في حلبات شعر الإمام الحسين (ع)

في حلبات شعر الإمام الحسين (ع)

2023-12-25

190 بازدید

يتطرق الكاتب في كتابه إلى نماذج من شعر الإمام الحسين (ع) فيقول:

وعرضت مصادر التاريخ والأدب العربي إلى بعض ما نظمه الإمام الحسين ( ع ) من الشعر وما استشهد به في بعض المناسبات ، وإن كان بعضها – فيما نحسب – لا يخلو من الانتحال ، وهذه بعضها :

1 – دخل اعرابي مسجد الرسول الأعظم ( ص ) فوقف على الحسين ابن علي وحوله حلقة مجتمعة من الناس فسأل عنه ، فقيل له إنه الحسن ابن علي ، فقال : إياه أردت بلغتي أنهم يتكلمون فيعربون في كلامهم ، واني قطعت بوادي ، وقفارا ، وأودية ، وجبالا ، وجئت لا طارحة الكلام وأسأله عن عويص العربية ، فقال له أحد جلساء الامام : ان كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب ، وأومأ إلى الحسين ، فبادر إليه ، ووقف فسلم عليه فرد الإمام عليه السلام ، فقال له :

– ما حاجتك ؟

– جئتك من الهرقل والجعلل والاينم ، والهمهم .

فتبسم الإمام الحسين ، وقال له : يا اعرابي لقد تكلمت بكلام ما يعقله الا العالمون ، فقال الأعرابي : وأقول : أكثر من هذا ، فهل أنت مجيبي على قدر كلامي ؟

فقال له الحسين :

– قل ما شئت فاني مجيبك .

– إني بدوي ، وأكثر مقالي الشعر ، وهو ديوان العرب .

– قل ما شئت فاني مجيبك .

وأنشأ الأعرابي يقول :

هفا قلبي إلى اللهو * وقد ودع شرخيه

وقد كان أنيقا * عصر تجراري ذيليه

عيالات ولذات * فيا سقيا لعصريه

فلما عمم الشيب * من الرأس نطاقيه

وأمسى قد عناني * منه تجديد خضابيه

تسليت عن اللهو * وألقيت قناعيه

وفي الدهر أعاجيب * لمن يلبس حاليه

فلو يعمل ذو رأي * أصيل فيه رأييه

لالفى عبرة منه * له في كر عصريهه

فأجابه الإمام الحسين ( ع ) ارتجالا :

فما رسم شجاني قد * محت آيات رسميه

سفور درجت ذيلين * في بوغاء قاعيه ( 1 )

هتوف حرجف تترى * على تلبيد ثوبيه ( 2 )

وولاج من المزن * دنا نوء سماكيه

أتى مثغنجر الورق * بجود من خلاليه

وقد أحمد برقاه * فلا ذم لبرقيه

وقد جلل رعداه * فلا ذم لرعديه

ثجيج الرعد ثجاج * إذا أرخى نطاقيه

فاضحي دارسا قفرا * لبينونة أهليه

فلما سمع الأعرابي ذلك بهر وانطلق يقول : ما رأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام كلاما وأذرب لسانا ، ولا أفصح منه نطقا ، فقال له الإمام الحسن ( ع ) يا اعرابي :

غلام كرم الرحمن * بالتطهير جديه

كساه القمر القمقام * من نور سنائيه

وقد أرصنت من شعري * وقومت عروضيه

فلما سمع الأعرابي قول الإمام الحسن ( ع ) انبرى يقول : بارك الله عليكما ، مثلكما تجلهما الرجال فجزاكما الله خيرا وانصرف ( 3 ) ودلت هذه البادرة على مدى ما يتمتع به الإمام ( ع ) من قوة العارضة في الشعر ، ومقدرته الفائقة في الارتجال والابداع ، إلا أن بعض فصول هذه القصة – فيما نحسب – لا يخلو من الانتحال ، وهو مجئ الأعرابي من بلد نائي قد تحمل عناء السفر وشدته من أجل اختبار الامام ومعرفة مقدراته الأدبية

2 – نسبت له هذه الأبيات الحكمية :

إذا ما عضك الدهر * فلا تجنح إلى الخلق

ولا تسأل سوى الله * تعالى قاسم الرزق

فلو عشت وطوفت * من الغرب إلى الشرق

لما صادفت من يقد * ر أن يسعد أو يشقى ( 4 )

وحث هذا الشعر على القناعة واباء النفس ، وعدم الخنوع للغير ، وأهاب بالانسان أن يسأل أحدا إلا ربه الذي بيده مجريات الاحداث .

3 – قال ( ع ) :

اغن عن المخلوق بالخالق * تغن عن الكاذب والصادق

واسترزق الرحمن من فضله * فليس غير الله من رازق

من ظن أن الناس يغنونه * فليس بالرحمن بالواثق

أو ظن أن المال من كسبه * زلت به النعلان من حالق ( 5 )

وفي هذه الأبيات دعوة إلى الالتجاء إلى الله خالق الكون وواهب الحياة ، والاستغناء عمن سواه فان من ركن لغيره فقد خاب سعيه وحاد عن الصواب .

4 – زار الإمام الحسين ( ع ) مقابر الشهداء بالبقيع فانبرى يقول :

ناديت سكان القبور فاسكتوا * فأجابني عن صمتهم ترب الحشا

قالت : أتدري ما صنعت بساكني * مزقت لحمهم وخرقت الكسا

وحشوت أعينهم ترابا بعدما * كانت تأذى باليسير من القذا

أما العظام فإنني مزقتها * حتى تباينت المفاصل والشوى

قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا * فتركتها مما يطول بها البلى ( 6 )

وحفلت هذه الأبيات بالدعوة إلى الاعتبار والعظة بمصير الانسان وأنه حينما يودع في بطن الأرض لم يلبث أن يتلاشى وتذهب نضارته ويعود بعد قليل كتلة من التراب المهين .

5 – ونسب الأعشى هذه الأبيات للإمام الحسين ( ع ) :

كلما زيد صاحب المال مالا * زيد في همه وفي الاشتغال

قد عرفناك يا منغصة العيش * ويا دار كل فان وبال

ليس يصفو لزاهد طلب * الزهد إذا كان مثقلا بالعيال ( 7 )

وتحدث الامام بهذه الأبيات عن ظاهرة خاصة من ظواهر الحياة وهي أن الانسان كلما اتسع نطاقه المادي ازدادت آلامه وهمومه ، وازداد جهدا وعناءا في تصريف شؤون أمواله ، وزيادة أرباحه ، كما تحدث الامام عمن يرغب في الزهد في الحياة فإنه لا يجد سبيلا إلى ذلك ما دام مثقلا بالعيال فان شغله بذلك يمنعه عن الزهد في الدنيا .

6 – روى الأربلي أن الإمام قال هذه الأبيات في ذم البغي :

ذهب الذين أحبهم * وبقيت فيمن لا أحبه

في من أراه يسبني * ظهر المغيب ولا أسبه

يبغي فسادي ما استطاع * وأمره مما أربه ( 8 )

حنقا يدب لي الضراء * وذاك مما لا أدبه

ويرى ذباب الشر من * حولي يطن ولا يذبه

وإذا خبا ( 9 ) وغر الصدور * فلا يزال به يشبه

أفلا يعيج بعقله ( 10 ) * أفلا يثوب إليه لبه ( 11 )

أفلا يرى من فعله * ما قد يسور إليه غبه ( 12 )

حسبي بربي كافيا * ما أختشي والبغي حسبه

ولقل من يبغي عليه * فما كفاه الله ربه ( 13 )

وتحدث الإمام ( ع ) بهذه الأبيات عن إحدى النزعات الشريرة في الانسان وهي البغي فان من يتلوث به يسعى دوما إلى سب أخيه والاعتداء عليه وافساده أمره ، وانه إذا سكن وغر الصدور فإنه يسعى لاثارتها انطلاقا منه في البغي والاعتداء ، وقد وجه ( ع ) إليه النصح فإنه إذا رجع عقله وفكر في أمره فان غيه على حيه يرجع إليه ، وتلحقه أضراره وآثامه ومن الطبيعي انه إذا أطال التفكير في ذلك فإنه يقلع عن نفسه هذه الصفة الشريرة حسب ما نص عليه علماء الأخلاق .

7 – وزعم أبو الفرج الأصبهاني ان الإمام الحسين ( ع ) قال : هذين البيتين في بنته سكينة وأمها الرباب :

لعمرك أنني لأحب دارا * تكون بها سكينة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالي * وليس لعاتب عندي عتاب ( 14 )

وزاد غيره هذا البيت : فلست لهم وان غابوا مضيعا * حياتي أو يغيبني التراب ( 15 )

وهذه الأبيات فيما نحسب من المنتحلات والموضوعات فان الإمام الحسين عليه السلام أجل شأنا وأرفع قدرا من أن يذيع حبه لزوجته وابنته بين الناس ، فليس هذا من خلقه ، ولا يليق به ، ان ذلك – من دون شك – من المفتريات التي تعمد وضعها للحط من شأن أهل البيت ( ع ) .

8 – ومما قاله :

الله يعلم أن ما * بيدي يزيد لغيره

وبأنه لم يكتسبه * بخيره وبميره

لو انصف النفس الخؤون * لقصرت من سيره

ولكان ذلك منه أدنى * شره من خيره ( 16 )

وبهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض مثل الإمام الحسين ( ع ) ونزعاته التي كان بها فذا من أفذاذ العقل الانساني ومثلا رائعا من أمثلة الرسالة الاسلامية بجميع قيمها ومكوناتها .

الهوامش

( 1 ) سفور : مأخوذ من سفرت الريح التراب أو الورق أزالتهما وذهبت بهما كل مذهب ، درجت من نعوت الريح ، البوغاء التراب .

( 2 ) الهتوف : الريح ذات الصوت ، والحرجف : الريح الباردة .

التلبيد : التداخل .

( 3 ) مطالب السؤل في مناقب آل الرسول .

( 4 ) كشف الغمة 2 / 246 الفصول المهمة .

( 5 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 324

( 6 ) البداية والنهاية 8 / 208 .

( 7 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 324

( 8 ) أربه : أصلحه .

( 9 ) خبا : سكن .

( 10 ) يعيج : ينتفع .

( 11 ) اللب : العقل .

( 12 ) يسور : يرجع .

( 13 ) كشف الغمة . ريحانة الرسول ( ص 48 ) .

( 14 ) الأغاني .

( 15 ) ذكرى الحسين 1 / 139 ، البداية والنهاية 8 / 209 .

( 16 ) ريحانة الرسول ( ص 49 ) .

المصدر: حياة الإمام الحسين (ع) ج 1 / الشيخ باقر شريف القرشي

الخلاصة

إن الكاتب في كتابه يتطرق إلى نماذج من شعر الإمام الحسين (ع) ، فيذكر ثمانية موارد كشاهد لكلامه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *