إنّ صديقك يُعبِّر عن شخصيّتك، فعندما يعرف الناس شخصية صديقك يعرفوك، وعندما يعرفونك يعرفون شخصية صديقك.. والحكمة تقول: صديق المرء شريكه في عقله.. فالإنسان يألف الناس الذين يماثلونه ويتقاربون معه في الأخلاق والسلوك والأفكار..
لذلك جاء في الحديث النبوي الشريف:«المرأ على دين خليله، فلينظر أحدكم مَنْ يُخالِل».
فالصّداقة هي التقاء نفسي وفكري يربط بين الأشخاص، ويوحِّد المشاعر والعواطف بينهم..
والقرآن يوضِّح أنّ الاُخوة والعلاقات الأخوية التي تكون بين الأشخاص على أساس الهدى والصّلاح هي ألفة ومحبّة بين القلوب، وترابط بين المشاعر والنفوس، واعتبر هذه الاُخوّة والمحبّة، نعمة كبيرة على الانسان..
قال تعالى موضِّحاً هذه العلاقة:
(واذكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم إذْ كُنْتُم أعْداءً فأ لّف بَينَ قُلُوبِكُم فأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخواناً) (آل عمران/ ۱۰۳).
وقال تعالى: (لَوْ أنْفَقْتَ ما في الأرْضِ جَميعاً ما ألّفتَ بينَ قُلوبِهِم ولكنّ الله ألّفَ بَيْنهم) (الأنفال/ ۶۳).
وهذا التحلـيل النفسي لعلاقة الاُخوّة والمحبّة التي تنشأ بين الأشخاص، على أساس الإيمان والإرتباط السّليم، هي اُخوّة صادقة ونزيهة، لايشوبها الغشّ أو المطامع.. والتجربة الاجتماعية والإحصاءات التي تسجِّلها دوائر إحصاء الجريمة توضِّح لنا أنّ أصدقاء السّوء ليسوا أصدقاء، بل أعداء.. فكم جرّت الصّداقات السيِّئة من كوارث ومآسي، وسمعة سيِّئة على الأشـخاص الذين كانوا أبرياء، ولكنّهم تلوّثوا بمخالطتهم لأصدقاء السّوء.. وأصبحوا مجرمين، أو شملتهم الجريمة، وسوء السمعة لعلاقتهم بأصدقاء السّوء.. ويحذِّرنا القرآن من أصدقاء السّوء، لينقذنا من النّدم بعد فوات الأوان.
قال تعالى : (الأخلّاءُ يَومَئِذ بَعْضُهُم لِبَعْض عَدُوّ إلّا المتّقين) (الزّخرف/ ۶۷).
وعرض القرآن الكريم أمامنا قول الصّاحب النادم على صحبته، درساً وموعظة لنا.. عرض هذا المشهد من تحوّل الصّحبة إلى عداوة وكراهية، وتمنِّي البُعْد عن قرين السّوء، بعد أن كان يبتغي القرابة والعيش معه..(قالَ يا لَيْتَ بيني وبينكَ بُعد المشرقين فبِئْسَ القَرين) (الزّخرف/ ۳۸).
وإذاً فاختيار الصّديق هو في حقيقته اختيار لنوع شخصيّتنا وسمعتنا في المجتمع، وربّما لمصيرنا في المستقبل.. فكم من اناس أصبحوا صالحين وناجحين في حياتهم بسب أصدقائهم، وكم من أناس خسروا حياتهم، وتحمّلوا الأذى والمشاكل المعقّدة بسبب أصدقائهم..
إنّ من الخطأ أن نكوِّن علاقات مع أشخاص لا نعرف طبيعتهم، وسلوكهم.. فقد نُخدَع بمظاهرهم الشكلية، وبأقوالهم المزخرفة، أو بهداياهم ومساعداتهم الخدّاعة، ثمّ نقع في الشراك، فيتعـذّر علينا الافلات منها..
إنّ الشخص الذي نتّخذه صـديقاً وأخاً لنا في الحياة، يجب أن نختاره بعناية كبيرة، وبعد المعرفة لشخصيّته، من خلال علاقات الدراسة في المدرسة، أو في المسجد، أو عيشه معنا في المنطقة السكنية، أو في العمل، وربّما نصادف أشخاصاً في السّفر، واُناساً يعرِّفون أنفسهم بالمراسلة فتتكوّن بيننا وبينهم علاقات صداقة وروابط.. وهذا اللّون من العلاقات يجب أن نتأكّد منه، ونتعرّف عليه بشكل جيِّد.. فإنّ مثل هؤلاء الأشخاص غير واضحين لدينا في بداية العلاقة والتعارف..