وضع الشيعة عدة شروط للإمام:
منها: أن يكون أكبر أبناء أبيه.
وأن لا يغسله إلا الإمام، وأن درع الرسول(ص) يستوي عليه.
وأن يكون أعلم الناس.
وأن لا تصيبه جنابة ولا يحتلم، وأنه يعلم الغيب!… الخ
ولكنهم وقعوا في حرج ـ فيما بعد ـ بهذه الشروط!! لأننا وجدنا أن بعض الأئمة لم يكن أكبر إخوته؛ كموسى الكاظم والحسن العسكري.
وبعضهم لم يغسله إمام، كعلي الرضا الذي لم يغسله ابنه محمد الجواد، حيث لم يكن يتجاوز الثامنة من عمره آنذاك.
وكذلك موسى الكاظم لم يغسله ابنه علي الرضا لغيابه عنه آنذاك. بل الحسين بن علي لم يغسله ابنه علي زين العابدين، لملازمته الفراش، ولحيلولة عساكر ابن زياد دون ذلك.
وبعضهم لا يستوي عليه درع رسول الله ﷺ؛ مثل محمد الجواد، الذي لم يتجاوز الثامنة عند وفاة أبيه، وكذلك ابنه علي بن محمد مات عنه وهو صغير.
وبعضهم لم يكن أعلم الناس؛ كمن كان صبياً.
وبعضهم جاء النص ـ في أخبار الشيعة ـ بأنه يحتلم وتصيبه الجنابة؛ كعلي وابنيه الحسن والحسين «رضي الله عنهم»، حيث رووا أن الرسول ﷺ قال: «لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلا أنا، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين»(1) .
وأما علم الغيب، فهذه كذبة ردّها الله تعالى في كتابه.
الجواب:
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً:
إن شرائط الإمام بنظر الشيعة لا بد أن تؤخذ من الكتب الكلامية للشيعة، والشرط الأول والأهم: هو أن يكون منصوصاً عليه من قبل الله تعالى ورسوله.
وهذا يقتضي عدم اشتراط سن معين فيه، فالإمام هو من ورد النص بالإمامة عليه من المعصوم، سواء أكان صغيراً كعيسى، ويحيى، والإمام الجواد، والهادي، والإمام الحجة، والحسنين «عليهم السلام».
أو كبيراً كسائر الأئمة الطاهرين والأنبياء المعصومين «عليهم السلام». وسواء أكان أكبر الأولاد أو أصغرهم.
الشرط الثاني: أن يكون معصوماً..
الشرط الثالث: أن يكون مستجمعاً لأصول الكمالات النفسانية، وهي العلم، والفقه، والشجاعة..
الشرط الرابع: أن يكون أفضل الأمة في كل ما يعد كمالاً نفسانياً.
الشرط الخامس: براءته من كل عيب منفر في خلقته، أو في نسبه وأصله، أو في حياته العملية، كالصناعات والحرف الركيكة، كالحياكة..
الشرط السادس: أن يكون مخصوصاً بكرامات إلهية، يظهرها الله تعالى له حين يحتاج إليها في تصديق الخلق له.
ولم نجد الشيعة تعرضوا لشرط البلوغ، ولا لكونه أكبر الأولاد، ولا أن يعلم الغيب، ولا أن لا تصيبه جنابة..
ثانياً:
أما أن الإمام لا يغسله إلا الإمام، فتلك خصوصية للإمام يتحفه الله تعالى بها كرامة وإجلالاً له.. والكرامة لا ينبغي أن تعد شرطاً، فإن الله تعالى قد أكرم رسوله «صلى الله عليه وآله»: بأن ظله لا يقع على الأرض، وبأنه أباح له التزوج بأكثر من أربع نساء، وبأنه يدفن حيث يقبض، وبغير ذلك من أمور.
ولكنهم لا يعدُّون هذه الأمور من شرائط النبوة.
وكذلك الحال في استواء درع رسول الله «صلى الله عليه وآله» عليه، فإن ذلك قد ورد في بعض الأخبار، ولم ير الشيعة أن يدخلوا ذلك في صلب عقائدهم، فلم يذكروه في جملة الشرائط.. ربما لأنه لم تجتمع فيه شرائط القبول السندي، أو لعلهم وجدوا أنه أمر خاص ببعض الأئمة دون سائرهم، أو لغير ذلك من أسباب.
ثالثاً:
لم يحرج الشيعة في موضوع اشتراط أن يكون الإمام الولد الأكبر للإمام السابق، لأن السنَّ ليس شرطاً عندهم، فإنهم متعبدون بالنص، فمن ورد النص عليه كان هو الإمام.. أما عبد الله الأفطح فليس إماماً لسببين:
أحدهما: أنه كان يعاني من تشوه خَلْقي يوجب نفرة الناس منه، واقتحام العيون له.. وقد قلنا: إن من شرائط الإمام سلامته في خلقته الجسدية.
الثاني: أن الإمام السابق لم ينص عليه..
وكذا الحال بالنسبة للإمام الحسن العسكري «عليه السلام»، إذ مع وجود النص على الإمام العسكري «عليه السلام» واختلال الشرائط في جعفر، لا مجال لتوهم أن يكون لجعفر نصيب في الإمامة..
رابعاً:
بالنسبة لحديث: أن الإمام لا يغسله إلا الإمام، نقول:
لا دليل على أن ذلك لم يحصل، لا سيما وأن الروايات قد صرحت: بأن الإمام الجواد «عليه السلام» هو الذي غسل الإمام الرضا «عليه السلام»(2)، وبأن الإمام الرضا «عليه السلام»، هو الذي غسل الإمام الكاظم «عليه السلام»(3).
ولا ضير في ذلك، فإن الذي غسل سلمان الفارسي الذي توفي في المدائن هو علي بن أبي طالب «عليه السلام» مع أنه كان حين وفاة سلمان في المدينة(4).
خامساً:
إن الإمام الحسين «عليه السلام»، قد مات شهيداً، ولا يغسل الشهيد. ولا معنى لذكر السائل له في هذا المقام..
سادساً:
ما ادعاه السائل، من أن من كان من الأئمة صبياً ليس بأعلم الناس، يحتاج إلى أن يكون السائل قد اطلع على الغيب الإلهي، وعرف مقدار علم كل فردٍ فردٍ من البشر، حتى تبين له أن ثمة من هو أعلم من الإمام الجواد «عليه السلام»، حين كان عمره ست سنوات مثلاً.. أو أنه قد كان في زمن عيسى من كان أعلم منه حين تكلم في المهد صبياً.
كما أنه لا بد أن يكون الوحي الإلهي قد نزل عليه وأعلمه أن الإمام الرضا «عليه السلام» لم يعلِّم ولده ألف حرف، أو ألف باب من العلم يفتح له من كل حرف، أو باب ألف باب.
سابعاً:
حبذا لو أتحفنا هذا السائل بالمصدر الذي أخذ منه: أن من شرط الإمام أن لا تصيبه جنابة ولا يحتلم.. فإننا لم نجده في أي من كتب الشيعة التي في حوزتنا، كما أننا لم نجد هذا الشرط لا في أرض ولا في سماء..
ثامناً:
بالنسبة لعلم الغيب، فقد قلنا: إن الأئمة «عليهم السلام» إنما يعلمون من الغيب ما أعملهم به رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وبلّغهم إياه آباؤهم «عليهم السلام».. وليس لدى السائل ما يدلُّ على أنه «صلى الله عليه وآله» أخبرهم بهذا الغيب بالخصوص؟!
تاسعاً:
حتى لو كان «صلى الله عليه وآله» قد أخبرهم «عليهم السلام» بموتهم في تلك الساعة أو اليوم، فإن من يعتقد بأن القلم قد خط بما هو كائن، وأنه لا حيلة للبشر في تغيير ما خطه القلم، وأن القلم قد خط أيضاً أنهم هم الذين يشربون السم الذي يقتلهم، فلا يمكنهم الإمتناع عن ذلك، وإلا لانقلب علم الله جهلاً، والعياذ بالله..
أما الشيعة فلا يقولون ذلك، بل يقولون: إنه لا يحق للإمام أن يعمل بمقتضيات العلم الذي يصل إليه بطريق غير عادي كما هو الحال في مثل هذه الأمور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- عيون أخبار الرضا، (2/60).
2- الخرائج والجرائح ج1 ص353 وبحار الأنوار ج50 ص50 عنه.
3- عيون الأخبار ج1 ص105 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص97 بحار الأنوار ج48 ص254 عنه.
4- راجع: الخرائج والجرائح ج2 ص562 ومدينة المعجز للبحراني ج2 ص14 وبحار الأنوار ج22 ص368 وج39 ص148 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص605 وطرائف المقال للبروجردي ج2 ص604.
الكاتب: السيد حعفر مرتضى العاملي