يتطرق الكاتب إلى ذكر الدلائل على إمامة الإمام الحسين (ع)، وأنه المنصوص عليه من جهة أبيه أمير المؤمنين (ع) وأخيه الإمام الحسن (ع)، ثم يذكر النصوص الدالة على إمامته(ع) فيقول:
في ذكر الدلائل على إمامة الإمام الحسين (ع) وأنه المنصوص عليه من جهة أبيه وأخيه
تدل على إمامته (ع) جميع الطرق الاعتبارية والإخبارية التي ذكرناها في إمامة الحسن (ع) بعينها، فإن جميعها كما تدل على إمامته تدل على إمامة أبي عبد الله الحسين (ع) من بعده مثلا بمثل، وقد صرح النبي (ص) على إمامته أيضا بقوله: (ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا)[1].
وأيضا فإن وصية الحسن (ع) إليه تدل على إمامته، كما دفت وصية أمير المؤمنين (ع) إلى الحسن (ع) على إمامته، بحسب ما دلت وصية رسول الله (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) على إمامته من بعده.
ومما جاء من الأخبار في وصية الحسن (ع) إليه ما رواه محمد ابن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن محمد ابن سليمان الديلمي، عن هارون بن الجهم، عن محمد بن مسلم قال:
سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) يقول: (لما احتضر الحسن (ع) قال للحسين: يا أخي إني أوصيك بوصية (فاحفظها)[2]، إذا أنا مت فهيئني ووجهني إلى رسول الله (ص) لأحدث به عهدا، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة (عليها السلام) ثم ردني فادفني بالبقيع)[3] إلى آخر الخبر.
وروى محمد بن يعقوب بإسناده، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (ع) قال: (لما حضرت الحسن الوفاة قال: يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد؟ فقال: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، قال: امض فادع لي محمد بن علي[4].
قال: فأتيته، فلما دخلت عليه قال: هل حدث إلا خير؟ قلت: أجب أبا محمد.
فعجل على شسع نعله فلم يسوه، فخرج معي يعدو، فلما قام بين يديه سلم فقال له الحسن (ع): إجلس فليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيى به الأموات ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى، فإن ضوء النهار بعضه أضوء من بعض، أما علمت أن الله عز جل جعل ولد إبراهيم أئمة وفضل بعضهم على بعض واتى داود زبورا، وقد علمت بما استأثر (به) محمدا (ص).
يا محمد بن علي، إني أخاف عليك الحسد، وإنما وصف الله تعالى به الكافرين فقال: (كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطانا.
يا محمد بن علي، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك (ع) فيك؟
قال: بلى.
قال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمدا ولدي.
يا محمد بن علي، لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا محمد بن علي، أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي، وعند الله في الكتاب وراثة من النبي أضافها الله له في وراثة أبيه وأمه، علم الله أنكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمدا واختار محمد عليا واختارني علي للإمامة واخترت أنا الحسين.
فقال له محمد بن علي: أنت إمامي وسيدي ألا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء، ولا تغيره نغمة الرياح، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل، وإنه لكلام يكل به لسان الناطق ويد الكاتب، حتى لا يجد قلما، ويؤتوا بالقرطاس حمما ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله، الحسين أعلمنا علما، وأثقلنا حلما، وأقربنا من رسول الله رحما، كان إماما قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أن أحدا خيرا منا ما اصطفى محمدا (ص)، فلما اختار محمدا اختار محمد عليا إماما واختارك علي بعده واخترت الحسين (ع) بعدك، سلمنا ورضينا بمن هو الرضى وبمن نسلم به من المشكلات)[5].
وفي حديث حبابة الوالبية الذي رويناه هناك[6] ما فيه من ظهور الآية المعجزة على يده الدالة على إمامته فلا معنى لتكريره وإعادته.
فكانت إمامته (ع) ثابتة بعد أخيه الحسن (ع) وإن لم يدع إلى نفسه، للهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان، وجرى في ذلك مجرى أبيه في ثبوت إمامته بعد النبي عليه واله السلام مع الكف والصموت، ومجرى أخيه (ع) في زمان الهدنة والسكوت، فلما انقضى زمان الهدنة بهلاك معاوية، واجتمع له في الظاهر الأنصار، أظهر أمره بعض الإظهار، وتشمر للقتال، وقدم إلى العراق ابن عمه (ع) مسلما للاستنصار.
فبايعه أهل الكوفة وضمنوا له النصرة، ثم نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه، وخرجوا إليه فحصروه حيث لا يجد ناصرا ولا مهربا، وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتى تمكنوا منه فقتلوه شهيدا كما استشهد أبوه وأخوه عليهم السلام.
مطلب آخر: في ذكر النصوص الدالة على إمامة الإمام الحسين (ع)
ثم تطرق الكاتب إلى ذكر النصوص الدالة على إمامة الإمام الحسين (ع) فقال:
المعول في تصحيح إمامة أكثر أئمتنا عليهم السلام النظر والاعتبار دون تواتر الأخبار، لأنهم عليهم السلام كانوا في زمان الخوف وشدة التقية والاضطرار، ولم يتمكن شيعتهم من ذكر فضائلهم التي تقتضي إمامتهم، فضلا عن ذكر ما يوجب فرض طاعتهم ويبين عن تقدمهم على جميع الخلائق ورئاستهم.
فمما يدل على إمامته (ع) من طريق النظر العقلي ما ثبت من وجوب العصمة، وأن الحق لا يخرج عن أمة محمد (ص)، ولا أحد يدعي العصمة لامامه في زمان سيد العابدين (ع)، إلا من قال بإمامته من الامامية، أو من قال بإمامة محمد بن الحنفية وذهب إلى أنه حي لم يمت وهم الكيسانية، وفسد قول الكيسانية لأنهم ادعوا حياة من علم وفاته كما علم وفات أبيه وأخيه، ولعجزهم أيضا عن إتيان النص على محمد بالإمامة، وبطل قول من قال بإمامة من هو غير معصوم فثبتت إمامته (ع).
وأما ما روي من النص عليه بالإمامة والإشارة بالإمامة إليه من أبيه وجده فكثير.
منها: ما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد ابن الحسين، وأحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر الباقر عليهما السلام قال: (إن الحسين (ع) لما حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبرى فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة، وكان علي بن الحسين عليهما السلام مريضا لا يرون أنه يبقى بعده، فلما قتل الحسين (ع) ورجع أهل بيته إلى المدينة دفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين عليهما السلام، ثم صار ذلك الكتاب والله إلينا يا زياد)[7].
وعنه، عن عدة من أصحابه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (ع) قال: (إن الحسين (ع) لما سار إلى العراق استودع أم سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية، فلما رجع علي بن الحسين عليهما السلام دفعتها إليه)[8].
وقد ذكرنا فيما تقدم النص والإشارة إليه من جده أمير المؤمنين عليهما السلام في وصيته إلى الحسن (ع)، فلا معنى لتكراره هنا وأما الأخبار الواردة عن النبي (ص) وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه بالنص على الأئمة الاثني عشر من آل محمد عليهم السلام وتعيينهم، وحديث اللوح الذي رواه جابر عن النبي (ص)[9] ورواه جابر بن يزيد الجعفي، عن الباقر، عن أبيه، عن جده عن فاطمة بنت رسول الله (ص)[10] فإنها مشهورة عند أهلها، مذكورة في مظانها، ووافقهم أصحاب إلي الحديث العامة على نقل كثير منها على طريق الجملة، وسنورد أكثرها في الركن الرابع من الكتاب إذا انتهينا إليه إن شاء الله.
الهوامش
[1] ارشاد المفيد 2 : 30 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 394 ، كشف الغمة 1 : 533 .
[2] أثبتناها من المصدر.
[3] الكافي 1: 240 / 3، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44: 174 / 1.
[4] هو أخوه محمد بن الحنفية.
[5] الكافي 1: 239 / 2، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44: 174 / 2.
[6] تقدم في صفحة: 408 عن كمال الدين 2 : 536 / 1 ، كشف الغمة 1 : 4 53 .
[7] الكافي 1: 241 / 1، وكذا في: بصائر الدرجات: 168 / 9، المناقب لابن شهرآشوب 4: 172، اثبات الوصية: 142
[8] الكافي 1: 242 / 3، وكذا في: الغيبة للطوسي: 195 / 159، والمناقب لابن شهرآشوب 4: 174.
[9] الكافي 1: 442 / 3، عيون أخبار الرضا (ع) 1: 45 / 1، الغيبة للنعماني: 62، الاختصاص: 210، أمالي الطوسي 1: 297، الغيبة للطوسي: 143 / 108، اثبات الوصية: 143.
[10] كمال الدين: 311 / 1، اثبات الوصية: 227.
المصدر: إعلام الورى بأعلام الهدى ج1 ص421 وص482 / الشيخ الطبرسي
الخلاصة
يتطرق الكاتب إلى ذكر الدلائل على إمامة الإمام الحسين (ع) وأنه المنصوص عليه من جهة أبيه وأخيه، وإلى ذكر النصوص الدالة على إمامة الإمام الحسين (ع).