علم الأئمة ليس علما عاديا كما هو عند العلماء والباحثين والمفكرين، وإنما هو علم موروث عن آبائهم الكرام ومن النبي الأعظم (سلام الله عليهم أجمعين)، ومن الفهم الصحيح لآيات القرآن المجيد.
وكل الأئمة ومنهم إمامنا علي بن الحسين السجاد علی هم الشارحون والمفسرون والموضحون الحقيقيون للقرآن المجيد والسنة النبوية الشريفة.
وعلى هذا الأساس، فالذي قاله الإمام علي بن الحسين السجاد حول الكون والسماء والفلك، وما قاله حول العلوم والمعارف الأخرى هو مادة علمية قيمة وصحيحة وصادقة لا تشوبها شائبة، شرط أن نفهمها فهما صحيحة وذكية، وعلى وفق القواعد والأصول الصحيحة المتبعة في فهم النص.
وفي هذا الجزء من البحث سنتناول ما ورد من مادة كونية وفلكية في الأدعية الإلهية الكريمة التي تضمنتها الصحيفة السجادية جامعين بينها وبين ما يناسبها من علم الفلك الحديث مع التحليل والمقارنة اللازمین، وحسب ما يتطلبه سیاق البحث، ليدرك القارئ أن جزءا من علم الإمام السجاد الشة الوارد في الصحيفة السجادية يتعلق بالكون والسماء والفلك وعلى أكمل وجه، وسيكون بحثنا وفق التسلسل التالي:
1- ولادة الكون.
۲- السماء والسماوات.
۳- سكان السماء.
4- الكرة الأرضية.
5ـ قمر الأرض.
1- ولادة الكون
أ- ولادة الكون في العلم الحديث
في الماضي كانت مسألة ولادة الكون وانبثاقه إلى الوجود مسألة فكرية فلسفية محضة غير واضحة لم تقم على أسس ومبادئ علمية، لكن القرن العشرين الميلادي وأوائله بالذات أفرز نظریات قامت في مجملها على أسس رياضية ومبادئ ونظريات علمية عديدة منها نظريات النسبية الخاصة والنسبية العامة لألبرت اینشتاین ونظرية الكم لماكس بلانك و منها الاكتشافات العلمية الكبيرة على مستوى الذرة ومكوناتها، واكتشافات أخرى مهمة على صعيد العلم.
وهذه الاكتشافات والحقائق والنظريات وفرت أسسا جديدة لنظريات جديدة حول بداية الكون ونشوئه وتطوره، فظهر علم جدید يعرف ب(علم الكون) وهو فرع جديد من علم الفلك ظهر في الثلث الأول من القرن العشرين، وظهر علم آخر مقارن له (علم نشأة الكون) وقد ذكرناهما آنفا، وبهذين العلمين والنظريات العلمية الأخرى والاكتشافات الجديدة الكثيرة برزت عدة نظريات حول ولادة الكون و تفسیره.
ومن أشهر نظريات بداية الكون وولادته نظريتان :
الأولی: نظرية الانفجار الكبير Big Bang
والثانية: نظرية حالة الاستقرار Stead State.
نظرية الانفجار الكبير أو العظيم
وهي نظرية إيمانية تقول ببداية الكون بعد أن لم يكن، بدأ الكون بما فيه من مادة وطاقة وزمان و مکان بانفجار عظیم ضخم لا يمكن تصوره.
والانفجار العظيم مازال نظرية منذ اقتراحه في العشرينات من القرن العشرين ولم يتحول إلى حقيقة علمية ثابتة.
لكنها نظرية واسعة الانتشار استطاعت أن تفسر البداية الأولى للكون تفسيرة لم تنافسها نظرية مادية أخرى على الرغم من ظهور عدد من العيوب والانتقادات التي وجهت لها.
ومجمل النظرية: منذ نحو 15 بليون سنة (15 مليار سنة) كانت كل مادة الكون وطاقته مر کز تين في نقطة صغيرة أطلق عليها العلماء البيضة الكونية cosmic egg وكانت مضغوطة للغاية وشديدة الحرارة للغاية أيضا وفي ظروف غير معروفة حدث انفجار ضخم مهول لا يمكن تصوره فتناثرت محتويات النقطة الأولى إلى كل الاتجاهات، وبدأ الزمان والمكان والكون كله.
وبعد الانفجار والتوسع وانخفاض درجة الحرارة تشكلت المادة ثم تلا ذلك تشكل المجرات والنجوم داخلها واستمرت المادة الكونية في الاندفاع في كل فضاء الكون ومازالت إلى اليوم منطلقة بعيد عن مركز الانفجار بقوة ذلك الانفجار الأول.
أدخل عدد من التعديلات على هذه النظرية باستمرار لتصبح هي النظرية الأهم في علم الفلك، وهي نظرية وليست حقيقة علمية، قابلة للنقض والانتقاد، ولكنذها إيمانية تؤكد حدوث الكون وولادته بعد أن لم يكن”.
نظرية حالة الاستقرار
وهذه نظرية إلحادية غير إيمانية لا تؤمن بحدوث الكون بعد أن لم يكن.
وقد جاءت هذه النظرية في مقابل نظرية الانفجار الكبير الشهيرة وتقول هذه النظرية إن الكون لا بداية له ولا نهاية وإنه وجود دائم يشبه ما نحن عليه اليوم.
وقد جاءت هذه النظرية حين وجد بعض العلماء تناقض ظاهرية في نظرية الانفجار العظيم في بداية ظهورها. فقد أعلن بوندي وغولد معا وهويل مستقلا سنة 1948م أن الكون أزلي أبدي لا متناه في الزمان والمكان، وفي حالة استقرار حرکي دائم مقتنعين في الوقت نفسه بقانون التمدد الكوني الدائم الذي قال به العالم الفلكي هابل.
وقد اقترحوا تعويضا للفراغات التي يولدها ابتعاد المجرات بعضها عن بعض فكرة الخلق المستمر، حيث تتوالد في هذه الفراغات ذرات الهيدروجين من العدم لتتشكل في النهاية مجرات حديثة لتملأها.
وهذه نظرية تخالف الدين الذي يقول بحدوث الكون وبدايته وتخالف العلم الذي أكد حدوث الكون بالأدلة العلمية، وبذلك رفضت من قبل الدين والعلم ولم تعش أبدا.
ب – ولادة الكون وما وراءه عند الإمام السجاد عليه السلام
مسألة ولادة الكون عند الإمام علي بن الحسين السجاد علي هي مسألة القرآن نفسه وفكرة ديننا الإسلامي الحنيف نفسها أيضا، وقد تحدث عنها الرسول الأكرم والأئمة الأطهار باستمرار بنصوص كثيرة لا مجال لتفصيلها هنا.
فالكون حادث ومخلوق وكل شيء فيه مخلوق، لم يكن ثم كان بكلمة أو بتعبیر قرآني إلهي (كن فكان)، قال سبحانه وتعالى: (…وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون).
وقد عبر القرآن الكريم عن مسألة الخلق والحدوث بعدة كلمات أو تعبيرات منها فاطر، بدیع، خالق، بارئ، وأمثالها، قال تعالى: ( …فاطر السماوات والأرض…).
ومثل فكرة القرآن قال الإمام علي بن أبي طالب عليه في نهج البلاغة وفي أكثر من مکان: «أنشأ الخلق إنشاء وابتدأه ابتداء بلا روية أجالها ولا تجربة استفادها…».
وكما ورد في القرآن المجيد، وكما ورد على لسان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، جاء على لسان حفيده الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام.
جاء في أكثر من مكان وحديث ما أكده القرآن المجيد والرسول الأكرماء والأئمة الأطهار علا من أن الكون حادث مخلوق خلقه الخالق المبدع (عز وجل) على غير مثال سابق، لم يكن ثم كان.
وعلى مستوى كلام الإمام علي بن الحسين السجاد عالقة في صحيفته السجادية الكريمة، تجد الإيمان بالخالق العظيم الذي خلق الخلق والكون والأشياء كلها أساسا مهما وكبيرة من أسس هذه الصحيفة السجادية القيمة.
ومن يقرأ دعاءه عليه في يوم عرفة خاصة، يجد المزيد من هذا الإيمان الواعي بالخالق والمخلوق وخلق الكون وإبداعه بعد أن لم يكن. ويجد الدقة العلمية والفكرية بتمامها، وفي الوقت نفسه يجد الأسلوب العالي والأدب الرفيع الذي يأخذ بالألباب و بمجامع القلوب. ويجد الاندماج والتأثر بالقرآن المجيد وأسلوبه وفكره وإلهيته على أفضل ما يكون الاندماج والتأثر.
فالله سبحانه وتعالی بدیع السماوات والأرض و خالق كل مخلوق يقول عالية في دعاء عرفة: «اللهم لك الحمد بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام رب الأرباب وإله كل مألوه، وخالق كل مخلوق..»..
والإبداع هو الإيجاد على غير مثال سابق، «أبدع الله تعالى الخلق إبداعة خلقهم لا على مثال، وأبدعت الشيء وابتدعته استخرجته وأحدثته».
والسماوات والأرض هي الكون، ويتفق علم الفلك الحديث تماما على أن الكون مخلوق بعد أن لم يكن ويؤكد هذا المعنى كبار علماء الفلك في العالم وتزداد أدلتهم على الخلق أو ولادة الكون يوما بعد آخر. مما أصبحت فكرة الخلق نقطة لا نقاش فيها بين العلماء الواعين.
وتتوالى تأكيدات الإمام علي بن الحسين السجاد عليه على الإبداع الكوني وبعبارات مختلفة وبسياقات متنوعة وبمعان عديدة منها: أنشأت، وصورت، وابتدعت، وقدرت، وابتدأ، واخترع، واستحدث، وصنع، وفاطر، وباري، والمبدي، والقديم، والخالق، وغيرها من الكلمات والعبارات الدالة على الإبداع والخالقية.
ففي دعاء عرفة يذكر الإمام السجاد عالية الإنشاء من غير سنخ والتصوير من غير مثال والابتداع بلا احتذاء والتقدير لكل شيء. يقول الإمام السجاد الة: أنت الذي أنشأت الأشياء من غير سنخ، وصورت ما صورت من غير مثال وابتدعت المبتدعات بلا احتذاء أنت الذي قدرت كل شيء تقدير.
وفي دعاء عرفة نفسه يذكر الإمام السجاد عالية الابتداء والاختراع والاستحداث والصنع. يقول الإمام علي:
«أنت الذي ابتدأ واخترع واستحدث وابتدع وأحسن صنع ما صنع»، وفي دعاء عرفة نفسه أيضا يذكر الإمام السجاد عالية كلمات: فاطر وبارئ يقول الة: «فاطر السماوات بارئ النسمات لك الحمد حمدة يدوم بدوامك .
وفي دعاء التحمید الله عز وجل يذكر الإمام السجاد عليه الأول بلا أول والابتداع والاختراع. يقول الإمام علية: «الحمد لله الأول بلا أول كان قبله. ثم يقول ابتدع بقدرته الخلق ابتداعة واخترعهم على مشيئته اختراع…».
وفي دعاء الهلال يصف الإمام السجاد الي ربه بكلمات الخالق والمقدر والمصور يقول الإمام السجاد: «فأسأل الله ربي وربك وخالقي وخالقك ومقدري ومقدرك ومصوري ومصورك»، وهناك كلمات كثيرة في الصحيفة السجادية تؤكد وتعزز الخالقية والإبداع منها مثلا: «القديم الخبير» «المبدئ المعيد» وأخرى غيرها.
ولا شك في أن ذكر هذه الكلمات وهذه العبارات لم نر منها الحديث عن إيمان الإمام السجاد عليه بالله وبخلقه الكون والخلق، فهذا الأمر مفروغ منه ، وإنما أردنا من ذلك القول إن مسألة خلق الباري عز وجل للكون والخلق أجمعين تجري في دم الإمام وعروقه، وإنها حاضرة في عقله وروحه وأحاديثه و کل حالاته وأوضاعه. وإن فهم الإمام السجاد علي لمخلوقية الكون والخلق أجمعين لم تنفصل عن فهمه الحقيقي الخالق الكون ومبدعه على غير مثال سابق.
ثم إن فهم مسألة خلق الكون وما وراءه من قوة عظمى عند الإمام السجاد عالية هو الفهم العلمي الصحيح البعيد عن شوائب الخرافات والتفاهات والأوهام، التي ذكرها كثير من مصادر التاريخ المتنوعة.
وهذا الفهم الإمام هو الذي يقول به اليوم علماء الكون والفلك، فهم يقطعون بولادة الكون بعد أن لم يكن. ويعتبرون فكرة أزلية الكون خرافة من الخرافات البائدة التي عفا عليها الزمن..
۲– السماء والسموات
أ- السماء في الفلك الحديث
السماء في الفلك الحديث هي هذا الفضاء الذي يقع فوق رؤوسنا والذي يحيط بالكرة الأرضية التي نعيش فوقها من كل جانب، والسماء خلاء يمتلئ بالنجوم والكواكب والمجرات والسدم وأجرام سماوية متنوعة أخرى.
وفي اللغة العربية يقول الفيروز آبادي: «سما سموا ارتفع وسما به أعلاه كأسماه وسما لي الشيء رفع من بعد فاستنبته وسما القوم خرجوا للصيد وهم سماة، وسما الفحل سماوة تطول على شوله والسماء مؤنث وتذگر وسقف كل شيء و كل بيت ورواق البيت کسماواته، وفرس وظهر الفرس والسحاب والمطر أو المطرة الجيدة جمع أسمية وسماوات وسمی وسم».
ويقول الفيومي في السماء: «سما يسمو سموا علا ومنه يقال سمت همته إلى معالي الأمور إذا طلب العز والشرف. والسماء المطلة للأرض، قال ابن الأنباري تذكر وتؤث.
وقال الفراء: التذكير وهو قليل على معنى السقف وكأنه جمع سماوة مثل سحاب وسحابة، وجمعت على سماوات…»..
وفي علم الفلك السماء هي فضاء شاسع لا نهاية له تمتلئ بأنواع الأجرام السماوية.
والسماء وما تحتوي من أجرام تبدو متحركة فوق رؤوسنا من الشرق إلى الغرب، وذلك بسبب دوران الكرة الأرضية حول نفسها في الاتجاه المضاد.
وكذلك نجد أيضا أنه بسبب دوران الكرة الأرضية حول الشمس مرة واحدة كل سنة تبدو الشمس كأنها تتحرك وسط النجوم ولو أننا لا نستطيع رؤية النجوم القريبة من الشمس أو التي فوق الأفق أثناء النهار.
أما الزرقة السماوية الظاهرة للعيون التي هي فوق الرؤوس فهي جزء ضئيل جدا من السماء، وهي جزء يحيط بجرم صغير هو هذه الكرة الأرضية، وهو في الحقيقة غلاف جوي يلتف حول الأرض.
ووراء هذا الغلاف الجوي الغازي القليل نشاهد السماء سوداء فاحمة تمتد إلى ما لا نعرف من الأبعاد والمسافات، وهو فراغ يمتلئ بالأجرام السماوية المختلفة لا يعرف العلم له حد.
وبناء على هذا، فالسماء أو الفضاء الكوني وما يحتوي من أجرام سماوية وظواهر کونية متنوعة ومنها أرضنا، هي الكون الشاسع الذي يدرسه علماء الفلك والفضاء.
إذن السماء ومعها الأرض هي الكون في التعبير الحديث وهي تحتوي كل شيء، وعلماء الفلك الحديث هم اليوم يطلقون لفظة أو مصطلح (الفضاء) عوض عن السماء للدلالة على هذا العلم فيسمونه (علم الفلك) أو (علم الفضاء) وقلما يسمى (علم السماء).
ب – السماء والسماوات عند الإمام السجاد عليه السلام
لقد وردت السماء والسماوات في القرآن في عدد كبير من الآيات القرآنية، وردت مفردة وجمعا (۳۱۰ مرة). وقد وردت بمعان مختلفة مثل السحاب والمطر والعلو، لكن الأكثر وردت بالمعنى الفلكي للسماء أي هي تلك التي تحتوي على النجوم والكواكب والشمس والقمر.
ومن ذلك قوله تعالى في السماوات جمع: ( وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام…).
وفي السماء مفردة قال تعالى: ( وتبارك الذي جعل في السماء بروجة وجعل فيها سراج، وقمرة منيرة ).
وقد وردت مفصلة بعض التفصيل وقد وردت أيضا مخلوقة لله تعالى، ووردت بصيغة سبع سماوات ووردت أيضا مزينة بالكواكب والبروج وبأحوال أخرى، ومثل ما ذكرها القرآن الكريم ذكرها الرسول الأعظماء، فقد ورد عنه أنه قال: «تبارك خالقها ورافعها وممهدها وطاويها طي السجل..».
وفي نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام وردت 48 مرة وبمعان مختلفة ومنها المعنى الفلكي وبأوصاف وأحوال عديدة كلها تحكي السماء العلمية الحقيقية لا سماء المنجمين الواهية. ومما قال الإمام علي عليه السلام: «فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطدات بلا عمد قائمات بلا سند».
وورث الإمام علي بن الحسين السجاد علية كل ذلك إضافة إلى ما جادت به قريحته، ورث ذلك وبفهم علمي دقيق كما عهدنا رسولنا الأكرم وأئمتنا الأطهار عال، فهو ابنهم تربى في أحضانهم وزق من علومهم.
فسماؤه سماء علمية، هذه السماء التي فوق رؤوسنا المملوءة بالنجوم والكواكب والشمس والقمر لا تلك التي قال بها المنجمون والمشعوذون الذين يتاجرون بعلومهم وبتنجيمهم.
فالإمام علي بن الحسين السجاد التي يعتقد اعتقادا جازما کابائه الكرام وكما في القرآن المجيد أن السماء والسماوات خلق من خلق الله سبحانه وتعالی المتنوع والكثير، وأن الباري عز وجل خالقها وفاطرها لا غيره ولا شريك له في ذلك. قال الإمام السجاد عليه السلام: «سبحانك قاهر الأرباب باهر الآيات فاطر السماوات بارئ النسمات».
وفي عبارة أخرى من الصحيفة يؤكد الإمام السجاد هذا الخلق (خلق السماوات) بقوله: «اللهم لك الحمد بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام».
وفي مكان آخر يؤكد الإمام علي عليه السلام ملكية السماوات والأرض لله عز وجل بقوله: «أصبحنا وأصبحت الأشياء كلها بجملتها لك سماؤها وأرضها». ومن خلال هذا الكلام وأمثاله مما قاله الإمام السجاد تعرف أن السماء التي ذكرها الإمام هي كما وردت في القرآن المجيد وكما وردت عن النبي وآل بيته مفطورة ومخلوقة للبارئ الخالق سبحانه وتعالى، فهي حادثة كما يقول أهل الفلسفة.
وفي حديث الإمام السجاد الي قرن السماء بالأرض في كثير من كلامه مقتديا بالقرآن المجيد الذي قرن السماء بالأرض في عدد كبير من آيات القرآن الكريم، واللذين يمثلان الكون كما ذكرنا.
ومن ذلك قال الإمام علي في صحيفته: «بدیع السماوات والأرض».
وقال أيضا: «لك سماؤها وأرضها».
وقال عليه السلام: «سماؤك ومن فيها وأرضك ومن عليها».
وقال أيضا: «سماوات وما فوقهن وعدد أرضيك وما تحتهن وما بينهن». وقال عليه: «وأشهد سماءك وأرضك».
ومن أوصاف السماء والسماوات التي ذكرها الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام في صحيفته كونها على شكل طبقات كما وصفها القرآن الكريم بقوله تعالى: (الذي خلق سبع سماوات طباقا….).
وقوله عز وجل أيضا: (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا).
قال الإمام السجاد عليه السلام: «وقبائل الملائكة الذي اختصصتهم لنفسك، وأغنيتهم عن الطعام والشراب بتقديسك، وأسكنتهم بطون أطباق سماواتك».
«فأطباق سماواتك» تعني في هذا النص أن السماء على شكل طبقات واحدة فوق الأخرى، كما في قول القرآن الكريم: (سبع سماوات طباقا…).
فالمعنى واحد والفكرة واحدة، وهي فكرة قرآنية إلهية، قال بها ابن القرآن الكريم الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام.
ثم إن هذه السماوات وهذه الطبقات مسكونة بقبائل الملائكة، وهذا يعني أن الكائنات الحية كما هي موجودة في الكرة الأرضية موجودة في السماء، كما سنرى لاحقا.
3ـ سكان السماء
أ- سكان السماء في الفلك الحديث
الحديث عن وجود كائنات حية في السماء، سواء كانت عاقلة أم غير عاقلة حديث مثير وقديم، فالإنسان بطبعه يتوق إلى معرفة أشباه له خارج کرته الأرضية.
ولكن القدماء لم يتمكنوا من دراسة هذه الإثارة علمية لعدم توافر الأجهزة والأدوات العلمية الكافية، وفي العصر الحديث وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين توافرت الإمكانات العلمية اللازمة، فدرس الفلكيون إمكان وجود حياة خارج الكرة الأرضية، وإلى هذه اللحظة لم يستطع العلم إثبات أو نفي وجود كائنات حية في السماء أو الفضاء.
فعلى مستوى الأجرام القريبة درس العلماء القمر دراسة مفصلة وخاصة بعد نزول الإنسان على سطحه وقد أثبتت الدراسات المتواصلة عدم وجود حياة عليه إطلاقا، فظروفه غير مناسبة للحياة التي نعرفها على سطح الأرض.
أما المريخ وهو كوكب دارت أحاديث وأساطير حول وجود حياة على سطحه ودارت دراسات ميدانية بوصول عدد من المركبات الفضائية لاكتشاف نوع من الحياة على سطحه أو في أعماقه، لكنها لم تصل إلى نتيجة قطعية، غاية ما هناك تتحدث الدراسات عن احتمال وجود مياه على سطحه قديما أو في باطن أرضه أو احتمال حياة سابقة، لكن ذلك لم يثبت بالقطع إلى هذه اللحظة.
أما كوكب عطارد الأقرب إلى الشمس فهو کوکب شديد الحرارة لقربه من الشمس ولخلوه من الغلاف الجوي الضروري لوجود الكائن الحي.
ومثل عطارد كوكب الزهرة، فظروفه صعبة جدا حيث يلفه غلاف جوي مؤلف من نحو ۹۷٪ الوعي الكوني والفلكي عند الإمام السجاد علية.. من ثاني أوكسيد الكاربون وجوه كثيف ذو ضغط شديد على السطح يصل إلى نحو مئة مرة أكبر من ضغط الجو الأرضي.
وتبقى الكواكب العملاقة الكبيرة (وهي المشتري وزحل وأورانوس ونبتون) وهي كواكب غازية بعيدة عن الشمس فهي باردة جدا وذات أغلفة غازية مكونة من الهيدروجين والهليوم والميثان وهي غازات غير ملائمة للحياة.
ومثل هذه الكواكب الغازية الكوكب بلوتو الصغير فهو أبرد منها جميعا لأنه أبعد الكواكب وله ظروف صعبة لا تصلح للحياة على سطحه.
وإذا تجاوزنا كواكب المنظومة الشمسية إلى وسط ما بين النجوم فستكون المهمة أصعب. لعدم وصول أجهزتنا العلمية إليها. لكن من خلال دراسة تلك المناطق البعيدة تبين أن هناك كثير من عناصر كيمياء الكربون الأساسية، مثل الهيدروجين والهليوم والكربون والنتروجين والأوكسجين، وإضافة إلى هذه العناصر اكتشف أكثر من 50 مركبة أهمها سيانيد الهيدروجين، هذه المركبات وجدت في عمق سحب كثيفة مملوءة بغبار ما بين النجوم وهذه السحب ذات قابلية للانكماش والتقلص إلى الداخل، تحت تأثير الجذب الكتلي مولدة نجوما وكواكب جديدة، وقد وجدت مركبات عضوية في أجواء النجوم الحمراء حيث تكون درجة مناسبة لتكوين المركبات العضوية المعقدة التي تشكل بداية السلسلة الطويلة المؤدية إلى نشوء الحياة.
وهذا يعني أن مقومات الحياة في الكون موجودة. ويعتقد علماء الكون أن بعض النجوم الشبيهة بنجمنا الشمس وهي كثيرة وشائعة في الكون تمتلك أبناء (أي كواكب سيارة) وقد اكتشفوا عددا منها في طور التكون وإذا كان هناك حولها أو حول بعضها كوكب مشابه للأرض فلا يستبعد وجود حياة على سطحه.
لكن المشكلة الكبيرة كيف الوصول إلى تلك الكواكب المفترضة وأجهزتنا العلمية محدودة قياسا بهذا الكون الكبير. والنتيجة النهائية أن العلم الحديث لم يستطع إثبات أو نفي وجود كائنات حية أيا كان نوعها.
ب – سكان السماء والسماوات عند الإمام السجاد عليه السلام
وإذا لم يستطع العلم الحديث أن يثبت أو ينفي وجود كائنات حية عاقلة أو غير عاقلة في السماء وفي أجرامها، فإن الدين الإسلامي والقرآن المجيد والنبي الأكرم والأئمة الأطهار قالوا بوجود كائنات حية عاقلة تنتشر في أرجاء السماء المختلفة.
تلك الكائنات الحية هي الملائكة. فهم يسكنون السماء وينتشرون في مختلف أرجائها وهم أكثر من سكان الكرة الأرضية.
وقد نص القرآن الكريم على وجودهم بعدد من الآيات ووصفهم بأفضل الأوصاف قال تعالی: ( ولله يجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ).
وقال تعالى أيضا: «وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم».
وذكرهم النبي الأكرم والأئمة الأطهارعليه السلام، ومنهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في نهج البلاغة فهم يملؤون أرجاء السماء، قال الإمام: «ثم فتق ما بين السماوات العلا نملأهن أطوارا من ملائكته».
إذن في السماء والفضاء سكان عقلاء دون أي شك وريب، ذكرهم القرآن الكريم والرسول الأكرم والأئمة الأطهار وهم الملائكة، بالنصوص القطعية، لكن هل هناك عقلاء آخرون غير الملائكة؟ هذا ما اختلف فيه الباحثون والمفسرون.
لكن هناك روايات تذكر أو تشير إلى كائنات أو خلق غير الملائكة.
من تلك الروايات ما ورد عن الرسول الأعظماء أنه قال: ومن وراء ذلك (أي وراء السماء) ظل العرش، وفي ظل العرش سبعون ألف أمة ما يعلمون أن الله خلق آدم ولا ولد آدم، ولا إبليس ولا ولد إبليس وهو قوله تعالى: «… ويخلق ما لا تعلمون ».
وإذ ورد في الصحيفة السجادية كلام صريح للإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام يذكر فيه الملائكة على شكل قبائل تسكن بطون أطباق السماوات، كقوله عليه السلام: «قبائل الملائكة الذين… وأسكنتهم بطون أطباق سماواتك».
أو على شكل درجات أو مواقع أو منازل كقوله عليه السلام: «اللهم فصل عليهم وعلى الملائكة الذين من دونهم من سكان سماواتك».
فإن هناك كلام آخر للامام السجاد التي ورد في الصحيفة السجادية يشير أو لمح إلى وجود كائنات حية غير الملائكة المذكورين صراحة، الذين يسكنون السماء أو السماوات.
ومن ذلك مثلا: قول الإمام السجاد عليه السلام: «وأشهد سماءك وأرضك ومن أسكنتهما من ملائكتك وسائر خلقك» .
فما المقصود هنا من عبارة (وسائر خلقك) بعد ذكر الملائكة صراحة؟ ألا يحتمل أن تكون كائنات حية بشرية أو حيوانية أو بكتيرية أو غير ذلك؟ نحن لا نعرف من هي أو ما هي والله أعلم.
ثم ما المقصود من كلمة (من) في كلام الإمام التالي: «ولكن لتسمع سماؤك ومن فيها وأرضك ومن عليها».
أتدل على الملائكة وحدهم؟ أم تتجاوزهم إلى كائنات بشرية حية أخرى لا تعرف تفاصيلها، و خاصة وقد أكد هذا المطلب الرسول الأكرم الله في النص المذكور سابقا: (سبعون ألف أقة ما يعلمون إن الله خلق آدم).
إن حديث الإمام السجاد عليه السلام عن وجود كائنات حية في السماء إضافة إلى الملائكة يؤكده القرآن الكريم من خلال عدد من الآيات القرآنية الكريمة منها: قوله تعالی: «ولله يجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون»، وقوله أيضا: «ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا شاء قدير».
وكذلك من خلال أقوال الرسول والأئمة الأطهار عليهم السلام.
4- الكرة الأرضية
أ- الأرض في الفلك الحديث
السماء والأرض وما بينهما و كل شيء نعرفه وما لا نعرفه من مادة وطاقة وزمان ومكان وفضاء، ما عدا الله سبحانه وتعالی خالق الكون، هي كل الكون.
فإذن الأرض أو الكرة الأرضية هي جزء من الكون، جزء صغير جدا قياسة بالكون الهائل وبمفردات الكون الكبيرة.
تقع الأرض أو الكرة الأرضية ضمن المنظومة الشمسية، وتقع المنظومة الشمسية ضمن المجرة، مجرة درب التبانة Milky Way وضمن الكون في المحصلة النهائية.
والأرض يمكن دراستها من جوانب متعددة، من جوانب اقتصادية وجغرافية وجيولوجية وفلكية و أخرى غيرها.
ولما كانت دراستنا هي الكون والسماء فلابد من أن ندرس الأرض ضمن الكون والسماء، من جانبها الفلكي استنادا إلى أنها جرم سماوي كوني له مواصفات فلكية معينة. فهي كرة سماوية تتعرض للظلام والضياء فتكون مظلمة في ليلها ومضيئة في نهارها، ولها حركات فلكية ومواقع سماوية ومواصفات فلكية وعلمية أخرى.
وعلى هذا الأساس فالأرض أو الكرة الأرضية واحدة من تسعة أعضاء تدور حول الشمس ويعرف هذا النظام ب (النظام الشمسي). وإذا أردنا أن نقرأها کوکب سيارة ضمن السيارات التسع فهي جرم ذو خصائص فريدة لا توجد في غيرها، ومن أهمها وجود الماء والهواء الضروريين لإمكان الحياة على سطحها.
والأرض كرة زرقاء ساطعة جميلة المنظر للناظر إليها من الفضاء، تعكس نحو ثلث ضوء الشمس الساقط عليها، وتبدو کتل اليابسة البنية بوضوح، وكذلك المحيطات الزرقاء التي تغطي نحو ۷۰٪ من سطح الأرض، كما يمكن مشاهدة سحب كثيرة في الجو.
والكرة الأرضية ثالث الكواكب السيارة بعدة عن الشمس، وأكبر الكواكب الصخرية، يبلغ قطرها نحو ۱۲،۷۵۹ کیلومتر، ومتوسط بعدها عن الشمس نحو ۱۶۹،۶۰۰،۰۰۰ کیلومتر، وسرعتها المدارية حول الشمس نحو ۲۹،۷۹ کیلومتر) في الثانية، وزمن دورتها حول أمها الشمس يبلغ ۳۶۵،۲۹ يوم – أي سنتها – أما دورتها حول محورها – أي يومها – فيبلغ ۲۳ ساعة و 56 دقيقة، ومن شروق الشمس إلى الشروق التالي ۲4 ساعة.
يحيط بالكرة الأرضية غلاف غازي فريد يسمح بوجود الحياة على سطحها، ويتكون أساسا من ۷۷٪ من النتروجين و ۲۱٪ من الأوكسجين بالإضافة إلى غازات أخرى وبخار الماء والغبار.
وهو – أي الغلاف الغازي – جو رقیق بالمقارنة مع جو الزهرة الكثيف جدا وهو رقيق بحيث يخترقه ضوء الشمس، لكنه في الوقت نفسه سميك بما فيه الكفاية ليحجب إشعاعات الشمس الأخرى المؤذية، فمعظم الأشعة الفوق البنفسجية الخطيرة على حياة البشر ترشح عبره، ويبطئ جو الأرض سرعة الأحجار النيزكية الصخرية الصغيرة ويبخرها..
والكرة الأرضية هي جزء من الكون – كما ذكرنا – ومادتها من مادة السماء والكون والأجرام السماوية الأخرى. فهي مكونة من العناصر المائة والتسعة المعروفة الموجودة في الأرض والكون وإن اختلفت النسب بين الأجرام المتنوعة، فمثلا يكثر الهيدروجين في الشمس والنجوم السماوية الكثيرة، ويقل في الكرة الأرضية.
وتقع هي وأخواتها – الكواكب السيارة – وأمهم الشمس في إحدى أذرع مجرتنا درب التبانة . في ذراع الجبار – وتدور مع أخواتها وأمها حول مركز المجرة، والتي هي كذلك تجري في السماء متباعدة عن أخواتها المجرات الأخرى، ويمكن معرفة موقعنا من خلال المجرات الكونية الأخرى.
ونحن في الحقيقة لا تعرف أين نقع في هذا الكون الشاسع !
وللأرض مواصفات و حالات أخرى، منها خضوعها – كما ذكرنا ۔ لحالات الليل والنهار ولحركات متعددة ومواقع مختلفة، ولعل من أشهر ما يطرأ عليها من حالات حالتي الليل والنهار، وعادة ما تذكر حالتا الليل والنهار مع ذكر الأرض أو الكرة الأرضية، فهما منها وإليها كانا منذ صارت الأرض أرضا.
والليل هو أحد جزأين أساسيين لليوم day. وهو الجزء (المظلم)، أما الجزء الأساسي الآخر فهو النهار (المضيء).
ويحصل الليل والنهار (اليوم) نتيجة دوران الكرة الأرضية حول محورها ويتسبب ميل هذا المحور على مدار الكرة الأرضية حول الشمس في اختلاف الليل والنهار من وقت لوقت ومن مكان لمكان، وفي حدوث فصول السنة، ويبلغ الاختلاف بين النهار والليل أعلى درجاته في القطبين الأرضيين الشمالي والجنوبي ويقل الاختلاف في منطقة خط الاستواء.
عرف الفيروز آبادي الليل بقوله: «الليل من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق أو الشمس».
وعرف النهار بقوله: «النهار ضياء ما بين الفجر إلى غروب الشمس، أو من طلوع الشمس إلى غروبها أو انتشار ضوء البصر وافتراقه».
ومن هذه الكرة السماوية التي تعرف بالأرض، وليلها ونهارها وحركاتها ومواصفاتها وحالاتها الأخرى قديمها وحديثها تتكون الأرض التي نعيش عليها والواقعة ضمن هذا الكون الكبير .
ب – الأرض عند الإمام السجاد عليه السلام
الأرض عند الإمام السجاد عالية هي تلك الأرض العلمية التي وردت في القرآن الكريم في عدد من آياته الكريمة، وإذا وردت في القرآن بعدد كبير من المواصفات والحالات والمعاني لشمولية القرآن وكونه تبيان لكل شيء قال تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيان لكل شيء…) ،(… ومافرطنا في الكتاب من شيء”…)، فإن الإمام السجاد عليه السلام – وهو ابن القرآن الذي رضع من ثدييه ذكر كثير من معاني القرآن وأفكاره وتعاليمه في كلماته وأحاديثه.
لقد وردت كلمة (الأرض) في القرآن الكريم 461 مرة، وهي بهذا الرقم تفوق المواد الفلكية الأخرى، تفوق كلمة السماء الواردة ۳۱۰ مرات والشمس الواردة ۳۳ مرة و كلمة القمر الواردة ۲۷ مرة والنجم والنجوم الواردة ۱۳ مرة و كلمات فلكية أخرى غيرها. لكنها لم تكن في هذا الرقم الكبير مادة فلكية فقط، وإنما وردت إضافة إلى كونها مادة فلكية وردت مادة ضمن علوم أخرى.
وحين تحدث القرآن الكريم عن الأرض كمادة فلكية، تحدث عنها على أدق ما يقول علم الفلك في هذا الجرم الكوني وأصح ما يكون العلم، فهي أولا وقبل كل شيء مخلوقة لله سبحانه وتعالى طائعة له خاضعة لقوته وسيطرته أبدعها من العدم قال عز وجل: «بدیع السماوات والأرض وإذا قضى أمر، فإما يقول له گن فيكون»، وقال تعالى أيضا: «خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل…. »، وهي مدورة مكورة أو كرة حقيقية، وهي جرم متحرك لها أكثر من حركة ومواصفات أخرى، وقد أشار القرآن إلى ذلك بإشارات وسياقات وقرائن متنوعة كلها تدل على حقيقة الأرض وعلميتها، ولا مجال للتفصيل في ذلك. لقد رد الإمام السجاد عالية معاني القرآن وأفكاره في مجال الأرض في أكثر من موضع من كلماته وأحاديثه وخطبه.
فالله سبحانه وتعالى هو الذي أبدع الأرض على غير مثال سابق كما السماء وغيرها من مخلوقاته، قال الإمام السجاد عليه السلام: «اللهم بدیع السماوات والأرض»، وفي أكثر من موضع.
ومثل ذلك خلق الليل والنهار وهما جزءان أو حالتان لا ينفگان عن الأرض ولا ينفصلان عنها، قال الإمام عليه السلام: «الحمد لله الذي خلق الليل والنهار».
فالليل – وهو ظلام الأرض – جزء من الأرض، والنهار – وهو ضوء الأرض – جزء من الأرض أيضا، وهما يكملان هوية الأرض العامة.
فإذن الحديث عن الليل والنهار يعني الحديث عن الأرض، لأنهما من أجزاء الأرض أو ملحقاتها أو أساسياتها، ومن خلالهما أصبحت الحياة ممكنة ومعقولة بل وجميلة.
وقد تحدث الإمام السجاد عليه السلام في أحد أدعيته حديثا علميا رائعا عن الليل والنهار اللذين يتعاقبان على الأرض، حديثا يشير أو يلح من قريب أو بعيد إلى کروية الأرض، فلنقرأ ما قاله السجاد عالية: حيث قال: «الحمد لله الذي خلق الليل والنهار بقوته وميز بينهما بقدرته وجعل لكل واحد منهما حدا محدودا وأمدة ممدودة يولج كل واحد منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد».
فالإمام السجاد عليه السلام يتحدث هنا حدیث صریحا عن مخلوقية الليل والنهار اللذين يلفان الكرة الأرضية بقوته سبحانه، ثم يتحدث عن التمييز بين هذين المخلوقين (الليل والنهار) بأن جعل الله تعالى أحدهما مظلمة والآخر مضيئا بقدرته وجعل أيضأ لكل واحد منهما ساعات محددة لا يتجاوز أحدهما على الآخر، وجعل لهما نهاية وهي قيام الساعة والقيامة.
ونلاحظ هنا الدقة العلمية في مسألة التداخل المذكور في النص السجادي «يولج كل واحد منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد» والذي جاء على غرار عدد من الآيات القرآنية الكريمة، منها قوله تعالی: «تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل».
والذي فسره المفسر الطبرسي في أحد معانيه بقوله: «والآخر معناه يدخل أحدهما في الآخر بإتيانه بدلا منه في مکانه».
ويمكن أن يدل الإيلاج في عملية دخول الليل في النهار والنهار في الليل – على كروية الأرض. يقول الدكتور أكرم أحمد إدريس: «وهناك آية تنطق بكروية الأرض ألا وهي إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل. فالإيلاج في اللغة هو الإدخال، وفي هذه الآية إدخال الليل في النهار وإدخال النهار في الليل، وهذا الإيلاج لا يتم مطلقا إلا في جسم كروي، وبالفعل فالليل والنهار يتلاحقان بشكل يدعو للدهشة. فلا تغيب الشمس عن جزء من الأرض ويحل فيها الظلام والليل إلا وتشرق وتضيء على جزء مماثل ومساو من الأرض.. ولو كانت الأرض مسطحة كيف كانت ستتم عملية الإيلاج هذه؟ إذ لو كانت مسطحة لسطعت عليها الشمس دفعة واحدة. ثم عندما تغيب عنها دفعة واحدة، فالإيلاج هو دليل قرآني واضح على كروية الأرض».
وفي الحقيقة أن نص الإمام السجاد عليه السلام في هذا الموضوع يجمع بين العلم والأدب والبلاغة والجمال وروعة الأسلوب، وهو قمة ما يجود به جاد.
ويتحدث الإمام السجاد عليه السلام أيضا عن حالات ومواصفات كثيرة للأرض، منها: تأكيده صلابة الأرض وإحكامها من خلال الجبال الرواسي التي غرسها الباري عز وجل فيها؛ قال الإمام علي: «الجبال الرواسي على صلابتها» ، وفي مكان آخر من أدعيته ذكر الإمام السجاد من الملائكة من و كله الله تعالی بالجبال لكي لا تزول؛ قال الإمام عليه: «والموكلين بالجبال فلا تزول».
ومما ورد في أحد أدعية الإمام السجاد عليه السلام نعرف أنه قال بوجود عدد من الأرض أي ذكر كلمة (الأرضين) جمع الأرض مصداقا لقول الباري عز وجل في كتابه الكريم: «الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن»، حيث قال الإمام عليه السلام: «وملء سماواتك وما فوقهن وعدد أرضيك وما تحتهن وما بينهن».
ففي النص المذكور ذكر لأكثر من أرض، (فأرضيك) جمع أرضك، ووجود الأرضين بل والعدد الكبير من الكرات الشبيهة بالكواكب السيارة والأرض منها هو اليوم حديث العلم والعلماء وعلى مستوى التخصص الفلكي الحديث.
وهناك ذكر للأرض في أدعية الإمام السجاد عليه السلام غير ما ذكرنا، تصریحا أو تلميحا، لا مجال لذكرها هنا، لكن الذي تحدث به الإمام عليه، هو حديث علمي، وإن جاء عرضا في سياق الدعاء أو الخطاب أو الحديث.
۵- قمر الأرض
أ- القمر والهلال في الفلك الحديث
يعد القمر (قمر الأرض) من أقرب الأجرام السماوية إلى الأرض، ومن أصغر الأجرام السماوية الشهيرة قياسا – مثلا – بالشمس والأرض والكواكب السيارة والنجوم على عمومها.
وعلى الرغم من حجمه الصغير وأهميته الكونية (على مستوى الكون) إلا أن هذا الجرم الجميل هو جرم واضح وذو أهمية كبيرة جدا بالنسبة إلى الأرض والإنسان خاصة.
فمن خلال الأهلة (جمع هلال) المتعددة الممتدة على طول الشهر القمري نستطيع أن نعين بداية الشهر القمري وتسلسله الطولي على إمتداد الشهر.
والهلال – مفرد الأهلة – هو جزء من القمر أو قوس مضيء رفيع في السماء… وفي اللغة العربية يقول الفيروز آبادي: «الهلال غة القمر أو ليلتين إلى ثلاث أو إلى سبع، ولليلتين من آخر الشهر، ست وعشرين وسبع وعشرين، في غير ذلك قمر».
والهلال وجه من الأوجه العديدة للقمر، يظهر في أوائل الشهر العربي ويسمى الهلال الجديد new moon وفي أواخر الشهر العربي ويسمى (الهلال القديم). ويمكن رصد الهلال الجديد في الأفق الغربي بعد غياب الشمس، أما الهلال القديم فيمكن رصده في الأفق الشرقي قبيل شروق الشمس مباشرة.
والقمر في علم الفلك جرم صغير قياسا بالأجرام السماوية الأخرى، وأقربها
إلى الأرض، فيبلغ بعده عنها نحو ۳۸۶،۰۰۰ کیلومتر، وهو جرم عادي جدا، فهو تابع التابع أكبر هو الأرض التي تتبع الشمس، والشمس هي تابعة إلى المجرة . مجرة درب التبانة – وهذه المجرة هي واحدة من ألف مليون مجرة تنتشر في أرجاء الكون.
وللقمر عدة دورانات، فهو يدور حول محوره كما تدور الأرض حول محورها، ويستغرق دورانه حول محوره نحو ۲۷،۳ يوما، وهو الوقت نفسه الذي يستغرقه للدوران حول الكرة الأرضية، ولذلك فالجانب القريب من القمر هو الذي يواجهنا دائما، أما الجانب الآخر البعيد فلم يشاهده أحد حتى صورته الأجهزة الفضائية حديثا. والمقدار الذي نشاهده من القمر والمعروف بالوجه مرتبط بالمقدار المعرض لأشعة الشمس من الجانب القريب..
وقد حظى القمر بدراسات وافية، أكثر من كل الأجرام السماوية، وذلك لقربه من الأرض، وقد رسمت له خرائط تفصيلية عديدة للجانب القريب من الأرض، وفي الستينات من القرن العشرين أرسل إليه عدد من السوابر الفضائية، ووصلت إلى قمة دراسة القمر حين هبط الإنسان على سطحه سنة 1969م وقرأه قراءة مباشرة، وتوافرت للإنسان معلومات كثيرة كشفت الكثير من أسراره وخباياه، وقلبت الكثير من المفاهيم السائدة.
والقمر لا يملك غلافا جوي، ودرجة حرارته تختلف من المنطقة التي تواجه الشمس إلى منطقة الظل، ففي المنطقة الأولى تصل الحرارة إلى ۱۱۰ درجات مئوية نهارا، وتصل منطقة الظل نحو ۱۸۰ درجة مئوية تحت الصفر لي، وسبب الفارق بين الحرارة والبرودة يرجع إلى وصول حرارة الشمس إلى سطح القمر نهارا دون أي حجاب جوي، فتتبدد سريعة في الليل ليصبح في النهاية ليلا باردة جدا. ولأن كتلة القمر صغيرة صارت جاذبيته ضعيفة قياسا بجاذبية الأرض، فهي سدس جاذبية الأرض.
إلى الأرض، فيبلغ بعده عنها نحو ۳۸۶،۰۰۰ کیلومتر، وهو جرم عادي جدا، فهو تابع التابع أكبر هو الأرض التي تتبع الشمس، والشمس هي تابعة إلى المجرة .
مجرة درب التبانة – وهذه المجرة هي واحدة من ألف مليون مجرة تنتشر في أرجاء الكون.
وللقمر عدة دورانات، فهو يدور حول محوره كما تدور الأرض حول محورها، ويستغرق دورانه حول محوره نحو ۲۷،۳ يوما، وهو الوقت نفسه الذي يستغرقه للدوران حول الكرة الأرضية، ولذلك فالجانب القريب من القمر هو الذي يواجهنا دائما، أما الجانب الآخر البعيد فلم يشاهده أحد حتى صورته الأجهزة الفضائية حديثا. والمقدار الذي نشاهده من القمر والمعروف بالوجه مرتبط بالمقدار المعرض لأشعة الشمس من الجانب القريب.
وقد حظى القمر بدراسات وافية، أكثر من كل الأجرام السماوية، وذلك لقربه من الأرض، وقد رسمت له خرائط تفصيلية عديدة للجانب القريب من الأرض، وفي الستينات من القرن العشرين أرسل إليه عدد من السوابر الفضائية، ووصلت إلى قمة دراسة القمر حين هبط الإنسان على سطحه سنة 1969م وقرأه قراءة مباشرة، وتوافرت للإنسان معلومات كثيرة كشفت الكثير من أسراره وخباياه، وقلبت الكثير من المفاهيم السائدة.
والقمر لا يملك غلافا جوي، ودرجة حرارته تختلف من المنطقة التي تواجه الشمس إلى منطقة الظل، ففي المنطقة الأولى تصل الحرارة إلى ۱۱۰ درجات مئوية نهارا، وتصل منطقة الظل نحو ۱۸۰ درجة مئوية تحت الصفر لي”، وسبب الفارق بين الحرارة والبرودة يرجع إلى وصول حرارة الشمس إلى سطح القمر نهارا دون أي حجاب جوي، فتتبدد سريعة في الليل ليصبح في النهاية ليلا باردة جدا. ولأن كتلة القمر صغيرة صارت جاذبيته ضعيفة قياسا بجاذبية الأرض، فهي سدس جاذبية الأرض.
وبذلك لا يستطيع الكائن الحي المشي بسهولة كما يمشي على الأرض، وقد احتاج رواد الفضاء الذين نزلوا على سطحه نوعا خاصا من الأحذية.
وتبعا لذلك فإن سرعة الإفلات من جاذبية القمر في حدود (۵، ۲) کیلو متر في الثانية، وهذا الضعف الجاذبي أدى إلى هروب الغلاف الجوي القمري، وعدم وجود الغلاف الغازي عرض القمر إلى جميع أنواع الإشعاعات والصدمات النيزكية.
والقمر هو في الحقيقة جرم سماوي معتم يستمد نوره من ضوء الشمس، ويتغير الجزء المستضيء من القمر من يوم لآخر في الحجم والشكل، فهو في البداية خط رفيع مستنير، ويزداد حجمه شيئا فشيئا ليصبح كرة تامة الاستدارة، ثم يأخذ بالتناقص ليرجع خطة مستنيرة كما كان في البداية. وهذا ما يعرف بأوجه القمر أو أطواره.
وهناك معلومات وأرقام ومواصفات أخرى لا مجال لذكرها هنا.
ب – القمر والهلال عند الإمام السجاد عليه السلام
القمر مادة فلكية قرآنية كريمة، ورد في القرآن المجيد ۲۷ مرة كما ذكرنا آنفا
أما الهلال فلم يرد في القرآن المجيد مفردا وإنما ورد جمعا أي (أهلة) جمع (هلال).
ومع ورود القمر والأهلة في القرآن الكريم أكد القرآن على التقويم القمري (استخدام القمر لحساب الوقت) کمنظم لعدد من العبادات والمناسبات الشرعية والدينية.
لقد تحدث القرآن الكريم عن القمر والأهلة مادة فلكية علمية لا مادة فلكية تنجيمية كما في أحاديث المنجمين والمشعوذين والحضارات الغابرة، تحدث عن القمر جرما يجري في فلك أو مدار محدد، وليس إله يعبد من دون الله سبحانه وتعالى كما كان يعبد في الحضارات القديمة.
فالقمر في القرآن الكريم هو جرم سماوي مخلوق لله تعالى، متواضع كسائر المخلوقات الموجودة في الكون لا حول ولا قوة له، وهذا ما أكده القرآن الكريم صراحة وفي أكثر من آية، منها قوله سبحانه وتعالی: «ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا القمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كتم إياه تعبدون».
والقمر في القرآن أيضا جرم سماوي يجري، يدور في مدار خاص به كبقية الأجرام السماوية الأخرى، وفي مداره هذا لا يتخلف ولا يخرج عنه ولا يضطرب فيه ولا يتداخل مع المدارات الأخرى، وإنما له استقلاليته ووضعه الخاص لينتفع به سكان الأرض.
قال تعالی: «والشمس تجري لمقر لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قناه منازل حتى عاد كالغجون القديم لا الشمس يبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبون» وفي هذه الآية الشريفة وصف القرآن الكريم أطوار القمر أو أوجهه الهلالية المعروفة، من هلال إلى بدر إلى هلال، مشبه الهلال بالعرجون القديم “، وهو وصف رائع، جامع بین الشكل العرجون – ونهاية الشهر القديم – وذاكرة في الوقت نفسه منازل القمر، المعروفة لدى العرب وهي ۲۸ منزلا.
ومثل ما ذكر القرآن الكريم فهم الأئمة الكرام القمر والهلال، فهموا القمر فهما علميا و تحدثوا عنه في مناسبات عديدة، واستندوا إليه في ضبط عدد من المناسبات الشرعية والفرائض والأحكام.
فتحدث الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في ذلك داعية للنظر إلى ما في السماء من أجرام وظواهر کونية، ومنها قمر الأرض، الجرم الأكثر قربا إلى الأرض والأكثر وضوحا والأجمل في سماء الليل الطويلة، وقد رمى من وراء هذا النظر استكشاف ما وراء هذه الأجرام والظواهر السماوية من قوة وقدرة هائلة، خلقتها وجعلتها على هذه الصورة من النظام والجمال.
قال الإمام علي عليه السلام: «فانظروا إلى الشمس والقمر والنبات والشجر»، وقال أيضا: «وقمرها آية ممحوة من ليلها»، وقال كذلك: «والشمس والقمر دائبان في مرضاته».
ویفرد الإمام علي السجاد عليه السلام بين مجموعة الأدعية المكونة للصحيفة السجادية دعاء خاصا بالهلال تحت عنوان: «دعاؤه إذا نظر إلى الهلال» إضافة إلى ما ورد من متفرقات هنا وهنا في أدعيته الأخرى تشير أو تلمح إلى القمر أو الهلال.
ففي هذا الدعاء (دعاء الهلال) يذكر مصطلح الهلال بالنص دون أن يذكر القمر صراحة: «وأن يجعلك هلال بركة.. هلال أمن.. هلال سعد..» ومعلوم أن الهلال هو بعض القمر أو جزء من القمر، وقد يطلق الهلال على القمر إطلاق الجزء والمقصود به الكل.
وقد ورد في هذا الدعاء عدد من المصطلحات الفلكية والمواد العلمية المتعلقة بالفلك كعبارة: الدائب والسريع ومنازل وفلك والزيادة والنقصان والطلوع والأفول والإنارة والكسوف وشهر وهلال ويمحقها وسعد و نحس وأخرى غيرها.
وورد عدد من المعلومات العلمية الصحيحة البعيدة عن المعلومات الرخيصة وخرافات المنجمین، فالإمام السجاد عليه يخاطب في هذا الدعاء مخلوقا طبيعيا فلكيا من مخلوقات الله سبحانه وتعالى الكثيرة التي تدل على عظمة خالقها ومبدعها المطيعة له والمنقادة لأوامره.
فيصف الهلال بالمخلوق المطيع لخالقه سبحانه وتعالى، فيقول الإمام الشي: «أيها الخلق المطيع».
ثم يصف هذا الهلال المطيع باستمراره وسيره وحركته ودورانه السريع في فلکه بقوله: «الدائب السريع».
ثم يذكر الإمام السجاد التي تنقل الهلال في المنازل القمرية التي قدرها الله سبحانه وتعالى في سماء الكون بقوله: «المتردد في منازل التقدير»، أي (منازل القمر). ومنازل القمر مواد فلكية مشهورة في علم الفلك، وهي مواقع قمرية يومية معروفة منذ القدم يجري القمر فيها على وفق حساب دقیق، فيجري خلال دورته الشهرية حول الكرة الأرضية ضمن خط محدد لا يحيد عنه قاطعة كل ليلة 13 درجة قوسية، نازلا في كل ليلة منطقة محددة بالنسبة إلى النجوم السماوية، تعرف بالمنزل، وخلال دورته الشهرية يمر أو ينزل في ۲۸ منز، وكل منزلين وثلث المنزل يساوي برجا واحدا، و مجموعها اثنا عشر برجا وهي الخط الذي تجري فيه الشمس والمعروف بمصطلح (فلك البروج) .
ذكر القرآن الكريم المنازل القمرية بقوله تعالى: «والقمر قدناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم».
والمنازل تقع ضمن فلك البروج الاثني عشر الذي يجري فيه القمر ضمن، وقد لمح الإمام السجاد علي إلى هذا الفلك بقوله: «المتصرف في فلك التدبير».
ثم يصف الإمام السجادعليه السلام القمر من خلال الزيادة والنقصان مشيرة إلى ظهوره هلالا نحيط ثم يزداد تدريجيا ليصبح كرة ضوئية كاملة (بدرا)، ثم يأخذ بالنقصان مرة أخرى ليرجع صغير نحيلا كما بدأ. قال الإمام عليه: «وامتهنك بالزيادة والنقصان»، أي استعملك واستخدمك وجعلك تزداد وتنقص باستمرار.
ثم يصف القمر أو الهلال بالطلوع والأفول بقوله عليه: «والطلوع والأفول» وهما مصطلحان فلكيان يستخدمان إلى الآن فيطلع الهلال أي يبزغ ويظهر ثم بعد ذلك يأفل ويغيب ويختفي كسائر الأجرام السماوية الدائرة في السماء (في فلك البروج).
ثم يصفه عليه السلام بالإنارة والكسوف، يقول الإمام علية: «والإنارة والكسوف» وإنارة القمر إشعاعه نور پنیر به الأرض والمناطق القريبة منه، وقد التزم الإمام الكلية بمصطلح (الإنارة) ولم يقل الإضاءة، مستخدمة تعبير القرآن العلمي الذي فرق في آياته الكريمة بين نور القمر وضوء الشمس بقوله تعالی: «هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا.. » وتخصيص الشمس بالضوء والقمر بالنور من حيث إن الضوء أخص من النور، قال: (وقمرا منيرا) أي ذا نور.
وفي مقابل الإنارة يذكر الإمام علي (الكسوف) (ویرید به خسوف القمر) وهي ظاهرة علمية فلكية معروفة (وهو ذهاب ضوء القمر بدخول القمر في ظل الكرة الأرضية) .
ذكر الإمام السجاد هذه الظاهرة هنا في سياقها العلمي لا التنجيمي، فالمنجمون يذكرون الخسوف والكسوف تبين في حوادث و کوارث أرضية ما أنزل الله بها من سلطان.
ثم يذكر الإمام السجاد عليه السلام مسألة مهمة من مسائل القمر والهلال وهي علاقة الهلال بالشهر الجديد وببدايته بالذات، حيث ظهوره في أول الشهر القمري يعني ابتداء شهر جدید وأيام جديدة ومسائل أو حوادث جديدة، فما أروع تعبير الإمام السجاد في مخاطبته الهلال بالقول: «جعلك مفتاح شهر حادث لأمر حادث».
وبعد هذه المواصفات العلمية الدقيقة للقمر أو الهلال يخاطب هذا الجرم الجميل مخلوقة طبيعية من مخلوقات الله تعالى الكثيرة بالقول: «في كل ذلك أنت له (أي الله تعالی) مطيع وإلى إرادته سریع»، مؤمنا – أي الإمام – الإيمان الكامل بقدرة الله تعالى وهيمنته على كل مقدرات الطبيعة والكون.