فلم يكن للمرأة قدر في المجتمعات ما قبل الإسلام، وكانت محكومة ولم يكن لها شخصية مستقلّة، لكن بظهور الإسلام أصبح لها قيمة عالية، واعتبرها قسم مهمّ من المجتمع، وكان رسول الله(ص) يأخذ البيعة من النساء كما يأخذها من الرجال، وبهذا بيّن أنّ المرأة عضو مستقلّ وقيّم في المجتمع كالرجل، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(1).
جاء في تفسير القمّي المجلّد 2 الصفحة 364 ذيل هذه الآية:
فإنّها (الآية) نزلت يوم فتح مكّة، وذلك أنّ رسول الله(ص) قعد في المسجد يُبايع الرجال إلى صلاة الظهر والعصر، ثمّ قعد لبيعة النساء، وأخذ قدحاً من ماء فأدخل يده فيه، ثمّ قال للنساء: مَن أرادت أن تُبايع فلتدخل يدها في القدح، فإنّي لا أُصافح النساء، ثمّ قرأ عليهنّ ما أنزل الله من شروط البيعة عليهنّ فقال: عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ(2).
الآية الكريمة تُعطي قيمة وشخصية مستقلّة للنساء في المجتمع كما للرجال، وتأمر الرسول(ص) أن يُبايعهنّ، والنقطة الأُخرى أنّها تذكر شروط البيعة نفسها التي ذكرتها لبيعة الرجال، وهذا التقييد يُبيّن قيمة المرأة وتأثيرها على المجتمع، فإنّها لو سرقت أو زنت أو ارتكبت حراماً أو عملاً غير صالح، سيؤثّر ذلك سلباً في أولادها، بل وفي زوجها، وتبعاً لذلك سيكون المجتمع عرضة للفساد والدمار.
بما أنّ المرأة هي التي تُربّي الأطفال وتُؤثّر على زوجها، يكون لها موقع هامّ ومميّز في المجتمع، فإذا فسدت تُفسد زوجها وأطفالها الذين سيصنعون المستقبل، ليكون فسادها مؤثّر في المجتمع حاضراً ومستقبلاً، ولهذا فإنّ الله كخالق للمرأة يعلم بتأثيرها في المجتمع البشري، ويأمر النبي(ص) أن يُبايعهنّ أوّلاً، ويقرأ عليهنّ شروط البيعة ثانياً، وكلّ هذا بسبب أهمّية المرأة ودورها الهامّ في المجتمع، وتأثيرها الذي يفوق تأثير الرجل، فتكون أهمّ في هذا الإطار.
إذاً نستفيد مطلبين من هذه الآية الكريمة:
1- المطلب الأوّل: أنّ المرأة لها شخصية مستقلّة في المجتمع الإسلامي كما للرجل، وأنّ الرسول(ص) أُمر أن يُبايع النساء كما يُبايع الرجال، كما أنّه(ص) بايع كلّ النساء في يوم غدير خُم لوصاية أمير المؤمنين(ع).
أمر النبي(ص) النساء بالبيعة لعلي(ع) بإمرة المؤمنين وتهنئته، وقد أكّد ذلك بصورة خاصّة على زوجاته، وأمرهنّ أن يذهبن إلى خيمته ويُبايعنه، فأمر رسول الله(ص) بإحضار إناء كبير فيه ماء، وأن يضرب عليه بستار، بحيث أنّ النساء كنّ يضعنّ أيديهن في الإناء خلف الستار، وأمير المؤمنين(ع) يضع يده في الإناء من الجانب الآخر، وبهذه الصورة تمّت بيعة النساء، فبايعته الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وكذا نساء النبي(ص) جميعهنّ، وأُمّ هاني أُخت أمير المؤمنين(ع)، وفاطمة بنت حمزة عمّ النبي(ص)، وأسماء بنت عميس، كما بايعه سائر النساء الحاضرات(3).
2- المطلب الثاني: بيان شروط البيعة على النساء يدلّ على أنّ المرأة أهمّ من الرجل في المجتمع وتأثيرها أكبر عليه، فيكون فسادها مسبّباً لفساد المجتمع حاضراً ومستقبلاً.
ويجب الالتفات إلى أنّ الآية الكريمة نزلت في عصر توصَف فيه المرأة بأنّها: (أُمّهات الناس أوعية).
أمّا من منظر الإسلام، فإنّ المرأة ليست حقيرة، بل لها تأثير أكثر وأهمّ على المجتمع قياساً بالرجل، وصلاح المرأة أهمّ من صلاح الرجل، لأنّ لفسادها تأثير أكثر على المجتمع قياساً بالرجل.
ــــــــــــــــــــ
1ـ الممتحنة: 12.
2ـ تفسير القمّي 2 /364.
3ـ الغدير 1 /291 و إثبات الهداة 2 /219، ح102.
الكاتب: السيد علي علم الهدى