مرجعية الإمام علي (ع) العلمية لم تأت من فراغ وإنما من دراسة مستفيضة تلقاها عن رسول الله (ص) وتلقاها رسول الله (ص) عن الوحي، ولهذا فلا غرابة إذا ترقى علمه ليكون عالماً بالكتب السماوية التي سبقت القرآن الكريم، وممّا جاء في قوله ـ وهو الصادق : (والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم) .
وقد اعترف الصحابة بأعلميته وبمرجعيته من خلال معايشتهم له واطلاعهم على علمه وعلى دوره في الحكم على الأفكار والقضايا والأحداث، وهذا الاعتراف شهادة واقعية على هذه المرجعية.
عمر ابن الخطاب : (عليّ أعلم الناس بما أنزل الله على محمّد) .
عائشه بنت ابی بکر: (عليّ أعلم الناس بالسنة) .
عبد الله بن مسعود: (إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ له ظهر وبطن وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن) .
عبد الله بن عبّاس: (كنّا نتحدث أنّ النبي (ص) عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهده إلى غيره) .
وقال: (إذا حدّثنا ثقة عن عليّ بفتيا لا نعدوها).
وفي مجال القضاء كان عليّ أقضى الأمة بشهادة الخليفة الثاني حيث يقول: (عليّ أقضانا) .
وقد روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله (ص) أنّه قال: (أقضى هذه الأمة علي)(1) .
وبأعلميته اعترف الشعبي وهو القائل: (ما كان أحد من هذه الأمة أعلم بما بين اللوحين وبما اُنزل على محمّد من عليّ)(2).
وعن قيس بن أبي حازم قال: كنت بالمدينة فبينا أنا أطوف في السوق إذ بلغت أحجار الزيت فرأيت قوماً مجتمعين على فارس قد ركب دابة وهو يشتم علي بن أبي طالب والناس وقوف حواليه إذ أقبل سعد بن أبي وقاص فوقف عليهم فقال: ما هذا؟ فقالوا: رجل يشتم علي بن أبي طالب، فتقدم سعد فأفرجوا له حتى وقف عليه، فقال: يا هذا علام تشتم علي بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من صلى مع رسول الله (ص)؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟(3) .
وقال معاوية لضرار: يا ضرار؛ صف لي علياً، قال: أعفني، قال: لتصفنّه، قال: (أما إذ لابد من وصفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه…)(4) .
وفي مرجعيته العلمية قال ابن أبي الحديد المدائني: قد عرفت أنّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي، لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف العلوم، ومن كلامه (ع) اقتبس، وعنه نقل، وإليه انتهى، ومنه ابتدأ فانّ المعتزلة تلامذته وأصحابه… والأشعرية ينتهون إلى أستاذ المعتزلة ومعلّمهم، وهو علي بن أبي طالب (ع).
وأما الإمامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر.
ومن العلوم: علم الفقه؛ وهو (ع) أصله وأساسه، وكلّ فقيه في الإسلام فهو عيال عليه، ومستفيد من فقهه؛ أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمّد وغيرهما، فأخذوا عن أبي حنيفة، وأما الشافعي فقرأ على محمّد بن الحسن، فيرجع فقهه أيضاً إلى أبي حنيفة؛ وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد (ع) وقرأ جعفر على أبيه (ع) وينتهي الأمر إلى عليّ (ع)، وأما مالك بن أنس فقرأ على ربيعة الرأي، وقرأ ربيعة على عكرمة، وقرأ عكرمة على عبد الله بن عبّاس، وقرأ عبد الله بن عبّاس على عليّ بن أبي طالب.
وأيضاً فإنّ فقهاء الصحابة كعمر بن الخطاب وعبد الله بن عبّاس، وكلاهما أخذ عن عليّ (ع) أما ابن عبّاس، فظاهر، وأمّا عمر فقد عرف كل احدٍ رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة…
ومن العلوم: علم تفسير القرآن، وعنه أُخذ، ومنه فرّع، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمتَ صحة ذلك؛ لأنّ أكثره عنه وعن عبد الله بن عبّاس، وقد علم الناس حال ابن عبّاس في ملازمته له، وانقطاعه إليه، وانّه تلميذه، وقيل له: أين علمك من علم ابن عمّك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ المناقب: 2/ 41.
[2] ـ شواهد التنزيل 30:1 .
[3] ـ المستدرك على الصحيحين 3: 499.
[4] ـ الاستيعاب 3: 1107.
الكاتبة: شذى الخفاجي