوصى أهل البيت في أقوالهم بالإحسان إلى المرأة كعامل من عوامل سواد الرحمة والمودة، والزوجة دائما ما تكون بحاجة للاستقرار العاطفي والاطمئنان في مرحلتي الحمل والرضاعة لما لذلك من أثر على الجنين وعلى الطفل في مرحلة الرضاعة.
المنهج التربوي العام في العلاقات الأسرية
تلعب العلاقات الأسرية دورا رئيسيا في تقوية الروابط الأسرية وزيادة التماسك بين أفرادها، لأن هذه العلاقات لها تأثير على نموالأطفال وتنشئتهم، وقد ركز أهل البيت (ع) فيما يتعلق باستمرارية العلاقات الرومانسية والحب في الأسرة ونصائحهم للرجال والنساء قال رسول الله (ص): خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي[2].
كما أن الجو الفكري والنفسي والعاطفي الذي تخلقه الأسرة بين أطفالها يمنحهم القدرة على التأقلم والتكيف مع أنفسهم ومع الأسرة والمجتمع، وبناء على ذلك فالأسرة بحاجة إلى منهج تربوي لتنظيم مسيرتها، وتوزيع الواجبات والأدوار وتحديد اختصاص كل طرف للمحافظة على تماسكها، ويمكن تحديد معالم هذا المنهج التربوي بما يلي:
1ـ الاتفاق على منهج مشترك
للمنهج المعتمد تأثير كبير على سلوك الطفل، لأنه يحول إيمان الطفل ومشاعره إلى سلوك رائع ويحوله إلى عادة صلبة ومستمرة، بحيث يتماشى هذا السلوك مع ما تحتويه البرامج والتعاليم.
ويبقى فيه يؤدي النهج المتكامل إلى سلوك واحد، لأنه التوازن والمعيار الذي يتم من خلاله تقييم السلوك، من حيث المسافة أو القرب من البرامج والتعليمات المصاغة، وبالتالي يجب على الآباء العمل على نهج مشترك يجدد الاتفاق الواجبات والعلاقات والأدوار في جميع جوانب الحياة، إن المنهج الإسلامي بقواعد ثابتة هو أفضل منهج يجب على الأسرة المسلمة أن تتبناه، لأن هذا هوالنهج الإلهي الذي وضع فيه الله تعالى، وجميع القواعد والتعليمات السلوكية تستمد فعاليتها وقوتها من الله تعالى الذي يحمل أن تكون مقتنعا بهذا النهج والعمل بناء على مبادئها… صحية وآمنة.
2ـ مراعاة الحقوق والواجبات
وضح الإسلام حقوق وواجبات كل من الزوجين، وأشار إلى أن مراعاتها كفيلة بضمان الاستقرار والأمان في داخل الأسرة، وأن تقيد الزوجين بحقوقهم وواجباتهم يساهم في تمتين أواصر العلاقات وينفي المشاحنات والتوتر المحتمل، والتي يمكن أن تؤثر سلبا على سلوك الطفل وعلى نفسيته.
3ـ تجنب إثارة المشاكل والخلافات
يؤدي وجود المشاكل والخلافات في الأسرة إلى وجود أجواء مشحونة ومتوترة تضعف استقرار الأسرة وتماسكها، وتؤدي الانفصام العلاقة بين الزوجين، وقال الإمام جعفر الصادق (ع): رحم الله عبدا أحسن فيما بينه وبين زوجته[3].
كما أنه يسبب القلق لدى الأطفال لأنه يؤثر على استقرارهم وتوازنهم العاطفي في جميع مراحل نموهم ويؤثر على شخصيتهم ومستقبلهم. احتكاك بين الزوجين وجو عائلي متوتر يؤثر سلبا على نفسية الطفل الأمان.
لقد أوجد الإسلام نهجا متكاملا لحلها وكيفية التعامل معها وإنهائها من أجل تقليل التوترات والخلافات وتقليل أضرارها العقلية والنفسية.
4ـ التحذير من الطلاق
وقد حذر الإسلام بنهجه من الطلاق وفسخ العلاقة بين الزوجين لما له من آثار سلبية على المجتمع والطفل، والطلاق من أسباب قلق الطفل واضطرابات سلوكية وعاطفية ونفسية الاضطراب والقلق وزيادة الخوف وعدم الاستقرار العاطفي ونتيجة لذلك انهيار الأسرة، وقد قال الإمام جعفر الصادق (ع): ما من شيء مما أحله الله عز وجل أبغض إليه من الطلاق وإن الله يبغض المطلاق الذواق[4].
مراحل نمو الطفل
لقد أولى الإسلام اهتماماً كبيراً برعاية الطفل واهتم بصحته الجسدية والعقلية قبل ولادته من خلال إعداد إطار مناسب للأسرة وتجهيز الطفل بالعوامل التي تحميه من الضعف العقلي والجسدي. بدءًا من اختيار الزوج، مرورا بمرحلة الجنين، لأن هذه المرحلة تلعب دورا أساسيا في مستقبل وسلوك الطفل، يمكن تحديد معالم هذه المرحلة على النحو التالي:
أـ مرحلة ما قبل الاقتران
لقد أثبت الواقع العلمي والاجتماعي تأثير الوراثة والبيئة الاجتماعية في تربية الطفل وتنشئته بدراسات مستفيضة وأوضح انعكاس الوراثة والبيئة في جميع الجوانب النفسية والجسدية أو من الممكن أن يكون الأبناء مهيئين لتحمل هذه الصفات، كما أن للعادات والتقاليد تأثير وانعكاس نتيجة تكرار الأفعال، ولذلك فقد أكد الإسلام على اختيار الزوج لبعضهما البعض لتكوين أسرة وتنشئة جيدة.. الأبناء في بيئة صحية صالحة ولا يهتمون بالتربية الأخلاقية والأفضل، فهم عادة مثل أمهم، أخلاقهم فاسدة مثلها.
انتقاء الزوجة
وقد اعتبر الإسلام الجانب الوراثي والجانب الاجتماعي لها وانعكاس هذين البعدين في حياتها وسلوكها في التعليمات التي وضعها لاختيار الزوجة، والاهتمام بالبيئة الاجتماعية للمرأة هو السبب في ذلك تأثيره لسلوكها الجيد وبيئتها السيئة آثار سلبية على الأسرة والأطفال، والتزام المرأة بدينها واهتمامها بالتعليم الديني للأطفال بنهج إسلامي صحيح.
انتقاء الزوج
للزوج الدور الأهم في تربية الأبناء وإعدادهم الذهبي والنفسي، ولذلك فقد أكد الإسلام على اختيار الزوج وفق معايير الإسلام، بما في ذلك الوراثة والبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها الرجل وخصائصه.. لأنه نموذج لأبنائه وتنعكس صفاته وأخلاقه فيهم، وتكتسب زوجته بعضا من أخلاقه وصفاته بالعيش مع رسول الله (ص) تشير الأسرة إلى اختيار الزوج المناسب بقوله: (الكفؤ أن يكون عفيفا وعنده يسار)[5].
ومعنى الكفؤ: الإنسان الذي ينحدر من سلالة صالحة وصالح، وذو أخلاق عالية ودين، كما حذر الإسلام من الزواج بمختل عقلياً وجعل التدين مقياسا لاختيار الزوج المناسب، وعلى الاسلام عن الزواج من غير مسلم لما له من أثر على أمن الأسرة وأمن الأبناء وسلامة الإيمان بالسلوك والمظاهر النفسية والروحية لأن الأبناء والزوجة يتأثرون بمفاهيم وسلوكيات الأسرة وغير المسلم يخرج سلوكهم عن المنهج الإسلامي، فإنه لا يجعل الحياة الأسرية مستقرة وسلمية، ويجب أن ينشأ الأطفال في بيئة صحية تضمن لهم الصحة العقلية والنفسية والاستقرار المادي.
ب ـ العلاقة قبل الحمل وتكوين الطفل
الإسلام بعد اختيار الزوجة في مقياس ومبادئ الشريعة الإسلامية، يتبع تدرجه مع الطفل في جميع المراحل، ولكل مرحلة قواعد وأسس معينة للتربية الصالحة ويجب العمل بها، ويطالب الإسلام بربط الزوج والزوجة بالمقاييس والقيم التي نشأت في النهج الإلهي لهذه القيم.
بحيث لا تكون العلاقة الزوجية مجرد علاقة جسدية، بل علاقة بين روحين تقوم على المحبة والرحمة، وذلك لضمان بيئة سلمية مليئة بالحب واللطف والرحمة للأطفال تبدأ من النطفة التي هي مادة حاملة للفعلية القريبة الواقعة على طريقه إلى تكوين طفل حقيقي.
مرحلة الحمل
1ـ انعقاد الجنين
لقد حدد الإسلام برنامجاً بسيطاً وسهلاً غير مكلف وشديد على الصحة العقلية والبدنية للجنين، كما حذر رسول الله (ص) من البدء في أوقات معينة، وهو ممنوع ومكروه؛ لأن له سلبيا تأثير ويوصي بصحة الجنين وصحته العقلية والجسدية، ويأمر الإسلام بالكثير من الأذكار والتسمية قبل وبعد مباشرة واتباع الأساليب التي تعمق أواصر الصداقة والحب، مثل العناق والتقبيل وكلمات الحب.
2ـ المحيط الأول للطفل
يعتبر رحم الأم البيئة الأولى التي يتشكل فيها الإنسان، وهذه البيئة لها آثارها السلبية والإيجابية على الجنين، لأن الرحم هو الإطار الذي ينمو فيه الجنين وينمو، ويعتبر الحنين أيضا جزءا منه… تتأثر الأم بكافة الظروف التي تصيبها، وقد أظهرت الدراسات أن الجنين يتأثر وتطوره العقلي والحالة الجسدية للأم وحالتها والاضطرابات العصبية التي تعاني منها المرأة أثناء الحمل.
كما أن الجنين يكون أكثر متوترة ومن هنا ندرك أهمية رعاية الأم أثناء الحمل وعدم إزعاجها وإبعادها عن الأفكار والهموم والحفاظ على الاستقرار والسلام والاعتناء بتغدية الأم وصحتها النفسية وعلاجها بلطف.
مرحلة ما بعد الولادة
هي المرحلة التي تأتي بعد الحمل مباشرة وهي البيئة الاجتماعية الأولى للطفل وهي أساس تكوين الطفل عقلياً وجسدياً واجتماعياً وتلعب دوراً حاسماً في تكوين النضج العاطفي والتوازن العاطفي، وقد أولى الإسلام عناية خاصة للطفل في هذه المرحلة، وهذه الرعاية على النحو التالي:
1ـ مراسيم الولادة
وهي تبدأ من اليوم الأول لولادة الطفل حتى اليوم السابع من ولادته حفاظاً على صحته وسلامته حتى يتلو الوالدان اسم الله تعالى على الطفل في البداية، وقد قال رسول الله (ص): من ولد له مولود فليؤذن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليقم في اليسرى فإنها عصمة من الشيطان الرحيم[6]، عصمة الشيطان تحمي الطفل بمنع الانحراف وتقوية الإرادة.
كما يستحب تسمية الولد بأسماء حسنة وحسنة، ومن مراسم الولادة العقيقة، أي ذبح شاة بهذه المناسبة، والعقيقة تزيل الخطر عن الطفل وتمنعه من الشدائد، ولها آثار نفسية إيجابية على الطفل عندما يكبر ويدرك أن والديه يعتنون به عند الولادة، كما أن الختان من طقوس الولادة.
2ـ التركيز على حليب الأم
يعتبر الحليب أهم مصدر تغذية للطفل عند الولادة وفي الأشهر الأولى، ولبن الأم هو أفضل حليب للطفل، لأن الرضاعة الطبيعية لها العديد من الآثار الإيجابية على الجانب العاطفي بين الأم والطفل، فالأم هي التي تضفي على طفلها الدفء واللطف والحنان بفضل غريزة الأمومة والاندفاع التي تولدها، وتقوي الرضاعة أواصر المحبة والمودة بين الأم وطفلها الطفل سعيد وغير متوتر، ومن الناحية العلمية، فإن لبن الأم هو أفضل أنواع الحليب للطفل، إلا في الحالات الاستثنائية التي تمنع إتمام الرضاعة الطبيعية، مثل قلة حليب الأم أو الوفاة أو المرض أو الطلاق يتم تقوية روابط المودة بين الطفل وأمه من خلال الرضاعة الطبيعية، بحيث يكون الطفل أقل توتراً وأكثر هدوءاً وسعادة.
وأكد أهل البيت (ع): أن اختيار المرضعة يجب أن يكون مناسباً جسدياً ونفسياً للطفل، كما تؤثر مدة الرضاعة ومدتها على الصحة العقلية والعاطفية للطفل في هذه المرحلة، من الضروري أن يتكلم الطفل بسبب تأثيره على نموه العاطفي واللغوي في المستقبل، وعلى هذا الأساس، من الضروري الانتباه إلى الرضاعة الطبيعية من قبل الأم واختيار المرضعة المناسبة والاعتناء بها وصحة الأم وصحة الطفل وتلبية احتياجاته من الحليب والحنان.
مرحلة الطفولة المبكرة
تبدأ هذه المرحلة منذ عام الفطام وتنتهى في العام السادس أو السابع لعمر الطفل، وتعتبر مرحلة تربوية مهمة من أجل نموالطفل العقلي والاجتماعي واللغوي، وهي المرحلة التي يتشكل بها بناء الطفل النفسي الذي يعتبر تأسيسا لصحته الخلقية والنفسية، ويجب على الأبوين في هذه المرحلة الاعتناء بأطفالهم عناية فائقة والاهتمام بإعدادهم إعدادا صحيحا بحيث يكونون عناصر فاعلة في مجتمعهم ومحيطهم، ويمكن تحديد معالم هذه المرحلة وفق المنهج التربوي كما يلي:
1ـ تعليم الطفل معرفة الله تعالى
الطفل مجبول بفطرته على الإيمان بالله تعالى، حيث تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون وعن نشوئه ونشوء أبويه ونشوء من يحيط به، وان تفكيره المحدود مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع فعلى الوالدين استثمار تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبلها تفكيره المحدود والايمان بالله تعالى كما يؤكده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس.
تعتبر التربية في هذه المرحلة مهمة صعبة، وبالتالي يجب أن يتعلم الطفل بشكل تدريجي ولكي يتناسب في المناهج مع العمر الفكري للطفل ومستوى نضجه العقلي واللغوي.
2ـ التركيز على محبة رسول الله (ص)، وعلى محبة أهل البيت (ع)
تنمو المشاعر والأحاسيس والعواطف عند الطفل في هذه المرحلة، مثل الكراهية والاشمئزاز والحب والانجذاب والانكماش والاندفاع، ولاجل ذلك ينبغي على الوالدين الاستثمار في الحالات العاطفية التي يمر بها الطفل وتنمية عواطفه ومشاعر وتوجيهها للارتباط بالنماذج البشرية الراقية والتركيز على محبة رسول الله (ص)، ومحبة أهل البيت (ع) في باطن نفسه.
وإن أفضل طريقة في تركيز وثبات المحبة علي إبراز السلوك والمواقف التي تحدث في المجتمع، وأهمها تلك التي تتعلق بالرحمة والعطف والكرامة والمعاناة التي تعرضوا لها والاعتداء والحرمان، مما يشكل في داخل الطفل تعطفا وحيا اتجاههم، وبعضا اتجاه من أذاهم.
3ـ التركيز على طاعة الوالدين
قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً[7]، فإن الدور الذي يؤديه الوالدين في حياة أطفالهم وتربيتهم كبير جدا، والمسؤولية تقع على عاتق الوالدين قبل كل شيء، لما لهما من دور في تحديد شخصية الطفل في المستقبل، كما أن المحيط الاجتماعي والمدرسة يؤثرا بشكل ثانوي على تربية الطفل، وإذا لم يطع الطفل والديه فإنها لن يصغي لنصائحهما ولن يستمع للإرشادات والأوامر الإصلاحية والتربوية التي يدلانه عليها، فيخلق العديد من المشاكل لهما وللمجتمع، ويتمرد على القيم والعادات والقوانين والتقاليد التي وضعت من قبل المجتمع والدولة.
وقد قال رسول الله (ص): رحم الله والدين أعانا ولدهما على برهما[8]، فالحب الشائع بين الوالدين والطفل يعمل على تأثر الطفل بإرشادات وتوجيهات والديه، ويجب على الوالدين البعد عن العنف والتأنيب القاسي مما يؤدي لنتائج عكسية ويكون ردة فعل سلبية عند الطفل، وعندما يطيع الطفل والديه ولا يحصل على التقدير والمحبة منهما فإنه سوف يتمرد ويقوم بأفعال غير سليمة وغير صحيحة تعبيرا عن حزنه واستيائه.
4ـ الإحسان إلى الطفل وتكريمه
يحتاج الأطفال في هذه المرحلة إلى التقدير والمحبة والاعتراف بوجوده في الأسرة والمجتمع، وأن يشعر أنه محبوب وأن هناك من يهتم لأمره، بحيث ينمو متأقلما مع بيئته وذو كيان هادئ ومستقر وعقل ناضج وراشد وقلب مليء بالثقة والامتنان وهذا الحب له تأثير كبير على نمو الطفل في جميع مناحي الحياة ويجعله قادرا على الالتزام بالنهج الصحيح ويكون سعيدا باتباع الأوامر التي تحميه وتحرص على نشأته بشكل سوي.
وقد قال رسول الله (ص): أكرموا أولادكم وأحسنوا أدائهم[9]، كما حذر الإسلام من التقليل من مكانة الطفل وعدم الاستهزاء بأفعاله وأقواله لما في ذلك من تداعيات سلبية على شعوره وإحساسه.
5ـ التوازن بين الشدة واللين
إن تكريم الطفل والإحسان إليه يجب أن يكون في حدود مقبولة، وألا يكون مبالغا به إلى حد الإفراط، وألا يقوم الطفل بما يرغب به بشكل دائم دون وجود رادع وضابط، وينبغي تحديد منهج متوازن للتصرف معه من قبل والديه، فلا يجب أن يتساهل الوالدين مع أطفالهم تساهلا شديدا ولا يجب أن يعنفهم تعنيفا شديدا على كل ما يرتكبونه من أخطاء، وأن يعتدلا في التساهل والتسامح والتعنيف، حيث يمكن للأطفال أن يتجاوزوا هذه المرحلة بأمان وسلام ودون حصول اضطرابات نفسية.
وأن يكون الطفل قادرا على التمييز فيما بين السلوك الجيد المحبوب والسلوك السيء المنبود، لأن أول خمس أو ست سنين من حياة الطفل تحدد نمط شخصيته في المستقبل، وعندما يقوم الطفل بارتكاب بعض الأخطاء أو الأمور التي تخالف السلوك الأمثل، فيجب على الوالدين أن يشرحا له سبب هذه الخطأ وأن يبينا له الطريقة الصحيحة لفعل الأمور، وألا يقومان فقط بتعنيفه بدون مبرر، فينمو الطفل بذلك واثقا بنفسه وقادرا على تدارك أخطائه لأن أصبح متفهما لها، وإذا لم ينجح أسلوب اللين فيمكن التشديد واللجوء لوسائل أخرى مثل العقاب المعنوي وعدم التحدث معه.
وقد وجه الإسلام إلى العقوبة العاطفية بهذه الطريقة ونهى عن العقوبة البدنية لما لها من تأثيرا على صحة الطفل وعلى تفكيره، إضافة إلى أن المدح الزائد له آثاره السلبية أيضا فهو يؤثر على توازن الطفل الانفعالي كما يؤثر التأنيب الزائد، ويؤدي إلى تأخره نموه العقلي وزيادة فترة طفولته ودلاله، ويبقى بحاجة لوالديه في كل موقف وكل أمر يمر به، وهذا ما تجده في الواقع على هيئة رجال لا يعلمون كيفية التصرف في بعض المواقف دون رأي والديهم حتى عندما يكون الموقف بسيطا وواضحا، إضافة إلى أن العقوبات الكثيرة والمتكررة بمختلف أشكالها العاطفية والبدنية تؤدي إلى الحراف سلوك الطفل واضطرابه، وجعله يتصرف تصرفات عدوانية اتجاه المجتمع والآخرين.
6ـ العدالة بين الأطفال
إن أول طفل في الأسرة يصبح موضع عناية وحنان وحب من قبل الوالدين لأنه الطفل الأول والوحيد، فيمنحاه اهتماما زائدا ورأفة زائدة، ويلبيان كافة احتياجاته المعنوية والمادية، ويسعيان إلى إرضائه بشتى الوسائل، ويعملان على توفير كل ما يريدن من ألعاب وملابس وغير ذلك من الحاجيات، ويصحبانه في أغلب الأوقات مما يجعله موضع دلال واهتمام استثنائي وفي هذه الحالة سيصبح مستاء عند قدوم طفل ثاني وينمو لديه الخوف من فقدان الرعاية والاهتمام، وبالتالي تنمو مشاعر الغيرة اتجاه أخيه.
ولذلك ينبغي على الوالدين أن ينتبها لهذه الظاهرة، وأن يعملا على خلق جو من المحبة بين الطفل الأول والثاني، وأن يشرحا للطفل الأول أن أخيه لن يأخذ من اهتمامه وأنه سيصبح رفيقا له في الحياة، ويغرسان في نفسه روابط الإخوة والتعاون، وأن يعدلا بين جميع أطفالهم، وقد قال النبي محمد المصطفى (ص): اعدلوا بين أولادكم ما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف[10].
وهذه العدالة يجب أن تشمل كامل جوانب الحياة المعنوية والمادية، أي يجب على الوالدين أن يشبعا احتياجات أطفالهم المعنوية واحتياجاتهم المادية، والعدالة ليست بالضرورة تعني عدم تفضيل طفل عن آخر، على أن هذا التفضيل يجب أن يكون مستورا غير ظاهر أمام الأطفال وأن يحتفظا به في قلبيهما ولا يعملا إلا العدل والمساواة.
ومن أهم قواني صدق العدالة هو عدم المقارنة بين الأطفال، سواء في الصفات النفسية والمعنوية والجسمية، فلا يكون صحيحا مثلا أن يقولا أن فلان أذكى أو أجمل من فلان، لأن هذا يسبب الحقد والبغض بين الأطفال، ولأن المقارنة تؤدي للغيرة والتنافس وفقدان الثقة بين بعضهم.
ومن العدالة أيضا ألا يميز الوالدين بين الذكر والأنثى، مما يؤثر سلبيا على مشاعر الفتاة وعلى نفسيتها، ويؤدي لزرع العداوة بين الأخ وأخته، وهذه الظاهرة شائعة في الكثير من البلدان، حيث يفضل الوالدين الابن على البنت، ويهتمان لمطالب الابن ويتجاهلان مطالب البنت ويقللان من شأنها، ولكن المشاكل والصراعات بين الأطفال تعتبر ظاهرة طبيعية تحدث في معظم الأسر، حيث تحصل حالات من الاشتباك أو النقاش بين الأطفال وبين والديهم، وفي هذه الحالة ينبغي على الوالدين أن يقيما المشاكل تقييما موضوعيا ويعتبرا الصراع حالة طبيعية وخاصة إذا كان الصراع بسيطا ومحدودا فمن الأفضل ألا يتدخل الوالدين أبدا في إنهائه، وأن يجعلا الأطفال يقومون بمعالجة الأمور من تلقاء ذاتهم.
الاستنتاج
أن الإسلام أولى اهتماماً كبيراً برعاية الطفل، من انعقاد نطفته في رحم أمه، ثم في مرحلة ما بعد ولادته، ومراسيم ولادته، وتركيزه على حليب الأم، ومرحلة الطفولة المبكرة، وتعليمه معرفة الله تعالى، وتركيزه على محبة رسول الله وأهل البيت (ع)، وتركيزه على طاعة الوالدين، والإحسان إلى الطفل وتكريمه، واتباع منهج متزن للتصرف معه، والاهتمام بالعدالة بين الأطفال.
الهوامش
[1] الروم، 21.
[2] الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج۳، ص۲۸۱.
[3] الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج۳، ص۲۸۱.
[4] الريشهري، ميزان الحكمة، ج۲، ص١٧٣٦.
[5] الكليني، الكافي، ج٥، ص٣٥٤.
[6] الكليني، الكافي، ج٦، ص٢٤.
[7] البقرة، 83.
[8] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص199.
[9] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج٢١، ص٤٧٦.
[10] الريشهري، ميزان الحكمة، ج٤، ص٣٦٧٣.
مصادر البحث
1ـ الحر العاملي، محمّد، وسائل الشيعة، تصحيح وتعليق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الخامسة، 1403 ه.
2ـ الريشهري، محمّد، ميزان الحكمة، قم، تحقيق ونشر دار الحديث، الطبعة الأُولى، 1416 ه.
3ـ الصدوق، محمّد، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، قم، منشورات جامعة المدرّسين، الطبعة الثانية، بلا تاريخ.
4ـ الكليني، محمّد، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.
مصدر المقالة (مع تصرف)
الياسري، مها، الأسس القرآنية لبناء الأسرة وأثرها في تنشئة الطفل، قم، جامعة الأديان والمذاهب، طبعة 2023، ص63 ـ ص73.