بسم الله الرحمن الرحيم
ضيافة الله تعالى
في خطبته الشعبانية التي نقلها الشيخ الصدوق بإسناده عن ابي الحسن على بن موسى الرضا عليه السلام عن جدّه سيد الوصيين امير المؤمنين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في شأن شهر رمضان المبارك :
هو شهرٌ : دُعيتُم فيه إلى ضيافةِ الله . ما أعظمها من كلمة ! وما أرقاها من منزلة ! نحن في ضيافة من هو كنز لا يفنى ، فيا ترى كيف لنا أن نستغلّ هذه الضيافة و نستمتع من بركاتها و ارزاقها ؟ وكيف لنا أن نؤدّي حق هذه الضيافة العظيمة ؟
المعرفة
قال الإمام الخميني قدّس سرّه :
(إذا لم تتحقق معرفتكم بالله، أو لم يُضف لها، فاعلموا أنكم لم تلبوا دعوة الله كما ينبغي ولم تؤدوا حق الضيافة.) فالمعرفة هي حجر الأساس ولا قيمة للعمل من دون المعرفة ولذلك نشاهد التأكيد البالغ على معرفة الله سبحانه وتعالى فإنّ من خلال ذلك يتمكّن الإنسان أن يصل إلى شأن هذه الضيافة الإلهية وكلّما ازدادت المعرفة إزدادت لذّة الضيافة .
التهذيب
ولا تدخل المعرفة في قلب صار وكراً للشيطان بل ينبغي أن نصفّي نفوسنا من كافة الأهواء النفسانية والتلوُّثات الشيطانية ليتهيّأ ويستعد لقبول النفحات الربّانية ، قال الإمام قدّس سرّه :
(يجب أن تعلموا أنه إذا لم تتمكنوا في هذا الشهر المبارك، الذي هو شهر الله وتفتح فيه أبواب الرحمة الإلهية لعباده وأن الشياطين والمردة ـ كما تفيد الأحاديث ـ يرسفون في الأغلال والقيود، إذا لم تتمكنوا من إصلاح نفوسكم وتهذيبها ومراقبة النفس الأمارة والتحكم عليها، وإذا لم تتمكنوا من سحق الأهواء النفسية وقطع علائقكم المادية بالدنيا؛ فإن من الصعب أن تقدروا على ذلك بعد انتهاء شهر الصيام.) ثمّ قال :(لقد دعيتم في هذا الشهر الفضيل إلى ضيافة الحق تعالى: “دعيتم فيه إلى ضيافة الله”، فهيئوا أنفسكم لهذه الضيافة العظيمة.. تحلوا ـ على الأقل ـ بالآداب الصورية والظاهرية للصيام).
الصوم
من أجل ذلك ورد الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: (إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزى عليه) (الكافي۴/۶۳ح۶ من كتاب الصوم)
فرغم كثرة الأحاديث في فضيلة الصيام حيث وقد ورد أن الصوم: (مبعد للشيطان كما بين المشرق والمغرب ومسود لوجهه، وبما بني عليه الإسلام ، وجنّة من النار، وزكاة للأبدان، وفاعله في عبادة وإن كان على فراشه ما لم يغتب مسلما ، ونومه عبادة وصمته ونفسه تسبيح وعمله مقبول ودعائه مستجاب ، وإن للصائم فرحتين فرحة عند الافطار وفرحة عند لقاء به، وإن العبد يصوم متقربا إلى الله سبحانه فيدخله به الجنة، وإن لله ملائكة موكلين بالدعاء للصائمين، وإن المؤمن إذا صام شهر رمضان احتساباً أوجب الله له سبع خصال: يذوب الحرام من جسده، ويقرّب من رحمة ربه، ويكفر خطيئة أبيه آدم عليه السلام، ويهوّن الله عليه سكرات الموت، ويأمنه من جوع يوم القيامة وعطشه، ويعطيه الله البراءة من النار، ويطعمه من طيبات الجنة.) إلا أن حديث الذي مرّ عن الإمام الصادق عليه السلام يشتمل على جانب عرفاني أعظم له علاقة بالضيافة الإلهية حيث يقول الله (الصوم لي).
لله وحـده
قيل في تخصيص الصوم لله تعالى لكونه أمرا عدمياً لا يظهر لغيره تعالى، فهو أبعد من الرياء وأقرب إلى الإخلاص، وأمّا سائر العبادات كالصلاة والحج فلاشتمالها على حركات وسكنات فتسرّب شائبة الرياء إليها أكبر ، و قد أكّدت الصدّيقة الزهراء عليها السلام في خطبتها الغرّاء على ذلك حيث قالت : (فرض الله الصيام تثبيتا للإخلاص)
الجزاء
بخصوص قوله تعالى في الحديث القدسي (و أنا أجزى به) ففيه احتمالان:
الأوّل: أن يكون الفعل المضارع المتكلم مبنياً للمعلوم بكسر “الزاء” وحينئذٍ يكون المقصود هو:(أنَّ جزاء الصوم يكون من قبله تعالى، والله وحد هو الذي يجازي العبد بذلك) ولكن يمكن الإشكال على هذا الإحتمال بأنه لا يختص الصوم بذلك، بل جميع العبادات هي كذلك فالله وحده في جميع العبادات مثل الصلاة والحج والزكاة وغيرها هو الذي يجازي عبده ! إلا أن يقال بأن المقصود أن الله بنفسه يباشر في إعطاء المؤمن جزاء الصوم وأما سائر العبادات فالذين يجازون العبيد هم جنود الله سبحانه (..وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..)(الفتح/۴) (… وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ…)(المدثر/۳۱).
الثاني : أن يكون الفعل المضارع مبنياً للمجهول بفتح “الزاء” وحينئذٍ يكون للحديث القدسي معنى عميق عرفاني قد أشار إليه الإمام قدِّس سرُّه حيث قال: (الصوم الذي هو تقوى النفس ويكون لله وهو جزائه)(كتاب الطلب والإرادة ص ۱۵۶) فجزاء الصوم إنّما هو لقاء الله ووصاله الذي هو أعلى درجات الجنّة ونعني بذلك هو خرق كافة الحجب الظلمانية و النورانية والوصول إلى معدن العظمة كما ورد في المناجاة الشعبانية (اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ، اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً) وبذلك يصل الإنسان إلى الإطمئنان الكامل والسكون المطلق وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: “الصيام والحج تسكين القلوب”(الكافي:۴/۶۲/۱).
قال الإماٍم الخميني قدس سره الشريف: إن شيخنا العارف الكامل شاه آبادى روحي فداه يقول: (إن جميع العبادات عبارة عن إسراء ثناء الحق جلّت عظمته إلى النشأة الملكية للبدن، وكما أن للعقل حظّاً من المعارف وثناء المقام الربوبي وللقلب حظاً وللصدر حظّاً كذلك فلملك البدن أيضاً حظ وهو عبارة عن هذه المناسك، فالصوم ثناء ذات الحق تعالى بالصمدية، وظهور ثنائه بالقدوسيّة والسبوحية).
نصيحة ربّانية
ينبغي ـ على الأقل ـ للضيف أن يكون عارفاً بالمضيف مدركاً لمقامه؛ ومن خلال اطلاعه على عادات وتقاليد المجلس يحرص أن لا يصدر عنه ما ينافي الأخلاق ويسيء إليه.. فلابد لضيف الله سبحانه أن يكون عارفاً بمقامه العظيم ذي العزة والجلال.. المقام الذي كان الأنبياء العظام والأئمة الكرام يسعون دوماً للاستزادة من معرفته والإحاطة به إحاطة كاملة، وقد دعا الله سبحانه عباده واستضافهم ليمكنهم من بلوغ معدن النور والعظمة. ولكن إذا لم يكن العبد لائقاً، فلن يتمكن من بلوغ مثل هذا المقام السامي والعظيم.