هل يُحرِّم الإسلام تعليم المرأة ؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بُدَّ من توضيح أمر مهم جداً ، وهو أن المحك في إصدار أي حكم للإسلام ، أو عليه ، ليس هو عمل المنتسبين إليه ، فَلرُبَّما يدين الإسلام عمل من ينتسب إليه ، لأن كثيراً من المسلمين تحوَّلوا إلى عقبات في طريق الإسلام ، ولا يجوز لنا أن نتّخذ من أعمالهم أدلَّة وبراهين ضد الإسلام .
إن الإسلام تعرَّض لعملية تزوير ضخمة ، كما تعرَّض لعملية تحوير ضخمة كذلك ، ومن هنا ، فإن كثيراً من الواجبات الإسلامية تؤدي بشكل يؤدي إلى نتيجة تناقض ما أراده الإسلام منها .
ويكفي أن نعرف أن أوضح الواجبات الإسلامية ، وأهم مفاهيمه ، تعرَّضت للتحريف ، أو التزوير ، أو التحوير ، فالعبادات التي هي تمارين ضِدَّ الظلم ، وضِدَّ الخضوع لغير الله ، والابتعاد عن قضايا الناس ، أصبحَتْ طقوساً تؤدَّى لإرضاء الظلم ، والخضوع لغير الله ، والابتعاد عن الناس ، وكذلك حال بقية الأشياء .
إذن ، فلا يمكن أن نجعل من عمل بعض المنتسبين إلى الإسلام دليلاً ضده ، ولكن كيف نتعرَّف على الإسلام ، إذا كنا لا نعتمد على المنسبين إليه ؟
نقول : نتعرَّف عليه من خلال أمرين :
الأول :
مصادره الأولية ، أي : القرآن ، والسُّنة النبوية ، وروايات أهل البيت ( عليهم السلام ) .
والثاني :
من خلال ممارسة المسلمين والمسلمات في عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وفي عهد الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) .
فإن القرآن الكريم ، وعمل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وأهل بيته ( عليهم السلام ) مقياسنا للحكم على أي شيء .
فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إِنِّي تاركٌ فيكم الثقلين ، كتاب الله ، وعِترتي أهل بيتي ) .
فإذا رأينا القرآن يتحدث مع العلماء ويقول : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) النمل ۵۲ .
فهل يجوز لنا بعد ذلك أن نمنع العلم عن المرأة ؟! ، وألا يعني ذلك أن نجعل القرآن خاصّاً بالرجل ، ونعتبر المرأة غير مخاطبة به .
وإذا رأينا أن نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، كُنَّ عالمات ، مثقَّفات ، واعيات ، فهل يجوز لنا أن نكون مَلكيِّين أكثر من الملك ، وأن نزايد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأهل بيته ( عليهم السلام ) ؟
أية زوجة ، وأية فتاة ، وأية أم ، لواحد من أهل البيت ( عليهم السلام ) كانت أمِّيَّة ، وجاهلة ، وغير واعية ؟
ونعود إلى مسألة التعليم للمرأة ، لنرى النص الصريح : ( طَلبُ العِلمِ فريضةٌ على كُلِّ مُسلمٍ ومسلمة ) .
فالبعض يفسر هذا الحديث بأن المقصود من العلم هو علم القرآن ، وليس أي علم آخر ؟ ونقول :
أولاً : لا يُحدِّد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذلك .
ثانياً : ما دام أنَّ النص ورد في المسلم والمسلمة معاً ، فهذا يعني أن الأمر سواء بالنسبة إليهما ، فهل نحن نحدِّد العلم الذي يجب أو يجوز للرجل تَعلُّمه بعلم القرآن فقط ؟
ثالثاً : قد يكون المقصود علم القرآن فقط ، ولكن لماذا نفسر كلمة ( العلم ) بمجرد القدرة على التلفظ ؟ إن علم القرآن يعني علم الحياة ، لأن القرآن كتاب علم ، ووعي ، وثقافة ، وفهم .
فإن تعليم القرآن بهذا المعنى فريضة ، فهل يبقى هنالك شيء يجوز إخفاؤه عن المرأة ؟ ومسألة جواز السفر للمرأة إلى خارج البلاد من أجل العلم فلا إشكال في المسألة من حيث المبدأ .
فلا حرمة في السفر ، ولا في العلم ، إنَّما الأشكال قد ينشأ من الملابسات .
فمثلاً قد تسافر البنت إلى مكان بعيد عن عيون الأهل ، ورقابة الضمير ، وتعيش بين شباب لا يَهُمُّهم إلا الطيش ، والفساد ، فهنا يكون السفر حراماً ، لأنه قد يعلِّمُها العلم ، ولكنه يسلبها حياتها ، وإنسانيتها .
ولكن إذا كانت الأجواء التي تسافر لطلب العلم فيها أجواء سليمة ، وكانت رفيقاتها من النوع الجيد ، فلا مانع من ذلك .
ألم يقل النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( اُطلبوا العِلمَ ولو في الصِّين ) ؟ وقال ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً : ( طلبُ العلم فَريضَةٌ على كُلِّ مسلمٍ ومُسلمة ) ؟ .
والحقيقة ، فإن المرأة كانت في ظِلِّ الإسلام تتعلم وتتلقَّى ثقافة عالية ، كما كانت تتحلَّى بالوعي العميق .
ولم تتراجع المرأة إلى الوراء إلا في ظِلِّ الاحتلال الأوروبي ، الذي حرم المرأة من العِلم والتعليم ، كما حرم الرجل من ذلك أيضاً .
حيث كان الاحتلال يفرض الأمِّيَّة والجهل على الشعوب الإسلامية ، إلا أنَّ الاستعمار بعد أن كان هو السبب في فرض الجهل على المرأة ، أخذ ينشر تُهمَة التخلُّف علميّا ًبالنسبة للمرأة يرجع إلى أسباب دينية إسلامية .
ومن يطالع التأريخ الإسلامي يجد صُوَراً رائعة من النساء المُتعلِّمات ، والعالمات ، فكم من الخُطَب المحفوظة لبعض النساء ، وكم من الشعر ، والأدب ، ومختلف العلوم التي ساهمت فيها المرأة المسلمة ؟!