الأسس العلمية في تربية المراهقين

2017-04-18

522 بازدید

ان مشكلة تربية المراهقين من المشاكل التي تؤرق الكثيرين من المهتمين بامور التربية .. حيث أن الأولاد يبقون حتى سن معينة ، تحت قبضة الوالدين ، لكنهما كثيرا ما يسيئان استثمار هذه السيطرة ، ليندما بعد خروج الولد عن دائرة قبضتهما ، زواجا ً ، أو هجرة ، او دراسة .. فكم من الحري بهما أن يعطيا للموضوع حقه من التفكير و الوقت.. اذ من المعلوم ان الولد الصالح من مصاديق الصدقة الجارية التي تنفعهما بعد الموت !

إن للانسان تكوين بدنيا وتكوينا نفسيا .. فكما أن هناك جسما ً يتحرك فهناك روح تنمو.. ولهذا فانه في الوقت الذي نهتم فيه بالنمو الجسمي لأولادنا ، فانه يتحتم علينا أن نهتم بأرواحهم ونموها ، هذا النمو الذي يبلغ أوج فورانه – تكاملا ً أو تسافلا ً- في مرحلة المراهقة.

ان هناك عناصر مؤثرة في تربية المراهق وسلوكه .. فمنها ما هو ذاتي : كالصفات الوراثية ، والبنية النفسية والعقلية ، و من الواضح ان هذه الخصوصيات – رغم تميزها من فرد عن أخر حتى ضمن الأسرة الواحدة- لا تعني أبدا ً حالة من ( الجبر) في تحديد سلوك الأنسان .. ومنها ما هو محيطي : كسلوك الآباء ، والأقارب المنحرفين ، والأصدقاء ، والجو المدرسي ، وأخيراً وسائل الإعلام المختلفة التي كثيراً ما أصبحت من الأدوات الشيطانية المسببة لانحراف أبنائنا.

اننا نلاحظ فى حالات كثيرة سلامة التكوين الذاتي لدى الأبناء وعدم وجود خلل فيه .. و لكن – مع الاسف – نرى ان سلوك الأبوين داخل الأسرة : من حيث وجود خلاف أو نزاع بينهما، أو عدم التزامهما بتعاليم الشريعة ، أو إهمال الأولاد داخل المنزل والانشغال عنهم بشؤونهم الخاصة ، هو الذي يؤدي إلى نشوء أنواع من الخلل في سلوكهم الجوارحى والجوانحى ، وبذلك يكونان في هذه الحالة ، هما المؤاخذان اللذان يتحملان المسؤولية يوم القيامة .

نلاحظ أن بعض الآباء لا يعرفون من هم أصدقاء أبنائهم، وما هي توجهاتهم وميولهم ، والحال أن هؤلاء هم الذين يرسمون سلوك الأبناء من حيث لا يشعرون ! .. ولطالما رأينا ان الأهل يبذلون أقصى الجهود- نفسيا ً وفكريا ً- لتربية ولدهم تربية صالحة حتى سن الثامنة عشرة ، و لكن ليلة من الليالى الحمراء ، أو سفرة إلي الأماكن المشبوهة، أو معاشرة منحرفة واحدة ، تجعله ينقلب رأسا ً على عقب ، ويا لها من خسارة كبرى!.. ولذا لا بد من مراقبة الأولاد مراقبة دقيقة وكاملة ما دام في ذلك صيانة لهم عن المفاسد، بمراقبة من يعاشرون، وأين يذهبون، واستخدام الفخاخ التربوية المناسبة في هذا المجال.

من المؤثرات المحيطية على سلوك المراهقين هو الجو المدرسي .. فمن الملاحظ أن المدرسة في هذه الأيام ترسم مساحة كبيرة من حياة الشاب.. ومع هذا فان من المؤسف أن بعض الأباء – من أجل التوفير المادي ، أو القرب المكانى ، او ما شابه ذلك – يختارون مدرسة منحرفة، أو معروفة بالأجواء التربوية غير السليمة أو المختلطة ، لتكون منبتا ً لأبنائهم.. والحال أن الأنفاق المادي في هذا المجال هو استثمار مضمون النتائج.. وهو أجدى بكثير من الأنفاق على كماليات الحياة !!.

من التوصيات العملية لتربية المراهقين هي الحوارية الهادفة، حيث نلاحظ أن الشباب في هذا العصر يملكون إطلاعا ً واسعا ، ً وقدرة تحليلية في عالم السياسة والاقتصاد والثقافة ، وبما أن الساحة مليئة بالأفكار المستوردة ، والانحرافات الثقافية ، والمفاهيم الزئبقية التى يساء الاستفادة منها ، فان من اللزام علينا أن نأخذ بيد الشباب الذين يعيشون شيئا من الحيرة الفكرية التى هى من افرازات الحرية الفكرية !!.. ولا يتم ذلك الا بالنقاش مع صدر واسع ، بدلا من المواجهة والاتهام بالانحراف أو الكفر، فان ذلك من موجبات العناد والتمسك بتلك المفاهيم ولو من باب التحدى والاغاظة !!. وقد جاء بما يقرب من هذا المضمون الشريف : ( أدبوا أولادكم بغير أدبكم .. فأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم  ) .

ومن التوصيات العملية للآباء : إنشاء حالة من الصداقة مع الولد، والابتعاد عما هو سائد في مجتمعات الشرق من أسلوب ( العصا والخيزران )!.. ان من شان هذه الصداقة ان تجعل الولد يشكو همومه إلى والديه – وهما الأعرف بما يصلحه – بدلا من الالتجاء إلى الغرباء ! .. كما أن على الأب أن يختار بنفسه المجموعة السليمة من الأصدقاء كشباب المساجد مثلا ، قبل أن يختار هو بنفسه بطانة السوء .

ومن التوصيات المهمة للآباء : هو إظهار حبهم و مشاعرهم و رضاهم للأبناء ، و الابتعاد عن الاتهام و سوء الظن !.. حيث يلاحظ أن الولد عندما يرى نفسه متهماً في المنزل ، فإنه سيفقد الثقة بنفسه ، و من هنا ينبغي على الاب الذى يرى من ولده بادرة حسنة ، أن يستثمر الفرصة و يشجعه و يمتدحه معبرا عن ذلك بفرحة وجائزة .. ومن المعلوم أن عامل الأجر و الثواب من الأمور المشجعة حتى للبالغين ، وهو ما نلاحظه أيضا في مجال الحث على المستحبات من قبل الشريعة السمحة.

إذا كان الأمر الإلهي لموسى و هارون (ع) أن يقولا لفرعون قولاً ليناً.. أليس من الأولى أن يكون قولنا لأولادنا – و هم رعيتنا و قرة أعيننا و صدقتنا الجارية – من مصاديق اللين من القول ؟! .. أليس في ذلك امتثال لقوله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} و{ لا إكراه في الدين } ؟! .. ولنطلب العون من الله تعالى، و ندعوه قائلين : { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} ، ليباهي الرسول (ص) بمثل هذه الذرية ، فى قبال الأمم الاخرى يوم القيامة.

الكاتب: الشيخ حبيب الكاظمي