- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 4 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق

أوّلاً : الفارق الأوّل بين العرفان والتصوّف أنّ العرفان نظريّة وسلوك ، والتصوّف ظاهرة اجتماعيّة لا تستبطن التنظير أو الرؤية .
لذا فإنّ صدر الدِّين الشيرازي عندما يذكر في كلماته هذه الفئة من المتصوّفين أي تلك الطبقة الفارغة من البُعد الفكري ومن البُعد النظري ومن البُعد الذي يرتبط بالرؤية الكونيّة يعبّر عنهم بجهلة المتصوّفة ( 1 ).
فالتصوّف كاصطلاح له هذا المعنى المتقدّم ، ولكنّ العرفان أيضاً يستعمل في كلمات جملة من العرفاء مرادفاً للتصوّف ، فإذا وجدنا في بعض كلمات العرفاء مدحاً للتصوّف ينبغي أن لا يتبادر الذهن إلى التصوّف كطبقة اجتماعيّة فارغة من البُعد النظري .
وأشار الشهيد مطهّري إلى هذا المائز والفارق بين العرفان والتصوّف فقال : « فأهل العرفان إذا ذكروا في معرض المعرفة دُعوا بالعرفاء ، وإذا ذكروا في معرض أمر اجتماعي دُعوا بالمتصوّفة ».
وممّا قاله أيضاً : « يختلف العرفاء عن سائر طبقات المفكّرين الإسلاميّين أو أصحاب المعرفة الإسلاميّة من قبيل المفسّرين والفقهاء والمحدّثين والمتكلِّمين والفلاسفة والأدباء والشعراء و . . . اختلافاً كبيراً ، فالعرفاء علاوةً على أنّهم طبقة معرفيّة أوجدت علماً سمّي بالعرفان ، وأنجبت من بين ظهرانيها علماءً كباراً ألّفوا كتباً مهمّة ، فهم أيضاً قد أوجدوا فرقة اجتماعيّة في العالم الإسلامي لها خصوصيّات انفردت بها ، وعلى خلاف سائر طبقات أهل المعرفة من قبيل الفقهاء والحكماء وغيرهم ، فهم طبقة معرفيّة صرفة ، بل طبقة يمكن اعتبارها متميّزة عن الفرق الأخرى » ( 2).
وفقاً للكلام المتقدّم فإنّ التصوّف كظاهرة اجتماعيّة ولِدت في أحضان العرفان ، وهذا لا يعني الاتّحاد والتوافق بينهما ، بل قد يختلفان في الكثير من المسائل .
واعتبر بعض الباحثين أنّ هذه الرؤية التي ذكرها مطهّري في الفرق بين العرفان والتصوّف قابلة للنقد لأنّه في البداية وعلى هذا الأساس يجب أن يكون هناك عدم تلازم تاريخي بين ظهور هاتين الظاهرتين ، إلاّ أنّ كلّ الشواهد في التاريخ الإسلامي حول هذه القضيّة تؤكّد أنّ الأمور الاجتماعيّة للتصوّف والعرفان ظهرتا في الحقب الثانية والثالثة والرابعة ، وهذه الفرقة كانت تعمل بهدوء على تنظيم وترتيب مواضيعها وذلك بسبب الاحتياجات والمشاكل العديدة التي كانت تواجهها .
وعلى أساس وجهة النظر التاريخية فإنّ البُعدين الثقافي والفكري ظهرا بعد تكوين البُعد الاجتماعي . لكن هذا كان في حين لم تستخدم مفردتي العرفان والعارف على هذا المنوال .
من جهة أخرى وعلى أساس التحقيقات التي أجريت حول هذا الموضوع فإنّ التصوّف يهتمّ بالبُعد العملي والسلوكي ، ففي كلّ التعاريف السابقة لم تكن هناك إشارة إلى أنّ التصوّف يهتمّ بالبُعد الاجتماعي والشكليّات بل كلّها كانت تدلّ على أنّ التصوّف هو علم سير وسلوك . إنّ التصوّف يعلِّم السالك البدء من اليقظة أو التوبة ويستخدم عصا الرياضة ويمضي خطوة بعد خطوة حتّى يصل إلى مرتبة التوحيد . وأفضل شاهد على هذا الكلام هو ما قاله الصوفيّون صراحةً أنّ : التصوّف ليس علماً وتقاليد بل هو أخلاق .
لعلّ اختيار وجهة النظر المذكورة كانت بسبب النتيجة التي توصّل إليها البعض بأنّ التصوّف يعني ارتداء الألبسة الخشنة الصوفيّة ولأنّ الصوف هو الرداء الذي كان يرتديه هؤلاء واللباس هو من التقاليد الاجتماعيّة ، إذن فالمتصوّفة كانت تهتمّ بالبُعد الاجتماعي ، في حين يجب القول :
إنّه يجب التفريق بين المعنى اللغوي وبين الفحوى والمعنى الحقيقي . إنّ التصوّف يعني السير والسلوك ، يعني : التحرّك والحياة ، يعني : صفاء السرّ في مخالفة التكدّر ( 3 ).
ولكن الواقع أنّ هذه الرؤية النقدية لا تسلم بنفسها من النقد إذ إنّ السرد التاريخي لنشوء التصوّف يعاكس ما قالته هذه الرؤية ، فالتصوّف بدأ كظاهرة اجتماعيّة لا كعلم في السير والسلوك . نعم ، إذا كان المراد من التصوّف ما هو يتقارب مع العرفان في بُعده النظري والعلمي فلا إشكال في ذلك .
ثانياً : الفارق الثاني هو أنّ النسبة بين العرفان والتصوّف هي العموم والخصوص المطلق إذ إنّه – وكما ذكرنا في مقدّمة هذا الموضوع – ورد في بعض كلمات ابن سينا الذي مالَ إلى العرفان وأفرد له فصلاً من « الإشارات » – وهو آخر مؤلّفاته كما يبدو – وسمّاه ب « مقامات العارفين » أنّ الزهد ( أي التصوّف ) عبارة عن الإعراض عن شهوات الدُّنيا ، وأمّا العارف فهو المنصرف بفكره إلى قدس الجبروت مستديماً لشروق نور الحقّ في سرّه .
فالعرفان إذن هو عبارة عن صرف الذهن عمّا سوى الله والتوجّه الكامل لذات الحقّ والتعرّض لنوره .
فكلّ عارف زاهد ( متصوّف ) ، ولكن ليس من الضروري أن يكون كلّ زاهد ( متصوّف ) عارفاً ( 4 ).
وفي كلمات العرفاء أمثال السيّد حيدر الآملي رضوان الله تعالى عليه والذي يُعتبر من كبار عرفاء الإماميّة نراه يؤكّد أنّ التصوّف هو حقيقة المذهب الإمامي الاثني عشري وأنّ معارف أهل البيت عليهم السلام قائمة عند المتصوّفة .
من هنا فإنّنا إذا لم نميّز بين المصطلحين أو الاتّجاهين الموجودين في التصوّف ، فقد يتبادر الذهن إلى هذه الطبقة الاجتماعيّة من المتصوّفة التي لها سلوك معيّن .
فإذا قلنا أو ذكرنا العرفان أو التصوّف فإنّ مرادنا من ذلك هو الرؤية الكونية وليس أيّ شيء آخر .
والمقصود من الرؤية الكونية العرفانيّة هو ذلك التفسير للعالم والوجود المبني على أساس هذه المعرفة القلبيّة ولا يعتمد إطلاقاً على الاستدلالات العقليّة ولا التجريبيّة ( 5 ).
والرؤية الكونية كما هو معلوم لها أركان ثلاثة أساسيّة :
الأوّل : الله تعالى .
الثاني : الإنسان .
الثالث : العالم أو عالم الإمكان .
هذه الأركان هي أركان الرؤية الكونية ، والعارف لا بدّ أن يدلي بدلوه ويعطي رؤيته بإزاء هذا الارتباط .
فالعارف يناقش في أنّه هل يوجد عندنا وجود متعدّد أو لا يوجد ؟ وما هو موقع الإنسان في هذا العالم ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر : الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1981 م : ج 2 ، ص 345 .
(2) مطهري ، مرتضى ، الكلام والعرفان ، ترجمة علي خازم ، الدار الإسلاميّة ، بيروت ، = = الطبعة الأولى 1413 ه – 1993 م : ص 65 .
(3) فعالي ، د . محمّد تقي ، دين وعرفان ( بالفارسيّة ) ، انجمن معارف إسلامي إيران ، طهران ، الطبعة الأولى ، 2001 م : ص 28 – 29 .
(4) راجع للتوسّع : الكلام – العرفان – الحكمة العمليّة ، مصدر سابق : ص 100 – 101 .
(5) محاضرات في الآيديولوجية المقارنة ، مصدر سابق : ص 21 .
المصدر: العرفان الشيعي