تقلد الإمام علي الرضا (ع) للزعامة الدينية الكبرى

تقلد الإمام علي الرضا (ع) للزعامة الدينية الكبرى

2024-06-08

54 بازدید

تعتقد الشيعة الإمامية أن بعد كل وفاة إمام من الأئمة الأربعة عشر (ع) لابد من أن يتقلد إمام بعده للزعامة الدينية الكبرى، ولذا بعد وفاة الإمام موسى الكاظم (ع) تقلد الإمام علي الرضا (ع) الزعامة الدينية الكبرى، وصار مرجعا عاما للمسلمين، ومن هنا احتف به الفقهاء والعلماء من مختلف المذاهب والطوائف، وأخذوا يسألون منه أحكامهم الشرعية وأمورهم الدينية، وغير ذلك من صنوف المعارف والعلوم.

سفره إلى البصرة

وبعد وفاة الإمام الكاظم (ع) سافر الإمام علي الرضا (ع) إلى البصرة للتدليل على إمامته، وابطال شبه المنحرفين عن الحق، وقد نزل ضيفا في دار الحسن بن محمد العلوي، وقد عقد في داره مؤتمرا عاما ضم جمعا من المسلمين كان من بينهم عمرو بن هداب، وهو من المنحرفين عن آل البيت (ع) والمعادين لهم، كما دعا فيه جاثليق النصارى، ورأس الجالوت، والتفت إليهم الامام فقال لهم:

«إني انما جمعتكم لتسألوني عما شئتم من آثار النبوة وعلامات الإمامة التي لا تجدونها إلا عندنا أهل البيت، فهلموا أسألكم…».

وبادر عمرو بن هداب فقال له: إن محمد بن الفضل الهاشمي أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله، وانك تعرف كل لسان ولغة….

وانبرى الإمام علي الرضا (ع) فصدق مقالة محمد بن الفضل في حقه قائلا: «صدق محمد بن الفضل أنا أخبرته بذلك…».

وسارع عمرو قائلا: إنا نختبرك قبل كل شئ بالألسن، واللغات، هذا رومي، وهذا هندي، وهذا فارسي، وهذا تركي، قد أحضرناهم….

فقال الإمام علي الرضا (ع): «فليتكلموا بما أحبوا، أجب كل واحد منهم بلسانه إن شاء الله…».

وتقدم كل واحد منهم أمام الامام فسأله عن مسألة فأجاب الإمام علي الرضا (ع) عنها بلغته، وبهر القوم وعجبوا، والتفت الامام إلى عمرو فقال له: «إن أنا أخبرتك أنك ستبتلي في هذه الأيام بدم ذي رحم لك هل كنت مصدقا لي؟…».

لا، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى….

ورد الامام علي الرضا (ع) عليه مقالته: «أو ليس الله تعالى يقول: «عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ»[1] فرسول الله (ص) عند الله مرتضى، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي اطلعه الله على ما يشاء من غيبه فعلمنا ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة.

وان الذي أخبرتك به يا بن هداب لكائن إلى خمسة أيام وان لم يصح في هذه المدة فاني.. وان صح فتعلم أنك راد على الله ورسوله.

وأضاف الامام علي الرضا (ع) قائلا: «اما انك ستصاب ببصرك، وتصير مكفوفا، فلا تبصر سهلا ولا جبلا وهذا كائن بعد أيام، ولك عندي دلالة أخرى، انك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص..».

وأقسم محمد بن الفضل بالله بأن ما أخبر به الامام علي الرضا (ع) قد تحقق، وقيل لابن هداب: هل صدق الرضا بما أخبر به؟.

فقال: والله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنه كائن، ولكني كنت أتجلد.

والتفت الامام علي الرضا (ع) إلى الجاثليق فقال له: «هل دل الإنجيل عل نبوة محمد (ص)؟».

وسارع الجاثليق قائلا: لو دل الإنجيل على ذلك ما جحدناه… .

ووجه الامام علي الرضا (ع) له السؤال التالي: «اخبرني عن السكنة التي لكم في السفر الثالث؟…».

وأجاب الجاثليق: انها اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا ان نظهره… .

ورد عليه الامام قائلا: «فان قر به ربك أنه اسم محمد، وأقر عيسى به، وأنه بشر بني إسرائيل بمحمد لتقر به، ولا تنكره؟…».

ولم يجد الجاثليق بدا من الموافقة على ذلك قائلا: إن فعلت أقررت، فاني لا أرد الإنجيل ولا أجحده… .

وأخذ الامام علي الرضا (ع) يقيم عليه الحجة قائلا: «خذ على السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد (ص) وبشارة عيسى بمحمد؟…».

وسارع الجاثليق قائلا: هات ما قلته… .

فأخذ الإمام علي الرضا (ع) يتلو عليه السفر من الإنجيل الذي فيه ذكر الرسول محمد (ص)، وقال للجاثليق: «من هذا الموصوف؟…».

قال الجاثليق: صفه.

وأخذ الإمام علي الرضا (ع) في وصفه قائلا: «لا أصفه إلا بما وصفه الله، وهو صاحب الناقة، والعصا، والكساء، النبي الأمي، الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم، والاغلال التي كانت عليهم، يهدي إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم.

سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله، وكلمته، هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي (ص)؟؟».

وأطرق الجاثليق مليا برأسه إلى الأرض، وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فقد سد عليه الامام كل نافذة يسلك منها، ولم يسعه أن يجحد الإنجيل، فأجاب الامام قائلا: نعم هذه الصفة من الإنجيل، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ولم يصح عند النصارى أنه صاحبكم… .

وانبرى الامام علي الرضا (ع) يقيم عليه الحجة، ويبطل أوهامه قائلا: «أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل، وأقررت بما فيه من صفة محمد (ص)، فخذ على السفر الثاني، فإنه قد ذكره وذكر وصيه، وذكر ابنته فاطمة وذكر الحسن والحسين…».

وقد استبان للجاثليق ورأس الجالوت أن الإمام (ع) عالم بالتوراة والإنجيل، وأنه واقف على جميع ما جاء فيهما، وفكرا في التخلص من حجج الامام فأبديا الشك في أن الذي بشر به موسى والسيد المسيح هو النبي محمد (ص)، وطفقا قائلين:

لقد بشر به موسى وعيسى جميعا، ولكن لم يتقرر عندنا أنه محمد هذا، فأما كون اسمه محمد، فلا يجوز أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون انه محمدكم أو غيره… .

وانبرى الامام علي الرضا (ع) ففند شبهتهم قائلا: «احتججتم بالشك، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد أو تجدونه في شئ من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمد؟…».

وأحجموا عن الجواب، ولم يجدا شبهة يتمسكان بها، وأصرا على العناد والجحود قائلين: لا يجوز لنا أن نقر لك بأن محمدا هو محمدكم، فإنا إن أقررنا لك بمحمد ووصيه وابنته وابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الاسلام كرها… .

وانبرى الامام علي الرضا (ع) قائلا: «أنت يا جاثليق آمن في ذمة الله، وذمة رسوله أنه لا يبدؤك مناشئ تكرهه…».

وسارع الجاثليق قائلا: إذ قد آمنتني، فان هذا النبي الذي اسمه محمد، وهذا الوصي الذي اسمه علي، وهذه البنت التي اسمها فاطمة، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة والإنجيل والزبور، وطفق الامام قائلا:

«هل هذا صدق وعدل؟…»، «بل صدق وعدل…».

وسكت الجاثليق، واعترف بالحق، والتفت الامام علي الرضا (ع) إلى رأس الجالوت فقال له: «اسمع يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود…».

قال رأس الجالوت: بارك الله فيك وفيمن ولدك، هات ما عندك… .

وأخذ الامام علي الرضا (ع) يتلو عليه السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن الحسين، ووجه الامام له السؤال التالي: «سألتك يا رأس الجالوت بحق الله هذا في زبور داود؟…».

نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم… .

وانبرى الامام علي الرضا (ع) قائلا: «بحق عشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران في التوراة هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل؟».

ولم يسع رأس الجالوت إلا الاقرار والاعتراف بذلك، واخذ الامام يتلو في سفر آخر من التوراة، وقد بهر رأس الجالوت من اطلاع الامام ومن فصاحته وبلاغته، وتفسيره ما جاء في النبي وعلي وفاطمة والحسنين، فقال رأس الجالوت:

والله يا بن محمد لولا الرياسة التي حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد، واتبعت أمرك، فوالله الذي أنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، ما رأيت اقرأ للتوراة والإنجيل والزبور منك، ولا رأيت أحسن تفسيرا وفصاحة لهذه الكتب منك.

وقد استغرقت مناظرة الامام معهم وقتا كثيرا حتى صار وقت صلاة الظهر فقام (ع) فصلى بالناس صلاة الظهر، وانصرف إلى شؤونه الخاصة، وفي الغد عاد إلى مجلسه، وقد جاءوا بجارية رومية لامتحان الإمام (ع)، فكلمها الامام بلغتها، والجاثليق حاضر، وكان عارفا بلغتها، فقال الامام للجارية: «أيما أحب إليك محمد أم عيسى؟…».

فقالت الجارية: كان فيما مضى عيسى أحب إلي، لأني لم أكن اعرف محمدا، وبعد أن عرفت محمدا فهو أحب إلي من عيسى… .

والتفت لها الجاثليق فقال لها: إذا كنت دخلت في دين محمد فهل تبغضين عيسى؟… .

وأنكرت الجارية كلامه فقالت: معاذ الله بل أحب عيسى، وأومن به، ولكن محمدا أحب إلي… .

والتفت الامام إلى الجاثليق فطلب منه ان يترجم للجماعة كلام الجارية، فترجمه لهم، وطلب الجاثليق من الامام ان يحاجج مسيحيا من السند له معرفة بالمسيحية، وصاحب جدل، فحاججه الامام بلغته، فآمن السندي بالاسلام، وأقر للإمام (ع) بالإمامة، وطلب (ع) من محمد بن الفضل أن يأخذه إلى الحمام ليغتسل، ويطهر بدنه من درن الشرك، فأخذه محمد إلى الحمام، وكساه بثياب نظيفة، وأمر الامام بحمله إلى يثرب ليتلقى من علومه، ثم ودع الامام أصحابه ومضى إلى المدينة المنورة[2].

سفره إلى الكوفة

وغادر الإمام علي الرضا (ع) يثرب متوجها إلى الكوفة، فلما انتهى إليها استقبل فيها استقبالا حاشدا، وقد نزل ضيفا في دار حفص بن عمير اليشكري، وقد احتف به العلماء والمتكلمون وهم يسألونه عن مختلف المسائل، وهو يجيبهم عنها، وقد عقد مؤتمرا عاما ضم بعض علماء النصارى واليهود وجرت بينه وبينهم مناظرات أدت إلى انتصاره وعجزهم عن مجاراته، والتفت الإمام علي الرضا (ع) إلى الحاضرين، فقال لهم: «يا معاشر الناس، أليس انصف الناس من حاج خصمه بملته وبكتابه، وشريعته؟…».

فقالوا جميعا: نعم.

فقال (ع): «اعلموا أنه ليس بامام بعد محمد (ص) الا من قام بما قام به محمد (ص) حين يفضي له الامر، ولا يصلح للإمامة الا من حاج الأمم بالبراهين للإمامة…».

وانبرى عالم يهودي فقال له: ما الدليل على الامام؟… .

فقال (ع): «أن يكون عالما بالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الحكيم فيحاج أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل القرآن بقرآنهم، وأن يكون عالما بجميع اللغات حتى لا يخفي عليه لسان واحد، فيحاج كل قوم بلغتهم، ثم يكون مع هذه الخصال تقيا، نقيا من كل دنس، طاهرا من كل عيب، عادلا، منصفا، حكيما، رؤوفا، رحيما، غفورا، عطوفا، صادقا، مشفقا، بارا أمينا، مأمونا…»[3].

الاستنتاج

بعد تقلد الإمام علي الرضا (ع) الزعامة الدينية الكبرى، والمرجعية العامة للمسلمين، احتف به العلماء والفقهاء وهم يسجلون آراءه في ميادين الآداب والحكمة، وما يفتي به من المسائل الشرعية وغير ذلك من صنوف المعارف والعلم، كما جرت بينه (ع) وبين بعض الحاضرين في مجلس البصرة والكوفة مناظرات أدت إلى تمسك الشيعة بالامام علي الرضا (ع)، وزيادة ايمانهم بقدراته العلمية الهائلة كما أدت إلى افحام القوى المعارضة للامام، وعجزهم عن مجاراته.

الهوامش

[1] الجن، 26ـ 27.

[2] المجلسي، بحار الأنوار، ج12، ص21-23، بتصرف نقلنا الخبر.

[3] المجلسي، بحار الأنوار، ج12، ص23، نقلنا الحديث بتصرف.

مصادر البحث

المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 هـ.

مصدر المقالة

القرشي، الشيخ باقر شريف، حياة الإمام الرضا (ع)، قم، انتشارات سعيد بن جبير، الطبعة الأولى، 1372 ش.

مع تصرف بسيط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *