حكومة الإمام علي (ع)
اتسمت الدولة خلال حكم علي بن ابي طالب (ع) بالكثير من المنجزات المدنية والحضارية منها تنظيم الشرطة، وإنشاء مراكز متخصصة لخدمة العامة كدار المظالم ومربد الضوال وبناء السجون، وكان يدير حكمه انطلاقا من دار الإمارة، كما ازدهرت الكوفة في عهده وبنيت بها مدارس الفقه والنحو وقد أمر علي بن أبي طالب (ع) أبا الأسود الدؤلي بتشكيل حروف القرآن لأول مرة، ويعتقد بعض الباحثين أنه أول من سك الدرهم الإسلامي الخالص، مخالفين بهذا المصادر التاريخية الأخرى التي تقول أن عبد الملك بن مروان هو أول من ضرب الدراهم الإسلامية الخالصة.
بعد اغتيال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على يد عبد الرحمن بن ملجم تمت البيعة لابنه الحسن بن علي الذي قضى ما يقارب السبعة أشهر في الحكم قبل أن يتنازل عن الخلافة لمعاوية محققا بذلك ما يؤمن المسلمون بكونها نبؤة للرسول محمد بأنه سيد وسيصلح بين فئتين عظيمتين .
بعد مقتل عُثمان بن عفَّان اتخذ الانقسام الذي أفرزته الثورة عليه طابعًا نهائيًّا، بفعل عمق الجرح واتساع الهوَّة بين الفئات المُتناقضةِ التوجهاتِ في المُجتمع الإسلامي، وخَلَق فرزًا اجتماعيًّا جذريًّا بين الجمهور القبلي من جانب، وبين النخبة القُرشيَّة من جانبٍ آخر، بالإضافة إلى ولادة الفِرق السياسيَّة، ونُشوء الفكر السياسي في تاريخ الإسلام.
كان الخيار المطروح بعد مقتل عُثمان هو إمَّا العودة إلى نظام اسلامي يعتمد أساسًا على المصالح القبليَّة وقيمها، وإمَّا الاستمرار على نهج عُثمان من واقع النظام الجديد الذي يعتمد على أولويَّة المصالح القُرشيَّة، وقد توزَّعت مواقف الصحابة بخاصَّة والمُسلمين بعامَّة بين هذين الخيارين، وقد تبنّى علي بن أبي طالب (ع) مطالب الثائرين في حين جسَّد مُعاوية بن أبي سُفيان الاستمراريَّة الحيَّة المُباشرة لنهج عُثمان.
كان الثائرون لا يزالون يُسيطرون على المدينة، ويملكون ناصية القرار السياسي والعسكري، إلَّا أنهم لم يُمارسوا السلطة فعليًّا، وافتقروا إلى الرؤية الواضحة للخروج من المأزق الذي خلقته حركتهم، هذا في الوقت الذي أخذ فيه مُعظم الصحابة يتوارون عن الأنظار في عاصمة الخِلافة، مُفضِّلين الابتعاد عن التطوّرات التي أفلتت من أيديهم، وكان الفراغ في السُلطة يُنذر بأسوأ النتائج، وهذا دفع عليًّا بقبول البيعة خوفًا من الفتنة، وخشيةً على الدين والمُسلمين من مزيدٍ من التمزّق، وهدف إلى وأد الفتنة وإعادة تجميع جسم الأمَّة المُتناثر وترميم النظام القائم للسُلطة، وتعزيز التواصل بين القوى الاجتماعيَّة الأكثر اعتدالًا والأقل تورُّطًا في قتل عُثمان.
وكان التغيير الأكثر إلحاحًا، من وجهة نظر عليّ، هو إعادة النظر في الجهاز الإداري المسؤول مُباشرةً، بوصفه الأداة التنفيذيَّة للخِلافة، وذلك من واقع تغيير العُمَّال والموظفين، غير أنَّ التصدّي لرواسب النظام السابق كان يعني المُواجهة مع قوى نافذة بلغت مبلغًا كبيرًا من القوَّة، بالإضافة إلى الاصطدام مع عدد من كِبار الصحابة الذين وقفوا موقفًا سلبيًّا، لذلك كان من الضروري أن يُسبَق قرارُ التغييرِ باتخاذِ خطوات تُمهّد لتنفيذه من أجل تجنّب إثارة المُعترضين، وهذا ما أشار به عبد الله بن عبَّاس، وهو الإبقاء على عُمَّال عُثمان بالتريّث في هذا الأمر حتى تهدأ الأوضاع وتستقر، وتتوطَّد له أسباب الحُكم، ثمَّ ينظر ما يكون.
والرَّاجح أنَّ عليًّا أدرك ذلك، إلَّا أنَّ موقف الثائرين في المدينة، والجوّ العام في الأمصار المشحون بالنقمة كان ضاغطًا، بالإضافة إلى ذلك أنَّ عليًّا كان شديدًا في الحق، لا يستطيع أن “يُداهن في دينه” والتفَّ حول عليّ كِبار أعلام بني طالب وبني هاشم؛ مثل: عبد الله بن عبَّاس ومحمد بن جعفر ومحمد بن الحنفيَّة، بالإضافة إلى شخصيَّات صحابيَّة كُبرى؛ ثم ان ماحصل ما كان منتظرا من مُعاوية بن أبي سُفيان والي الشام، الذي رفض الدخول في طاعة عليّ وكان مُعاوية قد استمال أهل الشام إليه.
ثم لقي عائشة بنت أبي بكر زوجة الرسول مُحمَّد (ص ) وسُرعان ما استقطبت دعوة عائشة كل الذين يُحاولون إسقاط عليّ بن أبي طالب، وبخاصَّة أفراد الأسرة الأمويَّة؛ فانضمَّ إليها الكثيرون، وساروا إلى المدينة المنوَّرة، في ذلك الحين كان عليّ قد قرر الخروج نهائيًّا من المدينة المنوَّرة وجعل الكوفة مقرًّا له؛ فهي في نظره مُستقر أعلام ورجال العرب وقد اتخذ هذا القرار من واقع استحالة البقاء في الحجاز الذي أفرغته الفتوح من طاقاته البشريَّة والاقتصاديَّة.
وقد حاول عليّ حقن الدماء، ودعا إلى الصُلح حتى لا يُقاتل المُسلمون بعضُهم بعضًا، فاقتنع الزُبير وانسحب من المُواجهة ومضى نحو البصرة، بقصد العودة إلى الحجاز، لكنَّه قُتل غدرًا بوادي السباع.
ووقعت المعركة بين التيَّارين الهاشمي والعُثماني في آخر شهر جمادى الآخرة سنة 36هـ الموافقة لسنة 656م، وانتهت بانتصار عليّ بن أبي طالب في يومٍ واحد، ثمَّ أعطى عليٌّ أمره إلى محمَّد بن أبي بكر بأن يوصل أخته عائشة إلى المدينة المنوَّرة، بعد أن جهَّزها بالزاد والمتاع، وسيَّر معها سبعين امرأة من عبد القيس في ثياب الرجال، وقيل أربعون امرأة.
ثم جاءت حيلة رفع المصاحف ومعركة صفين وجاءت فئة أنكرت على عليّ قبوله بتحكيم الناس، مُعتبرةً أنَّ الحكم لله وحده، وطالبت المضيّ بالقتال حتى القضاء على مُعاوية فاضطرَّ عليّ إلى مُهادنته على أن يكون لعليّ مُلك العراق ولمُعاوية مُلك الشام، وقد استطاع عبد الرحمن بن ملجم إصابة عليّ بجُرحٍ بالغ واستشهد عليّ بعد يومين من الحادثة عن 63 سنة، وقيل 65 أو 68.
بعد استشهاد عليّ بن أبي طالب بويع الحسن، وكان الحسن لا يُريد القتال وهو يُدرك توحّد كلمة أهل الشام حول مُعاوية وتفرّق أهل العراق رغم مُبايعتهم له؛ فلم يعد يثق بهم بعد أن خذلوه كما خذلوا أباه في صفّين واصطلح مع الحسن على أن يتولّى مُعاوية الخِلافة ما كان حيًّا، فإذا مات فالأمر للحسن في حين رحل الحسن إلى المدينة المُنوَّرة لينزوي بها مع من بقي من الصحابة وأبنائهم، وقد سُمّي هذا العام “بعام الجماعة” لإجماع المُسلمين فيه على خليفةٍ واحد، ومن هنا بدأت الخلافة الاموية.
لما انقضى عهد الخلفاء الراشدين وقامت الدولة الأموية ، استحالت الخلافة إلى ملك استبدادي ولم تستطيع الأمة أن تثور في وجه الأمويين على أنه قد وجد فريق من المسلمين يبرر هذه الحالة بذكر أحاديث رويت عن النبي (ص) تحض الناس على طاعة الحاكم والخضوع لحكمة فقد أشرعته أنه قال : (سيليكم بعدى البر ببره ، ويليكم الفاجر بفجوره فاسمعوا وأطيعوا في كل ما وافق الحق ، فإذا أحسنوا فلكم ولهم ، وإن أساءوا فلكم وعليهم) . (المصدر : المعجم الأوسط).
حيث عمل مُعاوية خلال عهده على جعل الخِلافة محصورة في البيت الأموي وجعلها وراثيَّة عن طريق البيعة لابنه يزيد، وعندها ظهر نظام التوريث وانتقلت الدولة من ذلك النظام الذي ساد عهد الخلفاء الراشدين إلى النظام الذي سار عليهم الأمويون في حكم الدولة الإسلامية وبذلك أصبحت الخلافة الأموية أقرب إلى السياسة منها إلى الدين واستحالت بذلك إلى ملك استبدادي .
فبعد استشهاد الحسن (ع) سنة 49هـ المُوافقة لسنة 670م، سنحت الفُرصة التي كان ينتظرها مُعاوية، فدبَّر مُبايعة ابنه من قِبل وفودٍ تنوب عن أهل العراق والشام، في حين عارض أبناء الحجاز، وبالأخص أبناء المدينة المُنوَّرة.
بعد تقلد معاوية بن أبي سفيان للخلافة في دمشق عمل على التوصية بالخلافة – خلال حياته – لابنه يزيد بن معاوية ، وبعد وفاة معاوية أصبح ابنه يزيد هو الحاكم الجديد مما أدى إلى رفض بعض الصحابة من ضمنهم الحسين بن علي (ع) لذلك الأمر ، فقرر الحسين (ع) رفض أن تتحول الخلافة إلى حكم وراثي ، مما أدى لنشوب معركة كربلاء – وهي الحدث الابرز في نظام الحكم الذي شكل وصمة عار دامت حتى الان – التي استشهد فيها الامام الحسين على يد عبيد الله بن زياد بأمر من يزيد.
وبعد وفاة يزيد تولى ابنه معاوية بن يزيد مقاليد الحكم وراثيا ولكنه أعلن رفضه للأمر وقرر الانعزال وترك الأمر شورى بين المسلمين ، وفي تلك الأثناء كانت البيعة قد تمت لعبد الله بن الزبير في العراق وأصبح بذلك الخليفة الشرعي وبشكل تمرد على الدولة الأسلامية ، إلا أن مروان بن الحكم وقف في وجه هذا التمرد وتم اختياره من قبل الأغلبية خليفة للمسلمين ومن بعده ابنه عبد الملك بن مروان والذي خرج على الخليفة في الحجاز عبد الله بن الزبير ونشبت معارك قادها رجل عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي انتهت بمقتل الخليفة عبد الله بن الزبير بجوار الكعبة لينتهي بذلك الأمل في عودة الخلافة إلى شورى بين المسلمين ، وبشكل عام تعتبر بداية تولي معاوية بن أبي سفيان هي بداية نهاية الخلافة وتحولها الى ملك عضوض وحكم وراثي منحصر في أسر حاكمة تتنافس فيما بينها على الحكم.
أشار المسعودي أنّ مصطلح الخليفة شاع في خلافة بني أمية (خليفة الله) عندما خاطب يزيد بن معاوية عند تولية الخلافة ( 61 هـ / 680 م ) ، وأضيف بعض الألقاب فمعاوية يلقب ( الناصر لحق الله ) ، ويزيد ( المستنصر على أهل الزيغ ) ومعاوية بن يزيد بن معاوية ( الراجع إلى الله ) ومروان بن الحكم ( المؤتمن بالله ) وألقاب ما أنزل الله بها من سلطان الا ليتبثوا انظمة حكمهم التي كانت مثقلة بالأخطاء والمشاكل .
النظم الإدارية في الدولة الأموية
وتميزت الدولة الاموية بالنظم الإدارية في التالية :
1ـ التقسيمات الإدارية .
2ـ المؤسسات الإدارية في الدولة الأموية .
أـ الدواوين ، ب ـ القضاء
3ـ المؤسسات الأمنية .
أـ الحاجب ب ـ الحرس ج ـ الشرطة
كانت علاقة الولاة تقوم على مبدأ تصريف شؤون الولاية سواء كانوا عرب أو موالي وكانت سلطة الوالي في عهد الأمويين مطلقة حتى على الأرواح ، كما يتبين من ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي ، وزياد بن أبيه ، فكان الولاة يجمعون الأموال حسبما يرى الوالي دون مراجعة الخليفة .
عندما وصل بنو أمية إلى سدة الحكم سنة 40 هـ / 660 م ، كان الوازع الديني الذي كان الناس يسلمون بمقتضاه لولى الأمر الشرعي قد أخذ يخفت تدريجياً ليحل محله وازع القوة أو البطش ومن هنا سلم الناس مقاليدهم لحاكم باطش قبضته من حديد استهوته السلطة وبذلك استحالت الخلافة إلى ملكية وراثية يمارس فيها كل ملك نظاماً أوتوقراطيا (الحاكم الفرد) تتجسد فيه المركزية السياسية بوضوح .
المجتمع في عهد الدولة الأموية
يمكن القول بأن المجتمع في عهد الدولة الأموية:
1ـ على الرغم من عدم امتلاكه تدرجًا اجتماعيًّا دقيقًا أو صارمًا، قد تألف من خمس طبقات أساسية؛ هي: الخلفاء والولاة والعلماء والأثرياء والعامة.
2ـ المجتمع اتسم في العصر الأموي بالترف الكثير، على النقيض من عهود الإسلام السابقة.
3ـ السلطة والقوة هي ما تمكن الشخص من الوصول إلى النفوذ.
4ـ حظر السلطة على يد شخص واحد وهي من الأفكار التي كانت تعد غريبة على المجتمع العربي في ذلك الوقت.
5ـ كانت الملوك في تلك الفترة طغاة وممقوتة من قبل الجميع.
حكومة العباسيين
حكمت الدولة العباسية زهاء خمسة قرون ، ساست فيها العالم ، وفى ذلك يقول الفخرى صاحب الآداب السلطانية ( واعلم ان هذه الدولة من كبار الدول ، ساست العالم سياسة ممزوجة بالدين والملك ، فكان أخيار الناس وصلحاؤها يطيعونها تدينا ، والباقون يطيعونها رهبة أو رغبة ) ويضيف فيقول ( انها كانت دولة كثيرة المحاسن ، جمة المكارم ، أسواق العلوم فيها قائمة ، وبضائع الآداب فيها نافقة ، وشعائر الدين فيها معظمه ، والخيرات فيها دارة ، والدنيا عامرة ، والحرمات مرعية ، والثغور محصنه ، وما زالت على ذلك حتى أواخرها ، فأنتشر الجبر ، واضراب الأمور ).
اتفق جمهور المؤرخين على تقسيم الدولة العباسية الى عصرين متميزين :
العصر العباسى الأول ، وهو ما يعبرون عنه بالعصر الزاهى ، ويمتد من نشأة الدولة سنة 132 هجري ، الى آخر أيام الخليفة الواثق سنة 232 هجرى ، الذى انتهى بموته العصر الذهبى للدولة العباسية .
والعصر الثانى ، ويعبرون عنه بعصر التدهور والانحلال ، الذى ابتدأ بخلافة الخليفة المتوكل على الله سنة 232 هجرى ، وانتهى بسقوط الدولة العباسية على أيدى التتار سنة 656 هجرى ، وقد امتاز العباسيون بأستخدام الأعاجم ، بدلا من العصبية العربية التى اعتمدت عليها الدولة الأموية اعتمادا كليا ، واحتاج العباسيون فى اصطناعهم أو استخدام الأعاجم الى المال ، ثم أصبح الأعاجم من الفرس ، والترك ، والديلم ، وغيرهم ، يتسابقون الى الاستئثار بالنفوذ عن طريق المال.
تُنسب الدولة العبّاسيّة لـ (العبّاس بن المطلب)، وقد امتدّ عُمر الدولة خمسة قرون، وكان سقوطها على يد المغول عام ستمئةٍ وستةٍ وخمسين للهجرة، وقد تميّز العصر العباسي عن غيره من العصور في العديد من الخصائص في كافة جوانب الحياة، والتي سنذكر كلاً منها على حدة في سياق الحديث عن تلك الخصائص في هذا العصر.
فمن الناحية السياسية أصبَحت مدينة بغداد عاصمةً للدولة عوضاً عن مدينة دمشق، لتتحوّل بغداد بعدها إلى وجهة جميع النّاس من جميع أنحاء المعمورة، كان الطابع الفارسي هو الغالب على مدينة بغداد، والعصر العبّاسي بشكلٍ عام، على عكس الطابع الّذي كان سائداً في العصر الأموي، والّذي كان عربيّاً خالصاً.
نقل العباسيّون في هذا العصر عن الفُرس النظام الوزاري، وقلّدوهم في نظام الحُكْم والمَلبس والزي، ساد التفكّك والانقسام العصر العبّاسي الثاني، وأدّى هذا الأمر إلى تَجزئة الدولة لعددٍ من الدويلات، كالدولة الحمدانيّة التي نشأت في مدينة حلب، والدولة الفاطميّة في مصر، والسامانيّة في فارس، والبويهيّة في العِراق.
ظهرت في هذا العصر العديد من الحركات والثورات، كحركة (القرامطة) التي راح ضحيتها أعدادٌ كبيرة من البشر، وبروز العُنصر التُركي، وعلى وجه الخصوص بعد تولّي المعتصِم الخلافة عام مئتين وثمانيةَ عشرة للهجرة، وقد أطلق على تلك الفترة اصطلاحاً (العصر العبّاسي الثاني)، الذي كان البداية الأولى لضعف الدولة والتي انتهت بانهيارها.
ومن الناحية الاجتماعيّة تَميّزت الحياة الاجتماعيّة في العصر العباسي بشكلٍ عام بالحياة المُترفة، والنعيم الذّي طغى في تلك الفترة، وهي بالتفصيل كالتالي:
الطبقة الحاكمة: وقد توافرت لهذه الطبقة كافة وسائل المُتعةِ والترفيه، فكان أصحاب هذه الطبقة يُجزلون العطاء للأدباء والعُلماء، وقد أدّى هذا الأمر إلى ازدهار الحركةِ العلميّة في تلك الفترة.
الطبقة العامة: عاشت هذه الطبقة حياة شقاءٍ وبؤسٍ في سبيل تحمّل أعباء الحياة الصعبة، وكان شكل الرفاهيّة التي ساد هذه الطبقة في تلك الفترة من خلال الاستماع إلى الحكايا والأساطير وتداول الأخبار، ومشاهدة القرّادين، ومن تلك المجالس تولّدت السير الشعبيّة وحكايا ألف ليلةٍ وليلة.
أسباب سقوط الدولة العباسية
سقطت الإمبراطورية العباسية لعدة أسباب منها : الصراع على السلطة وكثرة الغزوات والصراعات الداخلية التي اتسمت بطابع اقتصادي عسكري.
وانتشر الفساد نتيجة لضعف الخلفاء، كما أنهم اتجهوا إلى اللهو، والترف، مما زاد في النفقات، والتراجع في الإيرادادات، ما نتج عنه عجز الدولة عن تحصيل ضرائبها، مما ساهم بنشر الفوضى بالبلاد، وبدأت حركات التمرد على الخليفة.
ان بداية قيام الدولة العباسية بمساعدة الفرس، لذا تم تقليدهم مناصب عليا، حتى أصبحوا ينازعوا الخلفاء، ويتحدونهم ويحاولون نقل الخلافة لمركز خراسان، وقد وقف خلفاء الفترة الأولى لهم بالمرصاد وأوقفوهم، حتى جاء دور الأتراك الذين توغلوا في السلطة وتدخلوا في شؤون الخلفاء، وأصبحوا قادرين على التنصيب والعزل، ونتيجة لهذا تشجّع التتار على مهاجمة الجيوش العباسية، وقيامهم بهزيمتهم، وفرار آخر الخلفاء العباسيين لصعيد مصر، ولكن تمت ملاحقته، وقتله، وبذلك انتهت الدولة العباسية.
الدول التي تتالت بعد الدولة العباسية
تتالت عدة دول بعد الدولة العباسية نذكر منها على سبيل المثال: الأدارسة الطولونيون الحمدانيون الفاطميون الإخشيديون المزيديون العقيليون المرداسيون المرابطون الموحدون الأيوبيون المرينيون والوطاسيون الحفصيون.
تعد دولة المماليك سابقة في استيلاء الجيش والعسكر على الحكم والسلطة وكان للعسكر الأتراك نفوذ قوي في الدولة العباسية وصل إلى تبديل الخلفاء وقتلهم ثم تكررت الظاهرة في الدولة العثمانية على يد الانكشاريين .
ورثت دولة المماليك الدولة الأيوبية، والمماليك في الأصل هم جنود محترفون من الرقيق، كان الأيوبيون يشترونهم من أواسط آسيا، ويميز المؤرخون بين سلالتين من المماليك، هما المماليك البحرية، وهم الذين كانوا يقيمون في ثكنات أعدت لهم في جزيرة الروضة في نهر النيل، والمماليك البرجية نسبة إلى القلعة التي كانوا يقيمون فيها، وكان المماليك البحرية يجلبون من بلاد القبجاق جنوب روسيا، مع خليط من المغول والأكراد، أما المماليك البرجية فكانوا من الشركس.
وقد كان نظام الحكم الوراثي هو السائد لدى المماليك البحرية، أما المماليك البرجية، فقد كان نظام الحكم السائد قائما على أساس اختيار السلطان وفقا لمبدأ الأقدمية، وكان لديهم نسق إداري هرمي معقد كان الرق فيه أساسا للترقية، فلم يكن للعناصر الحرة منهم بمن فيهم أبناء المماليك السابقين مكان في الجيش المملوكي.
وقد أحيا المماليك الخلافة العباسية اسميا، وامتد حكمهم إلى ليبيا والسودان، وبعد أن قضى العثمانيون على دولة المماليك ظلت الطبقة العسكرية المملوكية تحكم مصر حكما فعليا، حتى قضى عليهم محمد علي عام 1811 م.
لكن أغرب ما شهده تاريخ السلطة هو ما كان متبعا في الدولة العثمانية فهذه الأسرة التي حكمت لمدة تزيد على الستمائة سنة كان يرث العرش فيها أحد أبناء السلطان فيقتل إخوانه وفق قانون متبع هو “قتل الأخوة” وحبس المرشحين للخلافة في سجن داخل القصر السلطاني وتوصل الخلفاء إلى هذا القانون بعد حروب أهلية طاحنة بين الأخوة كادت تعصف بالدولة العثمانية، وحدث أن السلطان محمد الثالث قتل عام 1595 تسعة عشر أخا له واثنين من أبنائه، وصارت الأسرة الحاكمة مهددة بالفناء، وضعفت البنية الجسدية والنفسية لأبناء الأسرة حتى إن العديد منهم تولى السلطة وهو مصاب بالجنون او بالعلل والأمراض الجسدية، وكان الإعدام يشمل احيانا الأعمام وأولاد الأخوة، وبرغم هذا كله فإن نصف سلاطين الدولة العثمانية قد جاءوا إلى الحكم بعزل أسلافهم.
في نهاية الدولة العثمانية اعتلى عرش السلطنة العثمانية، بعد تنازل السلطان محمد السادس، وليّ العهد عبد المجيد الثاني، وبعد أن أصبح مصطفى كمال سيد الموقف، وقّع معاهدة لوزان مع الحلفاء التي تنازل بمقتضاها عن باقي الأراضي العثمانية غير التركية، ثم جرّد السلطان من السلطة الزمنية وجعله مجرّد خليفة، أي أشبه بشيخ الإسلام، ولكن من غير سلطة روحيّة أيضًا.
ثم ألغى الخلافة سنة 1924 وطرد عبد المجيد من البلاد، وبهذا سقطت الدولة العثمانية فعليًا بعد أن استمرت لما يقرب من 600 سنة، وانهارت معها الخلافة الإسلامية بعد أن استمرت ما يزيد عن ألف سنة(1).
أتبع العثمانيون تنظيمًا بسيطًا لدولتهم، حيث ابتكروا جهازين إداريين للحكم: جهاز إداري مركزي يتكوّن من السلطان وحاشيته، وهؤلاء جميعًا يُعرفون باسم “آل عثمان” ويُعاونهم في الحكم ما يُعرف باسم الديوان وهو جهاز إداري مضمّن يتكوّن من الصدر الأعظم وأفراد الطبقة الحاكمة.
ومنصب الصدر الأعظم هو أعلى مناصب الدولة بعد منصب السلطان، وكان من يتبوأ هذا المنصب يلعب دور رئيس الوزراء ورئيس الديوان، ومن صلاحياته تعيين قادة الجيش وجميع أصحاب المناصب الإدارية المركزية أو الإقليمية.
وجهاز إداري محلي، هو حاكم الولاية، أو الوالي ولقبه “الباشا”، تابعًا للحكومة المركزية في الآستانة، في حين كان حاكم السنجق، أو “الحكمدار” ولقبه “البك”، تابعًا للباشا، ويساعده ديوان و”صوباشي”، أي ضابط أمن؛ وكان حاكم الناحية، ولقبه “الآغا” تابعًا للبك ، وكان يتم اتباع هرميّة معينة في كل جهاز منها، وكان السلطان بوصفه حاكم البلاد، وخليفة المسلمين، يقبع على قمّة هذا الهرم.
أخذ العثمانيون بالكثير من العادات العربية والفارسية والبيزنطية في تنظيمهم للأجهزة الإدارية، ودمجوا معها بعض العادات التركية القديمة، وصهروها كلها في بوتقة واحدة مميزة، مما جعل الدولة العثمانية تظهر بمظهر الوريث الشرعي لجميع تلك الحضارات التي سبقتها.
كانت الخلافة العثمانية آخر خلافة إسلامية سنية تحت حكم بني عثمان حكام الدولة العثمانية، تقدم العثمانيون، بعد انتصارهم على الصفويين، لإخضاع السلطنة المملوكية(2)، فنشبت بينهم وبين المماليك معركة على الحدود الشاميّة التركية تُعرف بمعركة مرج دابق، انتصر فيها العثمانيون وقُتل سلطان المماليك “قانصوه الغوري”، ثم تابعوا زحفهم نحو مصر والتحموا بالمماليك من جديد في معركة الريدانية التي قررت مصير مصر، وانتصروا عليهم مجددًا ودخلوا القاهرة فاتحين.
وفي أثناء ذلك قدّم شريف مكة مفاتيح الحرمين الشريفين إلى السلطان سليم اعترافًا بخضوع الأراضي المقدسة الإسلامية للعثمانيين، وتنازل في الوقت ذاته آخر الخلفاء العباسيين، محمد الثالث المتوكل على الله، عن الخلافة لسلطان آل عثمان، فأصبح كل سلطان منذ ذلك التاريخ خليفة للمسلمين، ويحمل لقب “أمير المؤمنين” و”خليفة رسول رب العالمين”(3).
ـــــــــــــــــ
1ـ تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ – 2006 م.
2ـ كان لهذه الحملة أسباب عديدة منها الصراع على الحدود بين الدولتين وموقف المماليك من الصفويين وإيوائهم لأمراء عثمانيين فارين من السلطنة العثمانية واستغاثة أهل الشام بالعثمانيين من ظلم المماليك حيث كتبوا رسالة باسم العلماء والفقهاء والقضاة يطلبون من سليم الأول تخليصهم من ظلم المماليك الذي طال المال والنساء والعيال، كما عطلوا تطبيق الشريعة الإسلامية في حكم البلاد، وطلبوا أن يرسل السلطان وزير ثقة ليلتقي بكبار الرجالات ليؤمن ويطمئن قلوب الشعب. ومهما يكن من أمر، فقد كانت هناك أسباب للنزاع بين سليم والمماليك أعمق من هذا بكثير. ذلك أن السلطان سليم كان يطمع على ما يظهر في توحيد جميع البلدان السنيّة تحت تاجه، وانتزاع المدينتين المقدستين، مكة والمدينة المنورة، من أيدي المماليك. وقد خشي المماليك سياسة سليم التوسعيّة هذه، فعقدوا تحالفًا مع الشاه إسماعيل الصفوي.
3ـ المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي.
الكاتب: الأستاذ محمد عبدو