فالحسن بن علي هو الإمام بعد مقتل علي بن أبي طالب وقد دللت الشيعة على إمامته بوصية علي له وقد ذكر الكليني حديثا عن سليم بن قيس قال شهدت وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن وأشهد على وصيته الحسين ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه السلاح والكتاب وقال لابنه الحسن : يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى غلي رسول الله ودفع إلى كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين . ثم أقبل على ابنه الحسين فقال : وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا : ثم أخذ بيد علي بن الحسين ثم قال لعلي بن الحسين : وأمرك أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي وأقرأه مني السلام ( 1 ) .
ويؤكد هذا المسعودي ويقول : وكان أمير المؤمنين في خلال ذلك يشير إليه وينص عليه بآي من القرآن والأحاديث فلما حضرت وفاته دعاه ودعا بأبي عبد الله وبجميع أولاده وثقات شيعته وسلم إليه الوصية التي تسلمها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( 2 ) .
فالوصية هنا الوصية بالإمامة بعده .
ويقول المفيد : وكان الحسن وصي أبيه أمير المؤمنين على أهله وولده وأصحابه ووصاه بالنظر في وقوفه وصدقاته وكتب إليه عهدا مشهورا ووصية ظاهرة ( 3 ) .
ويتكلم الطوسي عن إمامة الحسن والحسين ويستدل على إمامتهما بعدة أدلة منها :
إجماع أهل البيت على القول بإمامتها بعد أبيهما ، وتواتر الشيعة خلفا عن سلف بالنص عليهما من أبيهما ، والنص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإمامة الأئمة الاثني عشر ، وقول النبي : ابناي هاذان إمامان قاما أو قعدا (4).
فالحسن هو الإمام بعد علي فجماعة الشيعة التي اعتقدت بإمامة علي لزمت القول بإمامة الحسن إلا شرذمة منهم فإنه لما وادع معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه على الصلح ازروا على الحسن وطعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته وشكوا فيها ( 5 ) .
فيبدو أن تنازل الحسن قد سبب خلافا بين أصحابه وأدى إلى خروج جماعة منهم وتركهم إمامته .
وبقي الآخرون على القول بإمامة الحسن بن علي وموالاته وقد بين الطوسي أن تنازل الحسن إنما كان لأنه كان مغلوبا مقهورا فلجأ إلى التسليم ( 6 ) .
ونفى الطوسي كل الوجوه الداعية إلى بطلان إمامته بتنازله فقال : اما قول السائل أنه خلع نفسه من الإمامة فمعاذ الله لأن الإمامة بعد حصولها للأمام لا يخرج عنها بقوله : وإن خلع الإمام نفسه لا يؤثر في خروجه من الإمامة وإنما ينخلع بالأحداث والكبائر ، ولو كان خلعه مؤثرا لكان إنما يؤثر إذا وقع اختيارا فأما ما يقع مع الإلجاء والإكراه فلا تأثير له .
فأما البيعة فإن أريد بها الصفقة وإظهار الرضا فقد كان ذلك لكنا بينا جهة وقوعها والأسباب المحوجة إليها ولا حجة في ذلك عليه كما لم يكن في مثله حجة على أبيه لما بايع من تقدمه . . . وهو إنما كف للخوف على الدين والمسلمين .
أما أخذ الصلاة فسايغ بل واجب لأن كل مال في يد الغالب الجاير المتغلب على أمر الأمة يجب على جميع المسلمين انتزاعه من يده كيفما أمكن بالطوع أو الإكراه ووضعه في مواضعه ، فإذا لم يتمكن من انتزاع جميع ما في يد معاوية من أموال الله وأخرج هو شيئا منها إليه على سبيل الصلة فواجب عليه أن يتناوله من يده ويأخذ منه حقه ويقسمه على مستحقيه .
فأما إظهار موالاته فما أظهر منها شيئا كما لم يبطنه وكلامه فيه بمشهد معاوية ومغيبه معروف ظاهر ولو فعل خوفا واستصلاحا وتلافيا للشر العظيم لكان واجبا كما فعل أمير المؤمنين مع المتقدمين عليه ( 7 ) .
فلما توفي الحسن بن علي في المدينة سنة 49 ه ( 8 ) ، نزلت الفرقة القائلة بإمامته بعد وفاته إلى القول بإمامة أخيه الحسين بن علي ( 9 ) .
ــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الكليني : الكافي ج 1 ص 288 .
( 2 ) المسعودي ( منسوب ) : إثبات الوصية ص 154 .
( 3 ) المفيد : الإرشاد ص 187 .
( 4 ) تلخيص الشافي ج 4 ص 167 .
( 5 ) سعد القمي : المقالات والفرق ص 23 . وانظر الطبرسي : أعلام الورى ص 206 ، الأربلي كشف الغمة ج 2 ص 153 ، وانظر أيضا كتاب صلح الحسن : محمد مرتضى آل ياسين .
( 6 ) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 178 .
( 7 ) تلخيص الشافي ج 4 ص 178 .
( 8 ) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 200 .
( 9 ) سعد القمي : المقالات والفرق ص 24 .
المصدر: نشأة الشيعة الإمامية / نبيلة عبد المنعم داود