يتناول هذا البحث صفات الله تعالى، وأدلة إمكانية معرفة صفاته، ونناقش توقيفيتها استنادا إلى أحاديث أهل البيت (ع) وأقوال العلماء، كما يستعرض أقسام الصفات، مع التركيز على خصائص الصفات التنزيهية والثبوتية، ويتناول الفروق بين صفات الذات وصفات الفعل، وأخيرا، يبحث في مسألة كون الصفات الذاتية عين الذات أو زائدة عنها، مما يساهم في توضيح الرؤية الإسلامية حول الله وصفاته.
المبحث الأوّل: أدلة إمكان معرفة صفات الله
الغاية من معرفة صفات الله هي معرفة الله، لأنّ الصفات عبارة عن سُبُل للتعبير عن الله وبيان ذاته المقدّسة.
1ـ جعل الله تعالى صفاته سبيلاً ليتعرّف العباد عليه، فلو كانت معرفة صفات الله غير ممكنة، لم يبق للعبد سبيلاً لمعرفة ربّه، فتنسد أبواب عبودية الله تعالى لأنّ العبودية لا يمكن القيام بها إلاّ بعد معرفة المعبود.
2ـ ذكر الله تعالى صفاته في كتابه وسنّة نبيه لكي يتدبّر فيها العباد بعقولهم.
فلو كانت معرفة صفات الله أمراً غير ممكن، لكان ذكر هذه الصفات في القرآن والسنّة والتحريض على التدبّر فيها لغواً يتنزّه عنه تعالى.
3ـ ما لا يمكن معرفته هو الذات الإلهية، والنهي الذي ورد في بعض الأحاديث واقع على هذه المعرفة، لا على معرفة الصفات التي هي مفاهيم منتزعة من الذات.
مدى معرفته عن طريق معرفة صفاته
القول بأنّ صفات الله تعالى هي السبيل لمعرفة الله لا يعني أنّ هذه الصفات قادرة على بيان كنه وحقيقة الذات الإلهية، بل هذه الصفات مفاهيم وُضِعت لترشد العبادـ بمقدار وسعها المحدودـ إلى معرفة الله الإجمالية. وما هو محدود لا يمكنه الكشف الكامل عما هو غير محدود، ونذكر في هذا المجال أحاديث أهل البيت (ع).
1ـ قال الإمام محمّد الجواد (ع): الأسماء والصفات مخلوقات[1].
2ـ قال الإمام أمير المؤمنين (ع): لا وصف يحيط به[2].
3ـ قال الإمام أمير المؤمنين (ع): الله أجلّ من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هو موصوف بها، وإنّما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله، تعالى الله عن أن يدرك الواصفون صفته علواً كبيراً[3].
4ـ قال الإمام موسى الكاظم (ع): إنّ الله أعلا وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته[4].
ومن هذا المنطلق ذهب بعض علمائنا الأعلام إلى القول بأنّه: ليس المقصود من نسبة الصفات إلى الله فهم كنه وحقيقة الذات الإلهية; لأنّ هذا الفهم غير ممكن.
بل المقصود من نسبة الصفات إلى الله فهم هذه الحقيقة بأنّه تعالى منزّه عن الاتّصاف بضدّ هذه الصفات.
مثال ذلك: العلم صفة من صفات الله، ويفهم الإنسان من هذه الصفة معنى معيّناً، ولكن الإنسان من المستحيل أن يعرف كنه وحقيقة معنى علم الله.
فإذا قيل: ما هو معنى كنه وحقيقة العلم الذي تصفون به الله؟
فالجواب الصحيح: المقصود من العلم في هذا المقام: نفي الضدّ، أي: نفي الجهل.
بعبارة أخرى: ما يكشف لنا مفهوم العلم عن كنه ذات الله تعالى أنّه منزّه عن الجهل.
وإلاّ فمن المستحيل للعقل البشري معرفة كنه وحقيقة علم الله تعالى.
أقوال العلماء في هذا المجال
1ـ قال الشيخ الصدوق (ره): كلّما وصفنا الله تعالى من صفات ذاته، فإنّما نريد بكلّ صفة منها نفي ضدّها عنه عزّ وجلّ[5].
2ـ قال المحقّق السيوري (ره): ليس من المعقول لنا من صفاته إلاّ السلوب…[6].
3ـ قال العلاّمة المجلسي (ره): يجب نفي تعقّل كنه ذاته وصفاته تعالى… لمّا كان علمه تعالى غير متصوّر لنا بالكنه، وأنّا لمّا رأينا الجهل فينا نقصاً نفيناه عنه، فكأنّا لم نتصوّر من علمه تعالى إلاّ عدم الجهل، فإثباتنا العلم له تعالى إنّما يرجع إلى نفي الجهل لأنّا لم نتصوّر علمه تعالى إلاّ بهذا الوجه[7].
4ـ قال السيّد عبد الله شبر (ره): المقصود من الصفات الثبوتية نفي أضدادها، إذ صفاته تعالى لا كيفية لها ولا سبيل إلى إدراكها[8].
تنبيه: القول بنفي الضدّ عند تفسير صفات الله الثبوتية والكمالية لا يعني نفي هذه الصفات عنه تعالى، وإنّما هو ناظر إلى أمر تعقّل وإدراك هذه الصفات الإلهية.
المبحث الثاني: توقيفية صفات الله
لا يجوز توصيف الله إلاّ بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه أو عن طريق حججه من خلفاء نبيّه، وبهذا تطابقت الأخبار عن آل محمّد (ع) وهو مذهب الإمامية[9]. ونذكر في هذا المجال أحاديث أهل البيت (ع).
1ـ قال الإمام أمير المؤمنين (ع): ما دلّك القرآن عليه من صفته عزّ وجلّ فاتّبعه، ليوصل بينك وبين معرفته، وأتمّ به، واستضىء بنور هدايته…
وما دلّك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه، ولا في سنّة الرسول وأئمة الهدى أثره، فكِل علمه إلى الله عزّ وجلّ، فإنّ ذلك منتهى حقّ الله عليك[10].
2ـ قال الإمام جعفر الصادق (ع): … إنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله جلّ وعزّ… ولا تعدوا القرآن فتضلّوا بعد البيان[11].
3ـ قال الإمام موسى الكاظم (ع): … صفوه عزّ وجلّ بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوى ذلك[12].
4ـ قال الإمام موسى الكاظم (ع) لأحد أصحابه: لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالى في كتابه فتهلك[13].
5ـ قال الإمام علي الرضا (ع): إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، وأنّى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به، جلّ عمّا وصفه الواصفون، وتعالى عمّا ينعته الناعتون[14].
6ـ قال الإمام علي الرضا (ع): سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك… اللّهم لا أصفك إلاّ بما وصفت به نفسك[15].
7ـ قال الإمام علي الرضا (ع) لأحد أصحابه حول توصيف الله تعالى: لا تجاوز ما في القرآن[16].
8ـ قال الإمام علي الرضا (ع): من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على الله[17].
9ـ سئل الإمام محمّد الباقر (ع): أيجوز أن يقال: إنّ الله عزّ وجلّ شيء؟
قال الإمام (ع): نعم يخرجه عن الحدّين حدّ التعطيل وحدّ التشبيه[18].
10ـ قال الإمام جعفر الصادق (ع) حول الله تعالى: هو شيء بخلاف الأشياء، أرجع بقولي: شيء إلى إثبات معنى وأنّه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنّه لا جسم ولا صورة…[19].
11ـ قال الإمام جعفر الصادق (ع): كلّ ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله تعالى فهو مخلوق[20].
المبحث الثالث: أقسام صفات الله
1ـ الصفات السلبية الجلالية والتنزيهية: وهي الصفات التي يجب سلبها عن الله تعالى; لأنّها صفات نقص ولا تليق بالله تعالى، من قبيل: الاحتياج، التركيب، والتجسيم.
2ـ الصفات الثبوتية الجمالية والكمالية: وهي الصفات الثابتة لله تعالى، والمثبتة له كلّ وصف يعدّ كمالاً له تعالى.
وتنقسم صفات الله الثبوتية إلى قسمين[21]
1ـ الصفات الذاتية: وهي الصفات التي يكون ثبوتها لله تعالى من خلال لحاظ الذات الإلهية فقط، ومن دون لحاظ أي شيء آخر.
مثال ذلك: الحياة، العلم، القدرة.
2ـ الصفات الفعلية: وهي الصفات التي يكون ثبوتها لله تعالى من خلال لحاظ الأفعال الإلهية.
أي: هي الصفات التي يتّصف بها الله من خلال الأفعال الصادرة عنه .
مثال ذلك: الخالق، الرازق، الغافر.
وتنقسم صفات الله الذاتية إلى قسمين:
1ـ حقيقية محضة: وهي الصفات الذاتية التي لا يعتبر في ثبوتها لله لحاظ أيّ شيء.
ومثالها صفة الحياة.
2ـ حقيقية ذات إضافة: وهي الصفات الذاتية التي لا يعتبر في ثبوتها لله لحاظ أيّ شيء، ولكنّها تتطلّب في تأثيرها الخارجي لحاظ أمر إضافي.
ومثالها صفة القدرة والعلم حيث لا يتحقّق أثرهما إلاّ بوجود مقدور ومعلوم.
المبحث الرابع: خصائص صفات الله التنزيهيّة والسلبية
صفات الله التنزيهيّة عبارة عن الصفات التي يجب تنزيه الله عنها، لأنّها صفات نقص ولا تليق بالله عزّ وجلّ، وخصائص الصفات السلبية هي:
1ـ وجه إطلاق كلمة السلب على هذه الصفات هو باعتبار لزوم سلبها عن الذات الإلهية.
2ـ الصفات التنزيهيّة مهما تعدّدت وتنوّعت فإنّ مرجعها واحد، وهو تنزيه اللّه عن الفقر والاحتياج .
3ـ إنّ السبب الأساس الدال على نفي الصفات التنزيهيّة عنه تعالى هو استحالة اتّصافه تعالى بهذه الصفات; لأنّه تعالى كامل ولا سبيل للنقص إليه.
لهذا تتلخّص الصفات التنزيهيّة في عبارة واحدة، وهي: إنّ ذات الله تعالى منزّهة عن النقص من جميع الجهات.
4ـ تنقسم الصفات التنزيهيّة إلى قسمين:
أوّلاً: ما لفظه لفظ الإثبات ومعناه النفي وهو:
الف ـ وصفه تعالى بصفة “الغني” التي تعني أنّه ليس بمحتاج.
ب ـ وصفه تعالى بصفة “الواحد” التي تعني أنّه لا ثاني له في وجوب الوجود.
ثانياً: ما لفظه ومعناه النفي، من قبيل نفي التركيب، الجسمانية، التشبيه، والمكان و… عنه تعالى.
المبحث الخامس: خصائص صفات الله الثبوتية
تنقسم صفات الله الثبوتية إلى صفات الله الذاتية وصفات الله الفعلية، وخصائص صفات الله الذاتية هي:
1ـ ليس لهذه الصفات وجود إلاّ وجود الذات.
وإنّما هي مختلفة مع الذات في معانيها ومفاهيمها لا في حقائقها ووجوداتها.
أي: هذه الصفات زائدة على ذاته تعالى من الناحية الذهنية لا من الناحية الواقعية.
2ـ لا يصح أبداً سلب هذه الصفات من الله تعالى، ولهذا لا يصح سلب صفة العلم أو القدرة عن الله تعالى في جميع الأحوال، وأما خصائص صفات الله الفعلية فهي:
1ـ لا يوصف الله تعالى بهذه الصفات قبل قيامه بالفعل المرتبط بهذه الصفات، ولهذا: لا يوصف الله بصفة الخالق قبل أن يخلق.
ولا يوصف الله تعالى بصفة الرازق قبل أن يرزق[22].
2ـ يصح سلب هذه الصفات عنه تعالى في بعض الأحوال، ومثاله:
يصح أن يقال بأنّه تعالى خلق هذا، ولم يخلق ذاك.
يصح أن يقال بأنّه تعالى رزق هذا، ولم يرزق ذاك[23].
3ـ تعدّ هذه الصفات من أفعاله تعالى لا من ذاته تعالى.
وما يرتبط منها بالذات الإلهية أنّه تعالى قادر على فعل ما هو ممكن في جميع الأحوال.
4ـ لا توجب صفات الله تعالى الفعلية كمالاً لله تعالى.
دليل ذلك: إنّ الصفات التي توجب الكمال يجب أن تكون:
أوّلاًـ حقائق عينية لها واقع خارجي.
ثانياًـ غير زائدة عن الذات الإلهية.
ولكن صفات الله الفعلية، عبارة عن صفات:
أوّلاً: اعتبارية يتم انتزاعها من مقام الفعل.
ثانياً: متأخّرة عن رتبة الذات.
وما هو اعتباري وانتزاعي ومتأخّر عن رتبة الذات لا يصلح أن يكون كمالاً للذات.
إذن: عدم اتّصاف الله تعالى بالصفات الفعلية لا يوجب النقص للذات الإلهية.
وإنّما الذات الإلهية كاملة بذاتها، ولا توجب لها صفات الفعل أيّ كمال.
بعبارة أخرى: صفات الله الفعلية ناشئة من كمال الذات الإلهية، لا أنّها موجبة لكمال الذات الإلهية، الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل هو:
1ـ صفات الذات منتزعة من الذات وتحكي عنها.
صفات الفعل منتزعة من مقام الفعل وهي مغايرة للذات.
2ـ صفات الذات قديمة بقدم الذات الإلهية.
صفات الفعل حادثة بحدوث الأفعال الإلهية.
3ـ صفات الذات غير متناهية; لأنّها عين الذات.
صفات الفعل متناهية ومحدودة; لأنّها زائدة على الذات.
4ـ صفات الذات لا يصح سلبها عن الله تعالى أبداً.
فلهذا لا يوصف الله بعدم العلم أو عدم القدرة في أيّ حال.
صفات الفعل يصح سلبها عن الله تعالى أحياناً.
فلهذا يمكن القول بأنّ الله تعالى: يخلق ولا يخلق، يرزق ولا يرزق[24].
المبحث السادس: أهم آراء المذاهب الإسلامية حول صفات الله الذاتية
1ـ قول بعض المعتزلة: نيابة الذات عن الصفات
أنكر أصحاب هذا القول اتّصاف الذات الإلهية بالصفات، وقالوا بنيابة الذات عن الصفات.
أي: ليس للّه صفة، وإنّما ذاته تعالى هي التي تقوم مقام الصفة فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة[25].
يرد عليه:
1ـ يستلزم هذا القول خلو الذات عن الصفات الكمالية، وهو باطل[26].
2ـ القرآن والسنّة يثبتان الصفات لله عز وجل، ولا يوجد أيّ دليل لصرف هذه النصوص عن ظواهرها.
2ـ قول بعض المعتزلة: القول بالأحوال[27]
يذهب أتباع هذا الرأي إلى وجود واسطة بين الوجود والعدم، وهي ثابتة، وسمّوها الحال، وقالوا بأنّ صفات الله الحقيقية أحوال، والأحوال لا يكون لها ذات، فلهذا لا تكون موجودة ولا معدومة، بل هي حال.
يرد عليه: يحكم العقل بأنّ كلّ أمر مفروض لا يخلو من الوجود أو العدم ولا واسطة بينهما.
3ـ قول الكرامية: الزيادة والحدوث[28]
ذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ صفات الله الحقيقية صفات حادثة وهي قائمة به .
يرد عليه:
1ـ إذا كانت صفات الله الأزلية حادثة، فهي لا تخلو من أمرين:
الأوّل: هي التي أوجدت نفسها، وهذا محال.
الثاني: أنّ الغير أوجدها، وهذا الغير لا يخلو من أمرين:
الأوّل: هو غير الله، فلابدّ أن ينتهي إلى الله وإلاّ لزم التسلسل، وهو محال.
الثاني: هو الله تعالى، فيلزم أن يكون فاقد الشيء معطياً له; لأنّ الله تعالى ـ وفق هذا الرأي ـ كان فاقداً لها قبل إحداثها، وهذا باطل.
2ـ يلزم اتّصاف الله تعالى بصفات حادثة افتقاره تعالى إلى غيره، والباري منزّه عن جميع أنواع الاحتياج والافتقار.
4ـ قول الأشاعرة: القول بالقدم والزيادة
قال الفضل بن روزبهان: مذهب الأشاعرة أنّه تعالى له صفات، موجودة، قديمة، زائدة على ذاته، فهو عالم بعلم، وقادر بقدرة، ومريد بإرادة….
ثم ذهب إلى أنّ معنى الزيادة على الذات هو: لا هي عين الذات ولا غيرها.
يرد عليه:
1ـ إذا كانت صفات الله زائدة على الذات، فإنّها ستكون مغايرة لذاته تعالى.
وإذا كانت صفات الله عين الذات، فإنّها ستكون غير مغايرة لذاته تعالى.
وأمّا القول بأنّ صفات الله عز وجل: لا هي عين الذات ولا غيرها، فإنّه كلام ينتهي إلى ارتفاع النقيضين، وهو باطل.
2ـ يلزم قول الأشاعرة أن يكون مع الله تعالى قدماء كُثُر بقدر صفاته، وهذا محال.
لهذا قال الفخر الر ازي في مقام ردّه على قول الأشاعرة: إنّ النصارى كفروا لأنّهم أثبتوا قدماء ثلاثة، وأصحابنا أثبتوا تسعة قدماء، الذات وثماني صفات!.
3ـ لو كان الله تعالى باقياً ببقاء قائم بذاته، لكان تعالى ممكناً، لأنّ البقاء هو الوجود المستمر، فلو كان استمرار وجوده مستنداً إلى سوى ذاته كان ممكناً.
4ـ إذا كان مقصود الأشاعرة من قيام صفاته تعالى بذاته حلول هذه الصفات فيه تعالى فهو محال.
وإذا كان مقصودهم إثبات الأحوال كما أثبته بعض المعتزلة وذكرناه في القول الثاني آنفاً، فهو أيضاً باطل.
فلا يبقى للأشاعرة سوى القول بزيادة الصفات على الذات، وهذا ما سنبيّن بطلانه لاحقاً.
أدلة بطلان زيادة صفات الله الحقيقية على ذاته
1ـ إذا كانت صفات الله الحقيقية زائدة على ذاته، فهي لا تخلو من أمرين[29]:
أولاً: أن تكون قديمة، فيلزم منه تعدّد القدماء، وهذا ما تبطله أدلة وحدانية الله تعالى.
ثانياً: أن تكون حادثة، فيلزم خلو الذات الإلهية قبل إحداثها، كما نواجه مشكلة مَن أحدثها، وقد بيّنا ذلك آنفاً عند الردّ على قول الكرامية.
2ـ يلزم القول بالزيادة أن تكون الذات خالية من العلم والقدرة في مرتبة الذات، ويلزم هذا الخلو كونه تعالى ناقصاً في ذاته، وهذا ما لا يليق بالذات الإلهية، فيثبت بطلان القول بزيادة صفات الله على ذاته.
3ـ يلزم القول بالزيادة اتّصاف الله بالاحتياج والافتقار إلى غيره، لأنّ معنى القول بالزيادة: أنّ الله تعالى يحيى بحياة غير ذاته.
وأنّ الله تعالى يعلم بالعلم الذي هو غير ذاته.
وأنّ الله تعالى قادر بالقدرة التي هي خارجة عن حقيقته.
ويلزم في جميع هذه الأحوالـ أن لا يكون الله غنياً بذاته، بل يكون محتاجاً إلى غيره، ولكن الله تعالى منزّه عن الاحتياج، فيثبت بطلان القول بزيادة صفات الله على ذاته.
4ـ يلزم القول بالزيادة أن يكون الله مركّباً من ذات وصفات قديمة، ولكنّه تعالى يستحيل أن يكون مركّباً، لأنّ كلّ مركّب محتاج إلى جزئه، وكلّ محتاج يكون ممكناً.
5ـ قول الإمامية: القول بأنّ صفات الله تعالى عين ذاته
يذهب أتباع هذا القول إلى أنّ صفات الله الحقيقية عين ذاته.
أي: ليس لهذه الصفات وجود إلاّ وجود الذات.
وأنّ هذه الصفات على رغم تعدّد مفاهيمها في الصعيد الذهني والاعتباري، فإنّها تشير إلى مصداق ووجود واحد في الواقع الخارجي، وذلك الوجود الواحد هو الذات الإلهية[30].
دليل ذلك: كلّ ما دل على بطلان زيادة الصفات على الذات بدوره دليل على عينية الصفات والذات.
الاستنتاج
ان المقالة تتناول موضوع معرفة الله تعالى من خلال صفاته، حيث تبرز أدلة إمكانية معرفة هذه الصفات وأهمية الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع) وأقوال العلماء في هذا السياق، كما تتناول المقالة أيضا توقيفية الصفات وتحديدها، وتوضح أن صفات الله يمكن تصنيفها إلى صفات سلبية وثبوتية، مع التركيز على الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل، وتناقش مسألة هل صفات الله الذاتية هي عين الذات أم زائدة عنها، مستعرضة أهم الآراء حول هذا الموضوع، وأخيرا تهدف المقالة إلى تقديم فهم شامل ودقيق لصفات الله وكيفية معرفتها.
الهوامش
[1] الكليني، الكافي، ج1، ح7، ص116.
[2] الصدوق، التوحيد، ب2، ح26، ص69.
[3] الصدوق، التوحيد، ب34، ح1، ص233.
[4] الصدوق، التوحيد، ص100، ح1.
[5] الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية، ص7 .
[6] الحلّي، الباب الحادي عشر، فصل 3، ص49.
[7] المجلسي، بحار الأنوار، ج4، باب 1، ذيل ح1، ص157.
[8] شبر، حق اليقين، كتاب التوحيد، فصل 3، ص41.
[9] انظر: المفيد، أوائل المقالات، القول 19، ص53.
[10] الصدوق، التوحيد، باب 2، ح13، ص55.
[11] الكليني، الكافي، ج1، ح1، ص100.
[12] الكليني، الكافي، ج1، ح6، ص102.
[13] الصدوق، التوحيد، باب3، ح32، ص74.
[14] الصدوق، التوحيد، باب2، ح18، ص60.
[15] الكليني، الكافي، ج1، ح3، ص101.
[16] الكليني، الكافي، ج1، ح7، ص102.
[17] المجلسي، بحار الأنوار، ج4، باب 5، ح31، ص53.
[18] الصدوق، التوحيد، باب 7، ح1، ص101.
[19] الكليني، الكافي، ج1، ح6، ص83.
[20] الكليني، الكافي، ج1، ح5، ص83.
[21] انظر: المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية، ص41.
[22] انظر: المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية، ص41.
[23] انظر: المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية، ص41.
[24] انظر: الكليني، الكافي، ج1، ص111.
[25] انظر: الشهرستاني، الملل والنحل، باب 1، فصل 1، ص44.
[26] البحراني، قواعد المرام، قاعدة 4، ركن 3، بحث 11، ص101.
[27] ذهب أبو هاشم الجبائي من المعتزلة إلى هذا الرأي.
[28] ينسب هذا القول إلى أتباع محمّد بن كرام السجستاني، انظر: الشهرستاني، الملل والنحل، ج1، باب 1، فصل 3، ص108.
[29] انظر: الصدوق، التوحيد، باب 29، ذيل ح14، ص217.
[30] هذا القول لا يعني مقولة النيابة، لأنّ النيابة مبنية على نفي الصفات الكمالية كالعلم والقدرة، ولكن هذا القول يعترف بوجود هذه الصفات الكمالية في مقام الذات.
مصادر البحث
1ـ البحراني، ميثم، قواعد المرام في علم الكلام، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، قم، مكتبة السيّد المرعشي النجفي، الطبعة الثانية، 1406ه.
2ـ الحلّي، الحسن، الباب الحادي عشر، مشهد، العتبة الرضوية، الطبعة الثانية، 1370ش.
3ـ شبّر، حق اليقين في معرفة أُصول الدين، بيروت، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، طبعة 1418ه.
4ـ الشهرستاني، محمّد، الملل والنحل، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الرابعة، 1415 ه.
5ـ الصدوق، محمّد، الاعتقادات في دين الإمامية، تحقيق عصام عبد سيّد، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ه.
6ـ الصدوق، محمّد، التوحيد، تصحيح وتعليق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، بلا تاريخ.
7ـ الكليني، محمّد، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.
8ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
9ـ المفيد، محمّد، أوائل المقالات في المذاهب المختارات، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ه.
10ـ المفيد، محمّد، تصحيح اعتقادات الإمامية، تحقيق حسين درگاهي، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
الحسون، علاء، التوحيد عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، مركز بحوث الحج، الطبعة الأُولى، 1432ه.