عناصر الإمام الرضا (ع) ومكوناته النفسية كانت ملتقى للفضيلة بجميع أبعادها وصورها، فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الانسان الا وهي من ذاتياته، ومن نزعاته، فقد وهبه الله كما وهب آباءه العظام بكل مكرمة، وحباه بكل شرف وجعله علما لامة جده، يهتدي به الحائر، ويرشد به الضال، وتستنير به العقول، وهذه بعض خصاله، وعناصر مكارم أخلاقه:
أخلاق الإمام الرضا (ع)
إن أخلاق الإمام الرضا (ع) نفحة من أخلاق جده النبي محمد المصطفى (ص) الذي امتاز على سائر النبيين بهذه الظاهرة الكريمة، فقد استطاع (ص) بسمو أخلاقه أن يطور حياة الانسان، وينقذه من أوحال الجاهلية الرعناء، وقد حمل الإمام الرضا (ع) أخلاق جده، فكانت من أهم عناصره، انظروا ما يقوله إبراهيم بن العباس عن مكارم أخلاقه يقول:
(ما رأيت، ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا (ع)، ما جفا أحدا قط ولا قطع على أحد كلامه، ولا رد أحدا عن حاجة، وما مد رجليه بين جليسه، ولا اتكأ قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدته ومماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها، كثير المعروف والصدقة، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة)[1].
وحكمت هذه الكلمات ما اتصف به الامام علي الرضا (ع) من مكارم الأخلاق وهي:
أ- انه لم يجفو أي أحد من الناس سواء أكانوا من أحبائه أم من أعدائه، وانما كان يقابلهم ببسمات فياضة بالبشر.
ب- انه لم يقطع على أي أحد كلامه، وانما يتركه حتى يستوفي حديثه.
ج- من معالي أخلاقه انه لم يمد رجليه بين جليسه وانما يجلس متأدبا.
د- انه لم يتكئ قبل جليسه، وانما يتكئ بعده، مراعاة له.
ه- إنه لم يشتم أي أحد من مماليكه ومواليه، وان أساءوا له.
و- انه لم يترفع على مواليه ومماليكه، وكان يجلس معهم على مائدة الطعام.
ز- انه كان كثير العبادة، وكان ينفق لياليه بالصلاة وتلاوة كتاب الله المجيد.
ح- انه كان كثير المعروف والصدقة على الفقراء، وكان أكثر ما يتصدق عليهم في الليالي المظلمة لئلا يعرفه أحد.
هذه بعض مكارم أخلاقه (ع) التي شاهدها إبراهيم بن العباس.
ومن معالي أخلاقه (ع) انه كما تقلد ولاية العهد التي هي أرقي منصب في الدولة الاسلامية لم يأمر أحد من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه وانما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه، ويقول الرواة: إنه احتاج إلى الحمام فكره أن يأمر أحدا بتهيئته له، ومضى إلى حمام في البلد لم يكن صاحبه يظن أن ولي العهد يأتي إلى الحمام في السوق فيشغل فيه، وانما حمامات الملوك في قصورهم.
ولما دخل الامام الرضا (ع) الحمام كان فيه جندي، فأزال الامام (ع) عن موضعه، وأمره أن يصب الماء على رأسه، ففعل الامام الرضا (ع) ذلك، ودخل الحمام رجل كان يعرف الامام فصاح بالجندي هلكت، أتستخدم ابن بنت رسول الله (ص)؟ فذعر الجندي، ووقع على الامام الرضا (ع) يقبل أقدامه، ويقول له متضرعا: يابن رسول الله! هلا عصيتني إذ أمرتك.
فتبسم الامام الرضا (ع) في وجهه وقال له، برفق ولطف: (إنها لمثوبة وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه)[2].
ومن سمو أخلاقه أنه (ع) إذا جلس على مائدة أجلس عليها مماليكه حتى السايس والبواب، وقد اعطى بذلك درسا لهم، لقاء التمايز بين الناس وانهم جميعا على صعيد واحد، ويقول إبراهيم بن العباس: سمعت علي بن موسى الرضا (ع) يقول: حلفت بالعتق، ولا احلف بالعتق الا أعتقت رقبة، وأعتقت بعدها جميع ما أملك، ان كان يرى أنه خير من هذا، وأومأ إلى عبد أسود من غلمانه، إذا كان ذلك بقرابة من رسول الله (ص)، إلا أن يكون له عمل صالح فأكون أفضل به منه[3]، وقال له رجل: والله ما على وجه الأرض أشرف منك أبا.
فقال (ع): التقوى شرفتهم، وطاعة الله احفظتهم. وقال له شخص آخر: أنت والله خير الناس… فرد عليه قائلا:
لا تحاف يا هذا خير مني من كان أتقى الله عز وجل، وأطوع له، والله ما نسخت هذه الآية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُ)[4].
زهد الإمام الرضا (ع)
ومن ذاتيات الإمام الرضا (ع) وعناصره الزهد في الدنيا، والاعراض عن مباهجها وزينتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد قال: كان جلوس الرضا (ع) على حصيرة في الصيف، وعلى مسح[5] في الشتاء، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز الناس تزيأ[6].
ويقول الرواة: إنه (ع) التقى به سفيان الثوري، وكان الامام الرضا (ع) قد لبس ثوبا من خز، فأنكر عليه ذلك وقال له: لو لبست ثوبا أدنى من هذا؟ فأخذ الإمام الرضا (ع) يده برفق، وأدخلها في كمه فإذا تحت ذلك الثوب مسح، وقال (ع) له: يا سفيان الخز للخلق، والمسح للحق…[7].
لقد كان الزهد من أبرز الذاتيات في خلق الإمام الرضا (ع) ومن أظهر مكوناته النفسية، ويجمع الرواة انه (ع) حينما تقلد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة، ولم يقم لها أي وزن ولم يرغب في أي موكب رسمي، وكره (ع) مظاهر العظمة التي يقيمها الناس لملوكهم.
سخاء الإمام الرضا (ع)
ولم يكن شيء في الدنيا أحب إلى الإمام الرضا (ع) من الاحسان إلى الناس والبر بالفقراء، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من جوده واحسانه كان منها ما يلي:
1- انه أنفق جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان، وذلك في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل، وقال له: إن هذا المغرم…
فأجابه الامام الرضا (ع): بل هو المغنم لا تحدث مغرما ما ابتغيت به أجرا وكرما[8].
انه ليس من المغرم في شئ صلة الفقراء والاحسان إلى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى، وانما المغرم هو الانفاق بغير وجه مشروع كانفاق الملوك والوزراء الأموال الطائلة على المغنيين والعابثين.
2ـ وفد عليه رجل فسلم عليه، وقال له: أنا رجل من محبيك ومحبي آبائك، ومصدري من الحج، وقد نفذت نفقتي، وما معي ما أبلغ مرحلة، فان رأيت أن ترجعني إلى بلدي، فإذا بلغت تصدقت بالذي تعطيني عنك، فقال له: اجلس رحمك الله واقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا، وبقي هو وسليمان الجعفري، وحيثمة، فاستأذن الامام منهم ودخل الدار ثم خرج ورد الباب وخرج من أعلى الباب، وقال: أين الخراساني، فقام إليه فقال (ع) له: خذ هذه المائتي دينار واستعن بها في مؤونتك ونفقتك، ولا تتصدق بها عني، وانصرف الرجل مسرورا قد غمرته نعمة الامام، والتفت إليه سليمان فقال له:
جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك عنه…
فاجابه (ع): انما صنعت ذلك مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله (ص): المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة، والمذيع بالسيئة مخذول… أما سمعت قول الشاعر:
متى آته يوما لأطلب حاجة ** رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه[9]
3ـ ومن سخائه أنه إذا أتي بصفحة طعام عمد إلى أطيب ما فيها من طعام، ووضعه في تلك الصفحة ثم يأمر بها إلى المساكين، ويتلو هذه الآية (فَلَا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ)[10]، ثم يقول: علم الله عز وجل أن ليس كل انسان يقدر على عتق رقبة فجعل له السبيل إلى الجنة[11].
4ـ من بوادر جوده (ع) وكرمه أن فقيرا قال له: أعطني على قدر مروتك.
فاجابه الامام الرضا (ع): لا يسعني ذلك.
والتفت الفقير إلى خطأ كلامه فقال ثانيا: اعطني على قدر مروتي.
وقابله الامام الرضا (ع) ببسمات فياضة بالبشر قائلا: اذن نعم.
وأمر له بمائتي دينار[12]، ان مروءة الامام (ع) لا تعد فلو أعطاه جميع ما عنده فان ذلك ليس على قدر مروءته ورحمته التي هي امتداد لمروءة جده الرسول الأعظم (ص).
هذه بعض بوادر كرمه، وهي تنم عن نفس خلقت للإحسان والبر والمعروف.
تكريم الإمام الرضا (ع) للضيوف
كان (ع) يكرم الضيوف، ويغدق عليهم بنعمه واحسانه وكان يبادر بنفسه لخدمتهم، وقد استضافه شخص، وكان الامام يحدثه في بعض الليل فتغير السراج فبادر الضيف لاصلاحه فوثب الامام الرضا (ع) وأصلحه بنفسه، وقال لضيفه: انا قوم لا نستخدم أضيافنا[13].
عتق الإمام الرضا (ع) للعبيد
ومن أحب الأمور إلى الإمام الرضا (ع) عتقه للعبيد، وتحريرهم من العبودية، ويقول الرواة: انه (ع) أعتق الف مملوك.
احسان الإمام الرضا (ع) إلى العبيد
وكان الإمام الرضا (ع) كثير البر والاحسان إلى العبيد، وقد روى عبد الله بن الصلت عن رجل من أهل بلخ، قال: كنت مع الإمام الرضا (ع) في سفره إلى خراسان فدعا يوما بمائدة فجمع عليها مواليه، من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة فأنكر عليه ذلك وقال له: “ان الرب تبارك وتعالى واحد، والام واحدة، والجزاء بالاعمال…”[14].
ان سيرة أئمة أهل البيت (ع) كانت تهدف إلى الغاء التمايز بالتقوى والعمل الصالح.
علم الإمام الرضا (ع)
والشئ البارز في شخصية الإمام الرضا (ع) هو احاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف، فقد كان باجماع المؤرخين والرواة اعلم أهل زمانه، وأفضلهم وأدراهم بأحكام الدين، وعلوم الفلسفة والطب وغيرها من سائر العلوم، وقد تحدث عبد السلام الهروي عن سعة علومه (ع)، وكان مرافقا له يقول:
“ما رأيت اعلم من علي بن موسى الرضا، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء والأديان، وفقهاء الشريعة، والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد الا أقر له بالفضل، وأقر له على نفسه بالقصور، ولقد سمعته يقول: كنت اجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا عي الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم، وبعثوا إلي المسألة فأجيب عنها”[15].
لقد كان الامام الرضا (ع) اعلم أهل زمانه، كما كان المرجع الاعلى في العالم الاسلامي الذي يرجع إليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة، والفروع الفقهية.
ويقول إبراهيم بن العباس: “ما رأيت الرضا يسأل عن شئ قط إلا علم، ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان الأول، إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجيب…”[16].
لقد كان الإمام الرضا (ع) من عمالقة الفكر في الاسلام وهو ممن صنع للمسلمين حياتهم العلمية والثقافية.
وقال المأمون: “ما اعلم أحدا أفضل من هذا الرجل (يعني الإمام الرضا (ع)) على وجه الأرض”[17].
وقد دللت مناظراته (ع) في خراسان والبصرة والكوفة حيث سئل عن أعقد المسائل، فأجاب عنها جواب العالم الخبير المتخصص وقد أذعنت له جميع علماء الدنيا – في عصره – وأقروا له بالفضل والتفوق عليهم.
معرفة الإمام الرضا (ع) بجميع اللغات
وظاهرة أخرى من علومه (ع) ومعرفته التامة، واحاطته الشاملة بجميع اللغات، ويدلل على ذلك ما رواه أبو إسماعيل السندي، قال: سمعت بالهند ان لله في العرب حجة، فخرجت في طلبه، فدللت على الرضا (ع) فقصدته وانا لا أحسن العربية، فسلمت عليه بالسندية، فرد علي بلغتي، فجعلت أكلمه بالسندية، وهو يرد علي بها، وقلت له: اني سمعت ان لله حجة في العرب، فخرجت في طلبه، فقال (ع): انا هو، ثم قال لي: سل عما أردته فسألته عن مسائل فأجابني عنها بلغتي[18].
وقد اكد هذه الظاهرة الكثيرون ممن اتصلوا بالامام (ع)، يقول أبو الصلت الهروي: كان الرضا (ع) يكلم الناس بلغاتهم، فقلت له: في ذلك فقال:
“يا أبا الصلت انا حجة الله على خلقه، وما ان الله ليتخذ حجة على قوم، وهو لا يعرف لغاتهم، أو ما بلغك قول أمير المؤمنين (ع): أوتينا فصل الخطاب، وهل هو الا معرفته اللغات[19].
إخبار الإمام الرضا (ع) عن الملاحم والاحداث
أخبر الإمام الرضا (ع) عن كثير من الملاحم والاحداث قبل وقوعها، وتحققت بعد ذلك على الوجه الأكمل الذي أخبر به، وهي تؤكد – بصورة واضحة – أصالة ما تذهب إليه الشيعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت (ع) المزيد من الفضل والعلم، كما منح رسله، ومن بين ما أخبر به ما يلي:
1- روى الحسن بن بشار قال: قال الرضا (ع): ان عبد الله – يعني المأمون – يقتل محمدا – يعني الأمين – فقلت له: عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون، قال (ع): نعم، عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد… وكان يتمثل بهذا البيت:
وان الضغن بعد الضغن يفشو ** عليك، ويخرج الداء الدفينا[20]
ولم تمض الأيام حتى قتل المأمون أخاه الأمين.
2- ومن بين الاحداث التي أخبر عنها (ع): إنه لما خرج محمد بن الإمام الصادق (ع) بمكة، ودعا الناس إلى نفسه، وخلع بيعة المأمون، قصده الإمام الرضا (ع)، وقال له: يا عم لا تكذب أباك، ولا أخاك – يعن الإمام الكاظم (ع) – فان هذا الامر لا يتم، ثم خرج، ولم يلبث محمد الا قليلا حتى لاحقته جيوش المأمون بقيادة الجلودي، فانهزم محمد ومن معه، وطلب الأمان، فآمنه الجلودي، وصعد المنبر وخلع نفسه، وقال: ان هذا الامر للمأمون وليس لي فيه حق[21].
4- روى الحسين نجل الإمام موسى (ع) قال: كنا حول أبي الحسن الرضا (ع)، ونحن شبان من بني هاشم إذ مر علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رث الهيئة فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئته، فقال الرضا (ع): لترونه عن قريب كثير المال، كثير التبع، فما مضى إلا شهر ونحوه، حتى ولي المدينة وحسنت حاله[22].
5- أخبر (ع) عن نكبة البرامكة، فقد روى مسافر قال: كنت مع أبي الحسن علي الرضا (ع)، فمر يحيى بن خالد البرامكي، وهو مغط وجهه بمنديل من الغبار، فقال (ع): مساكين هؤلاء ما يدرون ما يحل بهم في هذه السنة.
وأضاف الامام الرضا (ع) قائلا: وأعجب من هذا انا وهارون كهاتين، وختم إصبعيه السبابة والوسطى.
قال مسافر: فوالله ما عرفت معنى حديثه في هارون الا بعد موت الرضا (ع)، ودفنه بجانبه[23].
وذكر الرواة بوادر كثيرة من الملاحم والاحداث التي أخبر عنها (ع) قبل وقوعها وهي تدلل على ما منحه الله من العلم بمجريات الاحداث الذي خص به أولياءه وعباده الصالحين.
عبادة الإمام الرضا (ع) وتقواه
ومن أبرز ذاتيات الإمام الرضا (ع) انقطاعه إلى الله تعالى، وتمسكه به، وقد ظهر ذلك في عبادته (ع)، التي مثلت جانبا كبيرا من حياته الروحية التي هي نور، وتقوى وورع يقول بعض جماعته: ما رأيته قط إلا ذكرت قوله تعالى: (كَانُوا قَلِيلَاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)[24]، ويقول الشبراوي عن عبادته: إنه كان صاحب وضوء وصلاة، وكان في ليله كله يتوضأ ويصلي، ويرقد وهكذا إلى الصباح[25].
لقد سرى حب الله في قلب الامام الرضا (ع)، وتفاعل في عواطفه ومشاعره حتى صار عنصرا من عناصره وذاتيا من ذاتياته.
تسلح الإمام الرضا (ع) بالدعاء
ومن مظاهر حياة الامام الرضا (ع) الروحية تسلحه بالدعاء إلى الله تعالى والتجائه إليه في جميع أموره، وكان يجد فيه متعة روحية لا تعادلها أية متعة من متع الحياة، وقبل ان نعرض لبعض أدعيته، نذكر ما أثر عنه من أهمية الدعاء وغيره:
الدعاء سلاح الأنبياء: حث الإمام الرضا (ع) أصحابه على الدعاء إلى الله، فقال لهم: عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل له: وما سلاح الأنبياء؟ قال (ع): الدعاء[26].
اخفاء الدعاء
وأوصى الامام الرضا (ع) أصحابه باخفاء الدعاء، وأن يدعو الانسان ربه سرا لا يعلم به أحد، قال (ع): دعوة العبد سرا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية[27].
حرز الإمام الرضا (ع)
كان الإمام الرضا (ع) يتسلح بهذا الدعاء الشريف “بسم الله الرحمن الرحيم، يا من لا شبيه له، ولا مثال، أنت الله لا إله إلا أنت، ولا خالق إلا أنت، تفني المخلوقين، وتبقى، أنت حلمت عمن عصاك وفي المغفرة رضاك”[28].
كما كان متشبثا بهذا الدعاء الجليل: “استسلمت يا مولاي لك وأسلمت نفسي إليك، وتوكلت في كل أموري عليك، وأنا عبدك وابن عبديك، فأخبأني اللهم في سترك عن شرار خلقك، واعصمني من كل اذى وسوء بمنك، واكفني شر كل ذي شر، بقدرتك.
اللهم من كادني أو أرادني فاني أدرأ بك في نحره، فسد عني أبصار الظالمين إذ كنت ناصري، لا إله إلا أنت يا أرحم الراحمين وإله العالمين، أسألك كفاية الأذى، والعافية والشفاء والنصر على الأعداء، والتوفيق لما تحب ربنا، ويرضي، يا رب العالمين، يا جبار السماوات والأرضين، يا رب محمد وآله الطيبين الطاهرين، صلواتك عليهم أجمعين”[29].
لقد استسلم الإمام الرضا (ع)، وأسلم نفسه، وجميع أموره للواحد القهار الذي بيده جميع مجريات الاحداث، وقد احتجت بهذا الدعاء ليرد الله عنه كيد المعتدين، وظلم الظالمين.
من ادعية الإمام الرضا (ع)
وأثرت عن الإمام الرضا (ع) كوكبة من الأدعية الشريفة كان من بينها ما يلي:
1- من أدعيته (ع) هذا الدعاء يطلب فيه الإمام الرضا (ع) الامن والايمان قال: “يامن دلني على نفسه، وذلل قلبي بتصديقه، أسألك الامن والايمان في الدنيا والآخرة”[30].
وحفل هذا الدعاء على ايجازه، بظاهرة من ظواهر التوحيد وهي ان الله تعالى دلل على ذاته، وعرف نفسه لخلقه، وذلك بما أودعه، وأبدعه، في هذا الكون من العجائب والغرائب، وكلها تنادي بوجوده.
2- وكان (ع) يدعو بهذا الدعاء الجليل: “اللهم اعطني الهدى وثبتني عليه، واحشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه، ولا حزن ولا جزع إنك أهل التقوى، وأهل المغفرة…”[31].
لقد دعا الإمام الرضا (ع) بطلب الهداية، والانقياد الكامل إلى الله الذي هو من أعلى درجات المقربين والمنيبين إلى الله تعالى.
هذه بعض ادعيته (ع) وهي تكشف عن جانب من حياته الروحية وهي الانقطاع إلى الله والاتصال به، والاعتصام بحبله.
الاستنتاج
كان الإمام الرضا (ع) كما ورد قمة في الأخلاق الفاضلة والزهد، والسخاء، وتكريم الضيوف، وعتق العبيد، والإحسان إليهم، كما كان قمة في العلم والمعرفة بجميع اللغات، ومن الأدلة على علمه إخباره عن بعض الملاحم والاحداث، وكان قمة في العبادة والتقوى، والتسلح بالدعاء، كما كان له حرز وأدعية ذكرتها كتب الأدعية.
الهوامش
[1] القرشي، حياة الإمام محمد الجواد (ع)، ص37.
[2] الشبلنجي، نور الابصار، ص138.
[3] المجلسي، بحار الأنوار، ج12، ص28.
[4] الحجرات، 13.
[5] المسح: الكساء من الشعر
[6] الصدوق، عيون أخبار الرضا (ع)، ج2، ص178.
[7] القرشي، حياة الإمام محمد الجواد (ع)، ص39.
[8] القرشي، حياة الإمام محمد الجواد (ع)، ص40.
[9] المجلسي، بحار الأنوار، ج12، ص28.
[10] البلد، 11.
[11] المجلسي، بحار الأنوار، ج12، ص28.
[12] أخطب خوارزم، المناقب، ج4، ص361.
[13] المجلسي، بحار الأنوار، ج12، ص18.
[14] المجلسي، بحار الأنوار، ج12، ص18.
[15] الأربلي، كشف الغمة، ج3، ص107.
[16] الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص180.
[17] الأمين، أعيان الشيعة، ج4، ق2.
[18] المجلسي، بحار الأنوار، ج12، ص15.
[19] أخطب خوارزم، المناقب، ج4، ص333.
[20] أخطب خوارزم، المناقب، ج4، ص335.
[21] المجلسي، بحار الأنوار، ج12، ص13.
[22]المجلسي، بحار الأنوار، ج12، ص13.
[23] الشبراوي، الاتحاف بحب الاشراف، ص59.
[24] الذاريات، 17.
[25] الشبراوي، الاتحاف بحب الاشراف، ص59.
[26] الكليني، الكافي، ج2، ص368.
[27] الكليني، الكافي، ج2، ص476.
[28]ابن طاووس، مهج الدعوات، ص44.
[29] الطوسي، المصباح، ص217.
[30] أصول الكافي 2 / 579 .
[31] الأمين، أعيان الشيعة، ج4، ق2، ص197.
مصادر البحث
1ـ ابن طاووس، علي، مهج الدعوات ومنهج العبادات، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الثانية، 1424 ه.
2ـ أخطب خوارزم، موفق، المناقب، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1411 ه.
3ـ الأربلي، علي، كشف الغمة في معرفة الإئمة، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1421 ه.
4ـ الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، بيروت، دار التعارف، بلا تاريخ.
5ـ الشبراوي، عبد الله، الاتحاف بحب الأشراف، قم، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1423 ه.
6ـ الشبلنجي، مؤمن، نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار (ص)، قم، منشورات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1380 ه.
7ـ الصدوق، محمّد، عيون أخبار الرضا (ع)، تصحيح وتعليق حسين الأعلمي، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، طبعة 1404 ه.
8ـ الطوسي، محمّد، مصباح المتهجّد، بيروت، مؤسّسة فقه الشيعة، الطبعة الأُولى، 1411 ه.
9ـ القرشي، باقر، حياة الإمام محمّد الجواد (ع)، تحقيق مهدي باقر القرشي، نشر قسم الشؤون الفكرية والثقافية ـ العتبة الكاظمية المقدّسة، طبعة 1431 ه.
10ـ الكليني، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.
11ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف بسيط)
القرشي، باقر، حياة الإمام الرضا (ع)، قم، انتشارات سعيد بن جبير، الطبعة الأُولى، 1372 ش.