ما هي معاني مراتب الفعل الإلهي؟ وما دلالة إرادة الله وأقسامها؟ وما مفهوم مشيئة الله وخصائصها؟ هذه الأسئلة هي محور النقاش الذي تتناوله المقالة، حيث تسلط الضوء على تلك البحوث المهمة، كما تبرز الأحاديث الشريفة لأهل البيت (ع) التي تتناول موضوع حدوث المشيئة، وتستند إلى الآيات القرآنية التي تشير إلى إرادة الله التكوينية والتشريعية.
المبحث الأوّل: مراتب صدور الفعل من الله
1ـ العلم
2ـ المشيئة
3ـ الإرادة
4ـ القدر
5ـ القضاء
6ـ الإمضاء
حديث شريف: قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع): عَلِم وشاء وأراد وقدّر وقضى وأمضى … بعلمه كانت المشيئة، وبمشيئته كانت الإرادة، وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء،
وبقضائه كان الإمضاء، والعلم متقدّم على المشيئة، والمشيئة ثانية، والإرادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء…
فبالعلم علم الأشياء قبل كونها، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها، وأنشأها قبل إظهارها، وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها، وبالتقدير قدّر أقواتها، وعرّف أوّلها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها، ودلّهم عليها، وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها، وذلك تقدير العزيز العليم[1].
معنى مراتب الفعل الإلهي
قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع): … لا يكون إلاّ ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى.
ثمّ عرّف الإمام علي الرضا (ع) هذه المراحل كما يلي:
المشيّة: الذكر الأوّل.
الإرادة: العزيمة على ما شاء.
القدر: وضع الحدود.
القضاء: إقامة العين[2].
وفي حديث آخر عن الإمام الرضا (ع):
المشيّة: همّه بالشيء.
الإرادة: إتمامه على المشيّة.
القدر: الهندسة من الطول والعرض والبقاء.
ثمّ قال الإمام الرضا (ع): إنّ الله إذا شاء شيئاً أراده، وإذا أراده قدّره، وإذا قدّره قضاه، وإذا قضاه أمضاه[3].
وجاء في حديث آخر عن الإمام الرضا (ع):
المشيّة: ابتداء الفعل.
الإرادة: الثبوت عليه.
القدر: تقدير الشيء من طوله وعرضه.
وإذا قضى أمضاه، فذلك الذي لا مردّ له[4].
وجاء في حديث آخر عن الإمام الرضا (ع):
المشيّة: الاهتمام بالشيء.
الإرادة: إتمام ذلك الشيء[5].
المبحث الثاني: معنى وأقسام مشيئة الله
معنى المشيئة: المشيئة عبارة عن الاهتمام بفعل تمهيداً للقصد والميل القاطع نحو ذلك الفعل.
أقسام مشيئة الله
1ـ مشيئة حتمية (مشيّة حتم).
2ـ مشيئة غير حتمية (مشيّة عزم).
حديث شريف: قال رسول الله (ص): إنّ لله مشيّتين: مشيّة حتم، ومشيّة عزم…[6].
المبحث الثالث: خصائص مشيئة الله
1- العلم الإلهي بوجود الحكمة والمصلحة في فعل معيّن هو الذي يدعو الله إلى مشيئة هذا الفعل.
فالمشيئة ـ في الواقع ـ منبعثة من العلم، ولكن لا يمكن القول بأنّ هذا العلم هو المشيئة؛ لأنّ ماهية العلم غير ماهية المشيئة.
ولهذا جاز القول: إن شاء الله.
ولم يجز القول: إن علم الله.
2ـ إنّ مشيئة الله مُحدثة، وهي من صفات الله الفعلية.
أحاديث أهل البيت حول حدوث المشيئة
قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع): المشيئة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد[7].
قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع): المشيئة مُحدثة[8].
وعن الإمام جعفر الصادق (ع): خلق المشيّة قبل الأشياء، ثمّ خلق الأشياء بالمشيّة[9].
وعن الإمام الصادق (ع): خلق الله المشيئة بنفسها، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة[10].
تنبيه: ذكر العلاّمة المجلسي (ره) في بيان معنى خلق الله المشيئة بنفسها عدّة وجوه، منها[11]:
أوّلاً: أن يكون المشيئة بنفسها كناية عن كونها لازمة لذاته تعالى غير متوقّفة على تعلّق إرادة أُخرى بها، فيكون نسبة الخلق إليها مجازاً عن تحقّقها بنفسها منتزعة عن ذاته تعالى بلا توقّف على مشيئة أخرى.
ثانياً: لمّا كان ههنا مظنّة شبهة هي أنّه إن كان الله عزّ وجلّ خلق الأشياء بالمشيئة فبمَ خلق المشيئة، أبمشيئة أخرى؟ فيلزم أن تكون قبل كلّ مشيئة مشيئة إلى ما لا نهاية له.
فأفاد الإمام الصادق (ع): أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيئة، وأمّا المشيئة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيئة أُخرى بل هي مخلوقة بنفسها….
نظير ذلك:
1- إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود، فأمّا الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر، بل إنّما يوجد بنفسه.
2- الشهوة في الحيوان مشتهاة لذاتها، لذيذة بنفسها، وسائر الأشياء مرغوبة بالشهوة.
المبحث الرابع: معنى الارادة لغة واصطلاحاً
معنى الإرادة في اللغة
الإرادة هي القصد والميل القاطع نحو الفعل.
معنى الإرادة في الاصطلاح العقائدي
الإرادة صفة توجب ترجيح أحد طرفي ما يقع في دائرة القدرة.
توضيح ذلك: من يمتلك القدرة يكون بين أمرين:
1ـ إجراء القدرة (ترجيح جانب الفعل).
2ـ عدم إجراء القدرة (ترجيح جانب الترك).
وترجيح أحد هذين الأمرين يحتاج إلى مخصّص.
وهذا المخصّص هو الإرادة.
أضف إلى ذلك: يجد كلّ من يمتلك القدرة على الفعل أنّه قادر على أن:
1ـ تصدر منه بعض الأفعال دون البعض الآخر.
2ـ تصدر منه الأفعال في وقت دون غيره من الأوقات.
3ـ تصدر منه الأفعال بصورة وكيفية دون صورة وكيفية أخرى.
فلابدّ من أجل صدور الفعل ـ في وقت دون غيره وبصورة دون أخرى ـ إلى مخصّص، وهذا المخصّص هو الذي يطلق عليه الإرادة.
تنبيه: لا يخفى بأنّنا لا يمكننا اعتبار القدرة من الأمور:
1ـ المخصّصة والمرجّحة لأحد طرفي الفعل والترك.
2ـ المتمكّنة من تخصيص الفعل بوجه دون غيره وبوقت دون غيره.
لأنّ القدرة شأنها الإيجاد فقط، وليس من شأنها التخصيص.
المبحث الخامس: أقسام ارادة الله
1ـ إرادة الله لأفعال الإنسان الاختيارية، وتسمّى هذه الإرادة: الإرادة التشريعية.
2ـ إرادة الله تعالى لأفعال نفسه، وتسمّى هذه الإرادة: الإرادة التكوينية.
مثال إرادة الله التشريعية في القرآن الكريم: قول الله تعالى: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ[12].
إرادة الله هنا إرادة تشريعية، أي: طلب الله من مخاطبيه في هذه الآية أن يكونوا قوّامين بالقسط.
مثال إرادة الله التكوينية في القرآن الكريم: قول الله تعالى: كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ[13].
إرادة الله هنا إرادة تكوينية، ولهذا انقلب أصحاب السبت بعد هذا الخطاب إلى قردة خاسئين.
المقارنة بين الإرادتين في هاتين الآيتين:
لو أراد الله عز وجل أن يكون مخاطبيه في قوله تعالى: كونوا قوامين بالقسط، كما أراد الله تعالى أن يكون مخاطبيه في قوله تعالى: كونوا قردة خاسئين، لكانوا كلّهم قوّامين بالقسط شاؤوا أم أبوا، ولكنّه لو فعل ذلك ما استحقّوا أجراً ولا ثواباً إزاء طاعتهم، ولهذا أراد الله أن يكون مخاطبيه من العباد المكلّفين قوّامين بالقسط باختيارهم، فتكون الإرادة في هذه الآية مغايرة للإرادة في الآية الأخرى.
دليل وجود إرادة الله التشريعية ـ أي: دليل كونه تعالى مريداً لبعض أفعال عباده ـ: أمر الله العباد ببعض الأفعال، فيلزم ذلك أنّه يريد قيامهم بهذه الأفعال؛ لأنّ الحكيم لا يأمر إلاّ بما يريد.
دليل وجود إرادة الله التكوينية ـ أي: دليل كونه تعالى مريداً لأفعال نفسه ـ:
1ـ إنّ الله تعالى صدرت منه بعض الأفعال دون غيرها.
وصدرت منه تعالى الأفعال في أوقات دون غيرها.
وصدرت منه تعالى الأفعال بصورة وكيفية دون غيرها.
وهذا يدل على لزوم وجود مخصّص قام بتحديد وقوع هذه الأفعال، وجعلها تقع في أوقات معيّنة وبصورة وكيفية خاصّة.
وهذا المخصّص هو الإرادة، فثبت كونه سبحانه وتعالى مريداً لأفعال نفسه.
2ـ يتضمّن كلام الله عز وجل أوامر ونواهي وإخبارات و…
ولا يقع الكلام على أحد هذه الوجوه إلاّ بعد إرادته تعالى له، وهذه الإرادة هي التي تخصّص كلام الله ليكون أمراً أو نهياً أو إخباراً و… ولولا كونه تعالى مريداً لما وقع منه الأمر أمراً ولا الخبر خبراً، فوقوع الكلام على إحدى هذه الوجوه يدل على كونه تعالى مريداً.
معنى إرادة الله التشريعية
أي: معنى إرادة الله تعالى لأفعال الإنسان الاختيارية: إرادة الله لأفعال عباده تعني أنّه تعالى يطلب منهم أداء هذه الأفعال على وجه الاختيار ـ لا على نحو الحتم والإجبار والاضطرار ـ.
حديث شريف: قال الإمام علي الرضا (ع) حول إرادة الله تعالى ومشيئته في أفعال العباد: أمّا الطاعات فإرادة الله ومشيّته فيها الأمر بها، والرضا لها، والمعاونة عليها، وإرادته ومشيّته في المعاصي النهي عنها، والسخط لها، والخذلان عليها[14].
معنى إرادة الله التكوينية
أي: معنى إرادة الله لأفعال نفسه:
الرأي الأوّل: تفسير الإرادة بتنزيه الأفعال عن السهو والعبث.
ذهب البعض إلى أنّ المقصود من وصفه تعالى بأنّه مريد بيان هذه الحقيقة بأنّه تعالى منزّه في أفعاله عن صفة الساهي والعابث، وبيان أنّه غير مغلوب ولا مستكره في أفعاله.
يلاحظ عليه: يبيّن هذا المعنى أوصافاً ملازمة لمعنى الإرادة، ولا تعتبر هذه الأوصاف معنىً للإرادة نفسها.
الرأي الثاني: تفسير الإرادة بالعلم.
الإرادة هي علم الله الموجب لإيجاد فعل معيّن بسبب اشتمال ذلك الفعل على مصلحة داعية إلى إيجاده.
بعبارة أخرى: معنى كونه تعالى مريداً، أي: عالماً بأنّ المصلحة والحكمة تقتضي صدور هذا الفعل منه بصورة محدّدة ووقت معيّن، فيدعوه هذا العلم إلى إيجاد هذا الفعل بتلك الصورة وفي ذلك الوقت دون غيره.
توضيح ذلك: إنّ علم الله بوجود المصلحة في صدور فعل معيّن هو الذي يدعو الله إلى إيجاده، فيوجد الفعل بصورة دون غيرها وفي الوقت دون غيره لعلمه تعالى بأنّ هذا الفعل يشتمل على المصلحة في تلك الصورة وذلك الوقت دون غيره.
تفصيل ذلك: الإرادة ـ كما ورد في تعريفها ـ عبارة عن مخصّص.
ويقوم هذا المخصّص بعملية تحديد الفعل وزمانه وكيفية وقوعه.
وبيان ذلك: من يمتلك القدرة يكون بين أمرين:
1ـ إجراء القدرة (ترجيح جانب الفعل).
2ـ عدم إجراء القدرة (ترجيح جانب الترك).
ويقتضي إجراء القدرة إلى:
1ـ تحديد الحالة؛ لأنّ الفعل يمكنه أن يتّصف بحالات كثيرة.
2ـ تحديد الوقت؛ لأنّ الفعل لابدّ أن يتحقّق في وقت دون وقت.
وتخصيص الفعل بحالة دون غيرها وبوقت دون غيره يحتاج إلى مخصّص، وهذا المخصّص عبارة عن علمه تعالى بالفعل والوجه والوقت المشتمل على المصلحة، فيكون هذا العلم سبباً لصدور الفعل وتخصيصه بوجه دون وجه ووقت دون وقت، فيكون هذا العلم هو الإرادة.
تنبيهات
1- ليس المقصود من العلم في هذا المقام العلم المطلق؛ لأنّ الله تعالى يعلم بعلمه المطلق كلّ شيء، ولكنّه لا يريد كلّ شيء.
وإنّما المقصود هو العلم الخاص، وهو العلم باشتمال بعض الأفعال على الخير والمصلحة.
2- لا يخفى بأنّ المصلحة التي تدعو الله إلى الفعل ترجع إلى العباد ولا ترجع إلى الله عزّ وجلّ، لأنّ الله تعالى غني بالذات، وهو منزّه عن الاحتياج.
3- تكون الإرادة ـ وفق هذا المعنى ـ من صفات الله الذاتية؛ لأنّ مرجعها هو العلم، والعلم من صفات الله الذاتية، فتكون الإرادة من صفات الله الذاتية.
4- يعود سبب القول بهذا المعنى إلى الهروب من توصيف الله بأمر حادث يستلزم الفعل والانفعال كما هو الحال في الإرادة الإنسانية.
مناقشة الرأي الثاني (تفسير الإرادة بالعلم)
1- لا يوجد شك في أنّ الله تعالى عالم بذاته وعالم بالأفعال التي يؤدّي فعلها إلى فعل الأصلح والأنفع، ولكن تفسير الإرادة بالعلم يؤدّي إلى إنكار حقيقة الإرادة، ويؤدّي إلى القول بأنّ الله تعالى موجود غير إرادي يعمل وفق البرمجة المسبقة الكامنة في ذاته، والله تعالى منزّه عن ذلك.
2- الإرادة صفة مخصّصة لأحد المقدورين، أي: الفعل والترك، وهذه الصفة مغايرة للعلم.
دليل ذلك: مفهوم العلم يختلف عن مفهوم الإرادة.
والعلم على رغم كونه مخصّصاً لأحد الطرفين، ولكن لا يصح تسميته بالإرادة وإن اشترك مع الإرادة في النتيجة، وهي تخصيص الفاعل قدرته بأحد الطرفين.
لأنّ الاشتراك في النتيجة لا يوجب أن يقوم العلم مقام الإرادة.
وما يمكن قوله: إنّ العلم من الأمور القريبة للإرادة.
والإرادة من الأمور القريبة للفعل.
3- سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع): لم يزل الله مريداً؟ فقال الصادق (ع): إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه، لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد[15].
ويدل هذا الحديث بصورة واضحة على أنّ الإرادة غير العلم و القدرة.
4ـ سأل أحد الأشخاص الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع): علم الله ومشيئته هما مختلفان أو متّفقان؟
فقال الصادق (ع): العلم ليس هو المشيئة، ألا ترى أنّك تقول: سأفعل كذا إن شاء الله، ولا تقول: سأفعل كذا إن علم الله، فقولك: إن شاء الله دليل على أنّه لم يشأ فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء. وعلم الله سابق للمشيئة[16].
تنبيه: لا يصح القول بأنّ حقيقة إرادة الله نفس علم الله بذريعة أنّ صفات الله الذاتية عين ذاته.
دليل ذلك: ليس المقصود من كون صفات الله الذاتية عين ذاته إرجاع مفهوم كلّ واحدة من هذه الصفات إلى الأخرى، وأن يقال ـ على سبيل المثال ـ علمه قدرته، وقدرته حياته و…؛ لأنّ لازم ذلك إنكار جميع هذه الصفات، بل المقصود إثبات حقيقة بسيطة اجتمعت فيها الحياة والعلم والقدرة من دون أن يحدث في الذات تكثّر وتركّب.
النتيجة: الإرادة صفة غير العلم،: وهي صفة زائدة على ذاته تعالى.
الرأي الثالث حول معنى إرادة الله تعالى لأفعال نفسه: تفسير الإرادة بالخلق والإيجاد
إرادة الله لشيء تعني نفس عملية الخلق والإيجاد لذلك الشيء.
فعندما نقول: أراد الله شيئاً، أي: خلقه وأوجده.
وعندما نقول: أراد الله كذا ولم يرد كذا، أي: فعل كذا ولم يفعل كذا.
قال الله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ[17].
قال الشيخ المفيد (ره): إنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله،… وبهذا جاءت الآثار عن أئمة الهدى من آل محمّد[18].
حديث شريف: قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع): الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل. وأمّا من الله عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غير ذلك؛ لأنّه لا يروّي[19]، ولا يهمّ ولا يتفكّر، وهذه الصفات منفية عنه، وهي من صفات الخلق.
فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك.
يقول له: كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان، ولا همّة، ولا تفكّر، ولا كيف لذلك، كما أنّه بلا كيف[20].
الآيات القرآنية المشيرة إلى إرادة الله التكوينية
1ـ قول الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ[21].
2ـ قول الله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ[22].
3ـ قول الله تعالى: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ[23].
4ـ قول الله تعالى: إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ[24].
5- قول الله تعالى: قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا[25].
الآيات القرآنية المشيرة إلى إرادة الله التشريعية
1ـ قول الله تعالى: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[26].
2ـ قول الله تعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا[27].
أقسام إرادة الله التكوينية
1ـ زمن صدور الإرادة وتحقّقها واحد.
أي: تصدر الإرادة الآن لتتحقّق في نفس وقت صدورها ـ ومعنى صدورها نفس تحقّقها في الواقع الخارجي ـ.
مثال ذلك قول الله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ[28].
2ـ زمن صدور الإرادة وتحقّقها مختلف.
أي: تصدر الإرادة الآن لتتحقّق في المستقبل ـ ومعنى صدورها تسجيلها في اللوح المحفوظ أو لوح المحو والإثبات ـ.
وتنقسم هذه الإرادة إلى قسمين:
1- إرادة حتم (الإرادة الحتمية): وهي الإرادة التي لا يطرء عليها تغيير، ولابدّ من تحقّقها في المستقبل.
2- إرادة عزم (الإرادة غير الحتمية): وهي الإرادة التي قد يطرء عليها تغيير، فيعتريها البداء ولا تتحقّق في المستقبل.
قال رسول الله (ص): إنّ لله إرادتين: إرادة حتم وإرادة عزم، إرادة حتم لا تخطىء، وإرادة عزم تخطىء وتصيب[29]…[30].
الاستنتاج
أن مراتب الفعل الإلهي تتضمن العلم، المشيئة، إرادة الله، القدر، القضاء، والإمضاء، كما تُعرّف المقالة المشيئة على أنها الاهتمام بفعل معين، وتنقسم إلى مشيئة حتمية وغير حتمية، مما يعكس مرونة الإرادة الإلهية، بالإضافة إلى ذلك، توضح أن إرادة الله تتضمن نوعين: الإرادة التشريعية المتعلقة بأفعال الإنسان، والإرادة التكوينية التي تشمل أفعال الله، كما تبرز الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة أهمية هذه المفاهيم في فهم الفعل الإلهي وتأثيره في الكون.
الهوامش
[1] الكليني، الكافي، ج1، كتاب التوحيد، باب البداء، ح16، ص148.
[2] الكليني، الكافي، ج1، كتاب التوحيد، باب الجبر والقدر، ح4، ص158.
[3] المجلسي، بحار الأنوار، ج5، ب3، ح69، ص122.
[4] المجلسي، بحار الأنوار، ج5، ب3، ح68، ص122.
[5] المجلسي، بحار الأنوار، ج5، ب3، ح75، ص126.
[6] المجلسي، بحار الأنوار، ج5، ب3، ح73، ص124.
[7] الصدوق، التوحيد، باب 55، باب المشيئة والإرادة، ح5، ص329.
[8] الكليني، الكافي، ج1، كتاب التوحيد، باب الإرادة…، ح7، ص110.
[9] الصدوق، التوحيد، باب 55، باب المشيئة والإرادة، ح8 ، ص330.
[10] الكليني، الكافي، ج1، كتاب التوحيد، باب الإرادة…، ح4، ص110.
[11] المجلسي، بحار الأنوار، ج4، ب4، ذيل ح20، ص145.
[12] النساء، 165.
[13] البقرة، 65.
[14] المجلسي، بحار الأنوار، ج5، ب1، ح18، ص12.
[15] الكليني، الكافي، ج1، كتاب التوحيد، باب الإرادة أنّها من صفات الفعل، ح1، ص109.
[16] الصدوق، التوحيد، باب 11، ح16، ص142.
[17] النحل، 85.
[18] المفيد، أوائل المقالات، القول 19، ص53.
[19] روّى في الأمر: نظر فيه وتفكّر.
[20] الصدوق، التوحيد، باب 11، ح17، ص142.
[21] يس، 82.
[22] النحل، 40.
[23] الرعد، 11.
[24] الزمر، 38.
[25] المائدة، 17.
[26] الأنفال، 67.
[27] النساء، 27.
[28] يس، 82.
[29] أي: إرادة عزم قد لا تقع وقد تقع.
[30] المجلسي، بحار الأنوار، ج5، ب3، ح73، ص124.
مصادر البحث
1ـ القرآن الكريم.
2ـ الصدوق، محمّد، التوحيد، تصحيح وتعليق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، بلا تاريخ.
3ـ الكليني، محمّد، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.
4ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
5ـ المفيد، محمّد، أوائل المقالات في المذاهب المختارات، بيروت، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
الحسون، علاء، التوحيد عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، مركز بحوث الحج، الطبعة الأُولى، 1432ه.