الإمام الحسين (ع) ومصلحة الإسلام العليا

2015-05-18

1300 بازدید

تمهيد

إن للحسين ( عليه السلام ) موقعاً رسالياً تميّز به عن سائر أئمة أهل البيت ( عليه السلام ) ، وجعل منه رمزاً خالداً لكل مظلوم يصحر بظلامته عبر التاريخ ، وصرخة حق تدوّي في وجه الظالمين إلى يوم الدين . وليس جزافاً قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حقّه ( عليه السلام ) إن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين .

Contents
تمهيد۱ـ في عهد إمامة أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :۲ـ في عهد إمامة أخيه الحسن بن علي ( عليه السلام ) :۳ـ في عهد إمامته ( عليه السلام ) :أـ موقفه من معاوية بن أبي سفيان :وممّا روي في ذلك :۲ـ استنكاره ( عليه السلام ) على معاوية قتله لصفوة من صحابة رسول الله وتابعيهم من شيعة أهل البيت،۳ـ إظهاره وإعلانه لفضائل أهل البيت ( عليه السلام ) وحقهم في ولاية المسلمينب ـ موقفه من يزيد بن معاوية :۱ـ لا بيعة ليزيد ( شارب الخمور وقاتل النفس المحرّمة والمعلن بالفسق ) :۲ـ الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان :۳ـ لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوىً لما بايعت يزيد :۴ـ إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي محمّد ( صلى الله عليه وآله ) :۵ـ ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله۶ـ رضا الله رضانا أهل البيت :۷ـ نحن اهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) أولى بولاية هذا الأمر :۸ـ من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله:۹ـ إني لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً :۱۰ـ لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق :۱۱ـ لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد :۱۲ـ هيهات منّا الذلّة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون :۱۳ـ يا أمّة السوء !! بئسما خلفتم محمداً في عترته :۱۴ـ اللهم احكم بيننا وبين قومنا فإنهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيّك ( صلى الله عليه وآله ) :المأساوية المروعة لواقعة كربلاء عنصر أساسي في تحقيق مصلحة الإسلام العليا :۱ـ البحار ۴۴: ۲۲۵، ح ۵ .۲ـ الطبرسي ، إعلام الورى بأعلام الهدى: ۲۱۷٫ الطبري ، دخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ۱۱۹ . الخوارزمي، مقتل الحسين ۱: ۸۷ و ۸۸ .۳ـ الفيروز آبادي ، فضائل الخمسة ۳: ۲۶۲ . صحيح الترمذي ۲: ۳۰۷٫۴ـ الطبرسي ، إعلام الورى : ۲۱۹ .۵ـ ابن الصباغ المالكي ، الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة (ع) : ۱۷۱ .۶ـ البحار ۴۴: ۲۶۱ ، ح ۱۴ .۷ـ البحار ۴۴: ۲۶۴ و ۲۶۵، ح ۲۲ .۸ ـ المصدر نفسه ۲۶۶، ح ۲۴ .۹ ـ المائدة : ۱٫۱۰ـ الإسراء : ۳۴٫۱۱ـ الشيخ المفيد ، الإرشاد: ۲۰۰٫۱۲ـ راجع الاحتجاج للطبرسي ۲: ۲۹۵ ـ ۲۹۶٫۱۳ـ الطبرسي ، الاحتجاج ۲: ۲۹۶ ـ ۲۹۷٫۱۴ـ الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر ۲: ۴۵٫ والطبرسي ، الاحتجاج : ۲۹۷ ـ ۲۹۸ .۱۵– الطبرسي ، الاحتجاج ۲ : ۲۹۸ ـ ۲۹۹ .۱۶ـ راجع ابن كثير الدمشقي ، البداية والنهاية ۸: ۱۴۵ .۱۷ـ مقتل الخوارزمي ۱ ۱۷۸ ـ ۱۸۰ ط . النجف .۱۸ـ تاريخ ابن عساكر ۴: ۳۲۷ .۱۹ـ تاريخ الطبري ۳: ۲۷۰ .۲۰ـ الكامل لابن الأثير ۴: ۱۵٫۲۱ـ اللهوف للسيد رضي الدين بن طاووس .۲۲ـ مقتل الخوارزمي ۱: ۱۸۳ ، الفصل ۸ .۲۳ـ تاريخ الطبري ۳ : ۲۷۰ .۲۴ـ في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ۲۲۹، طبع ايران ، والآداب السلطانية للفخري: ۸۸، أنّ جدّة مروان كانت من البغايا، وفي كامل ابن الأثير ۴: ۷۵ ، أن الناس كانوا يعيّرون ولد عبد الملك بن مروان بالزرقاء بنت موهب، لأنها من المومسات ومن ذوات الرايات .۲۵ـ تاريخ الطبري وكامل ابن الأثير والإرشاد وإعلام الورى .۲۶ـ مثير الأحزان لابن نما الحلّي من أعلام القرن السادس .۲۷ـ مناقب ابن شهر آشوب ۲ : ۲۰۸٫۲۸ـ تاريخ الطبري ۳ : ۲۷۰٫۲۹ـ اللهوف : ۱۴٫۳۰ـ اللهوف : ۱۳٫ ومثير الأحزان: ۱۰٫۳۱ـ مقتل الخوارزمي ۱ : ۱۸۵، الفصل ۹ .۳۲ـ تاريخ الطبري ۳ : ۲۷۱ ، والكامل لابن الأثير ۴: ۷ .۳۳ـ مقتل محمد بن أبي طالب ، ولم يذكر أرباب المقاتل هذا العذر، واعتذر العلاّمة الحلّي في أجوبة مسائل ابن مهنّا بالمرض ، وفي أخذ الثار لابن نما الحلّي، ص ۸۱، إصابته بقروح فلم يتمكّن من الخروج مع الحسين (ع) .۳۴ـ مقتل العوالم : ۵۴ ، ومقتل الخوارزمي ۱ : ۱۸۸، الفصل ۹ .۳۵ـ ابن نما ، مثير الأحزان: ۱۱٫۳۶ ـ تاريخ الطبري ۳: ۲۷۸٫ والأخبار الطوال: ۲۳۷٫۳۷ـ المنتخب : ۳۰۴، الليلة العاشرة .۳۸ـ ابن نما ، مثير الأحزان: ۸۹٫ وتاريخ الطبري ۳: ۲۹۵٫۳۹ـ اللهوف : ۳۳ ، وابن نما، مثير الأحزان: ۲۰ .۴۰ـ نفس المهموم : ۹۱٫۴۱ـ حسم (بضم الحاء المهملة وفتح السين بعدها ميم): جبل كان النعمان بن المنذر يصطاد به .۴۲ـ في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ۲۱۵: الحر بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب الردف بن هرمي بن رياح يربوع، وقيل لعتاب الردف لأن الملوك يردفونه .۴۳ـ إرشاد المفيد . وابن شهرآشوب في المناقب ۲: ۱۹۳ .۴۴ـ البيضة : ما بين واقعته إلى عذيب الهجانات ، وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة .۴۵ـ تاريخ الطبري ۳: ۳۰۷ .۴۶ـ نص عليه الطبري في تاريخه ۳: ۳۱۰، وابن الأثير في الكامل ۴: ۲۰، والمفيد في الإرشاد .۴۷ـ البحار ۱۰: ۱۹۸٫ ومقتل الخوارزمي ۱: ۲۳۷ .۴۸ـ هذا في اللهوف، وعند الطبري في تاريخه ۳: ۳۰۷ أنه خطب فيهم بذي حسم، وفي العقد الفريد ۲: ۳۱۲، وحلية الأولياء ۳: ۳۹، وتاريخ ابن عساكر ۴: ۳۳۳ مثل ما في اللهوف، وفي مجمع الزوائد ۹: ۱۹۲، وذخائر العقبى، ۱۴۹، وحلية الأولياء ۲: ۳۹، والعقد الفريد ۲:۳۱۲ ما يظهر منه أنه خطب بذلك يوم عاشوراء، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي ۳: ۲۰۹ لما نزل عمر بن سعد بالحسين خطب أصحابه .۴۹ـ البحار ۱۰ : ۱۸۹، ومقتل العوالم: ۷۶ .۵۰ـ مقتل محمد بن أبي طالب .۵۱ـ تاريخ الطبري ۳ : ۳۱۹ .۵۲ـ تذكرة الخواص : ۱۴۳ .۵۳ـ تاريخ ابن عساكر ۴: ۳۳۴٫ ومقتل الخوارزمي ۲: ۷ واللهوف: ۵۴ .۵۴ـ اللهوف : ۵۶ ط. صيدا ، ومقتل الخوارزمي ۲: ۷ .۵۵ـ مقتل العوالم: ۸۴ .۵۶ـ جلاء العيون للمجلسي (بالفارسية).۵۷ـ مقتل العوالم : ۹۸ ، ونفس المهموم : ۱۸۹ ، ومقتل الخوارزمي ۲ : ۳۴ .۵۸ـ ابن نما ، مثير الأحزان: ۴۹ .۵۹ـ مصباح المتهجّد والإقبال وعنهما في مزار البحار : ۱۰۷، باب زيارته يوم ولادته .۶۰ـ أسرار الشهادة: ۴۳۳ .۶۱ـ رياض المصائب: ۳۳ .۶۲ـ أمالي الصدوق: ۱۰۱، المجلس ۲۴٫

فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : “كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بيت أم سلمة فقال لها : لا يدخل عليَّ أحد ، فجاء الحسين ( عليه السلام ) وهو طفل ، فما ملكت معه شيئاً حتى دخل على النبي ، فدخلت أم سلمة على إثره فإذا الحسين على صدره ، وإذا النبي يبكي ، وإذا في يده شئ يقلّبه .

فقال النبي : يا أم سلمة ، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول ، وهذه التربة التي يقتل عليها فضعيه عندك ، فإذا صارت دماً فقد قتل حبيبي ، فقالت أم سلمة : يا رسول الله ، سل الله أن يدفع ذلك عنه ؟

قال : قد فعلت فأوحى الله عزّ وجلّ إليّ أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين ، وأن له شيعة يشفعون فيشفَّعون ، وأن المهدي من ولده ، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين وشيعته ، هم والله الفائزون يوم القيامة” . (۱)

وهو الذي نزل الوحي بتسميته حسيناً ، فقد روي أنه عندما زُفّت البشرى لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بولادة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، في اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك في السنة الرابعة من الهجرة ، أسرع ( صلى الله عليه وآله ) إلى دار الزهراء ( عليها السلام ) فقال لأسماء بنت عمير : “يا أسماء ، هاتي ابني” ، فحملته إليه ، وقد لُفّ في خرقة بيضاء ، فاستبشر ( صلى الله عليه وآله ) وضمَّه إليه وأذَّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثم وضعه في حجره وبكى ، فقالت أسماء : فداك أبي وأُمّي ، ممَّ بكاؤك ؟

قال ( صلى الله عليه وآله ) : “من ابني هذا” . قالت : إنه ولد الساعة . قال ( صلى الله عليه وآله ) : “يا أسماء ، تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي” . ثم قال : “يا أسماء ، لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادته” .

ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : “أي شئ سمّيت ابني” ؟ فأجابه علي ( عليه السلام ) : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله . فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حاملاً اسم الوليد المبارك ، قال لعلي ( عليه السلام ) : “سمّه حسيناً” . (۲)

وتتوالى بيانات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في وصف مقام الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وموقعه الرفيع من الرسالة والرسول ، منها : عن يعلى بن مرة ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : “حسين مني وأنا من حسين ، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً ، حسينٌ سبط من الأسباط” . (۳)

وعن سلمان الفارسي ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : “الحسن والحسين ابناي ، من أحبّهما أحبّني ، ومن أحبّني أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه” . (۴)

وعن البراء بن عازب ، قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حاملاً الحسين بن علي على عاتقه وهو يقول : “اللهم إني أحبّه فأحبّه” . (۵)

وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا دخل الحسين ( عليه السلام ) اجتذبه إليه ، ثم يقول لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : “أمسكه” ، ثم يقع عليه فيقبّله ويبكي ، فيقول : يا أبه ، لم تبكي ؟

فيقول : “يا بنيَّ ، اُقّبل موضع السيوف منك وأبكي” . قال يا أبه ، وأُقتل ؟ قال : “إي والله ، وأبوك وأخوك وأنت” . قال : يا أبه ، فمصارعنا شتّى ؟ قال : “نعم ، يا بني” ، قال : فمن يزورنا من أُمتك ؟ قال : “لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلاّ الصديقون من أُمّتي” . (۶)

وقال : “لعن الله قاتلك ، ولعن الله سالبك ، وأهلك الله المتوازرين عليك ، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك” . قالت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : يا أبت ، أي شئ تقول ؟

قال : “يا بنتاه ، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي ، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء ، يتهادون إلى القتل ، وكأني أنظر إلى معسكرهم ، وإلى موضع رحالهم وتربتهم” .

قالت : يا أبه ، وأين هذا الموضع الذي تصف ؟ قال : “موضع يقال له كربلا ، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأُمة ، ويخرج عليهم شرار أُمتّي ، لو أن أحدهم شُفّع له في السموات والأرضين ما شفّعوا فيه ، وهم المخلّدون في النار” . قالت : يا أبه ، فيقتل ؟ قال : “نعم يا بنتاه ، وما قُتل قتلته أحد كان قبله ، ويبكيه السموات والأرضون ، والملائكة ، والوحش ، والنباتات ، والبحار ، والجبال ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفس ، ويأتيه قوم من محبّينا ليس في الأرض أعلم بالله ، ولا أقوم بحقّنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، أولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غداً ، أعرفهم إذا وردوا عليَّ بسيماهم ، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم ، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا ، وهم قوّام الأرض ، وبهم ينزل الغيث” .

فقالت الزهراء ( عليها السلام ) : يا أبه ، إنا لله ، وبكت ، فقال لها : “يا بنتاه ، إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا ، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة ، يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً ، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها ، قتله أهون من ميتة ، ومن كتب عليه القتل ، خرج إلى مضجعه ، ومن لم يقتل فسوف يموت .

يا فاطمة بنت محمّد ، أما تحبّين أن تأمرين غداً بأمر فتُطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟

أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه ؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار ، يأمر النار فتطيعه ، يخرج منها ما يشاء ؟ ويترك من يشاء .

أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به ، وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله ؟ فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجّته على الخلائق ، وأُمرت النار أن تطيعه ؟ .

أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك ، وتأسف عليه كل شئ ؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان الله ، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر ، ولم يخلُ من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيداً ، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا” ؟ قالت : يا أبه ، سلّمت ، ورضيت ، وتوكلت على الله ، فمسح على قلبها ومسح عينيها ، وقال : “إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقرُّ عيناك ، ويفرح قلبك” . (۷)

وعن ابن عباس قال : لما اشتد برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مرضه الذي مات فيه ، ضمّ الحسين ( عليه السلام ) إلى صدره يُسيل من عرقه عليه ، وهو يجود بنفسه ، ويقول : “مالي وليزيد لا بارك الله فيه ؟ اللهم العن يزيد” . ثم غُشي عليه طويلاً ، وأفاق وجعل يقبّل الحسين وعيناه تذرفان ، ويقول : “أما إنَّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزّ وجلّ” . (۸)

ومن هنا ندرك كيف أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يهيّىء ولده الحسين ( عليه السلام ) لدور رسالي فريد ، ويوحي به ويؤكّده ، ليحفظ له رسالته من الانحراف والضياع ،

لذا نجد أن سيرة سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، هي من أبرز مصاديق وحدة الهدف في تحقيق وحفظ مصلحة الإسلام العليا ، التي اتّسمت بها أدوار أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، على رغم تنوّعها في الطريقة وتباينها الظاهري في المواقف ، وقد تمثّل في سيرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) مبدأ حفظ مصلحة الإسلام العليا في أربعة مواقف كبرى ، شملت عهد إمامة أبيه ( عليه السلام ) وعهد إمامة أخيه الحسن ( عليه السلام ) وعهد إمامته ( عليه السلام ) .

۱ـ في عهد إمامة أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :

وقد جسّد الإمام الحسين ( عليه السلام ) فيه الطاعة التامّة والامتثال الكامل لأوامر إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، في الموقف من الخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وخصوصاً أيام الفتنة الطخياء على عهد عثمان بن عفّان ، التي انتهت بقتله ، وكذلك في خوضه حروب الدفاع عن دولة الإسلام وخلافة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، التي كان أبرزها حرب الناكثين المعروفة بحرب الجمل ، وحرب القاسطين المعروفة بحرب صفّين ، وحرب المارقين المعروفة بحرب النهروان . وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً عند بياننا لمواقف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والإمام الحسن ( عليه السلام ) في حفظ مصلحة الإسلام العليا .

۲ـ في عهد إمامة أخيه الحسن بن علي ( عليه السلام ) :

كان الإمام الحسين ( عليه السلام ) ظهير أخيه الإمام الحسن ( عليه السلام ) الأمين وساعده الأيمن في مواجهه الباغية معاوية بن أبي سفيان ، ثم كان شريكه في دفع الفتنة الكبرى التي وقع فيها أصحابه وأتباعه بسبب الصلح ، الذي أملته الضرورة فأوقعه مع معاوية حقناً لدماء أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ودماء أصحابهم وأتباعهم التي مثّلت في حينها سناء مصلحة الاسلام في بقاء من يصدع بحق الثقلين ، ويذبّ عن أهل بيت النبوة والعصمة ، ويدفع عن الإسلام غائلة التحريف والتزوير . وقد أشرنا أيضاً إلى ذلك فيما سلف من ذكر المواقف الكبرى للإمام الحسن ( عليه السلام ) لحفظ مصلحة الإسلام العليا .

۳ـ في عهد إمامته ( عليه السلام ) :

وفي هذا العهد ضرب الإمام الحسين ( عليه السلام ) المثل الأعلى في تجسيد روح الثبات والقدم الراسخة على مبادئ الإسلام ومصلحته العليا ، حيث كان له سلام الله عليه موقفان متواليان ، قد يُلحظان متخالفين ظاهرياً ، من الحكم الأموي منذ اليوم الأول لصيرورة الإمامة إليه بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن ( عليه السلام ) : الأول من معاوية بن أبي سفيان ، والثاني من يزيد بن معاوية :

أـ موقفه من معاوية بن أبي سفيان :

وله في موقفه هذا من معاوية صورتان تكامليّتان ، كلاهما تحكيان مبدأيّته العصماء في لحاظ مصلحة الإسلام العليا :

الصورة الأولى : التزامه ( عليه السلام ) بعهد أخيه الامام الحسن ( عليه السلام ) ، ووفاؤه ببنود صلح أخيه المبرم مع معاوية بن أبي سفيان، لاعتقاده بأنّ المصلحة الإسلامية لا زالت في ذلك ، ولأن مبادئ الإسلام وأحكامه تأبى عليه نقض العهود والتحلّل من الوفاء بالعقود ، إلاّ إذا أُخلّ بشروطه أو انتهت مدته ، لقول الله تعالى : ( يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ، (۹) وقوله أيضاً : ( وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولا ً) . (۱۰)

فممّا رواه الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السِيَر قالوا : لمّا مات الحسن بن عليّ ( عليه السلام ) تحرّكت الشيعة بالعراق ، وكتبوا إلى الحسين ( عليه السلام ) في خلع معاوية والبيعة له ، فامتنع عليهم ، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدّة ، فإن مات معاوية نظر في ذلك . (۱۱)

الصورة الثانية : وفيها سلك الإمام الحسين ( عليه السلام ) مسلكاً تكامليّاً في مقابل التزامه بما تمليه عليه الحكمة الإلهية والمصلحة الإسلامية للصلح الذي عقده الإمام الحسن ( عليه السلام ) مع معاوية ، والتي من أبرزها كشف حقيقة هذا الأخير وحقيقة حكومة بني أمية للمسلمين ، فانطلق الإمام ( عليه السلام ) من نفس هذه الحكمة الإلهية والمصلحة الإسلامية ، وعمل جهده لكشف هذه الحقيقة .

وهنا يتبيّن لنا السر في عدم التخالف بين موقفه في الصورة الأولى وموقفه في هذه الصورة الثانية ، فهما صورتان لموقف تكاملي هادف ، يحفظ في الأولى حدود الصلح المعلنة ، ويسعى في الثانية لتكميل تحقيق الأهداف المنشودة لهذا الصلح ، وذلك عن طريق إظهار الحق وإعلانه في وجه معاوية بن أبي سفيان ، والتصديّ له بالحجّة البالغة ، وتعرية انحرافه عن كتاب الله وسنّة نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) ، ودرء البدع التي أحدثها في الدين ، واستنكار الظلم والجور الذي أوقعه على صفوة الأصحاب والتابعين من شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وسفك دمائهم الطاهرة ، خلافاً لبنود الصلح المبرم مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) .

وممّا روي في ذلك :

۱ـ تصدّيه ( عليه السلام ) لأمر معاوية وولاته وعمّاله بلعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على المنابر واضطهاد شيعته ، وقتل من يروي شيئاً من فضائله ، فعن سليم بن قيس قال : نادى منادي معاوية أن قد برئت الذمّة ممّن يروي حديثاً من مناقب عليّ وفضل أهل بيته ، وكان أشدّ الناس بليّة أهل الكوفة ، لكثرة من بها من الشيعة ، فاستعمل زياد بن أبيه ، وضمّ إليه العراقين الكوفة والبصرة ، فجعل يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف .

يقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وصلبهم في جذوع النخل ، وسمل أعينهم وطردهم وشرّدهم ، حتى نُفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور ، فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو شريد .

وكتب معاوية إلى جميع عمّاله في جميع الأمصار أن لا تجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة ، وانظروا قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه ومحبّي أهل بيته وأهل ولايته ، والذين يروون فضله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم ، واكتبوا بمن يروي من مناقبه واسم أبيه وقبيلته ، ففعلوا حتى كثرت الرواية في عثمان ، وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصِّلات والخِلَع والقطائع من العرب والموالي ، وكثر ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في الأموال والدنيا ، فليس أحد يجيء من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلاّ كتب اسمه وأُجيز ، فلبثوا بذلك ما شاء الله .

ثم كتب إلى عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر ، فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية وفضله وسوابقه ، فإن ذلك أحبّ إلينا وأقرّ لأعيننا ، وأدحض لحجّة أهل البيت وأشدّ عليهم ، فقرأ كلّ أمير وقاض كتابه على الناس !! فأخذ الرواة في فضائل معاوية على المنبر في كل كورة وكل مسجد زوراً ، وألقوا ذلك إلى معلّمي الكتاتيب ، فعلّموا ذلك صبيانهم كما يعلّمونهم القرآن ، حتى علّموه بناتهم ونساءهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله .

وكتب زياد بن أبيه إليه في حقّ الحضرميّين أنهم على دين علي وعلى رأيه ، فكتب إليه معاوية أن اقتل كلّ من كان على دين عليّ ورأيه ، فقتلهم ومثّل بهم!!

وكتب كتاباً آخر : أنظروا من قبلكم من شيعة علي واتّهمتموه بحبّه فاقتلوه ، وإن لم تقم عليه البيّنة ، فاقتلوه على التهمة والظنة والشبهة تحت كل حجر حتى أن الرجل لتسقط منه كلمة فتُضرب عنقه ، في حين كان الرجل يرمى بالزندقة والكفر فلا يتعرّض له بمكروه بل يكّرم ويعظم !! وكان الرجل من الشيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان ، لا سيما الكوفة والبصرة ، حتى لو أن أحداً منهم أراد أن يلقي سرّاً إلى من يثق به خاف خادمه ومملوكه ، فلا يحدّثه إلاّ بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلّظة أن يكتم عليه ، حتى كثرت أحاديثهم الكاذبة ، ونشأ عليها الصبيان .

وكان أشدّ الناس في ذلك القرّاء المراؤون المتصنّعون ، الذين يُظهرون الخشوع والورع ، فكذبوا وانتحلوا الأحاديث وولّدوها ، فحظوا بذلك عند الولاة والقضاة وأدنوا مجالسهم ، وأصابوا الأموال والقطائع والمنازل ، حتى صارت أحاديثهم ورواياتهم عندهم حقّاً وصدقاً ، فرووها وقبلوها وتعلّموها وعلّموها ، وأحبّوا عليها وأبغضوا من ردّها أو شكّ فيها ، فاجتمعت على ذلك جماعتهم ، وصارت في يد المتنسّكين والمتديّنين منهم ، فقبلوها وهم يرون أنها حق ، ولو علموا بطلانها وتيقّنوا أنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتها ولم يدينوا بها ، ولم يبغضوا من خالفها ، فصار الحقّ في ذلك الزمان عندهم باطلاً ، والباطل عندهم حقّاً ، والكذب صدقاً ، والصدق كذباً .

فلمّا مات الحسن بن علي ( عليه السلام ) ازداد البلاء والفتنة ، فلم يبق لله ولي إلاّ هو خائف على نفسه ، أو مقتول أو طريد شريد ، فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين ، حجّ الحسين بن علي ( عليه السلام ) وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس معه .

وقد جمع الحسين بن علي ( عليه السلام ) بني هاشم ، رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم ، من حج منهم ومَنْ لم يحج ، ومن الانصار ممّن يعرفونه وأهل بيته ، ثم لم يدع أحداً من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومن أبنائهم والتابعين ، ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ جمعهم ، فاجتمع عليه بمنىً أكثر من ألف رجل عامتهم التابعون وأبناء الصحابة ، والحسين ( عليه السلام ) في سرادقه ، فقام ( عليه السلام ) فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : “أما بعد ، فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم ، وإنّي أريد أن أسألكم عن أشياء ، فإن صدقت فصدّقوني ، وإن كذبت فكذّبوني . إسمعوا مقالتي واكتموا قولي ، ثم ارجعوا إلى امصاركم وقبائلكم من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون ، فإني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون” .

فما ترك الحسين ( عليه السلام ) شيئاً أنزل الله فيهم (أهل البيت عليهم السلام ) من القرآن إلاّ قاله وفسّره ، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأمّه وأهل بيته إلاّ رواه . وفي كل ذلك يقول الصحابة : اللهم نعم ، قد سمعناه وشهدناه ، ويقول التابعون : اللهم قد حدّثنا من نصدّقه ونأتمنه ، حتى لم يترك شيئاً إلاّ قاله ، ثم قال : “أنشدكم بالله إلاّ رجعتم وحدّثتم به من تثقون به” ، ثم نزل وتفرّق الناس على ذلك . (۱۲)

۲ـ استنكاره ( عليه السلام ) على معاوية قتله لصفوة من صحابة رسول الله وتابعيهم من شيعة أهل البيت،

لقد روى صالح بن كيسان قال : لما قَتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه حجّ ذلك العام ، فلقي الحسين بن علي ( عليه السلام ) فقال : يا أبا عبد الله ، هل بلغك ما صنعنا بحجر واصحابه وأشياعه وشيعة أبيك ؟ فقال ( عليه السلام ) : “وما صنعت بهم” ؟ قال : قتلناهم ، وكفّناهم ، وصلّينا عليهم . فضحك الحسين ( عليه السلام ) ثم قال : “خصمك القوم يا معاوية ، لكننا لو قتلنا شيعتك ما كفنّاهم ولا صلّينا عليهم ولا قبرناهم .

ولقد بلغني وقيعتك في علي وقيامك ببغضنا ، واعتراضك بني هاشم بالعيوب ، فإذا فعلت ذلك فارجع إلى نفسك ، ثم سلها الحق عليها ولها ، فإنْ لهم تجدْها أعظم عيباً ، فما أصغر عيبك فيك ، وقد ظلمناك يا معاوية فلا توترنّ غير قوسك ولا ترمينّ غير غرضك ، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب ، فإنّك والله لقد أطعت فينا رجلاً ما قدُم إسلامه ، ولا حدث نفاقة ، ولا نظر لك ، فانظر لنفسك أو دع” ـ يعني عمرو بن العاص ـ . (۱۳)

وجاء في سيرة أهل البيت لأبي علم : إن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية ، وكان عامله على المدينة ، أمّا بعد ، فإن عمرو بن عثمان ذكر أن رجالاً من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، وأنه لا يؤمن وثوبه ، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه يريد الخلاف يومه هذا ، فاكتب إليّ برأيك ، فكتب إليه معاوية : بلغني كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين ، فإيّاك أن تتعرّض له بشئ ، واترك حسيناً ما تركك ، فإنّا لا نريد أن نتعرّض له ما وفى ببيعتنا ، ولم ينازعنا سلطاننا ، فأمسك عنه ما لم يبدِ لك صفحته .

وكتب إلى الحسين ( عليه السلام ) : أمّا بعد ، فقد انتهت إليّ أمور عنك إن كانت حقاً فإني أرغب بك عنها ، ولعمر الله إن من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإن أحق الناس بالوفاء من هو مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها ، فاذكر ، وبعهد الله أوفِ ، فإنك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك ، فاتّق شقّ عصا هذه الأمّة ، وأن يردّهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأُمّة جدك ، ولا يستخفنّك السفهاء الذين لا يوقنون .

فكتب إليه الحسين ( عليه السلام ) في جوابه : “أما بعد ، فقد بلغني كتابك أنه بلغك عني أمور أن بي عنها غنىً ، زعمت أني راغب فيها ، وأنا بغيرها عنك جدير ، أمّا ما رقي اليك عنّي ، فإنه رقّاه إليك الملاّقون المشّاءون بالنمائم ، المفرّقون بين الجمع ، كذب الساعون الواشون ، ما أردت حربك ولا خلافاً عليك . وأيمُ الله إني لأخاف لله عزّ ذكره في ترك ذلك ، وما أظنّ الله تبارك وتعالى براض عنّي بتركه ، ولا عاذري بدون الاعتذار إليه فيك وفي أولئك القاسطين الملبّين حزب الظالمين ، بل أولياء الشيطان الرجيم” .

ألست قاتل حجر بن عدي أخي كندة وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين، كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون المنكر والبدع ويؤثرون حكم الكتاب ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، فقتلتهم ظلماً وعدواناً بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة ، لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، ولا بإحنة تجدها في صدرك عليهم ؟!

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله ، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفّرت لونه ، ونحّلتْ جسمه ، بعد أن أمّنته وأعطيته من عهود الله عزّ وجلّ وميثاقه ما لو أعطيته العُصم ففهمته لنزلت إليك من شغف الجبال ، ثم قتلته جرأة على الله عزّ وجلّ واستخفافاً بذلك العهد ؟!” .

“أولست المدّعي زياد بن سميّة ، المولود على فراش عبيد عبد ثقيف ، فزعمت أنه ابن أبيك ؟ وقد قال رسول الله : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فتركت سنة رسول الله واتبعت هواك بغير هدىً من الله ، ثم سلّطته على أهل العراق فقطع أيدي المسلمين وأرجلهم وسمل أعينهم ، وصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمّة وليسوا منك” ؟!

“أولست صاحب الحضرميّين الذين كتب إليك فيهم ابن سميّة أنهم على دين عليّ ورأيه ، فكتبت إليه اقتل كلّ من كان على دين علي ( عليه السلام ) ورأيه ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك ؟! ودين عليّ ـ والله ـ وابن عليّ للذي كان يضرب عليه أباك ، وهو أجلسك بمجلسك الذي أنت فيه ، ولولا ذلك لكان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرّحلتين اللتين بنا منّ الله عليكم فوضعهما عنكم .

وقلت فيما تقول : أنظر نفسك ولدينك ولأمّة محمد ( صلى الله عليه وآله ) واتقِ شقّ عصا هذه الأمّة وأن تردّهم في فتنة . فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها ، ولا أعلم نظراً لنفسي وولدي وأمّة جدي أفضل من جهادك ، فإن فعلته فهو قربة إلى الله عزّ وجلّ ، وإن تركته فأستغفر الله لذنبي وأسأله توفيقي لإرشاد أُموري” .

“وقلت فيما تقول : إن أنكرك تنكرني ، وإن أكدك تكدني . وهل رأيك إلاّ كيد الصالحين منذ خلقت ؟ فكدني ما بدا لك إن شئت ، فإني أرجو ألاّ يضرّني كيدك ، وألاّ يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، على أنك تكيد فتوقظ عدوّك وتوبق نفسك ، كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثّلت بهم بعد الصلح والأيمان والعهد والميثاق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلاّ لذكرهم فضلنا . وتعظيمهم حقّنا بما به شرفت وعرفت ، مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا . أو ماتوا قبل أن يدركوا” .

“أبشر يا معاوية بقصاص ، واستعد للحساب ، واعلم أنّ الله عزّ وجلّ كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ، وليس الله تبارك وتعالى بناس أخذك بالظِنة وقتلك أولياءه بالتهمة ، ونفيك إيّاهم من دار الهجرة إلى الغربة والوحشة ، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام من الغلمان ، يشرب الشراب ، ويلعب بالكعاب . لا أعلمك إلاّ قد خمّرت نفسك ، وشريت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخزيت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت التقي الورع الحليم” .

قال : فلمّا قرأ معاوية كتاب الحسين ( عليه السلام ) قال : لقد كان في نفسه غضب عليّ ما كنت أشعر به ، فقال ابنه يزيد ، وعبد بن أبي عمير بن جعفر : أجبه جواباً شديداً تصغر إليه نفسه ، وتذكر أباه بأسوأ فعله وآثاره . فقال : كلاّ ، أرأيتما لو أنّي أردت أعيب عليّاً محقّاً ما عسيت أن أقول ؟ إن مثلي لا يحسن به أن يعيب بالباطل وما لا يعرف الناس ، ومتى عبت رجلاً بما لا يعرف لم يحفل به صاحبه ولم يره شيئاً ، وما عسيت أن أعيب حسيناً وما أرى للعيب فيه موضعاً إلاّ أني قد أردت أن أكتب إليه وأتوعّده وأهدده وأجهله ثم رأيت ألاّ أفعل . (۱۴)

۳ـ إظهاره وإعلانه لفضائل أهل البيت ( عليه السلام ) وحقهم في ولاية المسلمين

فعن موسى بن عقبة أنه قال : لقد قيل لمعاوية إنّ الناس قد رموا أبصارهم إلى الحسين ( عليه السلام ) ، فلو قد أمرته يصعد المنبر ويخطب ، فإن فيه حصراً أو في لسانه كلالة . فقال لهم معاوية : قد ظننّا ذلك بالحسن ، فلم يزل حتى عظم في أعين الناس وفضحَنا ، فلم يزالوا به حتى قال للحسين : يا أبا عبد الله لو صعدت المنبر فخطبت ، فصعد الحسين ( عليه السلام ) المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فسمع رجلاً يقول : من هذا الذي يخطب ؟ فقال الحسين ( عليه السلام ) : “نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الأقربون ، وأهل بيته الطيبون ، وأحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثاني كتاب الله تبارك وتعالى ، الذي فيه تفصيل كل شئ ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمعوّل علينا في تفسيره ، لا يبطينا تأويله ، بل نتبع حقايقه ، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ، أن كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة . قال الله عزّ وجلّ : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ) ، وقال : ( ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلاّ قليلاً )” .

“وأحذرّكم الإصغاء إلى هتوف الشيطان بكم ، فإنّه لكم عدوّ مبين ، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم لا غالب لكم اليوم من الناس وإنّي جارٌ لكم ، فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم ، فتلقون للسيوف ضرباً وللرماح ورداً وللعمد حطماً وللسهام غرضاً ، ثم لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً” . (۱۵)

ب ـ موقفه من يزيد بن معاوية :

جسّد الإمام الحسين ( عليه السلام ) في هذا الموقف الرسالي الفريد أحد أبرز مصاديق وحدة الهدف في تحقيق مصلحة الإسلام العليا في أدوار أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، رغم تنوّعها وتباينها في الطريقة والأساليب ، حين نهض ( عليه السلام ) في وجه الفاجر يزيد بن معاوية مسترخصاً كل شئ في سبيل مصلحة الإسلام العليا .

إن من أبرز مصاديق الحكمة في نهضة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في سبيل تحقيق مصلحة الاسلام العليا هي :

۱ـ إن معاوية في تنصيبه لابنه يزيد من بعده للخلافة قد نقض عهده المبرم في صلحه مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، وبذلك أصبح الإمام الحسين ( عليه السلام ) أمام أمر مستحدث يقتضي منه موقفاً يتناسب وما تمليه مصلحة الإسلام العليا .

۲ـ ان تنصيب يزيد من قبل أبيه معاوية خليفة للمسلمين سيصبح أكبر قضية تهدّد أساس العقيدة الإسلامية بالمحق ، ويعرّضها للزوال ، وذلك من خلال الانحراف الخطير الذي سيطر على مسألة الحكم الإسلامي وخلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإن تنصيب مثل يزيد للخلافة ـ وهو المتجاهر بالفسق والفجور والزنا وشرب الخمور ، وبتلك الطريقة التي سلكها معاوية ، وهي إخراج الخلافة عن أصولها حتى عن مبنى الخلافة الراشدة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجعلها وراثية في بني أمية على أسس الجاهلية ومقولاتها ـ يعني على أقل تقدير وقوع الحكم الإسلامي في خطر التحوّل الجذري ، والانقلاب الكلّي في الحكم الإلهي الذي جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وما يقوم على أساسه من عدل وقسط وصلاح ، إلى عصبيّات الجاهلية القبلية ، وحكم الطاغوت الوراثي الذي سيكون للهوى والرأي المستبد الملاك التام والمقياس الفصل بين قيامه وحاكميّته على المسلمين .

۳ـ إن مشكلة الانحراف الجذري في مسألة الخلافة آنذاك لم تكن في إدراك مجمل هذه الحقيقة ، فقد كان المسلمون المخلصون حينئذ ، وعلى رأسهم كبار الصحابة والتابعين من الموالين لأهل البيت ( عليه السلام ) ومحبّيهم ، مدركين لها ولخطورتها ، إلاّ أنّ الإرادة العامة للمسلمين لم تكن بمستوى هذا الإدراك ، مما دفع الإمام الحسين ( عليه السلام ) لتحمل هذه المسؤولية الكبرى ، فانبرى لبذل دمه ودماء أهل بيته وأصحابه لتكون وقوداً ساخناً لإلهاب تلك الإرادة الهامدة ، وتعرية حقيقة الجاهلية الكامنة في خلافة يزيد بن معاوية ، التي استبدل فيها حاكمية كتاب الله وسنّة نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) ، بحاكمية الجاهلية وسنة القبيلة والآباء والأجداد من بني أمية وأبي جهل، وبدأت منذ نهضته وبعد استشهاده ( عليه السلام ) مرحلة المواجهة والجهاد العنيد لهذا الخطّ المنحرف ، ليقوم للدين عود ولتستقيم كلمته في العباد .

ولتصديق ذلك لابد لنا من إلقاء نظرة على نماذج من الوقائع الخاصة لنهضة الإمام الحسين ( عليه السلام ) الكبرى ، لنتلمس من خلالها المحتوى المبدئي في حفظ مصلحة الإسلام العليا ، ورعايتها التي ضحّى الإمام الحسين ( عليه السلام ) بنفسه وأهل بيته وأصحابه من أجلها ، منها :

۱ـ لا بيعة ليزيد ( شارب الخمور وقاتل النفس المحرّمة والمعلن بالفسق ) :

فقد جاء في كتب التاريخ أن معاوية لما هلك بدمشق في منتصف رجب سنة ستين هجرية ، وكان ابنه يزيد في حوران ، قام الضحاك بن قيس بتكفينه ثم صلى عليه ودفنه بمقابر باب الصغير ، وأرسل البريد إلى يزيد يعزّيه بأبيه ، ويطلب منه الإسراع في القدوم ليأخذ بيعة مجدّدة من الناس ، (۱۶) فسار يزيد إلى دمشق فوصلها بعد ثلاثة أيام من دفن معاوية ، وأقبل الناس عليه يهنّئونه بالخلافة ويعزّونه بوفاة أبيه ، فقال يزيد : . . . أبشروا يا اهل الشام ، فإن الخير لم يزل فيكم ، وستكون بيني وبين أهل العراق ملحمة ، وذلك أنّي رأيت في منامي منذ ثلاث ليال كأن بيني وبين أهل العراق نهراً يطّرد بالدم جرياً شديداً ، وجعلت أجهد نفسي لأجوزه فلم أقدر حتى جازه بين يدي عبيد الله بن زياد وأنا أنظر إليه .

فصاح أهل الشام : إمض بنا حيث شئت . معك سيوفنا التي عرفها أهل العراق في صفين ، فجزاهم خيراً وفرّق فيهم أموالاً جزيلة .

وكتب إلى العمال في البلدان يخبرهم بهلاك أبيه وأقرّهم على عملهم ، وضم العراقين إلى عبيد الله بن زياد بعد أن أشار عليه بذلك سرجون مولى معاوية ، وكتب إلى الوليد بن عتبة وكان على المدينة : أما بعد ، فإن معاوية كان عبداً من عباد الله ، أكرمه واستخلصه ومكّن له ، ثم قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته .

عاش بقدر ومات بأجل ، وقد كان عهد إليّ وأوصاني بالحذر من آل أبي تراب لجرأتهم على سفك الدماء ، وقد علمت يا وليد أن الله تبارك وتعالى منتقم للمظلوم عثمان من آل أبي سفيان ، لأنهم أنصار الحق وطلاب العدل ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة على أهل المدينة .

ثم أرفق الكتاب بصحيفة صغيرة فيها : خذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ، ومن أبى فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه . (۱۷)

وقام العامل بهذه المهمة ، فبعث إلى الحسين ( عليه السلام ) وابن الزبير في منتصف الليل رجاء أن يغتنم الفرصة بمبايعتهما قبل الناس ، فوجدهما رسوله عبد الرحمن بن عمرو بن عثمان بن عفان (۱۸) في مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فارتاب ابن الزبير من هذه الدعوة التي لم تكن في الوقت الذي يجلس فيه للناس . (۱۹)

واتّضح لابن الزبير ما عزم عليه الحسين من ملاقاة الوالي في ذلك الوقت ، فأشار عليه بالترك حذار الغيلة ، فعرّفه الحسين ( عليه السلام ) القدرة على الامتناع (۲۰) ، وصار إليه الحسين ( عليه السلام ) في ثلاثين (۲۱) من مواليه وأهل بيته وشيعته شاكّين السلاح ، ليكونوا على الباب فيمنعوه إذا علا صوته (۲۲) ، وبيده قضيب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولما استقر المجلس بأبي عبد الله ( عليه السلام ) نعى الوليد إليه معاوية ، ثم عرض عليه البيعة ليزيد ، فقال ( عليه السلام ) : مثلي لا يبايع سراً . فإذا دعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم فكان أمراً واحداً . (۲۳)

فاقتنع الوليد بكلامه ، ولكن مروان ابتدر قائلاً : إنْ فارقك الساعة ولم يبايع لم تقدر منه على مثلها حتى تكثر القتلى بينكم ، ولكن احبس الرجل حتى يبايع أو تضرب عنقه . فقال الحسين : “يابن الزرقاء (۲۴) ، أنت تقتلني أم هو ؟ كذبت وأثمت” . (۲۵)

ثم أقبل على الوليد وقال : “أيها الأمير ، إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل شارب الخمور وقاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أَيُّنا أحق بالخلافة” . (۲۶)

فأغلظ الوليد في كلامه وارتفعت الأصوات ، فهجم تسعة عشر رجلاً قد انتضوا خناجرهم وأخرجوا الحسين ( عليه السلام ) إلى منزله قهراً (۲۷) ، فقال مروان للوليد : عصيتني ! فو الله لا يمكنك على مثلها .

قال الوليد : ( ويح غيرك ) يا مروان ! اخترت لي ما فيه هلاك ديني . أقتل حسيناً أن قال لا أبايع ؟! والله لا أظن امرئاً يحاسب بدم الحسين إلاّ خفيف الميزان يوم القيامة (۲۸) ، ولا ينظر الله إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم . (۲۹)

۲ـ الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان :

وفيها دلالة على حرمة الخلافة على أساس قبلي جاهلي ، فقد نقلت كتب التاريخ أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) بعد أن رفض بيعة يزيد ، لقيه مروان عند صباح اليوم الثاني ، فدار بينهما كلام ( نصح ) فيها مروان الإمام ( عليه السلام ) ببيعة يزيد ، فاسترجع الحسين ( عليه السلام ) وقال : “على الاسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان (۳۰) .

فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه ، وقد رآه أهل المدينة على المنبر فلم يبقروا ، فابتلاهم الله بيزيد الفاسق” . وطال الحديث بينهما حتى انصرف مروان مغضباً (۳۱) .

۳ـ لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوىً لما بايعت يزيد :

فقد جاء أن محمّد بن الحنفية قال للإمام الحسين ( عليه السلام ) : يا أخي ، أنت أحب الناس إليّ وأعزهم عليّ ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك ، وأنت أحق بها . تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثم ابعث برسلك إلى الناس ، فإن بايعوك حمدت الله على ذلك ، وإن اجتمعوا على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولم تذهب مروءتك ولا فضلك .

وإني أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم ، فطائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون لأوّل الأسنّة غرضاً ، فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً وأباً وأماً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً .

فقال الحسين : “فأين اذهب” ؟ قال : تنزل مكة ، فإن اطمأنّت بك الدار وإلاّ لحقت بالرمال وشعف الجبال ، وخرجت من بلد إلى آخر حتى تنظر ما يصير إليه أمر الناس ، فإنك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً حين تستقبل الأمور استقبالاً ، حين تستقبل الامور استقبالاً ، ولا تكون الأمور أبداً أشكل عليك منها حين تستدبرها استدباراً . (۳۲)

فقال الحسين : “يا أخي ، لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوىً لما بايعت يزيد بن معاوية” . فقطع محمد كلامه بالبكاء . فقال الحسين : “يا أخي ، جزاك الله خيراً . لقد نصحت وأشرت بالصواب . وأنا عازم على الخروج إلى مكة ، وقد تهيّأت لذلك أنا وأخوتي وبنو أخي وشيعتي ، أمرهم أمري ورأيهم رأيي . وأما أنت فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم ، لا تخفي عنّي شيئاً من أمورهم” . (۳۳)

۴ـ إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي محمّد ( صلى الله عليه وآله ) :

كتب الحسين ( عليه السلام ) قبل خروجه من المدينة وصيّة قال فيها : “بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ إلى أخيه محمد بن الحنفية ، أن الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده ، وأن الجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور .

وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي صلّى الله عليه وآله . أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين .

وهذه وصيّتي إليك يا أخي ، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب” . ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى أخيه محمد . (۳۴)

۵ـ ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله

فقد ذكر المؤرخون أن الحسين ( عليه السلام ) وافته في مكة كتب أهل الكوفة ، من الرجل والاثنين والثلاثة والأربعة ، يسألونه القدوم عليهم لأنهم بغير إمام ، ولم يجتمعوا مع النعمان بن بشير في جمعة ولا جماعة ، وكثرت لديه الكتب ، حتى ورد عليه في يوم واحد ستمئة كتاب ، واجتمع عنده من نوب متفرّقة اثنا عشر ألف كتاب ، وفي كل ذلك يؤكدون الطلب وهو لا يجيبهم . وآخر كتاب ورد عليه من شبث بن ربعي ، وحجّار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث ، وعزرة بن قيس ، وعمرو بن الحجّاج ، ومحمد بن عمير بن عطارد ، وفيه :

إن الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل يابن رسول الله ، فقد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار ، فأقدم إذا شئت ، فإنما تقدم على جند لك مجنّدة . (۳۵)

ولما اجتمع عند الحسين ما ملأ خرجين كتب إليهم كتاباً واحداً دفعه إلى هانئ بن هانئ السَبُعي ، وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكانا آخر الرسل .

وصورته : “بسم الله الرحمن الرحيم : من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين .

أما بعد ، فإن هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي قصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق ، وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي ، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم ، فإن كتب أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله . فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والآخذ بالقسط ، والدائن بالحق ، والحابس نفسه على ذات الله . والسلام” . (۳۶)

۶ـ رضا الله رضانا أهل البيت :

فقد ورد أن الحسين ( عليه السلام ) لما بلغه أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر ، وأمّره على الحاج ، وولاّه أمر الموسم ، وأوصاه بالفتك بالحسين ( عليه السلام ) أينما وجد (۳۷) ، عزم على الخروج من مكة قبل إتمام الحج ، واقتصر على العمرة كراهية أن تستباح به حرمة البيت . (۳۸)

وقبل أن يخرج قام خطيباً فقال : “الحمد لله ، وما شاء الله ، ولا قوة إلاّ بالله ، وصلّى الله على رسوله . خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ! وخير لي مصرع أنا لاقيه . كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلاة بين النواويس وكربلا ، فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً . لا محيص عن يوم خطّ بالقلم . رضا الله رضانا أهل البيت . نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين .

لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده . ألا ومن كان فينا باذلاً مهجته موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى” . (۳۹)

وكان خروجه ( عليه السلام ) من مكة لثمان مضين من ذي الحجة ، ومعه أهل بيته ومواليه وشيعته من أهل الحجاز والبصرة والكوفة ، الذين انضمّوا إليه أيام إقامته بمكة ، وأعطى كل واحد منهم عشرة دنانيز وجملاً يحمل عليه زاده . (۴۰)

۷ـ نحن اهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) أولى بولاية هذا الأمر :

فقد جاء أن الحسين ( عليه السلام ) بعد خروجه من مكة سار حتى نزل في شراف ، وعند السحر أمر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا ، وفي نصف النهار سمع رجلاً من أصحابه يكبّر ، فقال الحسين : “لم كبرت” ؟ قال : رأيت النخل ، فأنكر من معه أن يكون بهذا الموضع نخل وإنما هو أسنّة الرماح وآذان الخيل ، فقال الحسين : “وأنا أراه ذلك” ، ثم سألهم عن ملجاً يلجأون إليه ، فقالوا : هذا ذو حسم (۴۱) عن يسارك فهو كما تريد فسبق إليه الحسين وضرب أبنيته .

وطلع عليهم الحر الرياحي (۴۲) مع ألف فارس ، بعثه ابن زياد ليحبس الحسين ( عليه السلام ) عن الرجوع إلى المدينة أينما يجده ، أو يقدم به الكوفة ، فلما رأى سيد الشهداء ( عليه السلام ) ما بالقوم من العطش ، أمر أصحابه أن يسقوهم ويرشفوا الخيل ، فسقوهم وخيولهم عن آخرهم .

وكان علي بن الطعان المحاربي مع الحر ، فجاء آخرهم وقد أضرّ به العطش ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : “أنخ الرواية” ، وهي الجمل بلغة الحجاز فلم يفهم مراده فقال له : “أنخ الجمل” . ولما أراد أن يشرب جعل الماء يسيل من السقاء ، فقال له ريحانة الرسول : “أخنث السقاء” . فلم يدر ما يصنع لشدة العطش ، فقام ( عليه السلام ) بنفسه وعطف السقاء حتى ارتوى وسقى فرسه .

ثم إن الحسين ( عليه السلام ) استقبلهم فحمد الله وأثنى عليه وقال : “إنها معذرة إلى الله عزّ وجلّ وإليكم ، وإني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت بها عليّ رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام ، ولعل الله أن يجمعنا بك على الهدى ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فأعطوني ما أطمئن به من عهودكم ومواثيقكم ، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم” .

فسكتوا جميعاً . وأذّن الحجاج بن مسروق الجعفي لصلاة الظهر ، فقال الحسين للحر : “أتصلي بأصحابك” ؟ قال : لا ، بل نصلّي جميعاً بصلاتك ، فصلّى بهم الحسين ( عليه السلام ) .

وبعد أن فرغ من الصلاة أقبل عليهم فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) وقال : “أيها الناس ، إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين بالجور والعدوان ، وإن أبيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقّنا ، وكان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم ، انصرفت عنكم” .

فقال الحر : ما أدري ما هذه الكتب التي تذكرها ؟ فأمر الحسين عقبة بن سمعان فأخرج خرجين مملوّين كتباً . قال الحر : إني لست من هؤلاء ، وإني أُمرت ألاّ أفارقك إذا لقيتك حتى أُقدمك الكوفة على ابن زياد . فقال الحسين : “الموت أدنى إليك من ذلك ، وأمر أصحابه بالركوب ، وركبت النساء فحال بينهم وبين الانصراف إلى المدينة” . (۴۳)

۸ـ من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله:

فقد ورد أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) خطب في أصحاب الحر في البيضة (۴۴) ، فقال بعد الحمد لله والثناء عليه : “أيها الناس ، إن رسول الله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله .

ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيَّر ، وقد أتتني كتبكم ، وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم ، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله ، نفسي مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم ، ولكم فيّ أسوة ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم ، وخلعتم بيعتي من أعناقكم ، فلعمري ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم ، فالمغرور من اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ، وسيغني الله عنكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته” . (۴۵)

۹ـ إني لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً :

لقد كان نزول الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء في الثاني من المحرم سنة إحدى وستين ، (۴۶) فجمع ولده وإخوته وأهل بيته ، ونظر إليهم وبكى وقال : “اللهم إنا عترة نبيّك محمد ، قد أُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدنا ، وتعدّت بنو أمية علينا . اللهم فخذلنا ، بحقنا ، وانصرنا على القوم الظالمين” .

وأقبل على أصحابه فقال : “الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معائشهم ، فإذا مُحصّوا بالبلاء قلّ الدّيانون” . (۴۷)

ثم حمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمد وآله وقال : “أما بعد فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ، ولم يبق منها إلاّ صُبابة كصُبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل . ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله ، فإني لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً” . (۴۸)

۱۰ـ لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق :

عندما بعث الحر بن يزيد الرياحي إلى ابن زياد يخبره بنزول الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء ، كتب ابن زياد إلى الحسين ( عليه السلام ) : أما بعد يا حسين ، فقد بلغني نزولك كربلاء ، وقد كتب إليَّ أمير المؤمنين يزيد ألاّ أتو سدّ الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير ، أو تنزل على حكمي وحكم يزيد . والسلام .

ولما قرأ الحسين ( عليه السلام ) الكتاب رماه من يده وقال : “لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق” . وطالبه الرسول بالجواب فقال : “ماله عندي جواب . لأنّه حقّت عليه كلمة العذاب” .

وأخبر الرسول ابن زياد بما قاله أبو عبد الله ( عليه السلام ) ، فاشتد غضبه ، (۴۹) وأمر عمر بن سعد بالخروج إلى كربلاء لقتال الإمام الحسين ( عليه السلام ) .

۱۱ـ لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد :

عندما أقبل عمر بن سعد نحو الحسين ( عليه السلام ) في ثلاثين ألفاً ، دعا الإمام الحسين ( عليه السلام ) براحلته فركبها ، ونادى بصوت عال سمعه جلهم : “أيها الناس ، اسمعوا قولي ، ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم عليّ ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منّي العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم : ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون ) . ( إن وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين )” .

ثم قال : “الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرّته ، والشقي من فتنته ، فلا تغرّنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها ، وتخّيب طمع من طمع فيها ، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم ، وأعرض بوجهه الكريم عنكم ، وأحلّ بكم نقمته ، وجنّبكم رحمته ، فنعم الربّ ربنا وبئس العبيد أنتم! أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استخوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتّباً لكم ولما تريدون ! إنا لله وإنا إليه راجعون . هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين . (۵۰)

أيها الناس أنسبوني من أنا ، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيّكم ، وابن وصيّه وابن عمّه وأول المؤمنين بالله ، والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربّه ؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي ؟ أوليس جعفر الطيار عمّي ؟ أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ؟ فإن صدّقتموني بما أقول ـ وهو الحق ـ فو الله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه ، وإن كذّبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبا سعيد الخدري ، وسهل بن سعد الساعدي ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك ، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي ، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي” ؟!

ثم قال الحسين ( عليه السلام ) : “فإن كنتم في شك من هذا القول ، أفتشكّون أني ابن بنت نبيّكم ؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم! أتطلبوني بقتيل منكم قتلته ، أو مال لكم استهلكته ، أو بقصاص جراحة” ؟ فأخذوا لا يكلمونه ، فنادى : “يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا زيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ أن أقدم قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب ، وإنما تقدم على جند لك مجنّدة” ؟ فقالوا : لم نفعل .

قال : “سبحان الله! بلى والله لقد فعلتم . ثم قال : أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض” ، فقال له قيس ابن الأشعث : أو لا تنزل على حكم بني عمك ؟ فإنهم لن يروك إلاّ ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه .

فقال الحسين ( عليه السلام ) : “أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل ؟ لا والله ، لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفرّ فرار العبيد . عباد الله ، إني عذت بربّي وربكم أن ترجمون . أعوذ بربّي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب” .

ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها . (۵۱)

۱۲ـ هيهات منّا الذلّة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون :

وخطب الإمام الحسين ( عليه السلام ) خطبته الثانية فيمن جاء لقتاله ، حيث ركب فرسه وأخذ مصحفاً ونشره على رأسه ، ووقف بإزاء القوم وقال : “يا قوم ، إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (۵۲) .

ثم استشهدهم على نفسه المقدسة وما عليه من سيف النبي ( صلى الله عليه وآله ) ودرعه وعمامته ، فأجابوه . بالتصديق ، فسألهم عما أقدمهم على قتله ، فقالوا : طاعة للأمير عبيد الله بن زياد . فقال ( عليه السلام ) : “تبّاً لكم أيتها الجماعة وترحاً! أحين استصرختمونا وآلهين فأصرخناكم موجفين ، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم ، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم ؟ فأصبحتم ألباً لأعدائكم على أوليائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، فهلاّ لكم الويلات! تركتمونا والسيف مشيم ، والجأش طامن ، والرأي لما يستحصف ، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبى ، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها ، فسحقاً لكم يا عبيد الأمة ، وشذّاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ومحرّفي الكلم ، وعصبة الإثم ، ونفثة الشيطان ومطفئي السنن! ويحكم! أهؤلاء تعضدون ، وعنا تتخاذلون ؟ أجل والله ، غدر فيكم قديم ، وشجت عليه أصولكم ، وتأزّرت فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر ، شجىً للناظر ، وأكلة للغاصب .

ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين : بين السلّة والذلّة ، وهيهات منا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام . ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر .

أما والله لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يُركب الفرس ، حتى تدور بكم دور الرحى ، وتقلق بكم قلق المحور . عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون ) ، ( إني توكّلت على الله ربّي وربكم ما من دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم )” . (۵۳)

ثم رفع يديه نحو السماء وقال : “اللّهم أحبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف ، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مُصبِرة ، فإنهم كذبونا وخذلونا ، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك المصير . (۵۴)

والله لا يدع أحداً منهم إلاّ انتقم لي منه ، قتلة بقتلة ، وضربة بضربة ، وإنه لينتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي” . (۵۵)

۱۳ـ يا أمّة السوء !! بئسما خلفتم محمداً في عترته :

فقد روي أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) عندما ودّع عياله أمرهم بالصبر ولبس الأُزر ، وقال : “استعدّوا للبلاء ، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم ، وسينجيكم من شر الأعداء ، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذّب عدوّكم بأنواع العذاب ، ويعوّضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة ، فلا تشكّوا ، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم” . (۵۶)

ثم صاح بالقوم بصوت عال : “يا أمّة السوء !! بئسما خلفتم محمداً في عترته ! أما إنكم لا تقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله ، بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي . وايم الله ، إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون” . فقال الحصين : وبماذا ينتقم لك منا يابن فاطمة ؟ قال : “يلقي بأسكم بينكم ويسفك دماءكم ، ثم يصبّ عليكم العذاب صبّاً” . (۵۷)

۱۴ـ اللهم احكم بيننا وبين قومنا فإنهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيّك ( صلى الله عليه وآله ) :

وحتى اللحظات الأخيرة التي كان الإمام الحسين ( عليه السلام ) يجود فيها بنفسه ، وهو مضمّخ بدمه على أرض كربلاء ، لم يغفل أبداً عن مبدأيته الرسالية ، فكانت آهاته وآلامه ، وهو في تلك الحالة ، هي تسليم لأمر الله ، ونظرٌ إلى مستقبل الرسالة والأمة ، وبيان لحقيقة موقفه وموقعه من الرسالة التي حملها ، والدور الذي اضطلع به ، فمما روي أن هلال بن نافع قال : كنت واقفاً نحو الحسين وهو يجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلاً قط مضمّخاً بدمه أحسن منه وجهاً ، ولا أنور ، ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله ، فاستقى في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه ، وقال له رجل : لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها ، فقال ( عليه السلام ) : “أنا أرد الحامية ؟ وإنما أرد على جدّي رسول الله ، وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأشكوا إليه ما ارتكبتم منّي وفعلتم بي” ، فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحدهم من الرحمة شيئاً” . (۵۸)

ولما اشتد به الحال رفع طرفه إلى السماء وقال : “اللّهم متعال المكان ، عظيم الجبروت ، شديد المحال ، غنيّ عن الخلايق ، عريض الكبرياء ، قادر على ما تشاء ، قريب الرحمة ، صادق الوعد ، سابغ النعمة ، حسن البلاء ، قريب إذا دُعيت ، محيط بما خلقت ، قابل التوبة لمن تاب إليك ، قادر على ما أردت ، تدرك ما طلبت ، شكور إذا شُكرت ، ذكور إذا ذُكرت ، أدعوك محتاجاً ، وأرغب إليك فقيراً ، وأفزع إليك خائفاً ، وأبكي مكروباً ، وأستعين بك ضعيفاً ، وأتوكل عليك كافياً . اللّهم احكم بيننا وبين قومنا ، فإنهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ، ونحن عترة نبيّك ، وولد حبيبك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي اصطفيته بالرسالة ، وائتمنته على الوحي فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً يا أرحم الراحمين” . (۵۹)

صبراً على قضائك يا ربّ لا إله سواك يا غياث المستغيثين ، (۶۰) مالي ربّ سواك ولا معبود غيرك ، صبراً على حكمك يا غياث من لا غياث له ، يا دائماً لا نفاد له ، يا محيي الموتى يا قائماً على كل نفس بما كسبت ، أحكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين” . (۶۱)

المأساوية المروعة لواقعة كربلاء عنصر أساسي في تحقيق مصلحة الإسلام العليا :

لقد كان للصورة المأساوية التي تميّزت بها واقعة الطف الدامية في كل وقائعها ومفرداتها ، دور مرسوم وأثر بليغ شاءه الله سبحانه لتتحقق للإمام الحسين ( عليه السلام ) أهدافه الإلهية من خلال نهضته الكبرى ، والمتصفّح لكتب التاريخ التي تسرد تفاصيل واقعة الطف الأليمة سيهتز ضميره ويعتريه الحزن والألم الشديد ، بل تجري دمعته مع كل مفردة من مفردات الواقعة المأساوية ، منذ حركة الإمام الحسين ( عليه السلام ) بأهل بيته وأصحابه من مكّة المكرمة ، حتى استشهاده على أرض كربلاء المقدسة ، وسبي نسائه وأطفاله فيما بعد ، وفي الوقت نفسه يستعر غضباً وغيضاً على الطاغية يزيد وابن زياد وعمّالهما من قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، لشدة قسوتهم وظلمهم الذي لا حدّ له في طريقة مواجهة الإمام ( عليه السلام ) ، وقتله وقتل أهل بيته وأصحابه وسبي نساء عترة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأطفالهم .

ولقد فعلت هذه المأساة فعلها في تأجيج عواطف المسلمين ، خصوصاً أهل الكوفة وغيرها في حواضر العراق والحجاز ، وخلقت الأرضية الواسعة لأيّة مبادرة تعبوية لمواجهة الخلافة الأموية ، وكسر هيبتها ، وفضح تستّرها بستار الخلافة الإسلامية ، ولهذا نجد أن مرحلة المواجهة والجهاد العنيد لهذا الخط المنحرف قد بدأت منذ أن بدأت النهضة الحسينية الكبرى ، واشتدت بعد استشهاده ( عليه السلام ) ، وكلها تنادي بشعار الرضا من آل محمد ( عليه السلام ) ، وهو شعار الإمام الحسين ( عليه السلام ) الشهير ، الذي أطلقه في نهضته حيث قال : “رضا الله رضانا أهل البيت” .

ولم أجد أبلغ من وصف الإمام الحسن ( عليه السلام ) لمسأة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فقد روى أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) أن الحسين دخل على أخيه الحسن ( عليه السلام ) في مرضه الذي استشهد فيه ، فلما رأى ما به بكى ، فقال له الحسن : “ما يبكيك يا أبا عبد الله” ؟ قال : “أبكي لما صُنع بك” . فقال الحسن ( عليه السلام ) : “إن الذي يؤتى إليّ سمّ يدس إليّ فأقُتل به ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألفاً يدّعون أنهم من أمّة جدنا محمد ، وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء رماداً ودماً ، ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار” . (۶۲)

ولم يقف الأثر التعبوي للنهضة الحسينية عند حدٍّ مقطعي من مسيرة الأمّة ، بل تواصل بنمو نوعي وكمّي مطّرد عبر العصور ، حتى إننا نستطيع القول : إن من أبرز الأدلّة الواقعية على الأثر الدائم لهذه النهضة الخالدة في أعماق المسلمين ، وتحقيقها للهدف الشامل في تقويم المصلحة الإسلامية العليا على مستوى الرسالة والأمّة جمعاء ، هو هذا الإجماع المطلق في جميع العصور على تأييدها والتفاعل مع معطياتها ، والإدانة المطلقة ليزيد بن معاوية موقفاً ومنهجاً ، فهذه كتب الحديث والتاريخ والسِيَر لكل المذاهب والفِرَق الإسلامية تجمع على ذلك ، وهذه كتب المحدّثين من إسلاميّين وغير إسلاميّين ، ممن تناول قيام الإمام الحسين ( عليه السلام ) ونهضته بالدرس والتحليل ، تُجمع على ذلك أيضاً ، حتى لقد جاء على لسان أحدهم ، وهو الزعيم الهندي المعروف ( غاندي ) قوله : “لقد عرف الحسين كيف يكون مظلوماً فينتصر” .

ــــــــــ

۱ـ البحار ۴۴: ۲۲۵، ح ۵ .

۲ـ الطبرسي ، إعلام الورى بأعلام الهدى: ۲۱۷٫ الطبري ، دخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ۱۱۹ . الخوارزمي، مقتل الحسين ۱: ۸۷ و ۸۸ .

۳ـ الفيروز آبادي ، فضائل الخمسة ۳: ۲۶۲ . صحيح الترمذي ۲: ۳۰۷٫

۴ـ الطبرسي ، إعلام الورى : ۲۱۹ .

۵ـ ابن الصباغ المالكي ، الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة (ع) : ۱۷۱ .

۶ـ البحار ۴۴: ۲۶۱ ، ح ۱۴ .

۷ـ البحار ۴۴: ۲۶۴ و ۲۶۵، ح ۲۲ .

۸ ـ المصدر نفسه ۲۶۶، ح ۲۴ .

۹ ـ المائدة : ۱٫

۱۰ـ الإسراء : ۳۴٫

۱۱ـ الشيخ المفيد ، الإرشاد: ۲۰۰٫

۱۲ـ راجع الاحتجاج للطبرسي ۲: ۲۹۵ ـ ۲۹۶٫

۱۳ـ الطبرسي ، الاحتجاج ۲: ۲۹۶ ـ ۲۹۷٫

۱۴ـ الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر ۲: ۴۵٫ والطبرسي ، الاحتجاج : ۲۹۷ ـ ۲۹۸ .

۱۵– الطبرسي ، الاحتجاج ۲ : ۲۹۸ ـ ۲۹۹ .

۱۶ـ راجع ابن كثير الدمشقي ، البداية والنهاية ۸: ۱۴۵ .

۱۷ـ مقتل الخوارزمي ۱ ۱۷۸ ـ ۱۸۰ ط . النجف .

۱۸ـ تاريخ ابن عساكر ۴: ۳۲۷ .

۱۹ـ تاريخ الطبري ۳: ۲۷۰ .

۲۰ـ الكامل لابن الأثير ۴: ۱۵٫

۲۱ـ اللهوف للسيد رضي الدين بن طاووس .

۲۲ـ مقتل الخوارزمي ۱: ۱۸۳ ، الفصل ۸ .

۲۳ـ تاريخ الطبري ۳ : ۲۷۰ .

۲۴ـ في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ۲۲۹، طبع ايران ، والآداب السلطانية للفخري: ۸۸، أنّ جدّة مروان كانت من البغايا، وفي كامل ابن الأثير ۴: ۷۵ ، أن الناس كانوا يعيّرون ولد عبد الملك بن مروان بالزرقاء بنت موهب، لأنها من المومسات ومن ذوات الرايات .

۲۵ـ تاريخ الطبري وكامل ابن الأثير والإرشاد وإعلام الورى .

۲۶ـ مثير الأحزان لابن نما الحلّي من أعلام القرن السادس .

۲۷ـ مناقب ابن شهر آشوب ۲ : ۲۰۸٫

۲۸ـ تاريخ الطبري ۳ : ۲۷۰٫

۲۹ـ اللهوف : ۱۴٫

۳۰ـ اللهوف : ۱۳٫ ومثير الأحزان: ۱۰٫

۳۱ـ مقتل الخوارزمي ۱ : ۱۸۵، الفصل ۹ .

۳۲ـ تاريخ الطبري ۳ : ۲۷۱ ، والكامل لابن الأثير ۴: ۷ .

۳۳ـ مقتل محمد بن أبي طالب ، ولم يذكر أرباب المقاتل هذا العذر، واعتذر العلاّمة الحلّي في أجوبة مسائل ابن مهنّا بالمرض ، وفي أخذ الثار لابن نما الحلّي، ص ۸۱، إصابته بقروح فلم يتمكّن من الخروج مع الحسين (ع) .

۳۴ـ مقتل العوالم : ۵۴ ، ومقتل الخوارزمي ۱ : ۱۸۸، الفصل ۹ .

۳۵ـ ابن نما ، مثير الأحزان: ۱۱٫

۳۶ ـ تاريخ الطبري ۳: ۲۷۸٫ والأخبار الطوال: ۲۳۷٫

۳۷ـ المنتخب : ۳۰۴، الليلة العاشرة .

۳۸ـ ابن نما ، مثير الأحزان: ۸۹٫ وتاريخ الطبري ۳: ۲۹۵٫

۳۹ـ اللهوف : ۳۳ ، وابن نما، مثير الأحزان: ۲۰ .

۴۰ـ نفس المهموم : ۹۱٫

۴۱ـ حسم (بضم الحاء المهملة وفتح السين بعدها ميم): جبل كان النعمان بن المنذر يصطاد به .

۴۲ـ في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ۲۱۵: الحر بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب الردف بن هرمي بن رياح يربوع، وقيل لعتاب الردف لأن الملوك يردفونه .

۴۳ـ إرشاد المفيد . وابن شهرآشوب في المناقب ۲: ۱۹۳ .

۴۴ـ البيضة : ما بين واقعته إلى عذيب الهجانات ، وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة .

۴۵ـ تاريخ الطبري ۳: ۳۰۷ .

۴۶ـ نص عليه الطبري في تاريخه ۳: ۳۱۰، وابن الأثير في الكامل ۴: ۲۰، والمفيد في الإرشاد .

۴۷ـ البحار ۱۰: ۱۹۸٫ ومقتل الخوارزمي ۱: ۲۳۷ .

۴۸ـ هذا في اللهوف، وعند الطبري في تاريخه ۳: ۳۰۷ أنه خطب فيهم بذي حسم، وفي العقد الفريد ۲: ۳۱۲، وحلية الأولياء ۳: ۳۹، وتاريخ ابن عساكر ۴: ۳۳۳ مثل ما في اللهوف، وفي مجمع الزوائد ۹: ۱۹۲، وذخائر العقبى، ۱۴۹، وحلية الأولياء ۲: ۳۹، والعقد الفريد ۲:۳۱۲ ما يظهر منه أنه خطب بذلك يوم عاشوراء، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي ۳: ۲۰۹ لما نزل عمر بن سعد بالحسين خطب أصحابه .

۴۹ـ البحار ۱۰ : ۱۸۹، ومقتل العوالم: ۷۶ .

۵۰ـ مقتل محمد بن أبي طالب .

۵۱ـ تاريخ الطبري ۳ : ۳۱۹ .

۵۲ـ تذكرة الخواص : ۱۴۳ .

۵۳ـ تاريخ ابن عساكر ۴: ۳۳۴٫ ومقتل الخوارزمي ۲: ۷ واللهوف: ۵۴ .

۵۴ـ اللهوف : ۵۶ ط. صيدا ، ومقتل الخوارزمي ۲: ۷ .

۵۵ـ مقتل العوالم: ۸۴ .

۵۶ـ جلاء العيون للمجلسي (بالفارسية).

۵۷ـ مقتل العوالم : ۹۸ ، ونفس المهموم : ۱۸۹ ، ومقتل الخوارزمي ۲ : ۳۴ .

۵۸ـ ابن نما ، مثير الأحزان: ۴۹ .

۵۹ـ مصباح المتهجّد والإقبال وعنهما في مزار البحار : ۱۰۷، باب زيارته يوم ولادته .

۶۰ـ أسرار الشهادة: ۴۳۳ .

۶۱ـ رياض المصائب: ۳۳ .

۶۲ـ أمالي الصدوق: ۱۰۱، المجلس ۲۴٫

الكاتب: الشيخ فؤاد كاظم المقدادي