سعة قدرة الله: الأدلة والموارد في القرآن والأحاديث

سعة قدرة الله: الأدلة والموارد في القرآن والأحاديث

تتناول هذه المقالة سعة قدرة الله تعالى، مشيرة إلى أنها قدرة مطلقة وشاملة، لا تعرف حدودًا أو قيودا، وتستعرض موارد تعلّق القدرة الإلهية، موضحة أن قدرة الله تتعلق فقط بالأمور الممكنة، ولا تشمل المستحيلات التي ينفيها العقل، كما توضح الفرق بين المستحيل العقلي والمستحيل العادي، وتستند إلى أدلة من القرآن والأحاديث لإثبات عمومية القدرة الإلهية، وتناقش بعض الإشكالات المتعلقة بقدرة الله تعالى.

المبحث الأول: سعة قدرة الله

قدرة الله تعالى قدرة مطلقة وشاملة وغير محدودة.

دليل ذلك: قدرة الله ـ كما ثبت في المبحث السابق ـ هي عين ذات الله، وبما أنّ الذات الإلهية مطلقة وغير متناهية، فنستنتج بأنّ القدرة الإلهية أيضاً غير متناهية، ولا تعرف حدّاً، ولا تقف عند نهاية.

ولهذا: لا تكون قدرة الله مختصّة ببعض المقدورات دون بعض، بل تكون هذه القدرة شاملة ومتعلّقة بكلّ ما هو ممكن ومقدور.

موارد تعلَّق القدرة الإلهية

لا تتعلّق قدرة الله إلاّ بالأمور الممكنة والمقدورة.

ولا تتعلّق هذه القدرة أبداً بالأمور المستحيلة والممتنعة بالذات.

تنبيه: عدم تعلّق قدرة الله بالأمر المستحيل والممتنع بالذات ليس من جهة عجز أو قصور في قدرته تعالى، بل هو من جهة القصور في جانب الأمر المستحيل وعدم امتلاكه قابلية الإيجاد.

نماذج من الأمور المستحيلة عقلاً

1- أن يخلق الله تعالى مثله.

2ـ أن يفني الله تعالى نفسه.

3ـ أن يوجد الله تعالى شيئاً لا يقدر على تحريكه أو إفنائه.

4- أن يجعل الله تعالى الشيء الكبير ـ مثل العالم ـ في الشيء الصغير ـ مثل البيضة ـ من دون أن يصغر حجم العالم أو تكبر البيضة.

فإذا سُئل: هل الله تعالى قادر على القيام بهذه الموارد؟

فالجواب: القدرة إنّما تتعلّق بالموارد التي يمكن وقوعها، وهذه الموارد يستحيل وقوعها؛ فلهذا لا تتعلّق القدرة بها.

والسؤال عن تعلّق القدرة بالموارد المستحيلة سؤال خاطىء.

ولهذا ورد في الحديث الشريف: سُئل الإمام أمير المؤمنين (ع): هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغّر الدنيا أو يكبّر البيضة؟!

قال أمير المؤمنين (ع): إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون[1].

مثال توضيحي:

1ـ إذا سألك شخص: هل تستطيع أن تجعل نتيجة 2 + 2 تساوي 5؟

فسيكون جوابك: من المستحيل أن تكون نتيجة 2 + 2 تساوي 5.

وعدم قدرتي على الحصول على هذه النتيجة ليس لعجزي وقصور قدرتي، بل لأنّ هذا المورد محال ولا يمكن تحقّقه.

والاستفسار عن امتلاك القدرة أو عدم امتلاكها لا يصح إلاّ في الموارد التي يصح وقوعها.

2- إذا سألك شخص: هل تستطيع أن تكون في وقت ومكان واحد موجوداً ومعدوماً؟

فسيكون جوابك: إنّ هذا الأمر مستحيل، ولا يمكن وقوعه أبداً؛ لأنّه من قبيل اجتماع النقيضين، والعقل يحكم باستحالة اجتماع النقيضين.

ولا يقال لمن لا يفعل المستحيل أنّه عاجز؛ لأنّ عدم وقوع المستحيل ليس لعدم استطاعته من القيام به، بل لعدم امتلاك ذلك الشيء المستحيل قابلة الإيجاد والتحقّق.

الفرق بين المستحيل العقلي والمستحيل العادي

المستحيل الذي لا تتعلّق به قدرة الله هو المستحيل العقلي دون المستحيل العادي، وأمّا المستحيل العادي فهو ممّا تتعلّق به القدرة الإلهية.

توضيح ذلك: ينقسم المستحيل إلى قسمين:

1ـ المستحيل العقلي

وهو الأمر الذي يحكم العقل بعدم إمكان وقوعه وتحقّقه أبداً.

من قبيل: ما يشتمل فرضه على التناقض (ويسمّى المستحيل ذاتاً).

ومثاله: أن يكون الشيء الواحد موجوداً ومعدوماً في وقت ومكان واحد.

ومن قبيل: ما يشتمل وجوده في الواقع الخارجي على التناقض (ويسمّى المستحيل وقوعاً).

ومثاله: وجود المعلول من دون علّته الخاصة في الواقع الخارجي.

2ـ المستحيل العادي

وهو أنّنا اعتدنا على تحقّق كلّ شيء في الواقع الخارجي من خلال علّة أو علل معيّنة، فإذا سُئلنا: هل يمكن تحقّق هذا الشيء من دون وجود علّته المتعارفة؟ فإنّنا سنقول: هذا الأمر مستحيل.

ولكن قد يكون لتحقّق هذا الشيء علّة أخرى نجهلها، فإذا أدّت العلّة إلى وقوع ذلك الشيء فإنّنا نتصوّر وقوع المستحيل.

تنبيه: تسمية هذا القسم الثاني بالمستحيل من باب التسامح، وهذا المستحيل ليس من قبيل المستحيل الذي يحكم العقل باستحالة وقوعه، وإنّما هو المستحيل الذي يحكم العرف والعادة بعدم تحقّقه.

مثال المستحيل العادي

لو سُئل أحد الأشخاص قبل اختراع الهاتف: هل تستطيع أن تتكلّم فيسمع صوتك من يبعد عنك آلاف الكيلومترات.

فإنّه سيجيب: هذا مستحيل.

وهذا المستحيل هو من قبيل المستحيل العادي، وليس من قبيل المستحيل العقلي.

ويحكم الإنسان باستحالة الشيء عادةً لعدم علمه بالأسباب، فإذا عرف الأسباب، وأصبح عنده إلمام بجهاز الهاتف، فإنّه سيدرك عدم استحالة ما حكم عليه بالاستحالة.

جميع المعاجز هي من قبيل اختراق المستحيل العادي، وهي ظواهر لا توجد عن طريق العلل العادية، وإنّما توجد عن طريق العلل غير العادية خارجة عن نطاق علمنا.

المبحث الثاني: أدلة عموم قدرة الله

1ـ قدرة الله عين ذات الله

وبما أنّ الذات الإلهية مطلقة وغير متناهية، نستنتج بأنّ قدرة الله أيضاً غير متناهية، ولا تعرف حدّاً، ولا تقف عند نهاية.

2ـ نسبة ذات الله إلى جميع المقدورات متساوية

فلهذا تتعلّق قدرة الله بجميع المقدورات من غير استثناء.

ومن هذا المنطلق: يكون اختصاص قدرة الله بمقدور دون آخر ترجيح بلا مرجّح، وهو باطل.

فتثبت قدرة الله على كلّ مقدور.

3- تجلّي القدرة الإلهية في إيجاد كائنات السماوات والأرض من اللاشيء تنبىء عن عظمة قدرته تعالى، وتبيّن بأنّ كلّ ما نفترضه من أمور مقدورة وممكنة هي أهون عنده تعالى.

قال الله تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم[2].

آيات قرآنية حول عمومية قدرة الله

1ـ قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[3].

2ـ قول الله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا[4].

3ـ قول الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [5].

4ـ قول الله تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[6].

5- قول الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا[7].

أحاديث لأهل البيت حول عمومية قدرة الله

1- قال الإمام جعفر الصادق (ع): الأشياء كلّها له سواء علماً وقدرة[8].

2- قال الإمام موسى الكاظم (ع): إنّ الله تعالى… القادر الذي لا يعجز[9].

مناقشة أهم الإشكالات الواردة حول عموم قدرة الله

الإشكال الأوّل

إنّ الله غير قادر على فعل القبيح.

دليل ذلك: لو كان الله قادراً على فعل القبيح لصحّ منه فعله، وصحّة فعل القبيح منه تعالى دليل على اتّصافه بالجهل والاحتياج، ولكنّه تعالى منزّه عن هذه الأوصاف، فيثبت عدم قدرته على فعل القبيح.

يرد عليه

الاتّصاف بالجهل والاحتياج يكون مع فعل القبيح لا مع امتلاك القدرة على فعله، وعدم فعله تعالى للقبيح ليس لعدم قدرته على فعله، بل لأنّه تعالى حكيم، فلا يريد فعل القبيح.

أدلة قدرته تعالى على فعل القبيح

1- إن الله تعالى قادر على كلّ مقدور، والقبيح مقدور، فيثبت أنّه تعالى قادر على فعل القبيح.

2- إنّ الفعل الحسن من جنس الفعل القبيح، والقادر على أحد الجنسين يكون قادراً على الآخر.

3- لو لم يكن الله قادراً على فعل القبيح، لم يستحق المدح إزاء عدم فعله للقبيح؛ لأنّ المدح يكون لمن يقدر على فعل القبيح ثمّ لم يفعله.

الإشكال الثاني

إنّ الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد.

أي: إنّ الله تعالى لا يقدر على القيام بمثل الأفعال التي يقوم بها الإنسان.

دليل ذلك: إنّ مقدور الإنسان ـ أي: الفعل الذي يقدر الإنسان على إيجاده ـ ينقسم إلى قسمين:

أوّلاً: ليس فيه غرض، فيوصف هذا الفعل بالعبث.

ثانياً: فيه غرض.

وهذا الغرض ينقسم إلى قسمين:

أوّلاً: موافق للأوامر الشرعية، فيوصف الفعل بالطاعة.

ثانياً: غير موافق للأوامر الشرعية، فيوصف الفعل بالمعصية.

إذن، فعل الإنسان لا يخلو عن أحد هذه الأوصاف الثلاثة، وهي العبث والطاعة والمعصية.

فلو قلنا بأنّ الله تعالى قادر على القيام بمثل فعل الإنسان فسيكون معنى ذلك أنّ أفعال الله أيضاً ستوصف بالعبث أو الطاعة أو المعصية، وهذا باطل، فيثبت عدم قدرة الله على مثل مقدور العبد.

يرد عليه

إنّ لكلّ فعل بُعدين:

1ـ ذات الفعل.

2- صفات الفعل، وهي الصفات التي تُنتزع من خلال لحاظ دواعي القيام بالفعل.

وهذه الصفات في أفعال الإنسان عبارة عن:

أوّلاً: العبث، فيما لو كان داعي الفعل من دون غرض.

ثانياً: الطاعة، فيما لو كان داعي الفعل تلبية الأوامر الشرعية.

ثالثاً: المعصية، فيما لو كان داعي الفعل مخالفة الأوامر الشرعية.

وما ينبغي الالتفات إليه: أنّ ما يستلزم المحذور عبارة عن تشابه دواعي الله في الفعل مع دواعي الإنسان.

لأنّنا إذا قلنا بأنّ دواعي الله مشابهة لدواعي الإنسان، فإنّ أفعال الله تعالى ستُصوف بالعبث أو الطاعة أو المعصية، وهذا محال.

لكنّنا إذا قلنا بأنّ الله قادر على القيام بما يقوم به العبد من حيث ذات الفعل وهيئته، وله تعالى دواعي مغايرة لدواعي الإنسان، فإنّه لا يكون أيّ محذور في هذا المجال.

فتثبت قدرة الله على مثل ما يقدر عليه الإنسان.

بعبارة أخرى: دواعي فعل الله مغايرة لدواعي فعل الإنسان.

فلهذا لا يوصف فعل الله بالأوصاف التي يوصف بها فعل الإنسان، وهي: العبث أو الطاعة أو المعصية.

وعدم اتّصاف فعله تعالى بالأوصاف التي يتّصف بها فعل الإنسان لا يوجب إنكار قدرته تعالى على مثل ما يقوم به الإنسان.

بل غاية ما يثبته أنّ دواعي فعل الله مغايرة لدواعي فعل الإنسان.

فلا يبقى أيّ إشكال في أن يكون الله قادراً على مثل ما يقوم به الإنسان، وأن يكون الله فاعلاً لمثل الفعل الذي يفعله الإنسان من حيث الذات والهيئة لا من حيث الداعي والأوصاف.

تنبيه: المقصود من قدرة الله على مثل ما يقوم به الإنسان هي الأفعال التي يصح نسبتها إلى الله عزّ وجلّ، وليس المقصود منها الأفعال القائمة بالفاعل المادي والجسماني كالأكل والشرب وما شابه ذلك؛ لأنّ هذه الأفعال ممّا يتنزّه عنها الله تعالى، وهي خارجة عن البحث.

الإشكال الثالث

إنّ الله تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد.

أي: إذا تعلّقت قدرة الإنسان بشيء فلا يمكن بعد ذلك أن تتعلّق قدرة الله بذلك الشيء.

دليل ذلك: إذا تعلّقت قدرة الإنسان بشيء، وتعلّقت قدرة الله ـ في نفس الوقت ـ فإنّه يلزم اجتماع قادرين على مقدور واحد، وهو محال؛ لأنّ الإنسان قد يريد وقوع الشيء، ويريد الله تعالى عدم وقوعه.

فيكون ذلك الشيء ـ في نفس الوقت ـ واقع وغير واقع، وهذا محال؛ لأنّه من قبيل اجتماع النقيضين.

فيثبت عدم تعلّق قدرة الله بالشيء فيما لو تعلّقت قدرة الإنسان بذلك الشيء.

يرد عليه

إنّ هذا الإشكال يصحّ فيما لو قلنا بأنّ قدرة الإنسان قدرة مستقلة وقائمة بذاتها، فيؤدّي اجتماعها مع قدرة الله إلى اجتماع النقيضين.

ولكن قدرة الإنسان غير مستقلة، وهي لا تترك أثرها إلاّ بإذن الله، ولهذا لا يشكّل فرض اجتماع قدرة الإنسان مع قدرة الله أيّ محذور أبداً؛ لأنّ قدرة الإنسان لوحدها لا تشكّل العلّة التامّة في التأثير، بل لابدّ من وجود إذن إلهي في هذا الصعيد لتترك هذه القدرة أثرها في الواقع الخارجي.

الإشكال الرابع

نظرية الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد.

ذهب بعض الفلاسفة إلى أنّ قدرة الله تعالى لا تتعلّق مباشرة إلاّ بشيء واحد، أي: لا يفعل الله بذاته إلاّ شيئاً واحداً فقط، ثمّ يكون تعلّق قدرة الله بسائر الأشياء بصورة غير مباشرة وعن طريق وجود واسطة.

دليل ذلك: إنّ الله تعالى واحد بذاته، وهو منزّه عن جميع أنواع الكثرة، وصدور أكثر من شيء واحد عنه تعالى يلزم وجود تكثّر في ذاته، فيكون الله تعالى مركّباً، وهذا محال.

يرد عليه

1- نظرية الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد تصحّ مع الفاعل الموجب (المضطر)، وبما أنّ هؤلاء الفلاسفة يقولون أو يلازم قولهم بأنّ الله تعالى فاعل موجب، فلهذا يذهبون إلى أنّ الله تعالى لا يصدر عنه إلاّ شيئاً واحداً، ولا تتعلّق قدرته مباشرة إلاّ بشيء واحد.

ولكن الله تعالى ـ في الواقع ـ فاعل مختار، فلهذا لا تشمله هذه النظرية.

قال العلاّمة الحلّي: المؤثّر إن كان مختاراً جاز أن يتكثّر أثره مع وحدته وإن كان موجباً فذهب الأكثر إلى استحالة تكثّر معلوله باعتبار واحد[10].

2- الامتناع وعدم الصدور في نظرية الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد يكون فيما لو كان الصدور من جهة واحدة، ولكن الله فاعل مختار، وبإمكانه أن يصدر عنه الفعل من جهات متعدّدة حسب اختلاف مشيئته وإرادته؛ فلهذا يصحّ عنه صدور أفعال كثيرة بحيث يكون لكلّ فعل جهة مغايرة للأخرى.

3ـ يلزم القول بأنّ الله تعالى لا يصدر عنه إلاّ الواحد:

أوّلاً: أن تكون رتبة الله في التأثير أقل من رتبة المؤثّرات الأخرى.

ثانياً: إنكار قدرة الله الشاملة لكلّ المقدورات.

ثالثاً: إخراج الله عن سلطانه.

وبما أنّه تعالى يتنزّه عن هذه الأمور فلا يصح قبول هذه النظرية.

الإشكال الخامس

إنّ الله تعالى غير قادر على خلاف ما يعلم.

دليل ذلك: إنّ ما علم الله وقوعه، يقع قطعاً، فهو واجب الوقوع.

وإنّ ما علم الله عدم وقوعه، لا يقع قطعاً، فهو ممتنع الوقوع.

وما هو واجب أو ممتنع الوقوع، لا تتعلّق به القدرة.

لأنّ القدرة إنّما تتعلّق بما يصح وقوعه وعدم وقوعه، ويمكن فعله وعدم فعله.

فيثبت أنّ الله تعالى غير قادر على خلاف ما يعلم.

بعبارة أخرى: لو لم يقع ما علم الله وقوعه.

أو وقع ما علم الله عدم وقوعه.

لزم انقلاب علمه تعالى جهلاً، وهو محال.

يرد عليه

1- إنّ الله تعالى بكلّ شيء عليم، والأشياء كلّها تنقسم في علم الله تعالى إلى قسمين:

أوّلاً: يعلم بأنّها تقع، فتكون هذه الأشياء ـ حسب الإشكال المذكور ـ واجبة الوقوع.

ثانياً: يعلم بأنّها لا تقع، فتكون هذه الأشياء ـ حسب الإشكال المذكور ـ ممتنعة الوقوع.

ولازم هذا القول أن لا تتعلّق قدرة الله بأيّ شيء أبداً، لأ نّه تعالى بكلّ شيء عليم، وهذا الأمر واضح البطلان.

والصحيح أن يُقال:

1- علم الله بوقوع شيء يعني أنّه يعلم بأنّ ذلك الشيء سيقع بتأثير من قدرته المباشرة أو غير المباشرة.

2- إنّ علم الله تعالى بعدم وقوع شيء يعنى أنّه يعلم بأنّ ذلك الشيء لا يقع لعدم تعلّق قدرته أو قدرة مخلوقاته به أو عدم سعة قدرة غيره لتحقّقه.

فتكون القدرة ـ في جميع الأحوال ـ هي المؤثّرة في وقوع الأشياء.

بعبارة أخرى: إنّ العلم لا يشكّل العلّة لوقوع أو عدم وقوع الأشياء، وإنّما العلم مجرّد كاشف يكشف عن:

وقوع الشيء عند تحقّق علّته التامّة.

أو عدم وقوع الشيء عند عدم تحقق علّته التامّة.

وإحدى العلل الحتمية لوقوع الشيء هي القدرة.

ومن المستحيل أن يقع شيء من دون وجود قدرة.

إذن: تعلّق العلم بوقوع شيء لا يجعل ذلك الشيء واجب الوقوع نتيجة تعلّق العلم به.

وإنّما يكون الشيء واجب الوقوع من خلال علّته التامّة، والتي تكون القدرة جزءاً أساسياً من هذه العلّة.

ومهمة العلم هو الكشف عن تلك العلّة والإخبار عن وقوع ذلك الشيء لا غير، وليس لهذا العلم أي أثر في وقوعه أبداً.

الاستنتاج

أن قدرة الله تعالى هي قدرة مطلقة وشاملة، تتعلق بكل ما هو ممكن ومقدور، ولا تشمل الأمور المستحيلة، وتتضح سعة هذه القدرة من خلال كونها مرتبطة بذات الله، التي لا تعرف حدودا، كما يتم التمييز بين المستحيل العقلي والمستحيل العادي، مع التأكيد على أن قدرة الله لا تتعارض مع حكمته، حيث يمتنع عنه فعل القبيح، وتناقش المقالة عدة إشكالات تتعلق بقدرة الله، موضحة أنه يمكن أن تكون لديه القدرة على كل شيء، مع الحفاظ على صفاته الكمالية، وهو ما يعزز فهمنا لعمومية قدرته وعظمتها.

الهوامش

[1] الصدوق، التوحيد، باب 9، ح9، ص126.

[2] يس، 81.

[3] البقرة، 20.

[4] الكهف، 45.

[5] الملك، 1.

[6] التغابن، 10.

[7] فاطر، 44.

[8] الكليني، الكافي، كتاب التوحيد، باب الحركة والانتقال، ح4، ص126.

[9] الصدوق، التوحيد، باب 2، ح32، ص74.

[10] الحلّي، كشف المراد، مقصد 1، فصل 3، مسألة 3، ص172.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم.

2ـ الحلّي، محمّد، كشف المراد، شرح العلّامة الحلّي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الرابعة، 1413 ه‍.

3ـ الصدوق، محمّد، التوحيد، تصحيح وتعليق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، بلا تاريخ.

4ـ الكليني، محمّد، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.

مصدر المقالة (مع تصرف)

الحسون، علاء، التوحيد عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، مركز بحوث الحج، الطبعة الأُولى، 1432ه‍.