الفصل الثالث: الشكوك وسوء الظن
الزواج في حقيقته نوع من الاتصال والاتحاد بين عالمين مختلفين وحياتين لهما خصائص مختلفة . والزواج لا يعني إلغاء خصائص الزوجين ، بل يعني التمتع بالحياة سوية والشعور بالاستقرار والطمأنينة في ظلال من الحياة المشتركة .
ولذا فإن مثل هكذا حياة ينبغي أن تنهض على أساس من الحب المتبادل والصفاء والتفاؤل وإلا فلا يمكن لها الاستمرار بسلام .
من المشاكل التي تعترض الحياة المشتركة هو التشاؤم وسوء الظن الذي يهدد السلام العائلي بالخطر ، ذلك أنه ينسف في بدايته عرى التفاهم ، وبالتالي يفجر الصراع .
صور من سوء الظن :
ينجم عن سوء الظن بروز حالة النزاع الزوجي في الأسرة من خلال بعض العلل والأسباب ، فمرة يظهر سوء الظن في الجانب الاقتصادي ، حيث يشعر أحد الطرفين بأن الآخر يخفي هذا الجانب دونه ، فقد تظن المرأة – مثلا – بأن زوجها يتقاضى مرتبا أكثر بكثير مما يعلن عنه وأنه ربما يدخره أو يصرفه في موارد لا علم لها بها .
ومرة يظهر الشك في جانب آخر يرتبط بالعفة وطهارة الثوب ، في حين ليس هناك سوى الشك فقط الذي ينجم عادة عن الغيرة .
ومرة يبرز سوء الظن عن الإحساس بالتآمر حيث يشكك أحد الطرفين ويظن بأن الآخر يتآمر عليه ، وأنه قد يستهدف القضاء عليه . وعندما نتعمق في داخلها لا نجد سوى الحب الذي يضيع خلف ركام من عدم التفاهم وعدم إبراز هذه العواطف المتبادلة والود المشترك .
الآثار المدمرة :
للتشاؤم في جميع صوره آثاره المدمرة في الحياة الزوجية ، وقد يجر في بعض الأحيان إلى الطلاق وانهيار الأسرة أو قد يعصف بسمعة أحد الطرفين الذي يجد نفسه في موقف صعب لا يمكنه فيه من رد الاعتبار إلى كرامته المهدورة .
إن سوء الظن ينسف أول ما ينسف أساس الاتحاد بين الزوجين ويفقدهما القابلية على الاستمرار ، إذ يتجلى ذلك من خلال الأحاديث الخاملة والتعبير عن الاحتقار ورؤية الحياة من خلال منظار مظلم وأنها مليئة بالآلام التي لا يمكن علاجها .
من الأخطار الأخرى التي قد تنجم عن سوء الظن هو زوال الإحساس بالعزة والكرامة مما يجعل حياة الزوجين في معرض خطر داهم ، إذ أن الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين حماية الطرف الآخر ، وحالة سوء الظن تعني زوال هذا الجانب وانكشاف الواقع إذا صح التعبير .
بواعث الشك :
من الضروري الإشارة إلى الأسباب والبواعث التي تمكن وراء الشكوك وإساءة الظن ، وعلى أساس البحث – من خلال رسائل الشباب وبعض وجهات النظر يمكن الإشارة إلى ما يلي .
1 – التسيب :
قد يبدو الزوجان من خلال المعاشرة مع الآخرين في حالة من التحلل وعدم الالتزام ، خاصة لدى حضورهما معا في المحافل العامة ، وخاصة في أحاديثهما أو إطلاق الضحكات التي تجعلهم محلا للانتقاد ، وقد يبدو أنهما متساهلان في ذلك ، ولكن التراكمات تتجمع في الأعماق مما تولد الحقد الذي يظهر في أول فرصة مناسبة .
2 – الغيرة :
وهي أحد عوامل سوء الظن والشك ، إذ أنها تضخم الرؤية لدى أحد الطرفين وتجعله يرى الأشياء في غير ما هي عليه مما تدفعه إلى تعنيف الطرف الآخر بشدة متهما إياه بالعمل على تدمير الحياة الزوجية .
3 – الأنانية والمغامرة :
يعاني بعض الشباب من استمرار حالة الطفولة ، ولذا فإنهم يتصرفون كما لو كانوا أولادا طائشين ، فبمجرد ما تصور لهم أوهامهم شيئا تتأجج في أعماقهم روح المغامرة ، ومن ثم يبدأ النزاع الذي يحاول البعض – ومع الأسف – تصعيده إطلاقا من لؤمهم وانحطاط نفوسهم .
4 – السرية في العمل :
قد يشعر الرجل أو المرأة بوجود أعمال في الخفاء ، الأمر الذي يثير الشكوك لديهما . وعندما تتجذر حالة الشك في النفس تتحول إلى سوء ظن مزمن يفسر الأمور على غير حقيقتها ، وبالتالي يفجر حالة الصراع .
5 – الأمراض :
المراد من الأمراض هنا الأمراض النفسية بصورها المتعددة ، فهناك حالة الوسوسة التي قد يعاني منها الرجل أو المرأة فيجر حياتهما المشتركة إلى الشقاء ، وهناك الضعف العصبي ، أو بعض العقد القديمة التي تعود إلى أيام الطفولة ، وكل ما يجعل الروح تعيش في حالة من الضيق بالآخرين والتشكيك بهم .
6 – الحرمان :
قد ينشأ سوء الظن كنتيجة لحرمان تعرض له أحد الزوجين في فترة سابقة وتولد لديه إحساس بالمرارة ، وهز جميع الثوابت في أعماقه ، فإذا به يشكك في كل شئ ، وإذا به يحاسب زوجه حسابا عسيرا من أجل شئ تافه .
7 – وضع القيود :
يحاول البعض وضع القيود في أيادي أزواجهم ، بحيث يشلهم عن الحركة ، بل وحتى التنفس في جو صحي ، مما يدفع بالطرف المقابل إلى الشعور باستحالة استمرار الحياة الزوجية بهذه الوتيرة ، ومن ثم التمرد ومحاولة التخلص من الوضع المهين والمذل . وأخيرا وليس آخرا ، ينشأ سوء الظن بسبب تدخل بعض العوامل الخارجية من قبيل تحريض بعض الأعداء المتلبسين بثوب الصداقة ، ومع الأسف فإن مجتمعنا يعج ببعض الأفراد الذين لا يمكنهم تحمل رؤية سعادة واستقرار الآخرين ، فيحاولون توجيه ضرباتهم المسمومة للإطاحة بالأسر السعيدة . ولو كان هناك أقل يقظة من جانب الزوجين لما أمكن لهؤلاء المنحطين أن ينجحوا في تآمرهم الدنئ هذا .
وهناك أسباب أخرى تنشأ عن رتابة الحياة ، التدخل في الشؤون الخاصة ، المراقبة المستمرة ، الإهمال ، الإهانة ، والتعنيف الدائم ، وغير ذلك .
نشوب النزاع :
يبدأ النزاع بسبب بعض التفاصيل الصغيرة ، وسرعان ما تتجذر هذه الحالة لتتخذ شكلا أوسع في المستقبل ، يصعب علاجها حينئذ . فالشقاء يبدأ مع المحاسبة المستمرة حتى لو كانت حول بعض التفاصيل ، ولكنها في النهاية تعكر من صفاء الأجواء في الأسرة ، في حين يمكن حل الكثير من المسائل في جو من التفاهم وفي ظلال من الاحترام .
هناك بعض المسائل التي تواجه صمتا من جانب وإهمالا من جانب آخر ، غير أنها تتجذر في الأعماق وتنمو لتشكل فيما بعد تهديدا خطيرا للكيان الأسري . ولذا ينبغي أن يتمتع كل طرف بقدر من ضبط النفس تجاه تجاوزات الطرف الآخر ، وأن يقابل الإساءة بالإحسان وإلا فإن التصادم سوف يحطم الاثنين معا ويقودهما إلى هاوية الطلاق .
ضرورة التخلص من سوء الظن :
يعتبر الإسلام في طليعة المذاهب التي تندد بسوء الظن وتدعو إلى اجتثاثه من النفوس ، خاصة في الحياة الزوجية ، ويدعو الزوجين إلى الاستمرار في الحياة المشتركة في ظلال من الطمأنينة والثقة المتبادلة .
إنها حالة صبيانية أن يعجز شخصان عن التفاهم فيما بينهما حول المسائل ذات الهم المشترك . إنني أخاطبكم أيها الشباب ، باعتباركم مسؤولين عن تربية الجيل القادم .
إن هذه المسؤولية تتطلب منكم شعورا يسمو بكم عن توافه الأمور . وإن عجزكم عن التفاهم يعبر عن عدم أهليتكم لاحتضان الجيل وتربيته .
وهل كان الهدف من ارتباطكم المقدس هذا هو صنع هذا الجحيم من الحياة ؟ ! وهل – حقا – لا توجد سبل لحل الخلاف الزوجي ؟ ! إن الزواج يعبر عن تخطيكم الكامل لحياة الطفولة ودخولكم عالم المسؤوليات بكل تشعباتها التي تحتاج إلى تفاهمكم وتعاضدكم وحل جميع المشاكل في جو من الهدوء لكي تكونوا أفرادا صالحين ونافعين في مجتمعكم وبلادكم .
طريق الخلاص :
وفي محاولة للتخلص من حالات الشك وسوء الظن يمكن الإشارة إلى بعض السبل ، وهي كما يلي :
1 – الالتزام بحدود الإنسانية :
إن الحياة الزوجية تعني في أقل التقادير تعاقد إنسانين على الحياة معا وتحت سقف واحد ، وهذه الحياة المشتركة تتطلب التزاما ببعض العهود منها ما يحدده الدين والعرف ومنها ما يحددها الإنسان بنفسه . وعليه فإن أقل ما يمكن رعايته من جانب الزوجين هو احترام الأعراف في ما يخص العلاقات الزوجية .
2 – رعاية العفة :
وهي في الواقع الحجر الأساس في البناء الأسري ، إذ أن الزوجين على السواء ملزمان أمام الشريعة باحترام هذا الجانب الحساس في الحياة وعلى جميع الأصعدة ، فالعفة تشمل الحديث والمعاشرة وطهارة الثوب وغير ذلك من الأمور .
وعليه ، يتوجب على كلا الزوجين الابتعاد عن كل ما من شأنه المساس بهذا الجانب من قبيل الافتراء والبهتان وظن السوء ، وأن عليهما الاهتمام ببعضهما وتقاسم حلاوة الحياة ومرارتها .
3 – التثبت في الأمور :
ما أكثر الأفراد الذين يصغون إلى أحاديث الإفك فيتأثرون بشدة ، وتنشأ في نفوسهم حالة من سوء الظن والشك الذي قد يترتب عليه المواقف الخطيرة وقد كان من الممكن تفاديها بقليل من التثبت والروية .
إن أي قرار متسرع دون بحث وتفحص لا بد وأن ينتهي إلى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها ، وهو إن دل على شئ فإنما يدل على ضعف في الشخصية وإحساس بالمهانة .
4 – تدبر الأمور :
لا توجد مسألة أو مشكلة لا يمكن حلها من خلال التدبر ، والمطلوب هنا هو تحكيم العقل وإقصاء العاطفة جانبا والتأمل في المشكلة بكل موضوعية بعيدا عن الأنانية وسوء الظن ، وفي هكذا شروط سوف تظهر الحقيقة واضحة جلية .
5 – بناء النفس :
يتحول الفرد أحيانا ، بسبب خطأ أو انحراف أو حتى مجرد الإحساس بذلك ، إلى إنسان يسيء الظن خاصة عندما يجد تأييدا لدى الآخرين . إن الحياة الزوجية تتطلب من الإنسان أن يعتبر نفسه ناقصا وبحاجة إلى التكامل . وهذا التصور يجنب الإنسان الخطأ الناجم عن الشعور بصحة تصرفاته ، لأنه إذا ما شعر الإنسان بأنه غير كامل وأنه يعاني من نقص مستمر ، توقع احتمال الخطأ من نفسه ، وبالتالي يصون هذا الشعور الإنسان من العناد واللجاجة في الرأي ويدفعه إلى نشدان الحق والبحث عن الحقيقة .
6 – حسن النية :
من ضرورات الحياة المشتركة أن يتمتع الزوجان بحسن النية دائما في مشاعرهما وممارساتها ، فإذا كان هناك خلل ما في توفر بعض مستلزمات الحياة في المنزل فيجب أن لا يفسر هذا على أنه نوع من إلحاق الأذى ، وإذا حدث وضحك أحدهما في غير مناسبة فعلى الآخر أن لا يتصور بأنها موجهة ضده .
إن الحياة الزوجية ، خاصة لدى الشباب ، تحتاج إلى حسن في النوايا وتعاضد في الأعمال ، وإلا فإن روحيهما ( أي الزوجين ) ستكونان نهبا للقلق ، وحياتهما عرضة للتزلزل .
7 – استعراض الحقائق معا :
في الحياة المشتركة ينبغي أن يكون حصة العقل أوفر حظا من حصة القلب ، حيث يمكن ، ومن خلال مناقشة بعض الحقائق معا ، تلافي احتمالات الإخلال بالصفاء الزوجي ، ويتطلب هذا الأمر إصغاء الطرفين لبعضهما مع الأخذ بنظر الاعتبار بعض الضوابط الفكرية ، وإلا فإنهما سيضطران إلى اعتماد أساليب بعيدة عن المنطق في حديث لا يمت إلى أرض الواقع بصلة أو جذر ، مما يؤدي إلى توتر العلاقات في الحياة الزوجية .
8 – تقبل القيود :
إنكم لم تعودوا أطفالا أحرارا كما كنتم بالأمس . إن الحياة الزوجية هي شكل من أشكال الحرية المقيدة والمشروطة ، يتقلبها الزوجان كأساس للحياة المشتركة ، وهي علاوة على كونها شرطا في الحياة الزوجية فإنها تعمل على تهذيب الإنسان وتشذيب أخلاقه في المعاشرة والصحبة من خلال بعض الضوابط والقواعد التي تصب في النهاية في مصلحة الزوجين بما يعزز من أمن واستقرار الأسرة .
الفصل الرابع: الرغبات
الحياة هي المحاولات والسعي المتواصل ومجموع الأحلام والطموح لتحقيق الأهداف . يمر عهد الطفولة وتنقضي أيامه الزاخرة باللهو واللعب والخيالات الجميلة التي تنشأ من خلالها استعدادات الإنسان في المستقبل وتوجهاته . . ولكن البعض يتصرف في حياته وكأنه ذلك الطفل الذي يسعى من خلال خيالاته أن ينال القمر .
إننا لا نطرح خطا صارما للحياة ، إذ من الممكن الخروج هنا أو هناك عن المسير المعين للحياة ، ولكن المفروض هنا هو ذلك الجنوح في الخيال بعيدا ، لأنه يضاعف من أخطار السقوط .
الحياة المشتركة والرغبات :
ما أكثر الرغبات التي تقود إلى المصائد وتجعل طعم الحياة مرا ، وهذه المسألة تكاد تكون عامة تشمل كل نواحي الحياة إلا أنها تتجلى واضحة جلية في الحياة الزوجية .
إن الوقوع في أسر الرغبات واتباع الشهوات واللهاث وراءها وتجاوز الحدود القانونية التي رسمها العقل والشرع من أجل سعادة الإنسان واستقراره ، إن تجاوز هذه الحدود سيتسبب في اضمحلال الحياة الزوجية وانهيارها .
وما أكثر الخلافات والحساسيات ، وبعبارة أكثر صراحة ما أكثر الانحرافات التي تطبع حياة البعض من الرجال أو النساء والتي تؤدي إلى انهيار الحياة المشتركة عن حسن نية .
نعم ، نحن نؤمن بأن بعض المراحل من عمر الإنسان تقتضي التظاهر ومحاولة إلفات نظر الآخرين ، ولكن – وبعد أن يخطو الخطوة الأولى في دنيا الحياة المشتركة – عليهما الالتزام بالضوابط الإلهية وتوظيف هذه الموهبة الإلهية في دائرة الشرعية التي يحددها الدين .
مسألة الهدى :
أن تكون الحياة زاخرة بالأحلام الملونة والأماني الجميلة أمر لا يعترض عليه أحد ، ولا يدعي أحد كذلك بأن على الإنسان إذا ما وصل إلى سن البلوغ أن يقضي وقته بالعبادة والدعاء ، بالرغم من أن دائرة العبادة من وجهة نظر الإسلام تسع جميع الأنشطة الإنسانية التي تحظى برضا الله سبحانه ، حيث تعتبر بعض الأفعال كالأكل والنوم وحتى الممارسة الجنسية في حالات معينة عبادة يثاب عليها الإنسان .
إن ما يرفضه الدين هو الانقياد إلى الهوى واتباع الشهوات والوقوع في أسر الرغبات .
بعبارة أخرى سقوط الإرادة ووقوع الإنسان في أسر الأهواء النفسية .
فالذي لا يملك سلطانا على عينيه ولسانه وأذنيه ، والذي لا يمكنه ضبط نفسه من الرغبات ، لا يمكنه أن يتمتع بشخصية متماسكة متينة ، وبالتالي يعرض سمعته وطهارة ثوبه إلى الخطر .
الأخطار :
متعددة هي الأخطار التي تنجم عن الوقوع في أسر الشهوة والانقياد إلى الهوى .
1 – المعاشرة والانحراف :
تخضع المعاشرة من ناحية إسلامية لضوابط محددة ، فالإنسان المسلم مقيد بحدود معينة تنظم علاقاته مع الآخرين ، فهناك مسألة المحارم مثلا كأبرز ضابطة شرعية تنظم علاقات الرجل والمرأة ، إذ ليس من حقنا أن نمزح مع أي كان أو نجالس أيا كان أو نتحدث مع من نشاء .
إن بعض النزاعات التي تعكر من صفو الحياة الزوجية إنما تنشأ بسبب إهمال هذه الضوابط ، إذ أننا نجد البعض – رجلا أو امرأة – يقيم علاقات محرمة مع بعض الأفراد في نفس الوقت الذي يقوم فيه بتقطيع كل الأوامر مع زوجه ، ولا تستمر الحال هكذا إذ سرعان ما تتحطم حياة كل منهما وتذهب أدراج الرياح .
2 – الاشتراك في الحرام :
عادة ما تقود الشهوات إلى الوقوع في الحرام ، وبالطبع تكون البداية حضور الحفلات المحرمة التي تلوث الإنسان تدريجيا ثم سرعان ما يجد المرء نفسه في أحضان الرذيلة ، وبمرور الأيام يزين رفاق السوء له هذه الحياة فيفضلها على حياة الزواج والجو العائلي ، وعندها يولي ظهره لزوجته ولأبنائه ويتضاعف الخطر عندما يدمن ذلك الإنسان على القمار أو الشراب أو تعاطي المخدرات إذ لا يكون همه سوى الحصول على المال عن أي طريق ، وعندها تتهاوى الأسرة وتتحول إلى مجرد أنقاض آدمية .
3 – التجمل والزينة :
يحث الإسلام على أن يتزين الزوجان لبعضهما ويظهرا بالمظهر اللائق ، وفي مقابل ذلك وضع الإسلام حدودا لذلك تمنع من الإفراط الذي يقود إلى السقوط الأخلاقي ، وذلك عندما يتحول الرجل أو المرأة إلى ألعوبة أو دمية تقلبها عيون الناظرين .
فالإسلام يمنع لباس الشهرة أو أن تتزين المرأة ثم تخرج من دارها . الإسلام يمنع المرأة من التبرج لغير زوجها أو أن تتعطر ثم تخطر في الشوارع ، كل هذا من أجل صيانة الإنسان أخلاقيا وحمايته من السقوط أو الوقوع في شباك الشبهات .
إن رعاية هذه الضوابط ضرورية في حياة المجتمع لكي يبدو أكثر طهرا أو صفاء . إن المهم في حياة الإنسان ليس جماله الظاهري بل نقاء الباطن وصفاؤه وسلامة الفكر والروح .
4 – حب حتى العبادة :
يعيش بعض الشباب هاجس الطفولة بالرغم من تخطيهم ذلك السن وعبورهم تلك المرحلة ، فهم ينشدون من أزواجهم – مثلا – حبا عنيفا يصل درجة العبادة ! وأي ( تقصير ) أو إهمال قليل في تلك ( الطقوس ) يجعلهم يشعرون بالمرارة والحزن والألم ، الذي سرعان ما يفجر حالة من العدوانية والتنازع .
وينبغي على من يعاني من هذه الحالة أن يخلو إلى نفسه قليلا في محاولة لاستكشاف الباطن وتصفيته من تلك الميول اللامعقولة .
بواعث تلك الرغبات :
هناك من الأسباب والبواعث ما لا يمكن حصرها إلا أننا نذكر أهمها وهي كما يلي :
– غياب النضج الكافي واعتماد العواطف .
– انعدام التجارب الحياتية وغياب الرؤية الصحيحة .
– الإحساس بالرتابة المملة والرغبة في خوض تجربة جديدة .
– استمرار حالة الطفولة .
– اللامبالاة وعدم الالتفات إلى المسائل العميقة للحياة .
– تناسي الهدف من وراء الحياة .
وأخيرا الوقوع في أسر الحياة العابثة واللهاث وراءها .
الرغبات والحساسيات :
إن السقوط في أسر الأهواء له آثاره المدمرة التي تطال الزوج وشريك حياته .
إن أكثر الممارسات التي تنبعث عن الحساسية تضاعف من الآلام ، ذلك أن الرجال الذين يغارون على زوجاتهم ، وكذلك النساء الغيورات ، لا يمكنهم السكوت تجاه أزواجهم حتى لو اقتصر الأمر على مجرد ابتسامة لشخص ليس من المحارم .
ومن وجهة نظر شرعية فإن حدود علاقاتنا مع الآخرين واضحة تماما ، وفي ما يخص الزي الذي نرتديه فمسألة قد يدخل العرف في تحديدها أيضا في حدود يرسمها الشرع أيضا ، وأن كل أمر يؤدي إلى إثارة الظنون أو الشبهات أو يعتبر مقدمة للانحراف والسقوط هو حرام ، ذلك أن مقدمة الحرام حرام أيضا ، كما تقرر ذلك القواعد الشرعية .
ضرورة مراجعة النفس :
ربما يغفر الله ما ارتكبناه من ذنوب في حياتنا الماضية شرط أن نعود إلى أنفسنا ونفكر فيما ينبغي أن نفعله مستقبلا . إن العودة إلى النفس ضرورية لأسباب منها :
– تحقيق حالة من الطمأنينة من خلال السعي إلى التكامل الروحي .
– إن أبناءنا بحاجة ماسة إلى آباء وأمهات في مستوى المسؤولية .
– إن الأفراد في المجتمع الإنساني مسؤولون أمام بعضهم البعض ، كل حسب موقعه ، لتحقيق حالة من الاستقرار والسعادة .
إذن فنحن في حالة من الحركة ينبغي علينا خلالها الالتفات إلى أنفسنا والانتباه إلى ممارساتنا وأعمالنا والسعي الدائم لتجنب السلوكيات المنحرفة والضارة ، نصلح ما اعوج منها ونعتبر بما يواجهنا من خطر .
إن التهافت على الشهوات والرغبات سيمنعنا من الوصول إلى نبع السعادة ، ولذا فإن علينا أن نعزز من سلطة العقل ، وأن نحدد ما استطعنا من نفوذ العاطفة ، ذلك أن الحياة تحتاج في إدارتها العقل لا العواطف والأحاسيس .
المراقبة :
الزواج هو عهد المسؤولية وزمن الحساب ، فلقد ولت حياة الضياع ، ودخل الزوجان عالما جديدا ودنيا جديدة يتحمل فيها الطرفان الأعباء سوية ، ويتقاسمان فيها المسؤوليات كل حسب إمكاناته وقابلياته التي أودعها الله فيه .
ولذا فإن تواجدنا في المنزل في ساعة معينة لا يعتبر منقصة لنا ، وكذلك فإن خروج المرأة من المنزل ينبغي أن يتم بموافقة زوجها حفظا لها وصونا لعفتها وسمعتها . فالرجل يعتبر زوجته رمزا لكرامته ، وهو المسؤول الأول عنها . لذا فقد ورد في الأحاديث إن الملائكة ما تزال تلعن المرأة التي تخرج دون إذن زوجها حتى تعود .
احترام الحقوق ورعايتها :
قال رسول الله ( ص ) : أعظم الناس حقا على المرأة زوجها ( 1 ) ، وقال ( ص ) : ما زال جبريل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها ( 2 ) .
من بواعث النزاع في الحياة الزوجية هو انعدام تلك العلاقة الصميمية والمودة بين الزوجين ، في نفس الوقت الذي ينفتحان فيه على الآخرين بعلاقات غير صحيحة مما يؤثر سلبا في نفسيهما ويضاعف لديهما العقد .
التعفف :
تعتبر المحافظة على العفة واحدة من أنجع الوسائل والسبل في منع وقوع النزاع بين الزوجين . إن صيانة النفس عن الانحراف والوقوع في الحرام هو من خصال العفة وطهارة الثوب ، فالزينة والتجمل مطلوب على أن ينحصر ذلك بين الزوجين فقط .
قال رسول الله ( ص ) : أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا منها ريحها هي زانية ( 3 ) .
ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين علاقة صداقة وحب ، كما أن هدف كل منهما أن يكون صاحبه ملكا خالصا له لا يفكر بغيره ولا ينظر إلى سواه ، وفي هذه الحالة فإن التجمل والزينة والمعاشرة الحرة مع الآخرين سيلقي – شئنا أم أبينا – ظلاله السوداء في القلوب ويكون باعثا على سوء الظن مما يؤدي بالتالي إلى إضعاف واضمحلال العلاقة الزوجية .
إن العفة والتعفف ، وإضافة إلى ما ذكرنا ، حصن حصين يحمي الإنسان من الوقوع في شباك الماكرين المنحرفين الذين لا هم لهم سوى استغلال بعض الثغرات والولوج إلى حرم الحياة الزوجية وتلويثها ، وبالتالي تدميرها ، وعندها لا ينفع ندم النادمين .
التعاليم الإسلامية :
من مزايا الإسلام الحنيف أنه يعيش مع الإنسان جميع لحظاته وسكناته ، وهو كالبوصلة التي تشير دائما إلى الاتجاه السليم ، حيث يبدأ عملها منذ اللحظة الأولى للقيام بعمل ما – أعني منذ انعقاد النية – ولذا نشاهد أن الإسلام – مثلا – لا يجيز لنا القيام بعمل من شأنه أن يضعنا في موضع الشبهات ويثير سوء الظن حولنا .
وفي هذا المضمار تؤكد وصايا الإسلام اجتناب كل الأعمال التي تؤدي إلى تفجر النزاع في الحياة المشتركة وضياع كل الجهود في مهب الرياح .
علينا أن نفكر وأن نضع أنفسنا مكان أزواجنا عندما نريد القيام بعمل ما ، فإننا وإن تمكنا من استغفال أزواجنا في ذلك فإن الله سبحانه هو شاهد على جميع أعمالنا .