دليل النبوة والوحي: نظرة حول الأنبياء والمعجزات

دليل النبوة والوحي: نظرة حول الأنبياء والمعجزات

کپی کردن لینک

ما هو الدليل على وجود النبوة والوحي؟ وأن العلامة الطباطبائي يتطرق في كتابه الشيعة في الإسلام إلى أن ان الانبياء لم يكونوا رجال سياسة، بل كانوا رجالا يتمتعون بصفات خاصة، كما يتعرض المقال لمفهوم المعجزات كدليل على صدق النبوة، ويستند إلى أقوال الإمام الرضا (ع) حول أهمية العقل في التمييز بين الصادق والكاذب، وفي النهاية يناقش المقال الفهم الشيعي للنبوة ويؤكد على ضرورة وجود الأدلة العقلية والنقلية في هذا السياق.

1ـ الانبياء (ع) ودليل الوحي والنبوة

تطرق العلامة الطباطبائي في كتابه الشيعة في الإسلام إلى هذا البحث فقال: ان الكثير من علماء اليوم الذين حققوا فى موضوع الوحي والنبوة، قد فسروا موضوع الوحي والنبوة والامور المرتبطة بهما، على الاسس التي يقوم عليها علم النفس وعلم الاجتماع، بقولهم ان الانبياء كانوا اناسا اطهارا، ذوي همم عالية، محبي البشرية، ولغرض تقدمها وتطورها من الناحية المادية والمعنوية، وكذا تزكية المجتمعات المنحطة خلقيا، نظموا ووضعوا قوانين خاصة، ودعوا الناس اليها.

ولما كان الناس في ذلك الوقت لم يخضعوا امام المنطق والعقل، فما كان منهم الا ان ينسبوا افكارهم وانظمتهم الى العالم العلوي كي يستطيعوا بذلك ان يجلبوا رضى الناس، ويخضعوهم لقيادتهم وكان اعتقاد بعض ان روحهم هي روح القدس، وما الفكر الذي يتجلى الا الوحي والنبوة وما الوظائف والواجبات التي تستنتج من ذلك الا الشريعة السماوية، والكلام الذي يتضمن ذلك كان يسمى الكتاب السماوي.

فالذي ينظر بتامل وانصاف الى الكتب السماوية، وخاصة القرآن الكريم، وكذا الى الشرائع التي جاء بها الانبياء، لا يشك في بطلان هذه النظرية، وذلك ان الانبياء لم يكونوا رجال سياسة، بل كانوا رجالا يتصفون بالصدق والصفاء والخلوص، وكلما كانوا يدركونه يتفوهون به، وكلما كانوا يقولون به كانوا يعملون به، وكلما كانوا يزعمونه هو ان هناك شعورا مرموزا، وامدادا غيبيا، يفيض عليهم، وانهم عن هذا الطريق يتلقون الوظائف الاعتقادية والعلمية من جانب اللّه تعالى، لابلاغ الناس وارشادهم.

ومن هنا يتضح ان ادعاء النبوة يحتاج الى حجة ودليل، ولا يكفي ان تكون الشريعة التي جا بها النبي توافق العقل، فان صحة الشريعة لها طريق آخر للاثبات، وهو انه على اتصال بالعالم العلوي الوحي والنبوة، وقد انيطت به هذه المسؤولية من قبل اللّه تعالى، وهذا الادعاء يفتقد الى دليل عند اقامته، وعلى هذا، نجد ان السذج من الناس كما يخبر به القرآن الكريم كانوا يطالبون الانبياء بالمعجزة لصدق دعواهم.

ويستنتج من هذا المنطق الساذج والصحيح هو ان الوحي والنبوة، اللذين يدعيهما المرسل، لم يكونا ليحصلا في سائر الناس، والذين هم مثله، ولابد من قوة غيبية قد اودعها اللّه تعالى نبيه بنحو يخرق العادة به، والتي بواسطتها يصغى الى كلام اللّه تعالى، ويوصلها الى الناس وفقا لمسؤوليته، واذا كان هذا المعجز صحيحا، فالرسول يريد من اللّه تعالى ان يعينه على معجز آخر، كي يصدق الناس نبوته ومدعاه.

ويتضح ان مطالبة الناس الانبياء بالمعجزة امر يوافق المنطق الصحيح، وعلى الانبياء لاثبات نبوتهم ان ياتوا بالمعجزة اما ابتداء او وفقا لما يطالب به المجتمع، والقرآن الكريم يؤيد هذا المنطق، ويشير الى معاجز الانبياء اما ابتداء او بعد مطالبة الناس اياهم.

وتجدر الاشارة الى ان الكثير من المحققين مع انهم لم ينكروا المعجزة ـ خرق العادة ـ، الا ان كلامهم لم يكن مدعما بدليل، وهو ان العلل والاسباب للحوادث التي حصلنا عليها حتى الان كانت بالتجربة والفحص، وليس لدينا اي دليل انها دائمية، ولن تتحقق اية حادثة او ظاهرة الا بعللها واسبابها، واما المعاجز التي تنسب الى الانبياء لم تكن مخالفة للعقل او يستحيل اقامتها كزوجية العدد 3، لكنها خرق للعادة في حين ان موضوع خرق العادة يرى ويسمع من المرتاضين ايضا.

2ـ أقوال الإمام الرضا (ع) في رحاب النبوة والأنبياء

ورد في كتاب أعلام الهداية للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) هذا البحث: قال ابن السكيت لأبي الحسن الرضا (ع) لماذا بعث الله عزّ وجلّ موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر وبعث عيسى (ع) بالطب وبعث محمداً (ص) بالكلام والخطب؟

فقال له أبو الحسن (ع): إنّ الله تبارك وتعالى لما بعث موسى (ع) كان الأغلب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله عزوجلّ بما لم يكن في وسع القوم مثله، وبما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجة عليهم وإنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى (ع) في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله عزّوجل بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ لهم الأكمه والأبرص بإذن الله وأثبت به الحجة عليهم.

وإنّ الله بعث محمداً (ص) في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام ـ وأظنه قال ـ: والشعر، فأتاهم من كتاب الله عزوجلّ ومواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم، فقال ابن السكيت: تالله ما رأيت مثلك اليوم قطّ، فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال (ع): العقل يعرف به الصادق على الله فيصدّقه والكاذب على الله فيكذِّبه، فقال ابن السكيت: هذا والله الجواب[1].

وعن أبي الحسن الرضا (ع): إنما سمي اُولوا العزم، اولي العزم لأنهم كانوا أصحاب الشرايع والعزايم وذلك أنّ كل نبي بعد نوح (ع) كان على شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه الى زمن إبراهيم الخليل (ع).

وكل نبي كان في أيام ابراهيم وبعده كان على شريعته ومنهاجه، وتابعاً لكتابه إلى زمن موسى (ع) وكل نبي كان في زمن موسى وبعده كان على شريعة موسى ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلى أيام عيسى (ع) وكل نبي كان في أيام عيسى (ع) وبعده كان على منهاج عيسى وشريعته وتابعاً لكتابه إلى زمن نبينا محمد (ص) فهؤلاء الخمسة اولوا العزم فهم أفضل الأنبياء والرسل، وشريعة محمد (ص) لا تنسخ إلى يوم القيامة ولا نبي بعده إلى يوم القيامة، فمن ادّعى بعده النبوّة أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكلِّ من سمع ذلك منه[2].

3ـ النبوة عند الشيعة الإمامية بايجاز واختصار

تطرق الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها إلى هذا البحث فقال: يعتقد الشيعة الإمامية: أن جميع الأنبياء الذين نص عليهم القرآن الكريم رسل من الله، وعباد مكرمون، بعثوا لدعوة الخلق إلى الحق، وأن محمدا (ص) خاتم الأنبياء، وسيد الرسل، وأنه معصوم من الخطأ والخطيئة، وأنه ما ارتكب المعصية مدة عمره، وما فعل إلا ما يوافق رضا الله سبحانه حتى قبضه الله إليه.

وأن الله سبحانه أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج من هناك بجسده الشريف إلى ما فوق العرش والكرسي وما وراء الحجب والسرادقات، حتى صار من ربه قاب قوسين أو أدنى.

وأن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للاعجاز والتحدي، ولتعليم الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يرده نص الكتاب العظيم: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[3].

والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة، وأخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا، فإما أن تأول بنحو من الاعتبار، أو يضرب بها الجدار.

ويعتقد الإمامية أن كل من اعتقد أو ادعى نبوة بعد محمد (ص)، أو نزول وحي أو كتاب فهو كافر يجب قتله.

4ـ ثبوت نبوة النبي محمد خاتم الأنبياء

تطرق الشيخ منتجب الدين الراوندي في كتابه عجالة المعرفة في أصول الدين إلى هذا البحث فقال: تقتضي حكمة الصانع – تعالى – إعلام العبد أن كماله: فيما هو؟ وكم هو؟ وكيف هو؟ وأين هو؟ ومتى هو؟

وهذه الأشياء مما لا تهتدي إليه عقول البشر، لأنها تفاصيل مقتضى العقل، لأنه يقتضي أن طلب الكمال حسن، والهرب من الهلاك واجب، وهو دفع المضرة: ولكنه لا يهتدي إلى طريق كل واحد منهما – من الكمال والهلاك …

فيختار الحكيم من يستعد لقبول تفاصيل الكمال، ولكن بواسطة الملائكة – الذين هم خواص حضرته – فيفضي إليه ما هو سبب كمالهم، فيسمى نبيا، وقبوله من الملائكة يسمى وحيا، وتبليغه إلى الخلق يسمى نبوة.

ولا بد أن يكون ممن لا يغير ما يوحى إليه، ويؤمن عليه من الكذب، والتغيير،  ويسمى عصمة، وهي: لطف يختار عنده الطاعة، ويصرفه عن المعصية، مع قدرته على خلافه.

فيظهر الله عليه من العلم ما يدل على صدقه بعد دعواه، ويكون ذلك خارقا للعادة، ومما يعجز عنه غيره، فيسمى معجزا.

وما يظهره من الطريق إلى النجاة والدرجات، يسمى شريعة، ثم لا تخلو تلك الشريعة من أن تتعلق بمصالح العبد آجلا، أو عاجلا: فالمصالح الآجلة تسمى عبادات، والمصالح العاجلة تسمى معاملات، كما هي مذكورة في كتب الفقه.

فيضع كل أمر موضعه، ويعلم كل من يطلب مبدأه، ومعاده، والطريق إليه، وينظم الخلق على نظام مستقيم، وتلك الغاية التي يعلمنا أنها كمالنا، تسمى معادا وآخرة.

ويعلمنا – أيضا – مقادير العبادات، والمعاملات، وكيفياتها، وأين يختص بالتوجه إليه؟ كالقبلة، ومتى يجب؟ كأوقات العبادات، ومتى خالفنا ذلك، إلى ماذا يصير أمرنا؟ ونهلك هلاكا دائما؟ أو منقطعا؟ هذه كلها مما لا يعلم إلا بواسطة، فعلمنا أن الخلق محتاجون – في هذه الوجوه – إلى من يعلمهم هذه الأشياء.

فلما ثبت – على الجملة – وجوب النبوة، بقي علينا أن نثبت نبوة نبينا (ص) وسلم، وهو:

أن الناس ضربان: ضرب منهم من ينكر النبوة أصلا، ومنهم من يثبتها، ولكنه ينكر نبوة نبينا (ص)، وقد بينا أن الدليل على صحة نبوة كل نبي العلم المعجز، وإذا تقرر هذا، فظهور معجز نبينا (ص) وسلم أجلى، وأمره في ذلك أعلى، فهو بالنبوة أولى.

وهو: القرآن، الظاهر بين ظهراني البر والفاجر، والباهر بفصاحته على فصاحة كل ماهر، وغيره، مما ذكر أقله لا يحتمله هذا الموضع، فضلا عن أكثره.

ولما ثبت – بالتجربة، وعليه البراهين المعقولة التي ليس هيهنا موضع ذكرها – أن الإنسان لا يبقى في الدنيا أبدا، فلا بد أن يرجع النبي إلى معاده، ويبقى بعده من يحتاج إلى هذه الأشياء وإلى النظام في أمور الخلق، فيفضي جميع ما تحتاج إليه أمته إلى من يؤمن عليه من التغيير والتبديل.

5ـ فرية الشك بالنبوة عند الشيعة

تطرق الشيخ أحمد الوائلي في كتابه هوية التشيع إلى هذا البحث فقال: وإذا كانت بعض الافتراءات على الشيعة قيلت ثم ماتت واندثرت، وبعضها قيلت ولكنها لم تشتهر كما هو الحال في النموذج الأول الذي ذكرناه، فإن هذه الفرية التي سأذكرها تعيش فعلا وقد سئلت عنها حيثما ذهبت، وبالرغم مما شرحته لمن سألني في أنها كاذبة، فإني أعتقد أنها لم تمسح من أذهانهم، فإن ما يشب عليه الإنسان ليس من السهل الخلاص منه إن هذه المسألة هي: أن الشيعة يعتقدون أن الوحي أراده الله تعالى لعلي بن أبي طالب ولكن جبرئيل خان أو أخطأ فذهب بالوحي إلى النبي، هذا ملخص الفرية المنسوبة للشيعة.

ولقد وضعت هذه الفرية على لسان الشعبي عامر بن شراحيل في مقالة سبق أن ذكرت مقطعا منها وبينت كذب مضمونها، والآن أذكر لك صدر الكلمة وما يتصل بموضوعنا منها فقد ذكر ابن شاهين عمر بن أحمد في كتابه اللطف في السنة، كما ذكره ابن تيمية في منهاج السنة، قال: حدثنا محمد بن أبي القاسم بن هارون حدثنا أحمد بن الوليد الواسطي، حدثني جعفر بن نصير الطوسي عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال: قال لي الشعبي: أحذركم أهل هذه الأهواء المضلة وشرها الرافضة، لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة، إلى أن قال: واليهود تبغض جبرئيل ويقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك الرافضة يقولون غلط جبرئيل بالوحي على محمد الخ[4].

إن هذه الصورة التي وضعت على لسان الشعبي: أخذها ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل فنسبها لفرقة من الغلاة سماهم الغرابية: لأنهم قالوا إن عليا أشبه بمحمد من الغراب بالغراب، ولذلك غلط جبرئيل بالوحي فذهب به لمحمد وهو مبعوث لعلي ولا لوم عليه لأنه اشتبه، وبعضهم شتمه وقال بل تعمد ذلك، هكذا رواه ابن حزم[5] في حين ذهب الرازي في كتابه إعتقادات فرق المسلمين إلى أنهم قالوا غلط ولم يتعمد[6]، وقد عرفت أن منشأ الرواية الشعبي ونظرا لأهمية الموضوع فسأناقش هذه الرواية وأذكر لك سخفها وإن الذين وضعوها لم يتفطنوا إلى ما فيها من ثغرات:

أ – أول ما يقال في هذه الرواية أن الشعبي عندما كان يقارن بين اليهود والشيعة يسمي الشيعة بالرافضة، وهذا اللقب الذي نبز به الشيعة وفندناه سابقا، ذكر مؤرخو السنة أنه عرف في آخر أيام زيد بن علي عندما طلب منه أفراد جيشه البراءة من الخليفتين فأبى فرفضه قوم منهم سموا بالرافضة هذه هي رواية هذا اللقب وهذه الواقعة كانت سنة مقتل زيد أي 124 هجرية في حين أن الشعبي ولد سنة عشرين أو ثلاثين على رواية أخرى من الهجرة فالفرق بين وجوده والرواية سبعة عشر سنة لأنه مات سنة مائة وخمس من الهجرة، فأما أن يكون لفظ الرافضة ورد قبل هذا وهو ما لا تقول به رواياتهم أو أن القصة مخترعة وهو الأصح[7].

ب – إن رجال سند هذه الرواية بين متهم مثل عبد الرحمن بن مالك بن مغول فقد قالت عنه كتب التراجم بأنه ضعيف، وكذاب، ووضاع، ويقول عنه الدارقطني متروك، ويقول عنه أبو داوود كذاب وضاع، ويقول عنه النسائي ليس بثقة[8].

وبين مجهول: كمحمد الباهلي ولم أجد لمحمد هذا أي ذكر في لسان الميزان وتاريخ بغداد وغيرهما.

ج – سبق أن ذكرنا أن الشعبي يرمى بالتشيع وقد نص على تشيعه كل من ابن سعد والشهرستاني ولا يعقل أن يقول شيعي هذا القول.

د – وعلى فرض صحة جميع هذه المقدمات فمن هم هؤلاء الغرابية وكم عددهم وأين مكانهم وهل لهم من وجود خارجي، أغلب الظن أنهم من المقلع الذي نحت منه عبد الله بن سبأ خلقتهم نفس الأهداف التي خلقته.

ه‍ – إن الذي يدعي نبوة شخص فلا بد أن يكون هذا النبي منصوبا من رب وهنا يقال هل أن هذا الرب الذي أرسل رسوله لنبيه كان يعلم أن هذا الرسول مغفل لا يفرق بين من أرسل إليه وغيره أم لا فإذا كان لا يعلم فهو لا يصلح للألوهية وإذا كان يعلم وأرسله مع علمه فأي رب هذا الذي يرسل من لا ينفذ أوامره أو أنه متواطئ مع جبرئيل فلا إشكال حينئذ.

و – أوليس القرآن الكريم يقول عن جبرئيل: مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ[9]، ويقول عن النبي (ص): وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[10].

والشيعة مسلمون يقرؤون القرآن آناء الليل وأطراف النهار فكيف لا يفهمون ذلك، اللهم إلا أن يقال كما قيل: إنهم يرون القرآن محرفا، وقد فندنا هذا القول بما أوردناه من نصوص أن من الثابت عند المسلمين قول النبي (ص) لا نبي بعدي والمسلمون سمعوا منه ذلك.

ز – كل من له إلمام بالتاريخ يعلم مدى طاعة الإمام علي (ع) للنبي (ص) وجهاده بين يديه فكيف يجتمع ذلك مع علمه بأنه أخذ منه الرسالة إلا أن يقال إنه لا يعلم أن الرسالة هي له.

ح – إن مصدر التشريع الأول والأساس هو القرآن الكريم عند كل فرق المسلمين ومنهم الشيعة فإذا نزل القرآن على مغفل بيد خائن فأي ثقة تبقى به بعد ذلك.

ط – ألا تكفي آلاف المنائر والمساجد عند الشيعة والتي تصرخ ليل نهار أشهد أن محمدا رسول الله للتدليل على أن هذه القصة فرية مفتعلة كأخواتها.

ي – إن كتب عقائد وفقه الشيعة تملأ الدنيا فهل يوجد في كتاب واحد منها ما يشير إلى هذه الفرية ونرضى بأن يكون حتى من المخرفين ممن نراهم عند فئة أخرى. إننا نطالب بمصدر واحد اعتمد عليه هؤلاء في نقل ما نقلوه.

وإذا كان العوام يتلقون أقوال رجال فكرهم بالقبول مهما كانت فما بال المثقفين يعيشون نفس العقلية وما فائدة العلم إذا لم يقوم تفكير الإنسان، وإلى كم يبقى المسلمون يجترون ما أدخل إلى أمعائهم يوما ما، ليت هؤلاء يصارحونا بأن لهم مصالح في بقاء هذه المهازل إذا لأراحوا الأجيال ولكانوا صادقين مع أنفسهم كما صنع مروان ابن الحكم في لحظة من لحظات استيقاظ ضميره وقد سئل عن موقف الإمام علي (ع).

من عثمان بالثورة فقال: ما كان أحد أدفع عن عثمان بن علي فقيل له: ما لكم تسبونه على المنابر؟ فقال: لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك[11].

ويبدو أن بعض الناس لا يصدق أن هذه الافتراءات لا أساس لها لأن تصديقه بذلك فيه تبرئة للروافض ومعناه ترك بعض الناس بدون عمل، على أني لا أشك أن كثيرا من الناس لا مصلحة لهم في أمثال هذه التهم ولكن ليس من السهل التخلص من محتوى نفسي نشأ معهم خلال أدوار العمر ولكن ذلك لا يبرر الإصرار على الخطأ.

ك – إن الله تعالى يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا[12]، وعلي عند البعثة طفل ابن سبع سنين فالآية تنص على أن النبوة لا تكون إلا لرجل.

وفي ختام هذا الفصل يحسن بنا الإشارة إلى ما كتبه جهابذة الشيعة في كتب العقائد عن النبوة وشخص النبي الكريم (ص) في كتب العقائد وأنا ألفت النظر إلى عقائد الصدوق وأوائل المقالات للمفيد، والشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء وغيرهم وأكتفي بفقرتين:

الأولى: يقول السيد محسن الأمين العاملي: إن من شك في نبوة النبي وجعل له شريكا في النبوة فهو خارج عن دين الإسلام[13].

الثانية: يقول الرضا المظفر في عقائد الإمامية: نعتقد أن صاحب الرسالة الإسلامية هو محمد بن عبد الله وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين، وأفضلهم على الإطلاق كما أنه سيد البشر جميعا لا يوازيه فاضل في فضل ولا يدانيه أحد في مكرمة، وأنه لعلى خلق عظيم[14].

الاستنتاج

أن النبوة والوحي يمثلان أساسا مركزيا في الفكر الإسلامي، حيث يؤكد العلامة الطباطبائي أن الأنبياء هم رسل من الله يتمتعون بصفات خاصة تجعلهم مؤهلين لتلقي الرسالة السماوية، ويشير إلى أن النبوة تحتاج إلى دليل قوي، ولا يمكن أن تكون مجرد أفكار بشرية، كما تتناول المقالة أهمية المعجزات كوسيلة لإثبات صدق الأنبياء، وتبرز دور الإمام الرضا (ع) في توضيح كيفية بعث الأنبياء وفقا لاحتياجات المجتمعات في عصورهم، وأخيرا تؤكد المقالة على أن النبوة تتطلب العصمة، وأن النبي محمد (ص) هو خاتم الأنبياء الذي لا يمكن أن يأتي بعده نبي آخر.

الهوامش

[1] الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص115.

[2] الصدوق، عيون الاخبار، ج2، ص80.

[3] الحجر، 9.

[4] ابن تيمية، منهاج السنة، ج1، ص16.

[5] الفصل بين الملل والنحل، ج4، ص183.

[6] فخر الرازي، اعتقادات فرق المسلمين، ص59.

[7] راجع ترجمة الشعبي، ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج1، ص266.

[8] ابن حجر، لسان الميزان، ج3، ص427، رقم1676.

[9] التكوير، 21.

[10] الأحزاب، 40.

[11] ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص53.

[12] يوسف، 109.

[13] الأمين، أعيان الشيعة، ج1، ص92.

[14] المظفر، عقائد الإمامية، ص64.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم.

2ـ ابن تيمية، أحمد، منهاج السنة النبوية، تحقيق محمّد أيمن الشبراوي، القاهرة، دار الحديث، الطبعة الأُولى، 1425 ه‍.

3ـ ابن حجر العسقلاني، أحمد، لسان الميزان، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1406 ه‍.

4ـ ابن حجر الهيتمي، أحمد، الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، بيروت، دار الكتب العلمية، طبعة 1414 ه‍.

5ـ ابن حزم، علي، الفصل بين الملل والأهواء والنحل، تحقيق محمّد إبراهيم نصر، بيروت، دار الجيل، طبعة 1416 ه‍.

6ـ ابن خلكان، أحمد، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأُولى، بلا تاريخ.

7ـ الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، بيروت، دار التعارف، بلا تاريخ.

8ـ الصدوق، محمّد، علل الشرائع، النجف، منشورات المكتبة الحيدرية، طبعة 1385 ه‍.

9ـ الصدوق، محمّد، عيون أخبار الرضا (ع)، تصحيح وتعليق حسين الأعلمي، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، طبعة 1404 ه‍.

10ـ فخر الرازي، محمّد، اعتقادات فرق المسلمين، تحقيق محمّد عزب، القاهرة، مكتبة مدبولي، الطبعة الأُولى، 1413 ه‍.

11ـ المظفر، محمّد رضا، عقائد الإمامية، قم، انصاريان، الطبعة 12، 1429 ه‍.

مصدر المقالة (مع تصرف)

1ـ الطباطبائي، محمّد حسين، الشيعة في الإسلام، الناشر بيت الكاتب، الطبعة الأُولى، 1999 م، ص125ـ 127.

2ـ المجمع العالمي لأهل البيت، أعلام الهداية، (الإمام الرضا (ع))، قم، المجمع العالمي لأهل البيت، الطبعة الأُولى، 1422 ه‍، ص240ـ 241.

3ـ كاشف الغطاء، محمّد حسين، أصل الشيعة وأصولها، تحقيق علاء آل جعفر، قم، مؤسّسة الإمام علي (ع)، الطبعة الأُولى، 1415 ه‍، ص220.

4ـ الراوندي، محمّد، عجالة المعرفة في أُصول الدين، تحقيق محمّد رضا الحسيني الجلالي، قم، تحقيق مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، الطبعة الأُولى، 1417 ه‍، ص35ـ 37.

5ـ الوائلي، أحمد، هوية التشيّع، بيروت، دار الصفوة، الطبعة الثالثة، 1414 ه‍، ص202ـ 206.