تعتبر مسألة كلام الله تعالى من القضايا الجوهرية في العقيدة الإسلامية، إذ تتناول طبيعة كلام الله، وكونه قديماً أو حادثاً، في هذا البحث سنستعرض خصائص كلام الله، ونوضح معنى الكلام والمتكلم وأقسام الكلام، بالإضافة إلى اتصاف الله بصفة المتكلم، كما سنناقش حقيقة كلام الله، ونستعرض الأدلة التي تدعم حدوثه، مستندين إلى النصوص القرآنية وأحاديث أهل البيت (ع)، لنصل إلى فهم عميق لهذه القضية المهمة.

Contents
المبحث الأوّل: خصائص مسألة كلام اللهالمبحث الثاني: معنى الكلام والمتكلّم وأقسام الكلامأقسام الكلامبيان الكلام الفعلي الإلهيالمبحث الثالث: اتّصاف الله بصفة المتكلّمالآيات القرآنية المشيرة إلى اتّصافه تعالى بالمتكلّمالمبحث الرابع: حقيقة كلام اللهتنبيهما وراء الكلام اللفظيعقيدة الإماميةعقيدة الأشاعرةتوضيح عقيدة الإمامية حول ما وراء الكلام اللفظيالنتيجةتوضيح عقيدة الأشاعرة حول ما وراء الكلام اللفظيدليل الأشاعرة على مغايرة الكلام النفسي للعلمدليل الأشاعرة على مغايرة الكلام النفسي للإرادةخصائص الكلام النفسي الإلهي عند الأشاعرةوالكلام النفسي في الله قديم تبعاً لقدم ذاتهالمبحث الخامس: قدم أو حدوث كلام اللهأدلة حدوث كلام اللهالآيات القرآنية الدالة على حدوث كلام اللهأحاديث أهل البيت حول حدوث كلام اللهموقف أهل البيت من فتنة القول بقدم القرآنتنبيهالمبحث السادس: صدق كلام اللهالآيات القرآنية المشيرة إلى صدق كلام الله

المبحث الأوّل: خصائص مسألة كلام الله

1ـ لا خلاف بين المسلمين في أنّ الله تعالى متكلّم، وإنّما وقع الخلاف في حقيقة كلام الله وكونه قديماً أو حادثاً.

2ـ طرحت مسألة قدم القرآن الكريم أو حدوثه ـ أي: قدم كلام الله أو حدوثه ـ في أوائل القرن الثالث الهجري في أوساط المسلمين، وأدّت هذه المسألة إلى إثارة فتن كبيرة دفعت المسلمين إلى نزاعات أريقت خلالها دماء كثيرة سجّلها التاريخ، وعُرفت فيما بعد بمحنة القرآن[1].

المبحث الثاني: معنى الكلام والمتكلّم وأقسام الكلام

معنى الكلام: الكلام هو ما تألّف من حرفين فصاعداً من الحروف التي يمكن تهجّيها، إذا وقعت ممن يصح منه الإفادة.

معنى المتكلّم: المتكلّم هو كلّ من يوجد حروفاً وأصواتاً لتدل على معنى يريد الإخبار بها عنه.

أقسام الكلام

1ـ الكلام اللفظي: واللفظ هو الحرف المشتمل على الصوت.

2ـ الكلام الكتبي: والكتابة هي النقوش الحاكية عن تلك الحروف اللفظية.

3ـ الكلام الفعلي: وهو الفعل الذي يفيد نفس المعنى الذي يفيده الكلام اللفظي.

بيان الكلام الفعلي الإلهي

يمكن وصف جميع أفعال الله تعالى بأنّها من جملة كلام الله من باب التوسّع، لأنّها تكشف عن دلالات ومعان تفيد نفس الأثر الذي يفيده الكلام اللفظي.

مثال ذلك: وصف الله تعالى عيسى بن مريم بالكلمة، حيث قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ[2].

وسَمّى الله تعالى المسيح بالكلمة؛ لأنّ المسيح فعله وأثره المعبّر والكاشف عن كمال قدرته تعالى في خلق الإنسان من دون أب.

المبحث الثالث: اتّصاف الله بصفة المتكلّم

إنّ السبيل لإثبات كونه تعالى متكلّماً هو الدليل النقلي فحسب، أمّا الدليل العقلي فلا يثبت أكثر من كونه تعالى قادراً على الكلام.

الآيات القرآنية المشيرة إلى اتّصافه تعالى بالمتكلّم

1ـ قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ[3].

2ـ قوله تعالى: مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ[4].

3ـ قوله تعالى، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا[5].

4ـ قوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ[6].

5ـ قوله تعالى: وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[7].

المبحث الرابع: حقيقة كلام الله

كلام الله تعالى عبارة عن أصوات وحروف يخلقها الله ليوصل عن طريقها مقصوده إلى المخاطب، ويسمّى هذا الكلام بالكلام اللفظي.

مثال ذلك: قال تعالى: وكلّم الله موسى تكليماً[8].

أي: خلق الله تعالى الكلام في الشجرة في البقعة المباركة ليوصل بذلك مقصوده إلى موسى (ع).

قال الله تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[9].

قال الإمام علي الرضا (ع) حول كلام الله تعالى مع موسى وقومه: … إنّ الله عزّ وجلّ أحدثه ـ أحدث الكلام ـ في الشجرة، ثمّ جعله منبعثاً منها[10].

تنبيه

إضافة الكلام إلى الله تعالى تجري مجرى سائر الإضافات التي تقتضي الفعلية.

ويقال للّه متكلّم بعد إيجاده للكلام.

كما يقال له تعالى رازق بعد إيجاده للرزق.

وكما يقال له تعالى منعم بعد إيجاده للنعمة.

وكما يقال له تعالى محرّك بعد إيجاده للحركة.

ما وراء الكلام اللفظي

وقع الخلاف بين الإمامية والأشاعرة حول الكلام اللفظي: هل هو كلام حقيقة أم يوجد وراءه حقيقة أخرى بحيث يكون الكلام اللفظي تعبيراً عن تلك الحقيقة الكامنة؟

عقيدة الإمامية

الكلام اللفظي هو الكلام حقيقة، ولا يوجد ما وراء الكلام اللفظي سوى العلم والإرادة.

عقيدة الأشاعرة

الكلام اللفظي ليس الكلام حقيقة، وإنّما الكلام الحقيقي هو الكلام النفسي، وهو مغاير للعلم والإرادة.

توضيح عقيدة الإمامية حول ما وراء الكلام اللفظي

ينقسم الكلام إلى قسمين:

1ـ إخبار: ويتضمّن هذا الإخبار مجموعة تصوّرات وتصديقات.

الف: التصوّرات: عبارة عن إحضار الأمور التالية في الذهن:

أوّلاً: الموضوع

ثانياً: المحمول

ثالثاً: النسبة بين الموضوع والمحمول

ب: التصديقات: عبارة عن الإذعان بنفس النسبة بين الموضوع والمحمول.

2ـ إنشاء: وهو يكون على شكل أمر أو نهي أو استفهام أو تمنّي أو ترجّي.

والأمر تعبير عن إرادة الشيء.

والنهي تعبير عن كراهة الشيء.

والاستفهام والتمنّي والترجّي تعبير عمّا يناسبها.

النتيجة

إذا كان الكلام إخباراً ـ أي: متضمّن لمجموعة تصوّرات أو تصديقات ـ فهو من مقولة العلم.

وإذا كان الكلام إنشاءً ـ أي: متضمّن لمجموعة أوامر ونواهي وغيرها ـ فهو من مقولة الإرادة والكراهة.

فنستنتج انتفاء وجود شيء وراء الكلام اللفظي سوى العلم والإرادة والكراهة.

توضيح عقيدة الأشاعرة حول ما وراء الكلام اللفظي

ذهب الأشاعرة حول ما وراء الكلام اللفظي إلى إثبات أمر آخر مغاير للعلم والإرادة، وقاموا بتسميته بالكلام النفسي، وقالوا بأنّ الكلام النفسي هو الكلام حقيقة، وإنّما الكلام اللفظي وسيلة لإبراز الكلام النفسي وتسمية الكلام اللفظي بالكلام تسمية مجازية.

يرد عليه: لو كان الكلام النفسي هو الكلام الحقيقي، لكان الساكت متكلّم، ولكن لا يقول أحد بذلك، فيثبت: أنّ الكلام الحقيقي هو الكلام اللفظي، وما يطلق عليه الأشاعرة بالكلام النفسي فهو مجرّد تصوّرات تدخل في دائرة العلم لا غير، ولا يطلق صفة المتكلّم حقيقة على أحد إلاّ بعد إيجاده للحروف والأصوات في الواقع الخارجي.

دليل الأشاعرة على مغايرة الكلام النفسي للعلم

إنّ الإنسان قد يُخبر عمّا لا يعلمه أو عمّا يعلم خلافه.

فنستنتج بأنّ الإخبار عن شيء قد يكون غير العلم به.

يرد عليه: إنّ العلم لا يشمل التصديق فحسب، بل يشمل التصوّرات لوحدها أيضاً، وإخبار الإنسان عمّا لا يعلمه أو عمّا يعلم خلافه هو إخبار عن مجموعة تصوّرات مع وجود نسبة بينها ـ سواء كانت هذه النسبة صحيحة أو خاطئة ـ وهذه التصوّرات والنسبة بينها من مقولة العلم.

دليل الأشاعرة على مغايرة الكلام النفسي للإرادة

الإنسان قد يأمر غيره بما لا يريد.

مثال ذلك: يأمر الأب ولده بأداء فعل معيّن، ويكون هدفه من هذا الأمر فقط اختبار ولده هل يطيعه أو لا؟

فهنا يأمر الأب ابنه بما لا يريد، وإنّما المقصود هو اختبار الولد لا القيام بالفعل.

فنستنتج بأنّ الأمر ـ وهو نوع من أنواع الكلام الإنشائي ـ قد يكون مغايراً للإرادة.

يرد عليه: هذا القسم من الأوامر ـ الأوامر الاختبارية ـ ينشأ من الإرادة أيضاً، ولكن الإرادة في هذه الأوامر لا تتعلّق بالشيء المأمور به وإنّما تتعلّق بالاختبار.

بعبارة أخرى: الأب الذي يأمر ولده بأداء فعل معيّن، ويكون قصده من ذلك هو اختبار الولد أيطيعه أم لا؟ فإنّ أمره هذا ناشئ من الإرادة أيضاً.

ولكن هذه الإرادة لم تتعلّق بأداء ذلك الفعل المعيّن.

وإنّما تعلّقت باختبار المأمور، أي: اختبار الولد.

فنستنتج بأنّ منشأ الأمر في هذه الحالة أيضاً هو الإرادة.

خصائص الكلام النفسي الإلهي عند الأشاعرة

1ـ معنىً قديم قائم بذاته تعالى.

2ـ إنّه واحد في نفسه ليس بخبر ولا أمر ولا نهي و…

3ـ لا يدخل فيه ماض ولا حاضر ولا استقبال.

4ـ إنّه غير العبارات، وحقيقته مغايرة لما له صلة بالأمور المادية.

5ـ الكلام النفسي في الإنسان حادث تبعاً لحدوث ذاته.

والكلام النفسي في الله قديم تبعاً لقدم ذاته

يرد عليه:

1ـ المعنى القائم بالذات لا يقال له كلام حقيقة، وما يسبق الكلام اللفظي عند الإنسان أيضاً فهو عبارة عن العلم بكيفية نظم الكلام أو العزم على الكلام، وجميع هذه الأمور من مقولة العلم والإرادة.

2ـ الكلام النفسي عند الإنسان متتابع ومتوال، وهو متكوّن من مجموعة تصوّرات، وأمّا الكلام النفسي الذي ينسبه الأشاعرة إلى الله تعالى بالأوصاف التي ذكروها، فهو أمر لا يمكن تعقّله، ولا طريق إلى إثباته، فكيف يصح نسبته إلى الله تعالى؟!

المبحث الخامس: قدم أو حدوث كلام الله

قال الشيخ المفيد (ره): إنّ كلام الله مُحدث، وبذلك جاءت الآثار عن آل محمّد (ع)، وعليه إجماع الإمامية[11].

أدلة حدوث كلام الله

1ـ كلام الله تعالى مركّب من حروف متتالية، متعاقبة في الوجود بحيث يتقدّم بعضها على بعض، ويسبق بعضها على بعض، ويعدم بعضها ببعض، وكلّ ما هو كذلك فهو حادث، فنستنتج بأنّ كلامه تعالى حادث.

2ـ الهدف من الكلام إفادة المخاطب، ولهذا يكون وجود الكلام قبل وجود المخاطب لغواً وعبثاً.

وقد ورد في كتاب الله عز وجل خطاباً للأنبياء (ع) والعباد، منها قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ[12].

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ[13].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ[14].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا[15].

فلو كان كلام الله تعالى قديماً لم يحسن الخطاب.

فنستنتج حدوث كلام الله تعالى.

3ـ ورد في كلام الله سبحانه وتعالى إخبار عن الماضي، من قبيل قوله عز وجل:

إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ[16].

إِنَّا أَوْحَيْنَا… إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ[17].

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ[18].

وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ[19].

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا[20].

فلو كان الكلام الإلهي قديماً، لاستلزم الكذب عليه تعالى، لأنّ الإخبار عن شيء قبل وقوعه كلام غير مطابق للواقع.

النتيجة: الكلام مفهوم منتزع من العلاقة بين الله تعالى والمخاطب.

ولهذا فهو من صفات الله الفعلية.

وبما أنّ أفعال الله تعالى كلّها حادثة، فنستنتج بأنّ كلام الله أيضاً حادث.

أضف إلى ذلك: الفرق بين صفات الله الذاتية وبين صفات الله الفعلية هو: أنّ الصفات الذاتية لا يمكن اتّصاف الله بنقيضها.

فلا يُقال: الله غير عالم، أو الله غير قادر.

أمّا الصفات الفعلية فهي ممّا يمكن اتّصاف الله بها في حال واتّصافه تعالى بنقيضها في حال آخر.

فيقال: خلق الله كذا ولم يخلق كذا.

ويقال: رزق الله فلان ولم يرزق فلان.

والكلام مثل الخلق والرزق.

فيُقال: كلّم الله تعالى موسى (ع)، ولم يكلّم فرعون.

الآيات القرآنية الدالة على حدوث كلام الله

مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ[21].

وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ[22].

والذكر هو القرآن[23]، والمحدث بمعنى الجديد، أي: إنّ القرآن أتاهم بعد الإنجيل.

وتبيّن هاتين الآيتين بصراحة بأنّ القرآن كلام الله تعالى مُحدث.

وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا [24].

فلو كان القرآن ـ وهو كلام الله ـ قديماً، لم يصح وصفه بالإذهاب والزوال.

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ[25].

و إذ ظرف زمان، والمختص بزمان معيّن مُحدَث، فنستنتج بأنّ قول الله المذكور في هذه الآية مُحدث.

وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ[26].

وما كان قبله شيء لا يكون قديماً، وهذه الآية تصرّح بأنّ كلام الله تعالى في الإنجيل قبل كلام الله في القرآن، والقبلية والبعدية من علامات الحدوث، فنستنتج بأنّ كلام الله عز وجل حادث.

بصورة عامة: وصف الله سبحانه وتعالى كلامه في القرآن الكريم بالنزول[27]، والتفريق[28]، والجمع[29]، والقراءة، والترتيل[30]، والجعل[31]، والناسخ والمنسوخ[32]، و….

وجميع هذه الأمور من صفات الأشياء الحادثة، فنستنتج بأنّ كلام الله تعالى حادث.

أحاديث أهل البيت حول حدوث كلام الله

1ـ قال الإمام أمير المؤمنين (ع): يقول تعالى لما أراد كونه كن فيكون، لا بصوت يَقرَع، ولا بنداء يُسمع، وإنّما كلامه سبحانه فعلٌ منه، أنشأه ومثّله، لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً[33].

2ـ سُئل الإمام جعفر الصادق (ع): لم يزل الله متكلّماً؟ فقال (ع): إنّ الكلام صفة مُحدَثة ليست بأزلية، كان الله عزّ وجلّ ولا متكلّم[34].

3ـ سئل الإمام جعفر الصادق (ع) أيضاً: لم يزل الله تعالى متكلّماً؟ فقال (ع): الكلام مُحدَث، كان الله عزّ وجلّ وليس بمتكلّم، ثمّ أحدث الكلام[35].

4ـ قال الإمام موسى الكاظم (ع) حول تكلّم الله عزّ وجلّ مع النبي موسى (ع) في طور سيناء حيث سمع قومه كلام الله تعالى: إنّ الله عزّ وجلّ أحدثه ـ أي: أحدث كلامه تعالى ـ في الشجرة، ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه[36].

5ـ قال الإمام موسى الكاظم (ع): الكلام غير المتكلّم وكلّ شيء سواه مخلوق[37].

6ـ قال الإمام علي الرضا (ع): التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وكلّ كتاب أُنزل، كان كلام الله، أنزله للعالمين نوراً وهدى، وهي كلّها مُحدَثة، وهي غير الله، حيث يقول: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا[38]، وقال: مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [39]، والله أحدث الكتب كلّها التي أنزلها[40].

موقف أهل البيت من فتنة القول بقدم القرآن

مرّ العالم الإسلامي في القرن الثالث بمحنة شديدة حول مسألة كون القرآن قديماً أو حادثاً، وبعبارة أخرى: مخلوقاً أو غير مخلوق، ثمّ اتّخذت هذه المسألة طابعاً غير علمي، واستغلّها البعض لتكفير مخالفيهم وسفك دمائهم.

ولهذا نجد أنّ أئمة أهل البيت (ع) منعوا أصحابهم في هذه الفترة من الخوض في هذه المسألة، واكتفوا في بياناتهم حول هذه المسألة بأنّ القرآن كلام الله عزّ وجلّ، ومن هذا الأحاديث:

1ـ سئل الإمام موسى الكاظم (ع): يابن رسول الله ما تقول في القرآن، فقد اختلف فيه من قِبَلنا، فقال قوم: إنّه مخلوق، وقال قوم: إنّه غير مخلوق؟

فقال (ع): أمّا إنّي لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكنّي أقول: إنّه كلام الله[41].

2ـ سئل الإمام علي الرضا (ع) أيضاً: ما تقول في القرآن؟ فقال (ع): كلام الله لا تتجاوزوه[42].

وبعد انقضاء فترة الفتنة بيّن أئمة أهل البيت (ع) موقفهم، وصرّحوا بحدوث القرآن، ونجد بوادر التصريح في الحديث الشريف التالي: كتب الإمام علي بن موسى الرضا (ع) إلى بعض شيعته ببغداد:

نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة وليس الخالق إلاّ الله عزّ وجلّ وما سواه مخلوق[43].

أي: كلام الله غير الله تعالى، وكلّ ما هو غير الله فهو مُحدَث، فكلام الله مُحدَث.

تنبيه

الأفضل الاجتناب عن وصف القرآن بصفة المخلوق، لأنّ المخلوق يأتي بعض الأحيان في اللغة العربية بمعنى المكذوب، والمضاف إلى غير قائله، ويُقال: هذه قصيدة مخلوقة، أي: مكذوبة على صاحبها أو مضافة إلى غير قائلها.

ومنه قوله تعالى: إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ[44]، أي: كذب.

ولهذا ينبغي الامتناع من وصف القرآن بوصف المخلوق فيما لو كان موهماً للمعنى السلبي، ويلزم ـ في هذه الحالة ـ الاقتصار على وصف القرآن بصفة الحدوث.

ولهذا نجد بأنّ أئمة أهل البيت (ع) امتنعوا بعض الأحيان من وصف القرآن بصفة المخلوق، منها:

1ـ قال الإمام جعفر الصادق (ع): القرآن كلام الله محدَث، غير مخلوق، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

كان الله عزّ وجلّ ولا شيء غير الله معروف ولا مجهول.

كان عزّ وجلّ ولا متكلّم ولا مريد، ولا متحرّك ولا فاعل.

جلّ وعزّ ربّنا، فجميع هذه الصفات مُحدَثة، عند حدوث الفعل منه.

جلّ وعزّ ربّنا، والقرآن كلام الله غير مخلوق[45].

2ـ سُئل الإمام علي الرضا (ع): يابن رسول الله، أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟ فقال (ع): ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله عزّ وجلّ[46].

المبحث السادس: صدق كلام الله

الكلام المتّصف بالصدق هو الكلام المطابق للواقع.

وضدّه الكلام المتّصف بالكذب وهو الكلام المخالف للواقع.

دليل وصفه تعالى بالصدق: الكذب قبيح، والله تعالى منزّه عن ذلك.

ومن أسباب قبح الكذب أنّه يؤدّي إلى رفع الوثوق بإخبار الله عز وجل وعدم الصدق بوعده ووعيده، فينتفي بذلك فائدة التكليف، ويترتّب على ذلك الكثير من المفاسد.

الآيات القرآنية المشيرة إلى صدق كلام الله

1ـ قوله تعالى: ومن أصدق من الله حديثاً[47].

2ـ قوله تعالى: ومن أصدق من الله قيلاً[48].

3ـ قوله تعالى: وآتيناك بالحق وانا لصادقون[49].

الاستنتاج

أن مسألة كلام الله تعالى تثير جدلاً كبيرا بين المسلمين، حيث يتفق الجميع على أن الله متكلم، لكن الاختلاف يكمن في طبيعة كلامه، وما إذا كان قديماً أو حادثاً، كما يوضح المقال مفهوم الكلام، وأنواع الكلام (اللفظي، الكتبي، والفعلي)، ويشير إلى أن كلام الله يُعتبر حادثا، مستندا إلى الأدلة القرآنية وأحاديث أهل البيت (ع)، وأن أئمة أهل البيت (ع) أكدوا على حدوث القرآن.

الهوامش

[1] انظر: الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج8 ، سنة 128، ص631.

[2] النساء، 171.

[3] الشورى، 51.

[4] البقرة، 253.

[5] النساء، 164.

[6] الأعراف، 143.

[7] آل عمران، 78.

[8] النساء، 164.

[9] القصص، 30.

[10] الصدوق، التوحيد، باب 8، ح24، ص117.

[11] المفيد، أوائل المقالات، رقم 19، ص52.

[12] المائدة، 68.

[13] الأحزاب، 2.

[14] البقرة، 21.

[15] البقرة، 104.

[16] نوح، 1.

[17] النساء، 162.

[18] يونس، 13.

[19] إبراهيم، 45.

[20] المجادلة، 1.

[21] الأنبياء، 2.

[22] الشعراء، 5.

[23] قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ـ الحجر، 9ـ أي: إنّا نزّلنا القرآن.

[24] الإسراء، 86.

[25] البقرة، 30.

[26] هود، 17.

[27] نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا. الإنسان، 23.

[28] وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ. الإسراء، 106.

[29] إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. القيامة، 17 ـ 18.

[30] وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا. الفرقان، 32.

[31] إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا. الزخرف، 3.

[32] ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها. البقرة، 106.

[33] الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطبة 186، ص368.

[34] الصدوق، التوحيد، باب 11، ح1، ص135.

[35] الطوسي، الأمالي، مجلس 6، ح282، ص168.

[36] الصدوق، التوحيد، باب 8 ، ح24، ص118.

[37] الكليني، الكافي، كتاب التوحيد، باب النهي عن الجسم والصورة، ح7، ص106.

[38] طه، 113.

[39] الأنبياء، 2.

[40] الطبرسي، الاحتجاج، احتجاجات الإمام الرضا (ع)، رقم 285، ص374.

[41] الصدوق، التوحيد، باب 30، ح5، ص219.

[42] الصدوق، التوحيد، باب 30، ح2، ص218.

[43] الصدوق، التوحيد، باب 30، ح4، ص218.

[44] ص، 7.

[45] الصدوق، التوحيد، باب 30، ح7، ص221.

[46] الصدوق، التوحيد، باب 30، ح1، ص218.

[47] النساء، 87.

[48] النساء، 122.

[49] الحجر، 64.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم.

2ـ الشريف الرضي، محمّد، نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، بيروت، الطبعة الأُولى، 1387 ه‍.

3ـ الصدوق، محمّد، التوحيد، تصحيح وتعليق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، بلا تاريخ.

4ـ الطبرسي، أحمد، الاحتجاج، النجف، دار النعمان، طبعة 1386 ه‍.

5ـ الطبري، محمّد، تاريخ الأُمم والملوك، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الرابعة، 1403 ه‍.

6ـ الطوسي، محمّد، الأمالي، قم، دار الثقافة، الطبعة الأُولى، 1414 ه‍.

7ـ الكليني، محمّد، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.

8ـ المفيد، محمّد، أوائل المقالات في المذاهب المختارات، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ه‍.

مصدر المقالة (مع تصرف)

الحسون، علاء، التوحيد عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، مركز بحوث الحج، الطبعة الأُولى، 1432ه‍.