قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : معرفة آل محمد براءة من النار ، وحب آل محمد جواز على الصراط المستقيم، والولاية لآل محمد أمان من النار .
أئمة آل البيت (عليهم السلام) هم ورثة الكتاب ، وحاملوا مشعل الأسلام ، والشموس التي لاتنطفئ أبدا رغم كل قوى الظلام والقتل والتكفير من الذين أغراهم الشيطان وأصبحوا خنجرا في خاصرة الأسلام المحمدي الحنيف الطاهر. وهم الذين قضوا أعمارهم الشريفة بأخذ تعاليم الأسلام من جدهم رسول الله (ص) وبذلوا أرواحهم الأبية الطاهرة في الذود عن الأسلام ضد الطغاة والمستبدين ومحرفي شريعة رسول الله (ص) السمحاء.
وطلبوا من الموالي لهم حقا الصدق والأمانة والورع والتقوى وقول الحق والأبتعاد عن كل مفاسد الحياة وأهواء النفس والأبتعاد عن ارتكاب المحرمات التي تجعل من الأنسان عبدا ذليلا لها ليلهث راكضا وراءها ولا يشبع منها حتى آخر لحظة من حياته فيخسر دنياه وآخرته معا.
والأمام الأجل الأكرم التقي النقي الزاهد العابد (راهب آل محمد ) و( كاظم الغيظ ) و(باب الحوائج ) سابع أئمة آل البيت (ع) والعلم الجهادي الخالد هو شمس من شموس الأمة الأسلامية التي ستظل تشرق بقيمها وفضائلها وتقواها على الأرض مادامت الحياة الدنيا . ذلك الأمام المجاهد الذي سار على نهج جده المصطفى (ص) وضحى من أجل ذلك النهج القويم المستقيم بنفسه الوثابة النقية الطاهرة : والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
لقد وقف الأمام موسى الكاظم (ع) كالطود الشامخ أمام جبروت المتجبرين ، وظلم الظالمين من أتباع الشيطان وطلاب الكراسي والملك أصنام الطغيان الذين جعلوا من أئمة الهدى (عليهم السلام) ستارا يتسترون خلفه ويخفون وراءه أبشع سبل الغدر والظلم بحق آل محمد (ص) للوصول ألى غاياتهم الدنيئة في التحكم برقاب العباد على غير سنة رسول الله (ص) من أمثال المنصور الدوانيقي والمهدي والهادي وهارون من عتاة بني العباس .
الذين جاءوا باسم الثأر لمظلومية آل البيت (عليهم السلام) لكنهم قالوا شيئا وفعلوا عكس ماقالوا فشنوا حربا ضروسا لاهوادة فيها على آل البيت (عليهم السلام) وعلى من يواليهم ويتبع أثرهم الطيب السليم الخالي من كل دنس ورجس ورياء فتفوقوا على خلفاء بني أمية في الأجرام والتنكيل والقتل وتنكروا لكل مبادئ الأسلام الحقة وجعلوا منه ملكا عضوضا للوصول ألى أهدافهم الشريرة وغرقوا في أهوائهم وملذاتهم الدنيوية حتى الثمالة وملؤا قصورهم بالجواري والغلمان والقيان وشربوا كؤوس الخمر في لياليهم الحمراء وانتهكوا الحرمات وعاثوا فسادا في الأرض .
وقد شهد الأمام موسى بن جعفر الصادق (ع) تلك الموبقات والمحرمات فلم يقف مكتوف الأيدي وهو يرى شريعة جده رسول الله (ص) تنتهك أنتهاكا صارخا في وضح النهار من قبل أولئك الحكام الذي نخر الفساد عقولهم ورؤوسهم وعظامهم فكان يتصل بكل الموالين لشريعة الرسول الأعظم ص والناقمين على ذلك الطوفان من الفساد والعهر التي غرق فيه من يسمي نفسه خليفة للمسلمين ويوضح لهم واجبهم الشرعي والأنساني للوقوف بوجه منتهكي دين رسول الله ص ويوضح لهم في رسائله واتصالاته المستمرة بأن من يدعي أنه خليفة رسول الله (ص) لابد أن يكون مثالا في الصدق والورع والتقوى والبذل والتضحية في سبيل الحق والعدل وأن لايكون فاسقا ومنتهكا للحرمات ومخزنا للموبقات ورأسا للظلم والأجرام وبعيدا عن آلام رعيته وآمالها في أقامة شرع الله في الأرض .
وقد قال رسول الله (ص) (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ومن سمع رجلا ينادي ياللمسلمين ولم يجبه أحد فليس بمسلم . ) فكيف لمن يدعي أنه خليفة المسلمين وهو يرتكب كل ماحرم الله ؟ .
ومن الطبيعي أن تصل دعوته (ع) ألى ذلك الخليفة الماجن الذي يقمع كل صوت طاهر يحتج عليه وعلى فساده وأفساده بواسطة جواسيسه وعسسه المنتشرين في كل أنحاء مملكته والذين يحصون أنفاس الناس ليشوا بهم ألى سيدهم وولي نعمتهم . وهكذا كان حيث سجن هارون العباسي أمامنا الجليل التقي الزاهد موسى بن جعفر ع وكبل يديه بالأغلال في سجونه الرهيبة لعشرات الأعوام لكي يسكت الطاغية ذلك الصوت المحمدي النقي الذي تحتاجه الأمة لكي يكون هاديا لها على طريق الحق والفضيلة والأستقامة على عكس حكام الجور والظلم والفساد الذين لايهمهم أمر المسلمين بقدر ماتهمهم ملذاتهم وأهوائهم وتسلطهم على شعوبهم بالنار والحديد.
لقد أستشهد الأمام موسى الكاظم ع من أجل تلك المبادئ العظيمة وهي أحياء شريعة جده رسول الله بعدما عانى ألوانا من الظلم والأضطهاد والتنكيل والتعذيب النفسي والجسدي على أيدي سجانيه لكنه لم يساوم ولم يرضخ لأرادة الظالمين فاستشهد من أجل الحق والعدل والحرية والكرامة الأنسانية وأثبت بمواقفه الجهادية العظيمة بأنه المثل الأروع في الدفاع عن الحق ، والصبر على المحن ، والثبات في سبيل المبدأ والعقيده.
وغاب جسده الشريف وأدخله الله جنات النعيم مع جده رسول الله (ص) لكن مبادءه تحولت ألى منار شامخ وعلم بهي وشمس لاتغيب وذهب الطغاة ألى الجحيم غير مأسوف عليهم.
مهما حرف المنحرفون وشوهوا من حوادث التأريخ التي لاتخفى على كل مسلم تقي بعيد عن أي هوى طائفي باحث عن الحقيقة المجردة.وكأن لسان حال التأريخ يقول لكاظميته المقدسة التي اقترنت باسمه الجليل الأبهى يقول :
يــا قـبـة فــيـهـا الأمــــام الـكـاظـم ** رمــز الـعـلا والـمـجد فـيها iهـائم
وهي الشموخ أذا رأيت شموخها – وخلودها وكلاهما متلازم
هي قبة شماء جل وقارها – عشاقها يوم اللقاء ضراغم
بين القباب تلألأت أنوارها – والنفح من عبق الجنائن قادم
موسى بن جعفر قمة أزلية – تزهو على كل العصور مكارم
الليل فيها كالصباح منور – والفجر من نور النبوة باسم
بجوارها هام الحمام بربه – حتى انتشى وهديله متناغم
تسبيحه نغم يهز مشاعري – والدمع من عين المتيم ساجم
القبر في الزوراء فاح عبيره – وتهب من أندى الطيوب نسائم
شيدت على أرض العراق منارة – تهوى العلا والخلد فيها قائم
أن هذه الحشود المليونية المتجهة صوب الأمام موسى الكاظم لتبايعه على تلك المبادئ العظيمة التي نادى بها وهي تتعرض في مسيرتها لقنابل الحقد الطائفي الأعمى من أحفاد أبي لهب والشمر وابن ملجم وكل دهاقنة الموت والتكفير والتحريف والضلالة والعدوان فتضرج دمائهم الطاهرة جسر الأئمة من جديد الذي يختزن في ذاكرته تلك المأساة المروعة التي ذهب ضحيتها مايقارب الألف شهيد تطالب الذين يحكمون العراق اليوم ومن يأتي بعدهم أن يكونوا على مستوى المسؤولية الوطنية والأخلاقية وأن يهتدوا بهدي هؤلاء الأئمة الأطهار (عليهم السلام) لاأن يحولوا مبادءهم وكفاحهم وجهادهم ألى شعارات يتمترسون وراءها ولا يقدمون سوى الوعود الخاوية البراقة التي لاتسمن ولا تغني من جوع .
وهاهو العراق بعد أكثر من تسع سنوات عجاف من سقوط الصنم يسير من سيئ ألى أسوا نتيجة الفساد والظلم المستشري في دوائر الدولة ومؤسساتها ونتيجة الحرمان الذي تعاني منه قطاعات واسعة من هذا الشعب المضحي والصابر والذي يتعرض أبناءه لجرائم الأرهابيين الوحشية التي فاقت كل تصور.
أن الوصول ألى الحكم هو مسؤولية وطنية وأنسانية وأخلاقية عظمى تقع على عواتق من يسعون أليه ولابد أن يقرن القول بالعمل لأنقاذ هذا الشعب هكذا علمنا أئمتنا في حياتهم .
لقد قال الأمام موسى الكاظم (ع) : ( التواضع هو أن تسير مع الناس بنفس السيرة التي تحب أن يعاملوك بها . ) وهو القائل (ع) : ( كل من عشق الدنيا فأن الخوف من الآخرة يغادر قلبه . ) وقد مر (ع) على قبر وبعد أن ترحم على صاحبه قال: ( أن شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله . وأن شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف من آخره. ) فأين حكامنا الذين غرقوا في صراعاتهم من أجل منافعهم ومنافع أحزابهم وكتلهم من هذه المبادئ العظيمة التي سار عليها الأمام موسى الكاظم (ع) ؟ ومحطاتهم الفضائية التي تدعي بأنها موالية لأهل البيت (عليهم السلام) تجأر ليل نهار بخدمة الفقراء والمحرومين ولا تقدم ألا الخواء .
وقد أثبتت السنوات التسع المنصرمة ذلك بكل وضوح وجلاء ؟وقد قال الله في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم : ﴿ ياأيها الذين آمنوا أتقوا الله ولتنظر نفس ماقدمت لغد واتقوا الله أن الله خبير بما تعملون ﴾ ۱۸-الحشر. فكم من الجائعين والمرضى والمحرومين في بلاد البترول يتلوون من الألم والفقر والفاقة ولا يسمع أحد من الحكام أستغاثاتهم وكأن في آذانهم وقرا ولا يشاهدون ألا أنفسهم ومكاسبهم في الوصول ألى كراسي الحكم تاركين الشعب يعيش في مأساة لها أول وليس لها آخر.
أهكذا قال الأسلام ونبي الأسلام وأئمة الأسلام أيها السياسيون الغارقون في خلافاتكم وعقدكم وطلاسمكم من أجل شهوة الحكم ؟ أما آن الأوان لكي تتوبوا ألى رشدكم وتغيروا من مواقفكم المتصلبة من أجل المنافع الشخصية والمكاسب الحزبية ؟والله لقد خيبتم آمال الشعب وأصبحتم عبئا عليه بدل أن تكونوا عونا له على مصائبه التي يمر بها.
فسلام عليك أيها الأمام التقي ، ياحفيد رسول الله ص ياأمام الحق والتقى والهدى .. أيها الأمام المعبر عن القرآن والمستمد مبادءك من مبادئ رسول الأنسانية محمد بن عبد الله (ص) .
سلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا واللعنة الدائمة على قاتليك الذين سقطوا في قعر الجحيم وبقيت أنت شمسا تشع بأنوارها على الدنيا ولا تغيب أبدا والرحمة والرضوان للشهداء من محبيك ومواليك الذين سقطوا صرعى برصاص الغادرين المجرمين الأشرار.