اللطف الإلهي: معناه، أقسامه، أثره، ومناقشات حوله

اللطف الإلهي: معناه، أقسامه، أثره، ومناقشات حوله

کپی کردن لینک

تتناول هذه المقالة اللطف الإلهي من زوايا متعددة، بدءا من معناه اللغوي والاصطلاحي، ومرورا بأقسامه وأهميته في العقيدة الإسلامية، واستعراض أثر اللطف في حياة الفرد، ودوره في توجيه السلوك نحو الخير، بالإضافة إلى التمييز بين اللطف والمفسدة، كما سنناقش كيف أن اللطف الإلهي يظهر في النصوص القرآنية، ونناقش الآراء المختلفة حوله، لا سيما من منظور الأشاعرة.

المبحث الأوّل: معنى اللطف

معنى اللطف في اللغة: إنّ للّطف في الصعيد اللغوي عدّة معاني، منها: الرفق واللين والدنو، فيقال: لطف به، أي: رفق به، وألطف اللّه بالعبد، أي: أرفق به، وأوصل إليه ما ينفعه برفق، ووفّقه وعصمه، فهو لطيف.

ومن معاني اللطف في اللغة أيضاً: الدقّة والظرافة، فهو ضدّ الضخامة والكثافة، والاسم: للطافة، فيقال: لطف الشيء، أي: صغر ودقّ، ولطف اللّه بهذا المعنى، أي: دقّته وظرافته في خلق الأشياء.

معنى اللطف في الاصطلاح العقائدي: اللطف: ما يدعو المكلَّف إلى فعل الطاعة وترك المعصية بحيث يجعله أقرب إلى امتثال أوامر اللّه تعالى وأبعد عن ارتكاب نواهيه.

الشرط الأساس في اللطف بمعناه العقائدي: إنّ الشرط الأساس في اللطف: أن لا يبلغ حدّ القهر والإلجاء، بل يكون المكلَّف مع وجود هذا اللطف مختاراً في فعل الطاعة وترك المعصية.

دليل ذلك إنّ الاختيار هو الشرط الأساس للتكليف، وبما أنّ بلوغ اللطف حدّ القهر والإلجاء ينافي الاختيار، فلهذا يشترط أن لا يبلغ اللطف حدّاً ينافي الاختيار[1].

تنبيه: إنّ الهدف الأساس من اللطف هو: 1ـ تقوية الدواعي إلى فعل الخير، 2ـ تقوية الصوارف عن فعل الشر، ولهذا يكون اللطف بمثابة: 1- التشجيع على فعل الخير، وإزاحة العقبات أمام الإنسان، ليكون أقرب إلى فعل الطاعة، 2- التنفير من فعل الشر، وجعل العقبات أمام الإنسان، ليكون أبعد عن فعل المعصية.

الصلة بين اللطف وبين التوفيق والعصمة

إنّ اللطف هو ما يبعث ويحفّز المكلَّف على فعل الطاعة ويزجره عن فعل المعصية: وفي هذه الحالة:

1ـ إذا استجاب الإنسان لهذا البعث والتحفيز، واختار فعل الطاعة: فسيطلق على هذا اللطف اسم التوفيق، لأنّ الإنسان استطاع في ظلّ هذا اللطف أن ينال التوفيق في فعل الطاعة.

2ـ إذا استجاب الإنسان لهذا البعث والتحفيز، وترك فعل المعصية: فسيطلق على هذا اللطف اسم العصمة، لأنّ الإنسان استطاع في ظلّ هذا اللطف أن يعصم نفسه من فعل المعصية، وتوضيح ذلك:

1ـ يُقال: وفّق اللّه فلاناً على فعل الطاعة، أي: هيّأ اللّه له ما يبعثه ويحفّزه على فعل الطاعة، فاستجاب هذا الشخص باختياره لهذا البعث والتحفيز، وانتفع مما هيّأ اللّه تعالى له من أسباب، حتّى تمكّن بذلك أن يكون فعله موافقاً لطاعة اللّه تعالى.

2ـ يقال: عصم اللّه فلاناً من فعل المعصية، أي: هيّأ اللّه له ما يبعثه ويحفّزه على ترك المعصية، فاستجاب هذا الشخص باختياره لهذا البعث والتحفيز، وانتفع مما هيّأ اللّه تعالى له من أسباب، حتّى تمكّن بذلك أن يعصم نفسه ويمنعها من فعل المعصية.

المبحث الثاني: أقسام اللطف

ينقسم اللطف باعتبار فاعله إلى: 1ـ ما يكون من فعل اللّه تعالى، 2ـ ما يكون من فعل المكلَّف في حقّ نفسه، 3 ـ ما يكون من فعل المكلَّف في حقّ غيره، وأمثلة ذلك:

الأول: أمثلة اللطف الذي يكون من فعل اللّه تعالى

1- بعث الأنبياء ونصب الحجج ودعمهم بالمعاجز والكرامات وغيرها مما تجعل المكلَّفين أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.

2ـ جعل الشريعة سمحاء بعيدة عن التعقيد أو الغموض.

3- الوعد والوعيد واستخدام اسلوب الترغيب والترهيب من أجل إثارة رغبة المكلَّف إلى فعل الطاعة وإثارة الرهبة إزاء فعل المعصية.

4- التدخّل الإلهي لإزالة العوائق والحواجز الموجودة في طريق الطاعة وجعل الموانع في طريق المعصية.

5- الآلام التي جعلها اللّه تعالى في بعض الأحيان وسيلة لاستيقاظ الغافلين وعودتهم إلى الإيمان بعد الابتعاد عنه.

الثاني: أمثلة اللطف الذي يكون من فعل المكلَّف في حقّ نفسه

1- تعلّم الأحكام الشرعية وغيرها من الأمور التي يبيّنها اللّه تعالى للمكلَّفين، ليكونوا أقرب إلى امتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه.

2- توفير الإنسان لنفسه الأرضية والأجواء المناسبة التي تحفّزه على فعل الطاعة وترك المعصية.

الثالث: أمثلة اللطف الذي يكون من فعل المكلَّف في حقّ غيره

1- تبليغ الأنبياء للرسالة الإلهية، وبذلهم المزيد من الجهد من أجل دعوة الناس إلى الهداية وسبيل الحقّ.

2- قيام بعض الناس بمهمّة تلقّي العلوم والمعارف الإلهية من أجل توعية الناس ورفع مستواهم الديني، وهذه المهمّة هي الملقاة على عاتق العلماء والدعاة.

3- فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أوجبها اللّه تعالى على جميع المكلَّفين، ليكونوا في ظلّها أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.

4- المبادرة إلى أي عمل يؤدّي إلى توفير الأجواء المناسبة لامتثال الأوامر الإلهية والابتعاد عن نواهيه، من قبيل: بناء الأماكن التي تقرّب العباد إلى اللّه تعالى ، أو دعم المشاريع التي تهيّىء الأرضية لفعل الطاعات وترك المعاصي.

المبحث الثالث: وجوب اللطف

إنّ حكمة اللّه تعالى وجوده وكرمه تقتضي منه اللطف بالعباد.

دليل وجوب اللطف: إنّ غرض اللّه تعالى من تكليف العباد هو أن يبلغوا الكمال عن طريق فعل الطاعة وترك المعصية، فإذا كان هناك شيء يؤدّي فعله إلى:

1ـ أن يختار المكلَّف فعل الطاعة ويترك فعل المعصية.

2ـ أن يكون المكلَّف أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية، فإنّ الحكمة الإلهية تقتضي فعل ذلك الشيء، لأنّ عدم فعله يستلزم نقض الغرض من تكليف العباد، ونقض الغرض قبيح ومناف للحكمة، واللّه تعالى منزّه عن ذلك، فنستنتج بأنّ الحكمة الإلهية تقتضي فعل اللطف.

مثال ذلك: إذا دعا أحد الأشخاص غيره إلى ضيافته، وكان غرض صاحب الدعوة أن يأتي ذلك الشخص المدعو إلى هذه الضيافة، وعلم صاحب الدعوة بأنّ المدعو لا يأتيه إلاّ إذا استعمل معه أسلوباً معيّناً، فإذا لم يستعمل صاحب الدعوة هذا الأسلوب مع المدعو، فإنّه سيكون ناقضاً لغرضه.

تنبيه: ذهب الشيخ المفيد (ره) إلى أنّ وجوب اللطف على اللّه تعالى يكون من جهة اقتضاء جوده وكرمه، وليس هذا الوجوب من جهة اقتضاء عدله تعالى، ولهذا فإنّ امتناع اللّه تعالى عن اللطف لا يكون ظلماً، وإنّما يكون منافياً للجود والكرم الإلهي.

المبحث الرابع: أثر اللطف

ليس اللطف الإلهي علّة تامّة تجبر المكلَّفين على فعل الطاعة وترك المعصية، بل اللطف عبارة عن بعث وتحفيز فقط، فإذا لم يستجب بعض المكلّفين لهذا اللطف، فإنّهم سيحرمون أنفسهم من هذا اللطف نتيجةً لسوء اختيارهم، وتفريعات ذلك:

أولاً: إنّ عدم تأثير اللطف الإلهي على الكافر لا يعني: عدم وجود هذا اللطف بذريعة أنّه لو كان لترك أثره، لأنّ اللطف الإلهي مجرّد بعث وتحفيز منه تعالى بحيث يجعل المكلَّف أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية، وليس اللطف الإلهي إرادة حتمية منه تعالى ليترك أثره على المكلّف بصورة قهرية.

ثانياً: إنّ عدم تأثير اللطف الإلهي على الكافر لا يعني: عجز اللّه عن هداية الكافر، لأنّه تعالى شاء أن يكون الإنسان مختاراً في أفعاله العبادية، واللطف الإلهي ـ في الواقع ـ مجرّد بعث وتحفيز منه تعالى بحيث يكون الإنسان معه أقرب إلى امتثال أوامر اللّه تعالى والانتهاء عن نواهيه، وليس اللطف الإلهي إرادة حتمية وتكوينية منه تعالى ليكون عدم تأثيره دالاً على العجز الإلهي.

ثالثاً: لو كان اللطف الإلهي أمراً يجبر الإنسان على الإيمان ولو كان كافراً، فإنّ الكفّار سيحتجّون على اللّه تعالى بأنّهم لم يؤمنوا لأنّه تعالى حرمهم من لطفه، ويكون بذلك للكفّار حجّة على اللّه تعالى، ولكن الأمر ليس كذلك، وإنّما الحجّة البالغة للّه تعالى، واللطف عبارة عن باعث ومحفّز فقط، ويبقى الإنسان هو المسؤول عن أفعاله الاختيارية.

المبحث الخامس: تنبيهات حول اللطف

1- إنّ الإنسان قد يخطىء في تشخيص اللطف، فيحكم على ما فيه مفسدة بأنّه من اللطف، وهو غير ملتفت إلى وجود المفسدة فيه، ولهذا ينبغي أن لا يحكم الإنسان على شيء بأنّه من اللطف إلاّ بعد بلوغ مرحلة اليقين بانتفاء المفسدة من ذلك الشيء.

2- إنّ اللطف لا ينحصر تحقّقه دائماً في فعل معيّن، بل قد تكون مجموعة أفعال تؤدّي كلّ واحدة منها دور اللطف المطلوب.

3 ـ إنّ للّه تعالى لطفاً لا يمنحه إلاّ لمن ينتفع منه، وأمّا الّذين لا ينفعهم هذا النمط من اللطف، ولا يؤدّي بهم إلى فعل الطاعة وترك المعصية، فإنّه تعالى سيحرمهم من هذا اللطف.

بعبارة أخرى: إنّ اللطف الإلهي ينقسم إلى قسمين:

أوّلاً: لطف عام، وهو من قبيل إرسال الرسل لهداية الناس، وهذا اللطف يفعله اللّه لجميع المكلّفين إتماماً للحجّة عليهم.

ثانياً: لطف خاص، وهو من قبيل دعم المكلَّفين بما يجعلهم أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية، ويكون هذا اللطف للعباد الذين ينتفعون منه، وأمّا الذين لا ينتفعون منه فإنّهم هم الذين يحرمون أنفسهم من هذا اللطف، لأ نّه تعالى لو يعلم انتفاعهم من لطفه هذا لفعله بهم، قال الله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لاَ سْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ[2]، أي: لو علم اللّه انتفاع هؤلاء المشركين من اللطف، لألطف عليهم وأسمعهم الجواب عن كلّ ما يسألونه، ولكنه علم بأنّهم لا ينتفعون ولا يفيدهم هذا اللطف، فلهذا أهملهم.

وقال الشيخ الطبرسي (ره) حول تفسير هذه الآية: وفي هذا دلالة على أنّ اللّه تعالى لا يمنع أحداً من المكلّفين اللطف، وإنّما لا يلطف لمن يعلم أنّه لا ينتفع به[3].

ورد عن الإمام علي الرضا (ع) حول قوله تعالى: تَرَكَهُمْ فِي ظُلُمات لا يُبْصِرُونَ[4]، قال (ع): إنّ اللّه تبارك وتعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه، ولكنه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلال، منعهم المعاونة واللطف وخلّى بينهم وبين اختيارهم[5].

المبحث السادس: اللطف والمفسدة

إنّ ما يقابل اللطف هو الإفساد، وتطلق المفسدة على ما يدعو المكلَّف إلى فعل المعصية وترك الطاعة، بحيث يكون المكلَّف مع هذه الدعوة أقرب إلى فعل ما نهاه اللّه تعالى عنه، وأبعد عن امتثال أوامره سبحانه وتعالى.

تنبيهات

1ـ لا يصح أبداً نسبة الإفساد إلى اللّه تعالى، لأنّ الإفساد في جميع الأحوال قبيح، واللّه تعالى منزّه عن فعل القبيح.

2- لا يمكن القول بأنّ اللّه تعالى بما أنّه خلق الشهوة في الإنسان، فإنّه المسبِّب في إفساده لأنّ الشهوة بحدّ ذاتها ليست مفسدة، وإنّما الإفساد يكمن في طغيانها[6]، وطغيان الشهوة أمر يرتبط باختيار الإنسان، وقد أمر اللّه تعالى الإنسان بضبط شهواته والسيطرة على زمامها، ولهذا لو أدّت الشهوة إلى الإفساد بسبب طغيانها، فإنّ الإنسان يكون هو المسؤول عن ذلك، لأنّه هو السبب في طغيانها، ولا يصح نسبة هذا الإفساد إلى اللّه سبحانه وتعالى.

3- إنّ بعض المكلّفين ـ سواء كانوا من الجن والإنس ـ يسيؤون الاستفادة من الاختيار الذي مكّنهم اللّه تعالى منه، فيختارون سبيل الغي والضلال، ثمّ يصبحون بعد ذلك مصدراً لإفساد الآخرين.

ومثال ذلك: إبليس والشياطين وغيرهم من الإنس والّذين يفعلون ما يقرّب الآخرين إلى فعل المعاصي ويبعّدهم عن فعل الطاعات، وينسب الإفساد في هذا المقام إلى هؤلاء العصاة، لأنّهم اتجهوا نحوه باختيارهم، ولا يصح نسبة هذا الإفساد إلى اللّه تعالى، لأنّه تعالى أمر الإنس والجن بفعل ما هو حسن، ونهاهم عن فعل ما هو قبيح، ويكون هؤلاء هم المسؤولون فيما لو اختاروا سبيل الإفساد، فينسب الإفساد إليهم ولا ينسب إلى اللّه تعالى أبداً.

4- إنّ اللّه تعالى لا يفعل الإفساد أبداً، لأنّه حكيم، ولكنّه قد يحجب ألطافه عن البعض لدواع مختلفة من قبيل معاقبتهم إزاء ارتكابهم المعاصي أو نتيجة علمه تعالى بعدم انتفاعهم من اللطف فيما لو منحهم ذلك.

ومن هذا القبيل قول الله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الاْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَة لا يُؤْمِنُوا بِها وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ[7]، وقوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ[8].

المبحث السابع: الإشارة إلى اللطف الإلهي في القرآن

1- وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَداً[9]، أي: لولا ألطاف اللّه بكم ومعونته لكم، لكنتم أقرب إلى المفسدة، ولكنه تعالى قد ألطف بكم وأعانكم من منطلق رحمته بحيث جعلكم أقرب إلى تزكية أنفسكم.

2- وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً[10]، أي: لولا الألطاف الإلهية بكم ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلاّ قليلاً.

3- وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ[11]، أي: إنّنا لو كشفنا الضرّ عنهم لاستمروا في طغيانهم يتردّدون، وهذا ما فيه فساد لهم، ولهذا فإنّنا نلطف بهم ولا نرفع هذا الضرّ عنهم.

4- وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّة وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ[12]، أي: لو فعل اللّه ما ذكره لاجتمع الناس على الكفر، ولكنّه تعالى لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة، بل يفعل اللّه ما فيه اللطف للعباد حفاظاً عليهم من الانجراف في أودية الكفر والضلال.

المبحث الثامن: مناقشة رأي الأشاعرة حول اللطف الإلهي

يعتقد الأشاعرة بأنّ اللّه تعالى هو الذي يخلق أفعال العباد سواء كانت هذه الأفعال طاعة أو معصية، ويذهب هؤلاء إلى أنّ أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة اللّه تعالى وحده، ومن هذا المنطلق عرّف الأشاعرة اللطف بأنّه عبارة عن عدم خلق اللّه قدرة فعل المعصية في العبد، ومن هنا لا يعصي الشخص الذي يشمله اللطف الإلهي إذ لا قدرة له على المعصية، وعرّف بعض الأشاعرة اللطف بأنّه يعني: أن لا يخلق اللّه تعالى الذنب في العبد.

وعليه يرد: يستلزم هذا الرأي القول بالجبر، لأنّ من لا يمتلك القدرة على فعل المعصية يكون مجبوراً على عدم فعلها، ويترتّب عليه عدم استحقاق الإنسان الثواب بتركه للمعصية، لأنّه كيف يستحق الثواب على تركه للمعصية وهو لا يمتلك القدرة على فعلها، وإنّما يكون الثواب لمن يمتلك القدرة على فعل المعصية، ولكنّه يتركها باختياره، فيكون مستحقاً للثواب إزاء هذا الاختيار.

الاستنتاج

تستعرض المقالة مفهوم اللطف في اللغة والاصطلاح العقائدي، حيث يُعتبر اللطف وسيلة فعّالة لتعزيز الدوافع نحو الخير وإبعاد الإنسان عن الشر، كما تؤكد المقالة على أن اللطف الإلهي يُعد واجبا وله تأثير عميق في حياة الأفراد، بالإضافة إلى ذلك تُناقش المقالة آراء الأشاعرة حول اللطف الإلهي، مُشددًة على أهمية حرية الاختيار في الأفعال الإنسانية، مما يعكس دور الإنسان الفعّال في مسار حياته وتوجهاته.

الهوامش

[1] يخرج بهذا القيد القدرة والآلات المطلوبة لأداء التكليف، لأنّ المكلَّف لا يستطيع أداء التكليف من دون القدرة والآلات، ولكنه يستطيع أداء التكليف من دون اللطف، ويعود السبب إلى أنّ اللطف مجرّد تحفيز وبعث وليس له أي أثر في الصعيد الخارجي.

[2] الأنفال، 23.

[3] الطبرسي، مجمع البيان، ج4، تفسير آية 23 من سورة الأنفال، ص 818.

[4] البقرة، 17.

[5] الصدوق، عيون أخبار الرضا (ع)، ج1، باب 11، ح16، ص113.

[6] وبعبارة أخرى: إنّ الشهوة بذاتها أمر ضروري للإنسان، وهي التي تدفع الإنسان إلى نيل متطلّباته في الحياة ولا تعتبر الشهوة مصدراً للإفساد إلاّ بعد أن يطلق الإنسان العنان لها ويفسح لها مجال الطغيان وتجاوز الحدّ.

[7] الأعراف، 146.

[8] الأنفال، 23.

[9] النور، 21.

[10] النساء، 83.

[11] المؤمنون، 75.

[12] الزخرف، 33 ـ 34.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم.

2ـ الصدوق، محمّد، عيون أخبار الرضا (ع)، تصحيح وتعليق حسين الأعلمي، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، طبعة 1404 ه‍.

3ـ الطبرسي، الفضل، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1415 ه‍.

مصدر المقالة (مع تصرف)

الحسون، علاء، العدل عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، طبعة 1432ه‍.